Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"ديوان الشعر المصري"... أزمة هوية في زمن مضطرب

سلسلة عن شعراء ما بعد الفتح الإسلامي نسبوا إلى مصر بينما هم خارج الجغرافيا الضيقة  

الشعر بريشة الرسام العراقي ضياء العزاوي (صفحة فيسبوك)

ملخص

تعد سلسلة "ديوان الشعر المصري" التي أطلقتها الهيئة المصرية العامة للكتاب في بداية العام الحالي، واحدة من تجليات سؤال الهوية في مصر. والكتب التي صدرت في سياق هذه السلسلة مطلع العام الحالي هي على التوالي: "يا شقيق الروح من جسدي" لابن سناء المُلك، و"أفديه إن حفظ الهوى أو ضيعا" لابن النبيه، و"قامت قيامة قلبي" لابن نُبَاتة المِصْري، و"يا مَن لعبتْ به شَمُولُ" للبهاء زهير. لكن السلسلة أثارت سجالاً مصرياً وعربياً حول قضية هوية أو انتماء هؤلاء الشعراء الذي يتخطى البقعة الجغرافية ويشمل العالم العربي أجمع.

مع انهيار الدولة العثمانية، انشَغَلَ الساسة والمثقفون المصريون بمسألة هُوية مصر، هل هي عربية إسلامية أم قُطْرية قومية؟ ومن العجيب أنه بعد مئة عام عادت المسألة نفسها إلى ساحة النقاش الفكري والأدبي، وانعكس ذلك على كثير من الفاعليات الثقافية، ومنها سلسلة ندوات نظمتها إدارة معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورتها الماضية تحت عنوان "التراث الثقافي وترسيخ الهوية المصرية". وحمل عنوان المؤتمر السنوي الثاني لمركز تحقيق التراث التابع للهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية عنوان "التراث وترسيخ الهوية"؛ وعقد في سبتمبر (أيلول) 2022. وفي مارس (آذار) الماضي أَقَام المعهد العالي للنقد الفني التابع لأكاديمية الفنون المصرية مؤتمره العلمي الثالث تحت عنوان "التنوع الثقافي وسؤال الهوية". وفي مايو (أيار) 2023 أطلق مجمع اللغة العربية في القاهرة مؤتمره حول الهوية القومية والعولمة. وتعد سلسلة "ديوان الشعر المصري" التي أطلقتها الهيئة المصرية العامة للكتاب في بداية العام الحالي، واحدة من تجليات سؤال الهوية في مصر. والكتب التي صدرت في سياق هذه السلسلة مطلع العام الحالي هي على التوالي: "يا شقيق الروح من جسدي" لابن سناء المُلك (550 – 608 ﻫـ)، و"أفديه إن حفظ الهوى أو ضيعا" لابن النبيه (559 – 619 هـ)، و"قامت قيامة قلبي" لابن نُبَاتة المِصْري (676- 768 هـ)، و"يا مَن لعبتْ به شَمُولُ" للبهاء زهير (581 - 656 هـ). ويقول المشرف على السلسلة الشاعر أحمد الشهاوي: "إن الشخصية المصرية عقيدة ينبغي أن نؤمن بها". ويضيف الشهاوي في سياق تقديم أربعة أعمال صدرت في السلسلة نفسها: "لا أتصور أن هناك قطيعة روحية عند الشاعر المصري وتراثه حتى بعد استخدام لغة جديدة وافدة هي اللغة العربية، فقبل العرب كانت هناك حضارة مزدهرة في الفنون والآداب والعلوم والفلك والطب". ومع ذلك ينفي الشهاوي تهمة الإقليمية التي وجهها البعض إلى السلسلة، لكنه يشدد في الوقت نفسه على أن "مصرية مصر شعريّاً هي أمرٌ مهم وحقيقي، ولا يعد تجنيّاً على عروبة مصر وإسلامها"!

