ملخص
كشف تقرير الوكالة الوطنية للنفايات في الجزائر أن مادة البلاستيك تمثل 87 في المئة من النفايات التي جمعت على مستوى الشواطئ خلال السنوات الماضية والنسبة الباقية تتوزع على الورق والفولاذ والزجاج والقماش.
تشهد الجزائر مثل عديد من دول العالم تزايداً ملحوظاً في مشكلة التلوث البحري، التي أصبحت تهدد الحياة البحرية بصورة خطرة، وأصبح مشهد النفايات البلاستيكية التي تطفو فوق الشواطئ مألوفاً للغاية، مما يؤدي إلى نفوق الأسماك والكائنات البحرية الأخرى وتدمير الشعاب المرجانية وتدهور جودة المياه.
وبلغت نسبة تلوث مياه السواحل الجزائرية التي تمتد على طول 1600 كيلومتر مستويات مقلقة، مما انعكس سلباً على التنوع البيولوجي البحري وتدهور حال الثروة السمكية، بعد انتشار عديد من المواد الملوثة كان العامل البشري السبب المباشر فيها.
أرقام صادمة
وكشف تقرير أعدته الوكالة الوطنية للنفايات في الجزائر بعد حملة مراقبة ومتابعة النفايات البحرية، أن مادة البلاستيك تمثل 87 في المئة من النفايات التي جمعت على مستوى الشواطئ خلال السنوات الماضية والنسبة الباقية تتوزع على الورق والفولاذ والزجاج والقماش.
وقال التقرير إن السياحة والممارسات السيئة في مجال تسيير النفايات سببان رئيسان للتلوث البحري في الجزائر، مشيراً إلى انعدام التسيير المتكامل للنفايات بين مختلف المتدخلين في عمليات الجمع والرسكلة (إعادة التدوير).
وأدى تغيير الجزائريين لنمط استهلاكهم إلى تفاقم النفايات في الوسط البحري بالنظر إلى الكميات الكبيرة من المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد الموجودة في الشواطئ، على غرار القوارير البلاستيكية ومواد التعليب وأعواد القطن وأعقاب السجائر وكل هذه المواد يتسبب فيها الإنسان لتكمل مسارها في البحر، إضافة إلى النشاطات المنزلية والصناعية وإلقاء النفايات بصورة مباشرة قرب الشواطئ والتفريغ العشوائي على ضفاف الأودية والأنهار.
وبحسب الوكالة الوطنية للنفايات فإن إعادة تدوير النفايات القابعة بالبحر صعبة للغاية، لا سيما مادة البلاستيك التي تفقد خصائصها بعد تعرضها للتدهور المادي والكيماوي والبيولوجي بسبب الحرارة وملوحة المياه، وهو ما يجعل عملية الفرز والعزل مستحيلة.
وفي عام 2021 أطلقت مديرية الصيد البحري بالجزائر العاصمة صافرة الإنذار تحذيراً من خطورة التلوث البحري. ودعت إلى ضرورة العمل القبلي لمنع تلوث الشواطئ وأثره في النظم البيئية والموارد الصيدية، مبرزة أن النفايات البلاستيكية والصلبة هي الأسباب الرئيسة لتقلص الثروة السمكية في منطقة المتوسط.
وتشير أرقام نشرتها مؤسسة النظافة الحضرية وحماية البيئة لولاية الجزائر إلى جمع أكثر من 2380 طناً من النفايات على مستوى شواطئ العاصمة وكميات "معتبرة" من العجلات المطاطية والخشب التي لفظها البحر خلال عام 2019، على مستوى 69 شاطئاً.
وذكرت المؤسسة أن فرق أعوان النظافة التابعين لها يعملون طوال السنة وفق نظام المداومة لجمع مختلف أنواع النفايات التي يلفظها البحر على مستوى 17 بلدية ساحلية على امتداد 97 كيلومتراً، وجمعوا أزيد من تسعة أطنان من النفايات يومياً.
وتركز المؤسسة في مهامها لحماية الشريط الساحلي على المتابعة الجيومرفولوجية لمراقبة بيانات تآكل الحيد البحري لاستغلال معطياتها في إنجاز المخططات والخرائط، إذ سجلت في إطار مشاريع تطوير الساحل 342 عملية مراقبة، يضاف إليها إحصاء مختلف الظواهر مثل المياه الملونة (التزهر)، ومراقبة الكائنات المنتجة للسموم الخطرة.
تلوث مركب
ويقول الباحث في المدرسة الوطنية لعلوم البحار وتهيئة الساحل حمدي بوعلام إن الجزائر تعاني بنسبة عالية تلوث البحر وشواطئها، مما انعكس سلباً على التنوع البيولوجي البحري وهلاك الثروة السمكية، بسبب مرور السفن التجارية والبترولية على حوض البحر المتوسط، إذ تأتي بمختلف الأنواع الغازية غير الأصلية والدخيلة.
أشار بوعلام في حديث سابق له إلى أن "البحر الأبيض المتوسط يعاني تلوثاً جديداً، وهو تلوث البلاستيك الذي يسبب خطراً كبيراً، بخاصة مع الرمي العشوائي للأكياس والقوارير البلاستيكية، فهناك أطنان من البلاستيك أصبحت مجهرية، وتزيد خطورتها على صحة سكان البحر المتوسط، تحديداً ناحية الجزائر، التي لها حصة كبيرة في تربية المائيات ووفرة الأسماك بمختلف أنواعها، فهي تتغذى على جزيئات البلاستيك والأكياس القادمة من المصابات والوديان، التي تصب مباشرة في البحر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد المتحدث أن "الجزائر تعد الدولة الأولى في استعمال البلاستيك، إذ يستهلك كل جزائري في العام 350 قارورة ماء معدني، يصل حجمها إلى ليتر ونصف الليتر، علاوة على الاستعمال الخطر للأكياس السوداء عند اقتناء المستلزمات اليومية".
تنسيق دولي
ودفع الوضع بالجزائر إلى الدعوة خلال الجمعية العامة للمنظمة البحرية الدولية المنعقدة في لندن، الـ29 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، إلى ترقية آليات التعاون الدولي من أجل تقليص التلوث وتحقيق الأهداف المحددة لآفاق 2050.
وبحسب دراسة للبنك الدولي نشرها في ديسمبر (كانون الأول) 2023 يشكل ارتفاع مستويات التلوث البحري والساحلي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تهديداً خطراً "للاقتصاد الأزرق"، الذي يعد من المحفزات الرئيسة للنمو الاقتصادي في المنطقة.
وأوضح البنك أن الفرد من سكان المنطقة يتسبب في تلويث المحيطات بأكثر من ستة كيلوغرامات من النفايات البلاستيكية في المتوسط كل عام، مشيراً إلى أن البحر المتوسط إحدى البؤر الساخنة للتلوث بالنفايات البلاستيكية في العالم.
ويدر الاقتصاد الأزرق 450 مليار دولار سنوياً في منطقة البحر المتوسط، في وقت يشكل التلوث بالنفايات البلاستيكية تهديداً لإمكانات نمو الاقتصاد الأزرق الذي يشمل مصائد الأسماك والسياحة الساحلية والنقل البحري، فضلاً عن القطاعات الناشئة مثل التكنولوجيا الحيوية والطاقة البحرية المتجددة وتربية الأحياء المائية، وكلها تعتمد على سلامة المحيطات القادرة على تقديم خدمات النظام الإيكولوجي الأساسي.
وفي محاولة لاحتواء أزمة التلوث البحري، وضعت السلطات الجزائرية ترسانة قانونية وأدوات عملياتية لحماية التنوع البيولوجي بالساحل ومن ثم المحافظة على النظم الإيكولوجية بحوض البحر الأبيض المتوسط، مما يبرز أهمية هذا الملف بالنسبة إلى السلطات.
وأعدت وزارة البيئة الجزائرية استراتيجية وطنية للتسيير المدمج والمتكامل للمناطق الساحلية 2022/ 2030، تأخذ في الاعتبار إشراك جميع المتدخلين والفاعلين من قطاعات الصيد البحري، والصناعة والفلاحة والجماعات المحلية وقطاع التعليم العالي والتجارة البحرية إلى غيرها من القطاعات الأخرى التي يقع على عاتقها مسؤولية في حماية الساحل من التدهور وتهديد التنوع البيولوجي.
حلول وإجراءات
يرى رئيس الاتحاد الجزائري للسياحة وحماية البيئة يوسف شيحة أن التلوث البحري في بلاده يعد إحدى نتائج الاحتباس الحراري والتغير المناخي، والأرقام المسجلة مخيفة تستدعي تحركاً مستعجلاً للدولة.
وقال شيحة في حديث إلى "اندبندنت عربية" إن تلوث السواحل مانع أساسي لسد حاجات الإنسان من الغذاء البحري، بعد انتشار مختلف ملوثات مختلفة على غرار المواد الكيماوية والنووية في البحار ومنها حوض البحر الأبيض المتوسط مما يؤثر في صحة المحيطات والحياة البحرية.
وأعاد التذكير بحادثة نفوق حيتان في السواحل الغربية للجزائر في السنة الماضية، بسبب تناولها مواد بلاستيكية، مما جعل الناشطين في مجال حماية البيئة يحذرون من تفاقم وتداعيات تلوث البحر بهذه المواد، مشيراً إلى تخصيص منظمة الأمم المتحدة عام 2023 للتوعية بأخطار تلوث البحار بالمواد البلاستيكية.
وأفاد يوسف شيحة بأن الحكومة الجزائرية وضعت قوانين وتشريعات لحماية الحياة البحرية، وأرفقتها بإجراءات لتوعية الصيادين بأهمية الحفاظ على البيئة البحرية وتنظيف الشواطئ، لكن هذه الجهود وحدها تبقى غير كافية، إذ لا بد من إقحام الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني وكل المؤسسات المعنية وتعزيز ثقافة المواطنة حتى لا تبقى الإجراءات مجرد حبر على ورق.
ومن بين الإجراءات الواجب اتخاذها، بحسب المتحدث، توعية المواطنين بأهمية إعادة تدوير البلاستيك والتشجيع على استخدام بدائل أخرى كالورق والزجاج، وفرض عقوبات صارمة للحد من استعمال المواد البلاستيكية في الحياة اليومية.