Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا تعني حكومة حزب "العمال" للشركات والأعمال في بريطانيا؟

تفاؤل حذر بالأسواق في شأن "التغيير" والشركات تتحسب لضرائب "خفية" لتمويل الإنفاق العام

يعد حزب "العمال" المعارض في حملته الانتخابية بأنه حين يصبح في السلطة "سيوقف الفوضى والاضطراب ويدعم الأعمال والشركات من خلال بيئة تشريعات وسياسات مستقرة" (غيتي)

ملخص

مع أن حزب "المحافظين" تقليدياً هو حزب رجال الأعمال إلا أن الاضطرابات التي تسبب فيها في الأعوام الأخيرة جعلت الشركات والأعمال تنفض عنه وترغب في التغيير

حتى قبل أن يعلن حزب "العمال" المعارض برنامجه الانتخابي بعنوان "التغيير"، كان عدد كبير من رجال الأعمال ورؤساء الشركات أعلنوا أنهم سيؤيدون الحزب في الانتخابات بعدما سئموا من الاضطراب الناجم عن مشكلات حزب "المحافظين" الحاكم وسياساته المالية والاقتصادية، ومع ترجيح غالب استطلاعات الرأي أن حزب "العمال" بقيادة السير كير ستارمر سيفوز بالانتخابات على حساب حزب "المحافظين" بقيادة رئيس الوزراء ريشي سوناك، يخضع بيان الحزب وتصريحاته السابقة للفحص والتمحيص من جانب الشركات والأعمال لتحديد تأثيرها فيهم.

قبل الانقلاب الذي أحدثه توني بلير في الحزب نهاية القرن الماضي بطرح "العمال الجديد" الذي مكنه من الفوز الكاسح في انتخابات 1997 كان حزب "العمال" يعرف كما اسمه: حزب النقابات العمالية، وكثيراً ما كانت الدعاية الانتخابية لحزب "المحافظين" المنافس تركز على "تخويف" الشركات والأعمال من وصول الحزب للسلطة باعتبار أن سياساته لمصلحة العمال لا الشركات، إلا أن الزعيم الحالي للحزب يحاول حتى أن يتجاوز توجه بلير بأن "يزايد" أحياناً على "المحافظين"

في التقرب من الشركات والأعمال والأثرياء عموماً لدرء تصور أنه "حزب يساري وسياسته زيادة الإنفاق العام وتمويل ذلك بزيادة الضرائب"، وذلك هو التغيير الذي يروج له الحزب، وتلك هي لغة وزيرة خزانة الظل العمالية راتشيل ريفز التي تكررها في كل لقاء مع جماعات المستثمرين ورجال الأعمال ورؤساء الشركات في الأسابيع الأخيرة.

لكن هل ما يطرحه حزب "العمال" في برنامجه الانتخابي حتى الآن يرضي قطاعات الأعمال والشركات بالصورة الكافية للاستثمار أكثر في الاقتصاد البريطاني؟ وهل تثق الأسواق بأن حزب المعارضة سيلتزم وعوده حال الفوز بالانتخابات ويصبح في السلطة أم سيحيد عنها؟ في ما يلي قراءة في ما يطرحه الحزب وما يتوقع بعد الانتخابات.

ضبط السياسات دون مفاجآت

يعد حزب "العمال" المعارض في حملته الانتخابية بأنه حين يصبح في السلطة "سيوقف الفوضى والاضطراب ويدعم الأعمال والشركات من خلال بيئة تشريعات وسياسات مستقرة"، وبالنظر إلى أن البيان الانتخابي للحزب لم يتضمن أي مفاجآت أو أرقام كبرى في شأن برامج الحكومة المستقبلية المتوقعة للإنفاق العام، فإن الحزب يراهن على تحقيق قفزة في النمو الاقتصادي تساعد على ضبط الدفاتر الحكومية مالياً من ناحية وتغري الشركات والأعمال بمزيد من النشاط من ناحية أخرى.

إلا أن توقعات النمو ليست بالجيدة بصورة عامة، وحتى مهما كانت سياسات العمال في الحكم لا يمكن ضمان النمو القوي، صحيح أن الاستقرار النسبي وغياب القرارات العشوائية يطمئن الأعمال والشركات، لكن ليس هناك كثير مما يمكن عمله لتغيير مسار التباطؤ في النمو الاقتصادي الذي شهدته السنوات الأخيرة من حكم "المحافظين".

في مراجعة أولية للبرنامج الاقتصادي لحزب "العمال" المعارض يرى معهد الدراسات المالية أن الرهان على تحقيق نمو اقتصادي كبير قد لا يكون كافياً، ويقول مدير المعهد بول جونسون "نعم سيكون النمو مفاجأة إيجابية، وإذا حدث سيكون من السهل ضبط الحسابات المالية، لكن إذا لم يحدث، وهو ما نشهده في السنوات الأخيرة على الأغلب، فإما أننا سنواجه خفض إنفاق وإما لن تتحقق الأهداف المالية وسنشهد زيادة في الضرائب".

منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) وحكومة "المحافظين" الحالية تسعى إلى تغيير القوانين والقواعد المنظمة للأعمال والشركات، لكن ذلك لم يحدث التأثير الذي وعد به أنصار (بريكست) في استفتاء عام 2016 ولا حتى ما بشر به رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون مع الخروج الرسمي قبل أربعة أعوام.

فما الذي بيد حزب "العمال" حين يصبح في السلطة أن يفعل كي يعدل مسار النمو ويعيد الثقة للشركات والأعمال في الاقتصاد البريطاني واستقرار قواعده وتشريعاته ولوائح تنظيم المال والأعمال؟

وعود فضفاضة

أهم ما يرغب فيه رجال الأعمال ورؤساء الشركات هو الوضوح وتفادي المفاجآت، إضافة إلى خفض الضرائب على الشركات والأرباح، ومع أن حزب "المحافظين" تقليدياً هو حزب رجال الأعمال وتشجيع تراكم الثروة إلا أن الاضطرابات التي تسبب فيها في الأعوام الأخيرة جعلت الشركات والأعمال تنفض عنه وترغب في التغيير.

منذ تولي كير ستارمر رئاسة حزب "العمال" عام 2019 وهو يعمل على مغازلة الشركات والأعمال، حتى إن سجل تصويت الحزب في البرلمان على قرارات وقوانين حكومة "المحافظين" يؤكد أن المعارضة تزايد أحياناً على الحكومة، وفي كثير من التصريحات والبيانات يعلن حزب "العمال" عن توجهات هي بالأساس من صلب سياسات "المحافظين".

ذلك ما جعل أكبر النقابات العمالية في بريطانيا، التي تمثل القاعدة الأساسية لحزب "العمال"، تعترض على برنامج الحزب الانتخابي وتعتبره ضاراً بمصالح العمال لحساب أصحاب الأعمال والشركات. من تصريحات ستارمر ووزيرة خزانته المستقبلية ريفز يؤكد حزب "العمال" أن سياسته الاقتصادية في الحكم ستكون التشجيع على تراكم الثروات، وذلك طبعاً ما تريده الأعمال والشركات.

لكن الوعود الانتخابية غالباً ما تتغير بعد الانتخابات، ومن يصل إلى السلطة يجد نفسه في مواجهة حقائق عملية تضطره أحياناً إلى التراجع عن بعض السياسات التي أعلنها بل وربما يتخذ قرارات عكسها، وهذا ما يحذر منه كثير من الاقتصاديين، وبالطبع يستغله حزب "المحافظين" الحاكم ووسائل الإعلام القريبة منه بمعلقيها وكتابها، إذ يحذر هؤلاء رجال الأعمال والشركات من ألا يتفاءلوا بالتغيير الذي يعد به حزب "العمال"، وألا يستبعدوا مزيداً من الضرائب "الخفية" حين يصبح "العمال" في السلطة.

مخاوف وحذر

لكن حتى قبل ذلك هناك في بيان حزب المعارضة بعض البنود التي ربما لا يرضى عنها رجال الأعمال والشركات، بخاصة في قطاع الطاقة والقطاع المصرفي وغيرهما، هذا فضلاً عن بعض الإجراءات التي تضمنها البيان الانتخابي للعمال ويمكن أن تجعل الأثرياء يتركون بريطانيا إلى دول أخرى لتفادي الاقتطاع من ثرواتهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

صحيح أن حزب "العمال" وعد بتجميد الضرائب على الشركات عند نسبة 25 في المئة حالياً، لكن قطاعات الأعمال ترى تلك نسبة كبيرة أصلاً منذ رفعها المحافظون من 22 في المئة، والأهم طبعاً أن حزب "العمال" سيتجه إلى زيادة الضريبة على أرباح رأس المال، وهو ما يثير مخاوف كثر في القطاع المالي والمصرفي. ليس هذا فحسب، بل إن تلك الزيادة في الضريبة ستطاول أيضاً المواطنين، لأنها ستعني زيادة الضريبة التي تحصلها الخزانة العامة من أرباح بيع بيتك مثلاً باعتبار الفارق بين سعر البيع وسعر الشراء ربحاً على رأس المال.

وعلى رغم تأكيد حزب "العمال" أن المستهدف بزيادة الضريبة ستكون فقط الأرباح من التعاملات في السوق، أي على عائدات الأسهم والأرباح من تداولها، فإن كثيراً من المعلقين يعبرون عن المخاوف من أن يؤدي ذلك إلى إحجام رجال الأعمال والشركات عن توسيع النشاط، ومن ثم يظل الاقتصاد متباطئ النمو.

يعد حزب "العمال" أيضاً بتعديل القواعد وقوانين الرسوم والضرائب بغرض العدالة في قطاع التجزئة، وتحديداً أن تكون الضريبة على الأعمال الصغيرة للمحال والمنافذ متسقة مع الضريبة على البيع عبر الإنترنت والتجارة الإلكترونية، ورحب اتحاد تجار التجزئة بذلك الوعد، لكنهم طلبوا توضيحات كثيرة من حزب "العمال" عن كيفية تحقيق العدالة من دون الإضرار بقطاع التجزئة عموماً.

مرة أخرى، تأتي أهمية استقرار التشريعات والقواعد ونسب الضرائب في هذا القطاع من أن قطاع التجزئة هو سبيل الإنفاق الاستهلاكي للمواطنين، ويشكل الإنفاق الاستهلاكي النصيب الأكبر من نمو الناتج المحلي الإجمالي.

في النهاية ربما يرحب رجال الأعمال والشركات بالتغيير الذي يعد به حزب "العمال" المعارض ويتطلعون إلى استقرار التشريعات والقواعد والقوانين بما يسمح لهم بالتخطيط لاستراتيجيات النشاط المستقبلية، لكن ذلك يظل تفاؤلاً حذراً مع التخوف من النكوص عن الوعود بمجرد مواجهة الحزب حقيقة الأوضاع حين يصبح في الحكم بعد الانتخابات.

اقرأ المزيد