Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اليوغا... من طقوس التنسك إلى رياضة الأثرياء المفضلة

في أسبوعها العالمي نتناول قصة هذه الممارسة التي تحمل في طياتها عراقة تاريخية وروحية تمتد آلاف السنين

يعود تاريخ اليوغا إلى أكثر من خمسة آلاف عام في شبه القارة الهندية (اندبندنت عربية)

ملخص

تأتي كلمة "يوغا" من اللغة السنسكريتية وتعني "الاتحاد" أو "الانضمام". وهي تعبر عن الاتحاد بين العقل والجسد والروح، وكذلك الاتحاد بين الفرد والكون. اليوغا هي عملية متكاملة تهدف إلى تحقيق الانسجام الداخلي والسلام الروحي من خلال مجموعة من الممارسات التي تشمل التأمل والتنفس والأوضاع الجسدية والانضباط الذاتي.

علي الاعتراف بداية بأنني لم أكن أعلم بوجود أسبوع يحتفي خلاله العالم سنوياً باليوغا، وهذا تقصير من شخص يمارسها منذ أكثر من عقد من الزمان. في ديسمبر (كانون الأول) عام 2014 اعتمدت "الأمم المتحدة" رسمياً أسبوعاً عالمياً للاحتفاء باليوغا يبدأ في الـ21 من يونيو (حزيران) من كل عام بعد تقديم مقترح من قبل رئيس الوزراء الهندي آنذاك ناريندرا مودي، حظي بدعم شديد من قبل الدول الأعضاء.

دعونا نبحث معاً في قصة هذه الممارسة القديمة التي لا تعد مجرد تمارين جسدية بل فلسفة حياة تهدف إلى تحقيق التوازن بين الجسد والعقل والروح.

 

ما اليوغا؟

تأتي كلمة "يوغا" من اللغة السنسكريتية وتعني "الاتحاد" أو "الانضمام" وهي تعبر عن الاتحاد بين العقل والجسد والروح وكذلك الاتحاد بين الفرد والكون. اليوغا عملية متكاملة تهدف إلى تحقيق الانسجام الداخلي والسلام الروحي من خلال مجموعة من الممارسات التي تشمل التأمل والتنفس والأوضاع الجسدية والانضباط الذاتي.

ويعود تاريخ اليوغا إلى أكثر من خمسة آلاف عام في شبه القارة الهندية وظهرت في النصوص القديمة مثل "الفيدا" و"الأوبانيشاد"، وكانت في الأصل مرتبطة بالديانات الهندية مثل الهندوسية والبوذية، وقدمت هذه النصوص تقنيات التأمل والتنفس كوسائل لتحقيق التناغم الداخلي والتواصل الروحي.

وأحد أهم النصوص التي وثقت تقنيات وفلسفة اليوغا هو "اليوغا سوترا" الذي كتب نحو القرن الثاني قبل الميلاد، ويتكون من 196 "سوترا" أو فقرة قصيرة تشرح جوانب اليوغا الثمانية، وهي مبادئ توجيهية لتحقيق الحياة المتوازنة والتناغم الروحي.

وانتشرت اليوغا في البداية عبر الهند وجنوب آسيا وارتبطت بطقوس التأمل والعبادة وكانت جزءاً من الحياة اليومية والدينية في هذه المناطق فمارسها الرهبان والمتأملون كوسيلة للوصول إلى التنوير الروحي.

انتشار اليوغا في العالم

ومع مرور الوقت انتقلت اليوغا من الهند إلى أنحاء العالم وبخاصة في القرن الـ20 إذ كانت هناك عوامل عدة ساعدت في انتشارها، منها الحركات الروحية في الغرب حيث بدأ المستشرقون والباحثون يهتمون بالثقافات الشرقية في أواخر القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20، مما أدى إلى نشر أفكار اليوغا في أوروبا وأميركا الشمالية.

وانتقل عدد من الأساتذة الروحيين الهنود إلى الغرب لنشر تعاليم اليوغا ومن أبرزهم سوامي فيفي كاناندا الذي حضر إلى أميركا عام 1893 وبرمهنسا يوغانندا الذي عرف الغرب على اليوغا في عشرينيات القرن الماضي. ومع تقدم وسائل الاتصال بدأت كتب اليوغا والفيديوهات التعليمية تنتشر بصورة واسعة مما جعلها في متناول الناس في جميع أنحاء العالم.

أنواع اليوغا

وهناك عدد من أنواع اليوغا كل منها يركز على جوانب مختلفة من الممارسة الجسدية والروحية. وتوجهت بالسؤال إلى أندرو بولاك مدرب "هاثا يوغا" الذي شرح الأنواع الأكثر شيوعاً وهي "أسانا" Asana التي تشير إلى الوضعيات الجسدية في اليوغا، وتعد "أسانا" جزءاً أساساً من ممارسة اليوغا وهي الوضعيات التي يتم تبنيها لتحسين المرونة والقوة والتوازن، وتشتمل على أوضاع مختلفة يمكن أن تكون بسيطة أو معقدة.

و"هاثا" Hatha Yoga التي تركز على التناغم بين الجسد والعقل من خلال الأوضاع الجسدية وتقنيات التنفس، وهي أساس معظم أنواع اليوغا الجسدية المعروفة اليوم. و"فينياسا يوغا" Vinyasa Yoga التي تتميز بتدفق الحركات والأوضاع بصورة متتابعة ومنسجمة مع التنفس، وتعد ديناميكية وتساعد على تحسين اللياقة البدنية وزيادة التركيز.

و"أشتانغا يوغا" Ashtanga Yoga نوع صارم ومنظم من اليوغا يتضمن سلسلة ثابتة من الأوضاع التي تتبعها في ترتيب محدد، وتتطلب هذه الممارسة جهداً بدنياً عالياً وتعد مناسبة لمن يبحثون عن تحد جسدي وروحي. و"بيكرام يوغا" Bikram Yoga وتتضمن سلسلة من 26 وضعية تتم ممارستها في غرفة ساخنة تصل حرارتها إلى 40 درجة مئوية، وتهدف هذه الممارسة إلى تحسين المرونة وتنقية الجسم من السموم.

و"ين يوغا" Yin Yoga وتركز على تمديد الأنسجة الضامة ببطء وبصورة عميقة من خلال الاحتفاظ بالأوضاع لفترات طويلة، وتعد "ين يوغا" هادئة ومناسبة للاسترخاء والتأمل. و"ريستوراتيف يوغا" Restorative Yoga  التي تهدف إلى الاسترخاء العميق واستعادة الطاقة من خلال أوضاع مريحة ومدعومة بأدوات مثل البطانيات والوسائد.

و"كنداليني يوغا" Kundalini Yoga وتركز على تفعيل الطاقة الروحية الكامنة "كنداليني" من خلال تقنيات التنفس والأوضاع الجسدية والتأمل، وتهدف إلى تحقيق التوازن الروحي والنفسي. و"درو يوغا" Dru Yoga التي تعد نوعاً لطيفاً ومتدفقاً من اليوغا يركز على الحركات السلسة وتقنيات التنفس العميق والاسترخاء، وصممت هذه الممارسة لتكون شاملة وسهلة الوصول إلى جميع الأعمار ومستويات اللياقة البدنية وتهدف إلى تحقيق التوازن الداخلي والسلام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قيمة اليوغا

وتعد اليوغا اليوم ممارسة شاملة للصحة النفسية والجسدية لأنها تساعد في التوازن العقلي وتخفيف التوتر من خلال تقنيات التأمل والتنفس، وتسهم تمارين اليوغا في تحسين اللياقة البدنية وزيادة مرونة الجسم وتقوية العضلات، وتوفر أيضاً وسائل للتأمل الداخلي واكتشاف الذات وتعزز التوازن بين العمل والحياة الشخصية مما يؤدي إلى حياة أكثر سعادة وإيجابية.

وتقول أستاذة الـ"درو يوغا" العريقة مونا فيرهولم التي تقوم بتأهيل مدربي اليوغا المستقبليين "ساعدتني اليوغا على التعافي بعد المرض والجراحة وأعطتني صندوق أدوات أحتاجه لمواجهة أية مشكلات سواء كانت جسدية أو عقلية أو عاطفية، وأشعر بالتوازن أكثر بكثير منذ بدأت في ممارسة اليوغا بانتظام. أنا بالتأكيد نسخة أكثر سعادة وصبراً من نفسي الآن بعد أن أصبحت أمارس اليوغا بانتظام".

أما مدرسة اليوغا كاي ميلسون فتقول "هناك عدد من الأساطير المحيطة بممارسة اليوغا البدنية والعاطفية. أنا متأكدة من أننا جميعاً سمعنا أحدهم يقول لا أستطيع ممارسة اليوغا فأنا لست مرناً بما فيه الكفاية. أو لا أحب الجلوس لساعة ونصف الساعة وركبتاي مطويتان وأنشد: أوم. أي شخص يمارس اليوغا بانتظام يعرف أن هذين الادعاءين ليسا صحيحين".

وتخبرني المدربة قيد الإعداد نويمي لازانو "منحتني اليوغا موطناً لمواجهة نفسي كما أنا في أية لحظة سواء كنت متعبة أو مستاءة أو حزينة أو سعيدة ونشطة. وأعلم أنني بعد ممارسة اليوغا أنني سأكون منحت نفسي ما أحتاج إليه وسأنتقل من التعب إلى اليقظة ومن الاضطراب إلى الهدوء ومن الثقل إلى الخفة، ومن المشكلات والضعف إلى القوة والتمكين. سيكون الوضوح العقلي والقوة البدنية والتوازن العاطفي هو النتيجة. إنها هدية أقدمها لنفسي وتنعكس تأثيراتها الإيجابية على أولئك الذين أتفاعل معهم".

رياضة الأثرياء

وفي الوقت الحالي لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في نشر اليوغا وجعلها جزءاً من حياة الناس في جميع أنحاء العالم، وهناك عدد من المؤثرين الذين أسهموا في هذا الانتشار من بينهم أدريان ميشلر التي تعد من أبرز مدربي اليوغا على "يوتيوب"، وريتشل براثن المعروفة بـ"فتاة اليوغا" وهي مؤثرة في "إنستغرام" ولديها مجتمع كبير من المتابعين المهتمين باليوغا ونمط الحياة الصحي.

لكن على رغم الانتشار الواسع لليوغا في الغرب فإنها تتعرض لبعض الانتقادات باعتبارها رياضة الأثرياء والمشاهير والطبقة النخبوية. ويعتقد البعض أن اليوغا أصبحت مرتبطة بالنجوم والمشهورين الذين يحاولون حصر ممارستها في الحركات اللافتة والملابس الرياضية الباهظة، والتقاط الصور في مواقع خلابة مثل الشواطئ ذات الرمال الذهبية أو وقت الغروب في الصحراء أو المناطق الجبلية الساحرة.

ومن أمثلة هؤلاء المشاهير الممثلة غوينيث بالترو التي تعرف بممارستها اليوغا ومشاركتها تجاربها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما يجعل اليوغا تبدو وكأنها مخصصة للنخبة فحسب. وتبرز هذه الانتقادات الجوانب التجارية والاستهلاكية لليوغا في بعض الأحيان مما يبتعد عن جوهرها الروحي والفلسفي.

وتقول كاي ميلسون مدرسة يوغا قيد الإعداد "إن تغيير التصورات أمر صعب والنشر الشفهي أفضل إعلان موجود ولكنه بطيء ولا يصل إلى الجماهير. والتسويق باستخدام مجموعة متنوعة من الأشخاص هو الطريق الوحيد سواء كان ذلك على نطاق واسع من منظمات اليوغا الكبرى أو المدرسين الفرديين. ويمكن أن يساعد جلب المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي وإشراكهم في الفصول الدراسية في الوصول إلى جمهور أصغر، إضافة إلى أن العمل مع المجالس البلدية والأطباء العامين والمؤسسات التعليمية والمنظمات الأخرى لتقديم الدروس يساعد في تحطيم أية افتراضات خاطئة".

وبدورها تقول مدرسة اليوغا قيد التدريب نويمي لازانو "أعتقد أن اليوغا يجب أن تكون متاحة للجميع فعلاً. وفي الواقع يجب أن تدرس اليوغا للأطفال في المدارس منذ صغرهم وإلى أن يصبحوا شباباً، وإذا حدث ذلك أنا متأكدة أن العالم سيكون مكاناً أفضل".

تنافر مع بعض الثقافات

وعلى رغم انتشار اليوغا الواسع وقبولها الكبير حول العالم فإن بعض المجتمعات والدول تواجه تحديات واعتراضات على ممارستها. ففي الهند - على سبيل المثال -  تعارض بعض المجتمعات المحافظة والمتشددة ممارسة اليوغا مع اعتبارها في بعض الأحيان تمارين دينية تتعارض مع مبادئ الأديان المعتمدة. كما تواجه اليوغا تحديات في بعض الدول ذات النظام السياسي الشيوعي أو الإسلامي القوي، إذ تعد الممارسات الروحية الشخصية محظورة أو غير مقبولة بسبب القيود الدينية أو السياسية المفروضة.

وتخبرني سامية بيغوم مدربة يوغا مسلمة "كامرأة مسلمة نشأت في ثقافة مسلمة تؤكد الاتصال بين العقل والجسم والعواطف والروح، من دون أن تكون مقتصرة على الجوانب الدينية، وبالنسبة لي اليوغا تعني العودة إلى الذات وإعادة الاتصال بالروح والطبيعة والآخرين. إنها أكثر من مجرد ممارسة بدنية بل تعني استخدام النفس والتصور والحركة والنية لإيجاد اتصال عميق وجوهري، هذا الاتصال يعزز الشعور بالقيمة والتمكين من دون الحاجة إلى تأكيدات خارجية. واليوغا الأصيلة تركز على هذا الاتصال القائم على الروح بدلاً من التركيز البسيط على الجسم".

وتقام احتفالية اليوغا العالمية هذا العام تحت عنوان "اليوغا لتمكين النساء"، وترى بعض السيدات اللاتي تحدثت إليهن قيمة كبيرة في اختيار هذا الموضوع. وتقول معلمة اليوغا مونا فيرهولم "اليوغا قادرة على تمكين النساء من خلال بناء الثقة بالنفس وزيادة هذه الثقة، وتعزز اليوغا وفلسفتها النمط الذهني الذي يؤكد آراء كل فرد وقيمه وجدارته. من خلال تجربتي الشخصية أقدر نفسي أكثر بكثير منذ بداية رحلتي في اليوغا وأجد أنه نتيجة لذلك يقدرني الآخرون أيضاً".

وبدورها ترى معلمة اليوغا فيونا فريم "تعني اليوغا للناس اكتشاف أنفسهم الحقيقية باستخدام كل الوضعيات. وشعارنا هو تغيير العالم من خلال إعطاء الناس القوة لتغيير أنفسهم. ولدي مدرسة مسلمة شعرت بأنها لا تستطيع استخدام كلمة اليوغا في مجتمعها لذا سميناها الحركة الواعية. واليوغا قادرة على تمكين النساء لأن ما يحدث بينك وبين السجادة هو شخصي تماماً من دون حكم أو منافسة. إنها تعني إيجاد مركزك في وسط ضجيج الحياة وتمنحك أساساً يمكنك من خلاله مواجهة تحديات الحياة. إنها تمنحك الوقت والمساحة لتجد منظورك وتذكرك بأن توقعات وآراء الآخرين تنتمي إليهم فحسب وليس لك. واليوغا تمنحك الوقت لإعادة اكتشاف ذاتك الحقيقية ومكان للاستراحة وبناء القوة البدنية والعقلية".

وتقول سامية بيغوم "ليست كل أنواع اليوغا التي تمارسها النخبة تستند إلى الروحي، إنها تركز كثيراً على الجسد لكن اليوغا الأصلية تتعدى الجسدي بكثير، إنها عن الاتصال بالذات وهو أمر قوي للغاية للنساء لأنهن يهتممن بالاتصال. نحن نربي الأسر ونخلق وحدة الأسرة ونخلق مساحة آمنة لأسرنا للعيش فيها ونتصل ببعضنا بعضاً على مستوى عاطفي، نحن كنساء كائنات عاطفية وكائنات بديهية وهذا ما تقوم به اليوغا الأصيلة حقاً لتمكين هذا الجانب".

لكن وعلى رغم هذه التحديات فإن اليوغا تستمر في الانتشار والتأثير في كل مكان وتعزيز وجودها وتأثيرها في حياة الملايين حول المعمورة في عالم مليء بالضغوط والتوترات، يكون المرء فيه أحوج ما يكون إلى طقس يعيد توحيده بنفسه وانسجامه معها.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات