Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

للحزن باب وللحداد ألف باب بين الدبلوماسية والسياسة

بروتوكولات الدول متشابهة في تنكيس الأعلام وإقفال الدوائر وبث الصلاة والموسيقى الكلاسيكية عبر الإذاعة والتلفزيون

تختلف بروتوكولات الحداد الرسمية بطرق تعكس الممارسات الثقافية والتقاليد والسياقات التاريخية الفريدة لكل دولة (ا ف ب)

ملخص

يمارس الأفراد حدادهم إما بلباس محدد أو طقوس معينة كل حسب ثقافته، ولا يوجد نظام أو دستور يتبناها بل احتضنتها الأعراف، بعكس الدول التي يرسم لها كيف تمارس حدادها بطريقة ومدة وأجندة... فما أبرزها؟

"الليلة الماضية لبسنا أجمل ثيابنا ورقصنا طوال الليل وأكلنا أطيب الطعام، كنا نحتفل بحياة جدتي التي رحلت البارحة، كان في حياتها كثير من المواقف التي يحتفى بها ويتذكرها أولادها وأحفادها وكل الأقارب والجيران. تماماً كما فعلنا عندما رحل نيلسون مانديلا واحتفلت البلاد بحياته وبمواقفه التي لا تحصى والتي يتذكرها العالم أجمع"، هكذا قالت شاميما كالو من جنوب أفريقيا التي تمارس بلادها طقوساً مختلفة في مراسم الدفن والحداد.

على مقلب آخر نرتدي السواد ويرتدينا في المجتمعات العربية والغربية حداد حتى يصبح وكأنه جزء لا يتجزأ من ألم الحزن، ويحتاج تبديله بعد مرور 40 يوماً أو أكثر إلى تحد نفسي، وبخاصة إذا كان من فقدناه غالياً.

وكثيراً ما ارتدت أمهات وزوجات الأسود حتى رحلن عن هذه الدنيا به، وصار لصيقاً بشخصياتهن وكأن باقي الألوان تخلت عنهن. فيما وجد الرجال حدادهم بإطالة الشعر وعدم حلق الذقن، أما العائلات فكان حدادها بتأجيل الأفراح وعدم مشاهدة التلفزيون للترفيه.

حداد عبر الزمن

وخلال تتبع الحزن الأول في تاريخ البشرية نجد أن فعل الحداد قديم قدم الإنسانية نفسها، وهو ما يعكس الروابط العاطفية المعقدة التي تشكل نسيج وجودنا الاجتماعي.

ويمكن إرجاع أولى حالات الحداد إلى العصر الحجري القديم الأوسط حين بدأ الأسلاف في إظهار سلوكات توحي بالاعتراف بالوفاة والاستجابة التي تجاوزت مجرد التخلص من الميت. وعثر على أقدم مدافن بشرية يعود تاريخها إلى نحو 120 ألف عام مضت في كهوف مثل كهف جبل القفزة في الناصرة الفلسطينية.

ولم تكن عمليات الدفن المبكرة هذه عشوائية بل كانت متعمدة، إذ تم وضع الجثث في أوضاع محددة وكانت مصحوبة بأشياء لها أهمية بالنسبة إلى الأحياء.

وتتنوع الطريقة التي تحزن بها المجتمعات والحضارات المختلفة بصورة تعكس معتقداتها وتقاليدها وقيمها. وكانت ممارسات الحداد بمثابة وسيلة للمجتمعات للالتقاء ودعم بعضها بعضاً في أوقات الخسارة.

ومن الحضارات القديمة إلى المجتمعات الحديثة تطورت الطقوس المحيطة بالموت والحداد وتكيفت، لكن الجوهر الأساس لتكريم المتوفى وتذكره بقي الأهم وإن بطقوس مختلفة.

ففي مصر القديمة كانت الطقوس الجنائزية وممارسات التحنيط المتقنة تتم لضمان انتقال المتوفى بسلاسة إلى الحياة الآخرة. وأقام اليونانيون القدماء مواكب جنائزية ومراسم الحداد لتكريم الموتى واسترضاء الآلهة. وتميزت فترات الحداد في الثقافة الصينية بطقوس واحتفالات تظهر الاحترام للميت. وطورت كل ثقافة مجموعتها الخاصة من الطقوس والرموز للتعامل مع فقدان أحد الأحباء مما يعكس الطرق المتنوعة التي تفهم بها البشرية الموت وتعالجه.

وتميز العصر الفيكتوري بملابس الحداد المتقنة في ارتداء الكريب الأسود والعادات الاجتماعية الصارمة المحيطة بالموت والحزن، فيما تتضمن ممارسات الحداد المجتمعي في بعض الثقافات الأفريقية الغناء والرقص ومشاركة القصص للاحتفال بحياة المتوفى.

ومما لا شك فيه أن العصر الرقمي غير الطريقة التي نحزن بها إذ تسمح النصب التذكارية عبر الإنترنت والمساحات الافتراضية بالحزن والذكرى المشتركة عبر الحدود والمسافات.

تنكيس الأعلام

انفجار أو حرب أو كارثة طبيعية... ضحايا أو رحيل شخصية مهمة. أحداث في دولة ما كبرى أو صغرى غالباً ما يتبعها حداد عام إذ تقفل الدوائر الرسمية وأحياناً المدارس والجامعات والمؤسسات وتنكس الأعلام، وتحتل الموسيقى الكلاسيكية شاشات التلفزة أو قراءة القرآن أو القداديس بحسب كل دولة، حتى بات سماعها لصيقاً بالحزن.

وتختلف بروتوكولات الحداد الرسمية بطرق تعكس الممارسات الثقافية والتقاليد والسياقات التاريخية الفريدة لكل دولة. وعلى رغم الاختلاف فإنها تتفق على تكريم حياة الأفراد الذين رحلوا وشعور الحزن الجماعي للأمة ككل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتتضمن بروتوكولات الحداد الرسمية إعلان فترة الحداد الوطني إذ تنكس الأعلام كدليل على الاحترام، وتلغى أو تؤجل المناسبات والاحتفالات العامة وأحياناً تغلق المكاتب الحكومية والشركات. وتراوح فترة الحداد ما بين يوم واحد وأسابيع عدة بحسب أهمية الفرد الذي يتم الحداد عليه، أو فجيعة الحدث.

ومن الممارسات الشائعة خلال فترات الحداد الرسمية مراعاة لحظات الصمت التي تهدف إلى إتاحة الفرصة للأفراد للتفكير في الخسارة، وإظهار التضامن مع من يشعرون بالحزن.

وتمتد بروتوكولات الحداد الرسمية أحياناً إلى وسائل الإعلام إذ تقوم محطات التلفزيون والإذاعة بتغيير برامجها لتعكس المزاج الكئيب للأمة، ووضع شارة سوداء على الشاشات تعبيراً عن الحداد.

دليل المراسم في الأمم المتحدة

ويتحدث البند الـ21 في دليل المراسم في الأمم المتحدة عن الحداد الرسمي "متى ما أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أن الأمم المتحدة في حداد رسمي ينكس علم الأمم المتحدة حيثما كان مرفوعاً خلال فترة الحداد الرسمي. وفي حال وفاة رئيس (ة) دولة أو حكومة دولة عضو، وبعد أن يتلقى رئيس المراسم الرسالة الرسمية ينكس علم الأمم المتحدة، وفقاً لقانون وأنظمة علم الأمم المتحدة. ولا ترفع أية أعلام أخرى أثناء ذلك الوقت. وإذا وردت الرسالة بعد الساعة 7:00 صباحاً، ينكس علم الأمم المتحدة في اليوم التالي أو يوم الجنازة الرسمية، بالتشاور مع الحكومة المعنية بالأمر".

كما يجوز تنكيس علم الأمم المتحدة بناء على تعليمات خاصة صادرة عن الأمين العام.

الإضاءة بألوان العلم ودقيقة الصمت

أيضاً تواسي الدول بعضها بعضاً وبحسب العلاقات فيما بينها فترفع قبعات حدادها حزناً وتعاطفاً، بصور وأساليب مختلفة.

فبعد انفجار بيروت في أغسطس (آب) 2020 تقدم كثير من الدول بالعزاء وعرض المساعدات. ووقفت أسرة الأمم المتحدة دقيقة صمت على أرواح الضحايا في الذكرى السنوية الأولى.

وكانت بعض الدول أضاءت أبراجها أو بعض مبانيها الشهيرة بألوان العلم اللبناني. فأضاءت السعودية برج المملكة في الرياض والإمارات العربية المتحدة برج خليفة ومصر أهرام الجيزة وأبو الهول والأردن قلعة عمان. وفي أوروبا أضيء برج إيفل في باريس والكولوسيوم في روما وبوابة براندنبورغ في برلين وساعة بيغ بين في لندن وكاتدرائية ساغرادا فاميليا في برشلونة. كما أضيء مبنى إمباير ستيت في نيويورك وبرج سي إن تاور في تورنتو ودار الأوبرا في سيدني وتمثال المسيح الفادي في ريو دي جانيرو وبرج طوكيو في اليابان بألوان العلم اللبناني.

وأعيدت الكرة بعد الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا منذ عام مضى.

وعلى رغم أن هذا ليس بروتوكولاً رسمياً فإنه يعد لفتة تحمل التعاطف والمواساة للشعب المصاب.

تقليد دقيقة الصمت

وإلى جانب هذه اللفتة يختصر التعاطف أيضاً بالوقوف دقيقة صمت تضامناً مع حدث أو شعب أو أفراد. وتعد دقيقة الصمت تقليداً فرنسياً عندما أرادت فرنسا تخليد ذكرى النصر على ألمانيا في الذكرى السنوية للحرب العالمية الأولى عام 1919 بعد أن استاء المثقفون من التباهي والشماتة بهزيمة الألمان، ووجدوا أن دقيقة الصمت للتأمل بما وصلت إليه الحرب من فجائع وضحايا من الطرفين أفضل من الاحتفالات الصاخبة بالنصر، مما يؤسس لنظرة أكثر نضجاً وإنسانية في التعاطي الجماعي مع الحروب.

وأصبحت الدول والمؤسسات والجماعات والأفراد يستخدمون هذا التقليد للتضامن أو الذكرى أو المواساة أو لإظهار موقف ما، بغض النظر عن الانتماءات الدينية والعقائدية في العالم أجمع.

حداد سياسي رسمي

وتعلن الدول الحداد الرسمي وتنكيس الأعلام للتعبير عن حالة الحزن والتضامن، إن كان لحدث داخل البلد أو في دولة صديقة، وتختلف البروتوكولات بين بلد وآخر وينظر إلى تنكيس الأعلام كرمز للاحترام أو الحداد، أو حتى رسائل تضامن بخلفية سياسية.

ويعتقد أن عادة تنكيس الأعلام بدأت في القرن السابع عشر فيما يوصى غالباً بإنزال أعلام الدول أو المؤسسات إلى نصف السارية بعد أن يرفع إلى أعلاها للحظة، ثم خفضه إلى نصفها أو ثلثها.

ومما لا شك فيه أن للسياسة تأثيراً مهماً في تقدير قيمة وأهمية الشخصيات الرسمية الراحلة والحداد عليها. وتلعب الخلافات بين الدول هنا دورها، فترسم صورة الحداد وفق "هواها".

فالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الذي قضى في حادث طائرة مروحية إلى جانب وزير الخارجية أمير عبداللهيان وشخصيات إيرانية أخرى في مايو (أيار) الماضي أعلنت أربع دول الحداد الرسمي عليه وهي باكستان ولبنان وسوريا والعراق وبالطبع إلى جانب إيران، فيما لم تعلن مثلاً أذربيجان الحداد والتي منها انطلق نحو بلاده قبل وقوع الحادثة.

وعندما توفي أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح في ديسمبر (كانون الأول) 2023 أعلن كل من لبنان والسعودية والإمارات وقطر ومصر والأردن وفلسطين والبحرين الحداد الرسمي.

وأعلن لبنان منذ عامين الحداد الرسمي على ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، ومثله الأردن والبحرين والكويت وعمان والإمارات ونكست الأعلام. وكذلك أعلنت أميركا وألمانيا وأستراليا وفرنسا وكندا ونيوزيلندا الحداد، ووقف مجلس الأمن دقيقة صمت حداداً وحزناً على الملكة الراحلة.

متحف الثقافة الجنائزية العالمية

وأقام الأكاديمي الروسي "سيرجي ياكوشن" نائب رئيس اتحاد منظمات الجنائز ومحارق الجثث من نوفوسيبيرسك ما قد يعده كثر "غريباً"، وهو "متحف الثقافة الجنائزية العالمية" المخصص للتقاليد الجنائزية وطرق الدفن وثقافة الحداد بين شعوب العالم المختلفة، من العصور القديمة إلى الوقت الحاضر. ويضم أكثر من 200 فستان حداد تاريخي و10 آلاف نقش حول موضوع الدفن والحداد، وأكثر من 1000 لوحة لفنانين معاصرين حول موضوعات فلسفة الحياة والموت، و9 آلاف لوحة تاريخية وصور فوتوغرافية وأقنعة الموت لشخصيات تاريخية.

حداد بالألوان

وكما يختلف التعبير عن الحزن فإن ألوان الحداد تختلف بين الدول والحضارات. فللحزن فسيفساؤه من الألوان المتعددة. وعلى رغم سيادة اللون الأسود تقليدياً كلون الموت والحداد والأزياء الجنائزية فإنه ليس اللون العالمي للحداد في كل مكان.

وارتبط هذا اللون بروما القديمة وكرس بعد وفاة الأمير ألبرت عام 1861 حين ارتدته الملكة فكتوريا، وطبع العصر الفكتوري حين فرضت آداب الحداد على الأرامل ارتداء الحداد الكامل لمدة تراوح ما بين عام وعامين بعد وفاة أزواجهن.

وعلى النقيض تماماً، ففي شرق آسيا يطغى اللون الأبيض على مراسم الحداد ولباسه، ذلك الأبيض الحاد بحزنه وتطرفه يرمز إلى النقاء والولادة الجديدة التي يؤمن فيها البوذيون.

وفي حين يرمز اللون الأحمر في الصين إلى السعادة وهو ممنوع في الجنازات، فإن جنوب أفريقيا تعتمده كلون حداد، وهو يمثل سفك الدماء الذي عانته خلال حقبة الفصل العنصري. وارتدى رئيس الأساقفة ديزموند توتو اللون الأحمر تكريماً في جنازة رئيس جنوب أفريقيا السابق نيلسون مانديلا عام 2013.

وترتدي غواتيمالا اللون الأرجواني حداداً، من الحداد الديني في الجمعة العظيم إلى الحداد الاجتماعي أثناء خسارة الأفراد. ومثلهم في البرازيل يرواح لون حدادهم بين الأسود والأرجواني، فيما ترتدي أرامل تايلاند الأرجواني في حين يرتدي المعزون اللون الأسود.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات