Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل أعلن رولان بارت نهاية الحب في كتابه الأشهر "مقاطع من خطاب الغرام"؟

المفكر يحاور المجلة الشعبية الأكثر انتشاراً حول غياب هذا الشعور في عالم اليوم

اختفاء شرفة روميو وجولييت (موقع غيتي)

ملخص

فهل معنى هذا في نهاية الأمر أن الذات العاشقة لا ترى في المعشوق ذاتاً معشوقة؟ على هذا السؤال المحوري يأتي جواب رولان قاطعاً "إنني أعتقد أن ها هنا يكمن لغز الشعور العاطفي الأكبر. من ناحية أن هذا الموضوع المحروم من أية شخصنة خاصة يكون هو في النهاية الشخص المعشوق بامتياز، الشخص الذي لا يمكن مقارنته بأية ذات أخرى وهو ما يسميه التحليل النفسي عادة ’الموضوع المتفرد‘".

 

في عام 1977 حين أصدر الباحث والمفكر الفرنسي رولان بارت واحداً من كتبه الأخيرة "مقاطع من خطاب الغرام" بدا من الطبيعي جداً أن ينتشر كتابه هذا بين القراء بصورة لم يسبق أن انتشر بها أي كتاب آخر له، وهو الذي كان مشهوراً بصعوبة لغته ونخبوية مواضيعه. وكان من الطبيعي أن تلتفت إليه مجلة "بلاي بوي" الأميركية الشهيرة والتي كانت معروفة بنشرها صوراً فاضحة ونصوصاً أكثر جرأة مبتعدة تماماً من كل ما يدنو من الثقافة النخبوية التي ينتمي إليها بارت.

لكن شهرة هذا الأستاذ الجامعي الذي لم يكن أحد يدري يومها أنه إنما يعيش أعوامه الأخيرة إذ إنه لن يلبث أن يرحل عن دنيانا بحادثة سير بعد ثلاثة أعوام من صدور ذلك الكتاب. ومهما يكن من أمر بدا من الواضح يومها أن صدور كتاب "الغرام" ذاك حرك رغبة "بلاي بوي" في محاورته وقد حددت موضوع الحوار "الحب وحضوره اليوم في اللغة العلمية كما في الحياة اليومية"، وهو على أية حال موضوع الكتاب نفسه. ومن هنا جاء واحد من أطرف الحوارات التي أجرتها الصحافة الشعبية، و"بلاي بوي" تنتمي بالتأكيد إلى تلك الصحافة بملايين النسخ التي توزع شهرياً في عدد لافت من اللغات، وتم الحوار يومها تبعاً لقواعد محددة وضع بارت معظمها وفي مقدمها أن المجلة لا ينبغي أن تخاطبه لا كمؤلف لنصوص غرامية ولا كمعلم فكر له حواريوه وأفكاره التي تجعل منه قديساً أو فاسقاً بل كمؤلف لكتاب بتوسع انتشاره.

 

الحياة الشخصية ممنوعة

منذ البداية أعلن بارت أن على الحوار أن يعرف به كناقد وباحث في اللسانيات ومؤلف كتب علمية لا أكثر ولا أقل، فارضاً ألا يصار أبداً خلال الحوار إلى التسلل إلى حياته الشخصية أو اختياراته الغرامية أو ما يشبه ذلك. والحقيقة أن المجلة التزمت بتلك الشروط كما بغيرها إذ بدا الحوار في النهاية متلائماً مع أسلوب بارت المعتاد في الحوارات، حتى وإن كان لم يبتعد كثيراً عن الإثارة التي تسبغها المجلة على حوارات تجريها مع مشاهير من طينة أخرى. والحقيقة أن هذا "الاحترام المتبادل" جعل بارت يصرح لاحقاً، نصف مازح نصف جاد، بأنه اكتشف أن ما يقربه من عالم "بلاي بوي" أكثر كثيراً مما يبعده عنها!

وكان السؤال الأول الذي أطلق الحوار بسيطاً ومباشراً إذ بادره محاوره فيليب روجيه قائلاً "رولان بارت، لقد أصدرت لتوك كتابك الجديد "مقاطع من خطاب الغرام" فهل يمكن لمن انتخب حديثاً أستاذاً في الكوليج دي فرانس أن يكون جاداً في هذا؟" يبدو أن صاحب "أسطوريات" و"الكتابة عند درجة الصفر" كان يتوقع مثل هذا السؤال فهو مشهور بكونه في غاية الذكاء، ومن هنا بدا أنه مستعد تماماً له وقال لمحدثه "أبداً في الحقيقة. لا يبدو لي الأمر جاداً. لو كنت قد عنونت كتابي: الشعور العاطفي كنت سأبدو أكثر جدية لأن الموضوع كان من شأنه أن يتسم بقدر ما من الأهمية بالنظر إلى ارتباطه بسيكولوجية القرن الـ19. أما اليوم فإن كلمة غرام موجودة عل كل شفة لسان وفي كل الأغاني في الأقل كي تتماشى في لعبة القافية مع كلمة إلى الأبد (آمور - توجور)، وبالتالي لا. لا يبدو لي الأمر جاداً".

حين بوغت المحاور

وقاد هذا الجواب الصريح الصحافي إلى سؤاله التالي وقد بدا أنه بوغت بما قاله بارت "من الواضح يا بروفيسور أننا هنا في إزاء كتاب شخصي، ومع ذلك فإن ما يهيمن عليه إنما هو نص أشجان فرتر للألماني غوته، تلك الرواية التي تسببت في موجة انتحار الشباب على طريقة فرتر منذ عام 1774. فهل توافقني على أنه لم يعد ثمة في عالم اليوم روائيون كبار يكتبون عن الحب؟".

وأجاب بارت "هناك بالتأكيد اليوم توصيفات تطاول مشاعر غرامية ولكن من النادر جداً أن نجد رواية معاصرة قادرة على أن تصف حكاية شغف غرامي حقيقي. أو هذا على حد علمي في الأقل".

فهل معنى هذا أن الحب بات شعوراً بائداً؟ "أجل من دون أدنى ريب وبالتأكيد في الأوساط الثقافية، ومن هنا فأنا يخالجني انطباع الآن في أنني في الوسط الثقافي أي من وجهة نظر الإنتليجنسيا التي أعيش وسطها وأنتمي إليها، أنتجت نصاً لم يعد على الموضة إطلاقاً".

فماذا عن البيئة الخارجة عن إطار الإنتليجنسيا؟ "هنا ثمة على حد علمي نوع من شعور شعبي يعبر عن نفسه حول هذا الموضوع عبر ملاحظات طريفة وفكاهات عابرة ولعب على الكلمات غايته إضحاك الآخرين لا أكثر. وهو بالتالي يهتم بالتقليل من قيمة وجدية الموضوع العاطفي عبر ربطه بشيء من الحمق والجنون، بيد أن ما لا مفر من قوله هنا هو أن ضروب الاستهانة الأقسى التي تواجه الحب تكمن في اللغات النظرية العالمة. فهذه اللغات إما تظهر واضحة في خطاب الغرام أو لا يعود لها أي وجود كما حالها في الخطاب الماركسي مثلاً. وفي أحسن الأحوال حتى حين يشار إليها بشيء من التعاطف تكون الإشارة عذبة وديعة كما حالها في لغة التحليل النفسي!".

فما كنه هذا التقليل من شأن لغة الحب الذي يتحدث عنه البروفيسور بارت؟ "هو تعبير واضح عن أن الحب - الشغف الذي تعمدت الإشارة إليه، لا يجد من يتعاطى معه بما يستحقه من الجدية. بل يتعامل معه بوصفه مرضاً يجب شفاؤه. ولا يعزى إليه ما كان يعزى في الماضي من قدرة على إثراء الروح والعقل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

اختفاء شرفة جولييت

وهنا ينتقل السائل إلى جانب آخر من النص يستكمل به السؤال نفسه مشيراً إلى فصل متأخر في الكتاب يتحدث فيه بارت عن مشهد الشرفة في مسرحية شكسبير "روميو وجولييت"، إذ يشير إلى أن "جولييت تسكن الآن في الطابق الـ25 ولم يعد ثمة روميو قادر على مخاطبتها على ذلك العلو" كما تقول أغنية معاصرة. فيبتسم بارت هنا ويقول "أجل هذا هو الأمر. لم يعد ثمة اليوم من مجال لوصف مشهد الشرفة ولكن كذلك لم نعد نجد في الأدب ما يشبه توصيفات ملامح العاشق أو تعبيراته أو حتى محاكاته لملامح كبار عشاق الماضي، بينما لو قلبنا فنون القرن الـ19 غير البعيد كثيراً منا سنجد أعداداً كبيرة من لوحات ومستنسخات تهتم أكثر ما تهتم بالتعبير عن تلك الملامح. وبالتالي من المؤكد أننا لم نعد قادرين اليوم على التعرف على عاشق تتقاطع طريقه مع طريقنا. لقد بتنا محاطين بكائنات لا نعرف على الإطلاق ما إذا كانت تعرف الحب وتعيش غراماً ما لأنها حتى لو كانت عاشقة تبذل قصارى جهدها لإخفاء ذلك".

بين موضوع الحبيب وذاته

وهنا ينتقل السائل إلى الجانب الآخر من الصورة ليلفت نظر بارت إلى أن ثمة من لديه مقابل العاشق ذلك الكائن الآخر الذي يسميه "موضوع العشق" فلماذا هذا الاسم يا ترى؟ "في المقام الأول ولسبب مبدئي هو أن شعور الغرام في زمننا الحاضر بات موحد الجنس كحال سراويل رعاة البقر (الجينز) وصالونات الحلاقة وقص الشعر. وأنا أرى أن هذه المقارنة فائقة الأهمية (...)". ولكن هنا يلفت الصحافي نظر البروفيسور إلى أن "واحدية الجنس" هذه لا تستقيم مع فكرة وجود ذات عاشقة وموضوع للعشق التي قد يوحي بها استخدامه تعبير "موضوع العشق"، فيجيبه "هو بالضرورة موضوع للعشق بالنسبة إلى الذات العاشقة. ونحن في نهاية المطاف من المستحيل أن نرى في موضوع العشق ذاتاً".

فهل معنى هذا، في نهاية الأمر أن الذات العاشقة لا ترى في المعشوق ذاتاً معشوقة؟ على هذا السؤال المحوري يأتي جواب رولان قاطعاً "إنني أعتقد أن ها هنا يكمن لغز الشعور العاطفي الأكبر من ناحية أن هذا الموضوع المحروم من أية شخصنة خاصة، يكون هو في النهاية الشخص المعشوق بامتياز، الشخص الذي لا يمكن مقارنته بأية ذات أخرى وهو ما يسميه التحليل النفسي عادة ’الموضوع المتفرد‘".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة