بين ليلة وضحاها، تحولت البورصة المصرية من الحصان الرابح بين أسواق منطقة الشرق الأوسط إلى أعنف خسائر تشهدها البورصة منذ ثورة يناير (كانون الثاني) من العام 2011، وذلك بعدما سجلت أعلى مستوى في تاريخها بعد قرار تعويم الجنيه المصري مقابل الدولار وتحرير سوق الصرف بشكل كامل في بداية نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 2016.
وفيما تشير أصابع الاتهام إلى الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها البلاد يوم الجمعة الماضي، لكن المتعاملين يرون أن هناك أصابع خفية تتلاعب في السوق بشكل كبير لتدفعه إلى خسائر وتراجعات مرعبة خلال الجلسات الأخيرة.
لكن إدارة البورصة المصرية، وعلى الرغم من الخسائر، التزمت الصمت ولم تتدخل سوى وفق اللوائح والإجراءات المنظمة لسوق المال المصري، حيث تتدخل عندما تتجاوز الخسائر الحدود المسموح بها عند مستوى 5 بالمئة لتوقف التداول، فيما تشهد الجلسة الواحدة إيقاف تداول أكثر من 70 بالمئة من الأسهم المدرجة لمدة نصف ساعة بسبب تجاوزها نسبة الخسائر المحددة.
أكبر موجة خسائر منذ العام 2011
على صعيد التعاملات في البورصة، ومنذ أعلى مستوى بلغته البورصة المصرية في جلسة 26 أبريل (نيسان) من العام 2018، وحتى نهاية تعاملات أمس الثلاثاء، خسر رأس المال السوقي لأسهم الشركات المدرجة نحو 333.8 مليار جنيه (20.55 مليار دولار) بنسبة تراجع تقدر بنحو 33.18 بالمئة بعدما تراجع رأس المال السوقي إلى مستوى 672.2 مليار جنيه (41.39 مليار دولار) بنهاية تعاملات أمس، مقابل نحو 1006 مليار جنيه (61.94 مليار دولار) في إغلاق على أعلى مستوى سجلته البورصة منذ قرار تعويم الجنيه وتحرير سوق الصرف، وربما هي الخسائر الأعلى منذ العام 2011.
وخلال هذه الفترة، هوى المؤشر الرئيس "إيجي إكس 30" بنسبة 28.27 بالمئة فاقداً نحو 5193 نقطة، بعدما تراجع من مستوى 18363 نقطة في إغلاق أعلى مستوى بلغه منذ قرار التعويم، إلى مستوى 13170 نقطة في إغلاق تعاملات جلسة أمس الثلاثاء ليسجل بذلك أدنى مستوى منذ أبريل (نيسان) من العام الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتراجع مؤشر الأسهم الصغيرة والمتوسطة "إيجي إكس 70" بنسبة 44.29 بالمئة فاقداً نحو 384 نقطة، بعدما هوى من مستوى 867 نقطة إلى مستوى 483 نقطة بنهاية تعاملات جلسة أمس الثلاثاء.
وامتدت الخسائر العنيفة إلى المؤشر الأوسع نطاقاً "إيجي إكس 100"، الذي هوى بنسبة 43.56 بالمئة فاقداً نحو 998 نقطة، بعدما نزل من مستوى 2291 نقطة في أعلى إغلاق سجله في أبريل (نيسان) من العام الماضي إلى مستوى 1293 نقطة في نهاية تعاملات أمس الثلاثاء.
خسائر عنيفة للجلسة الثالثة على التوالي
خلال جلسة أمس الثلاثاء، عمّقت البورصة المصرية من خسائرها لليوم الثالث على التوالي لتبدد مكاسب 2019. حيث تسارعت وتيرة الموجة البيعية الحادة التي ضربت البورصة منذ بداية الأسبوع الحالي لتهدر مكاسب المؤشر الرئيس للبورصة في 2019، وسط مخاوف المستثمرين من تصاعد الاحتجاجات السياسية.
وأغلق مؤشر البورصة الرئيس تعاملات الثلاثاء على تراجع للجلسة الثالثة على التوالي بنحو 4.2 بالمئة، ليعمق خسائر جلسة الاثنين التي هبط خلالها 1.5 بالمئة، وجلسة الأحد التي هوى خلالها بنسبة 5.32 بالمئة.
وقد سجل المؤشر الرئيس هذا الأسبوع أكبر موجة من الخسائر منذ نحو 4 سنوات، وربما يكون التراجع الأكبر منذ عام 2011، إذا واصلت البورصة هذا الأداء خلال جلستي الأربعاء والخميس.
ضغوط ثقيلة على الأسهم ذات الوزن النسبي الأعلى
وأسهمت الضغوط البيعية على الأسهم ذات الوزن النسبي الأعلى في رفع حدة عمليات البيع، حيث واجهت الأسهم ذات الوزن النسبي الأعلى بالمؤشر الرئيس ضغوطا بيعية خلال جلسة الثلاثاء، وهو ما هوى بالمؤشر على هذا النحو، لا سيما سهم البنك التجاري الدولي، صاحب الوزن النسبي الأكبر بين أسهم المؤشر الرئيس، والذي هبط بنسبة 5.2 بالمئة، كما خسر سهم الشرقية للدخان 7 بالمئة.
وعمّقت أسهم شركات البتروكيماويات والعقارات والمواد الأساسية خسائرها أيضا، إذ هبط سهم الحديد والصلب المصرية بنسبة 6.7 بالمئة، وحديد عز بنسبة 6.7 بالمئة، وسهم شركة الصناعات الكيماوية المصرية (كيما) بنسبة 5.9 بالمئة. وكان سهم القلعة أكبر الخاسرين بين مكونات المؤشر الرئيس بانخفاض قدره 7.4 بالمئة.
السندات الدولارية تواصل خسائرها لليوم الثاني
في سياق متصل، واصلت السندات الدولارية التي تصدرها الحكومة المصرية خسائرها لليوم الثاني على التوالي، وتراجعت السندات الأطول أجلا بالقدر الأكبر بأكثر من سنت، وهو أدنى مستوى لها في قرابة شهر، وفقا للبيانات التي أعلنتها شركة "رفينيتيف".
وعلاوة على ذلك، واصل الجنيه المصري التراجع أمام الدولار في سوق العقود الآجلة غير القابلة للتسليم، ليهبط سعر العقد لأجل 12 شهرا إلى 18.38 للدولار، مقارنة بسعر الصرف الفوري البالغ 16.32 جنيه للدولار، ما يشير إلى أن السوق تتوقع ضغوطا على الجنيه المصري في الفترة المقبلة.
ألان سانديب، وهو رئيس قطاع البحوث لدى شركة "نعيم" للوساطة، قال إن مبيعات الأجانب تقود التراجع الذي تشهده البورصة المصرية في التعاملات الأخيرة.
وأوضح أن المستثمرين الأجانب قادوا العمليات البيعية لليوم الثاني على التوالي في جلسة أمس الثلاثاء ليسجلوا وحدهم صافي بيع. وأضاف أن الأجانب استحوذوا على 27 بالمئة من إجمالي التداولات. وتزيد احتمالات التصعيد بمزيد من الاحتجاجات يوم الجمعة المقبل، من مخاوف المستثمرين.
وقال مدير "أرقام كابيتال" في القاهرة، أشرف أخنوخ، إن ما حدث في عطلة نهاية الأسبوع كان "محدودا للغاية"، لكن ما حدث في الماضي هو ما يدفع المستثمرين للحذر، وهذا هو السبب وراء تقليص الجميع للمخاطر.
ما مصير برنامج الطروحات الحكومية؟
ويبقى السؤال: هل يمكن أن يؤدي انهيار البورصة المصرية إلى إرجاء برنامج الطروحات الحكومية؟
رئيس مجلس الوزراء المصري، الدكتور مصطفى مدبولي، قال إن الحكومة تعتزم طرح نسب من حصص مملوكة لها في 5 أو 6 شركات "كبرى" في البورصة قبل نهاية العام المالي الحالي في 30 يونيو (حزيران) المقبل، وهو ما يفسح المجال أمام الحكومة لتأجيل المضي قدما في برنامج الطروحات العامة حال استمرار تراجع شهية المستثمرين.
ولم يتطرق البيان الذي أصدره مجلس الوزراء المصري أمس، إلى أي تفاصيل أخرى، كما لم يوضح ما إذا كانت تلك الخطة جزءا من البرنامج الحالي للطروحات العامة.
جاءت تلك التصريحات عقب إغلاق البورصة أمس على تراجع لليوم الثالث على التوالي، وبعد تقارير حول استعداد الحكومة لاستئناف برنامج الطروحات عقب الانتهاء من الإجراءات الضرورية لطرح اثنتين من الشركات المملوكة للدولة قبل نهاية العام.
وقبل أيام، توقع وزير قطاع الأعمال العام في الحكومة المصرية، هشام توفيق، طرح حصة إضافية من شركة أبو قير للأسمدة أو شركة الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع ضمن برنامج الطروحات الحكومية "في أقل من أسبوعين".
وأوضح الوزير المصري في تصريحاته أن ارتفاع المؤشر الرئيس للبورصة بمقدار 20 بالمئة خلال الفترة الماضية "يشير إلى أن الوقت مناسب لطرح تلك الشركات التي أتمت إجراءات الاكتتاب".
10 شركات تترقب الطرح في المرحلة الثانية
وتترقب 10 شركات الطرح ضمن المرحلة الثانية من برنامج الطروحات الحكومية اعتبارا من يناير (كانون الثاني) 2020، من بينها 8 شركات تعدينية وصناعية، إلى جانب شركة "إي فاينانس" وبنك القاهرة.
وانتهت لجنة الطروحات من الإجراءات الأولية لطرح شركات الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع، وأبو قير للأسمدة، وسيدى كرير للبتروكيماويات. وربما تكون إي فاينانس وبنك القاهرة والإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع، وأبو قير للأسمدة، وسيدى كرير للبتروكيماويات، ومصر الجديدة للإسكان، هي الشركات الست التي يقصدها رئيس الوزراء المصري.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن إجمالي الطروحات التي شهدتها البورصة المصرية خلال السنوات الخمس الماضية بلغ نحو 27 شركة بقيمة إجمالية بلغت نحو 23.055 مليار جنيه (1.41 مليار دولار).
وتوقع رئيس الإدارة المركزية للتمويل بالهيئة العامة للرقابة المالية في مصر، سيد عبد الفضيل، أن تشهد البورصة المصرية طروحات بنحو 4 شركات قبل نهاية العام الحالي. كما توقع طرح شركة ببورصة النيل "نايلكس"، بجانب طرح شركة خاصة، لم يذكر اسمها، بالسوق الرئيسة للبورصة المصرية برأسمال يتجاوز مليار جنيه (61.47 مليون دولار).
وتابع "هناك اتجاه لطرح حصص من شركتين حكوميتين ضمن برنامج الطروحات الحكومية قبل نهاية 2019". وقال إن سوق الأوراق المالية المصرية شهدت 27 طرحاً منذ العام 2014 وحتى الوقت الحالي بقيمة إجمالية تجاوزت 23 مليار جنيه (1.41 مليار دولار).