تجدد الجدل

"اندبندنت عربية" تحدثت إلى شعراء وأكاديميين مصريين لمعرفة رأيهم في هذا المشروع. وأساساً انقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض، علماً أن من أبرز الانتقادات في هذا الصدد هو أن تلك السلسلة ستعمل على تشظية ديوان الشعر العربي. وذلك الانتقاد، الذي يحمل وجاهته، كان في ذهن كثير من المتخصصين في أدب مصر الإسلامية. ومن ذلك ما كتبه عبد اللطيف حمزة (1907- 1970) في مقدمة كتابه "الأدب المصري من قيام الدولة الأيوبية إلى مجيء الحملة الفرنسية". وامتد الجدل إلى تطبيق "فيسبوك"، إذ كتب الشاعر سامح محجوب: "لا يوجد شيء اسمه شعر مصري وشعر سوري وعراقي، الشعر ينسب للغة التي يُكتب بها"، وأضاف أن هذا "لا ينفي تأثر اللغة ومحمولاتها بالجغرافيا، لكن الاختلاف والتغير يظل داخل إطار اللغة وخيالها الخاص؛ لأن المعجم اللغوي هو أحد مفردات العملية الشعرية وليس كلها وليس أهمها"؛ في إشارة إلى سلسلة "ديوان الشعر المصري". وعقَّب الشاعر ميلاد زكريا بأن الإنجليز والأميركان والأستراليين يكتبون بالإنجليزية، "لكنهم ينسبون لبلادهم لا لغة الكتابة، واللغة نفسها تختلف دلالاتها ومحمولاتها وخيالها وحتى معانيها باختلاف الشعوب الناطقة بها. وأن لكل شعب ثقافته وروحه وخصائصه".

محمولات ودلالات

بينما علَّق الكاتب اليمني علي الجيلاني أنه في كتابه الجديد "شجون الغريبة" تناول أكثر من 87 شاعراً من أقطار عربية مختلفة، من دون ذكر أسمائهم أو بلدانهم، فلاحظ أن "طرائق التعبير وكذلك التفضيلات المتعلقة بالمعجم، والكثير من المحمولات الدلالية تختلف من بلد إلى آخر". وأضاف الجيلاني أنه تعامل مع ذلك كله بوصفه سمات تثري التجارب والنصوص، "وبالتالي تضيف للغة العربية التي نكتب بها جميعاً، ونجد أنفسنا فيها دائماً". وتساءل الشاعر المصري خالد محمود عن سبب عدم نسب الشعر إلى موطن مؤلفه، في ضوء أن "اللغة التي يُكتب بها تُنسب لمتحدثيها، ومُتحدثوها يُنسبون لشعوبهم، والشعوب تُنسب لأوطان، والأوطان لها أسماء". وتجاوز الشاعر عمر مكرم مسألة ربط الإبداع بقطر أو جغرافيا أو لغة بعينها، مشيراً إلى أن "الشعر ينسب للإنسانية، لأنه لغة فوق اللغة، واللغة هي إحدى أدواته، ومعروف أن محمولاتها ودلالاتها تختلف من لغة إلى أخرى، سواء المكتوبة منها أو المحكية. اللغة هي مجرد إناء، يظل فارغاً إلى أن يأتي الشعر فيملأه".

وأكد رئيس قسم اللغة العربية في كلية الآداب في جامعة القاهرة سامي سليمان لـ"اندبندنت عربية"، "تقصير المصريين في حق أدبهم القومي"، موضحاً أن "أي قارئ سيلحظ بقدر من السهولة أن هناك علاقة وثيقة بين أدبنا المصري الحديث وأدبنا المصري في العصور الوسطى. فهناك ظواهر متعددة تسري من هذا الإنتاج إلى تجليه الحديث مما يكشف عناصر الاستمرارية في الشخصية الثقافية المصرية".

أدب العصور الوسطى

ولفت سليمان إلى أنه لا يمكن تجاهل أن حركة الأدب المصري في العصور الوسطى هي بلا جدال جزء من حركة الأدب العربي، موضحاً أن هناك ملامح عدة نجدها موجودة في الشعر المصري في العصور الوسطى موجودة حتى الآن مثل ميْل الشعراء إلى استخدام لغة قريبة من الحياة اليومية أو تحاكي لغة الحياة اليومية، والميْل إلى موضوعات الحياة المتصلة بشؤون الإنسان العادي، والميْل كذلك إلى التفاعل مع عناصر البيئة المصرية، فالأدب كان وسيظل ابن بيئة ونبتاً للبيئة التي ينشأ فيها.

وذهب الشهاوي في مقدمته للمختارات التي صدرت في أربعة كتب، إلى أن الجامعات المصرية لا تدرس الأدب المصري، سواء الذي أنتجته مصر القديمة، أو مصر ما بعد الفتح الإسلامي، على غرار دراسة العصر الجاهلي مروراً بالعصرين الأموي والعباسي ثم العصر الأندلسي. وتعقيباً على ذلك يقول سليمان: "كان من أبرز الثمار التي تبلورت عنها ثورة 1919 الدعوة إلى تحقيق الشخصية المصرية والكشف عن حقيقتها في الثقافة المصرية بشكل عام أو في الإبداع المصري في العصور السابقة خاصة، أو في الإنتاج الأدبي المعاصر على ذلك النحو الذي برز لدى أدباء المدرسة الحديثة، وفي هذا الإطار برزت الدعوة إلى دراسة الأدب المصري، وأثمرت هذه الدعوة عن إنتاج مجال جديد من مجالات الدراسة في قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة القاهرة لدراسة الأدب المصري".

ويضيف أنّ، في هذه المرحلة؛ أي عندما تحوَّلت الجامعة الأهلية إلى جامعة حكومية عام 1925 كانت الدعوة إلى الكشف عن الشخصية المصرية في الإبداعات السابقة وتحقيق الهوية المصرية من أبرز التيارات في الثقافة المصرية. وأوضح سليمان أنه برزت مجموعة من أساتذة الجامعة في تلك المرحلة منهم أمين الخولي، وأحمد أمين، وطه حسين وغيرهم ممن تحملوا عبء هذه الدعوة... "وكانوا يقصدون بالأدب المصري، الأدب العربي في مصر من الإسلام إلى بداية العصر الحديث، وكتب هؤلاء الأساتذة في هذا الصدد ولا سيما أمين الخولي مجموعة من المقالات التي جمعها في كتاب "الأدب المصري" الذي صدر عام 1942".

دراسات متميزة

ويكمل صاحب كتاب "كتابة السيرة النبوية عند رفاعة الطهطاوي" أن هذه الدعوة أدت إلى تخصيص بعض الباحثين إلى دراسة الأدب المصري على رأسهم الدكتور الكبير محمد كامل حسين (1901- 1977) الذي قدَّم رسالته للماجستير عن الأدب العربي في مصر من الفتح العربي إلى دخول الفاطميين كأول رسالة علمية في هذا المجال، ثم أعدَّ رسالته للدكتوراه تحت إشراف الجليل طه حسين وكان موضوعها حول ديوان المؤيد في الدين داعي الدعاة تحقيق ودراسة وهو واحد من كبار الدعاة في العصر الفاطمي.

ويلفت مؤلف "حفريات نقدية" إلى أنه بعد جيل الرواد الذين رسخوا لدراسة الأدب المصري وتدريسه، تواصلت الأجيال بأسماء مهمة في جامعة القاهرة مثل الدكتور عوض الغباري الذي تناول شعر الطبيعة في مصر، ومقامات السيوطي، وابن نباتة المصري، وهناك الجيل التالي بعده في هذا التخصص مثل الدكتورة تغريد حسن التي قدمت عدداً من الدراسات المميزة عن ثقافة الكاتب العربي في مصر.

وختم سليمان حديثه بأن ريادة قسم اللغة العربية في جامعة القاهرة في دراسة الأدب المصري وتقديم عدد من الأجيال والدراسات هي التي حثَّت كليات وأقسام اللغة العربية بمختلف الجامعات المصرية على إدراج هذا التخصص منذ السبعينيات مجالاً من مجالات الدراسة بها.

وأكد الشاعر جمال القصاص لـ"اندبندت عربية" أن الشاعر مرتبط ببيئته، فبدر شاكر السياب شاعر عراقي، ونزار قباني شاعر سوري، ولا توجد مشكلة في ذلك، وعلى الدرس النقدي أن يربط الإبداع الشعري الحديث بتراثه وجذوره وسياقه العربي، وكذلك بتأثيرات الثقافات المختلفة، وليس في ذلك تشظ لديوان الشعر العربي وإنما إثراء له.

وعبَّر القصاص عن اعتزازه بهويته المصرية، لأنها جزء من شخصيته، ولأنه ابن هذا الفضاء الخاص - يعني مصر- وليس الفضاء العام، فنحن في النهاية نكتب بلسان عربي ومهم أن تكون اللغة التي نكتب بها محسوسة ويمكن لمسها. وشدد صاحب ديوان "السحابة التي في المرآة"، على فكرة تأكيد الهوية المصرية والاهتمام بالجذور التي تحمل بعديْن؛ أولهما خاص يتعلق بالانتماء إلى مصر، والثاني عام يتعلق بالمحيط العربي؛ لأنه ابن المملكة العربية مملكة الدم الواحد. مضيفاً أن هذه المملكة مجازية وتافهة وكاذبة ومزيَّفة، فأين هو الدم الواحد الذي يهدر في كل ثانية متجسداً في آلاف الضحايا.

وعبَّر صاحب ديوان "جدار أزرق" عن إعجابه بالشعر المصري، بخاصة في العصر المملوكي؛ "لأن الشعر في هذا العصر أصبح مفردة من مفردات الحياة، ومعبراً عن بيئته الخاصة، وبدأ في هذه الحقبة يمشي على الأرض في الأسواق بين الناس، ونزل من سمائه"، لافتاً إلى أنه لم يكن عصر انحطاط إطلاقاً كما يزعم البعض، فقد عبر عن الحياة وحافظ على فخامته أيضاً.

عصر الحداثة

ومن جانبه، اعترض الشاعر أحمد طه على تقديم هذه السلسلة لشعراء ينتمون إلى زمن سابق على منتصف القرن التاسع عشر، متمنياً أن تختص بالأدب المصري في عصر الحداثة الذي امتد لنحو قرنين من الزمان، وبالتحديد منذ عودة البعثات التي أرسلها محمد علي إلى فرنسا. وشدَّد طه على ضرورة طباعة كتب عصر النهضة التي لم تعد متاحة الآن، بخاصة وأن الكتب التراثية أصبحت متاحة، فالآن هناك موسوعة الشعر العربي الإماراتية الموجودة على الإنترنت وتوزع على أسطوانات، مضيفاً أننا لا نريد ما هو متاح وإنما نريد الأعمال التي لا توجد نسخ منها الآن من بداية القرن الـ19 وحتى منتصف القرن العشرين.

وأشار صاحب ديوان "إمبراطورية الحوائط" إلى أن الاهتمام بما أُغْفِل من تراث عصر النهضة هو ما يجب أن يُلْقَى عليه الضوء؛ لأننا نجد أعمالاً كثيرة مهمة وغير متوافرة، فمصر في هذه الفترة كانت ليبرالية، ونوقشت فيها قضايا كثيرة بمنتهى الجرأة التي يصعب طرحها الآن، وحضرت فيها مسائل مهمة مثل الأصالة والمعاصرة.

ويردف صاحب "الطاولة 48" أن هناك كتباً ودواوين مهمة طبعت لمرة واحدة، وهي في غاية الأهمية، في فترة كانت فيها مصر دولة كوزموبوليتانية أفرزت أسماء وجماعات وتيارات متنوعة مثل أحمد راسم وجورج حنين، ومدارس مثل أبواللو والديوان، وهذه الإسهامات التي نشرت في تلك الآونة، كثير منها لا يعلم الناس عنه شيئاً ومن ثم فإنها تستحق أن تكون لها أولوية النشر في طبعات جديدة.

مصرية الشعر

ويقول الشاعر عبد المنعم رمضان أن جماعة "أصوات" التي ظهرت في سبعينيات القرن الماضي في مصر، كانت معنية بمصرية الشعر، "وكنا نحاول أن نكون مصريين في إبداعنا ملتصقين بالمكان ولغة المكان، وليس بشعر العربية في عصوره المختلفة، فكان ذلك من أسباب صدامنا مع أصدقائنا في حركة "إضاءة" وقتها؛ لأنهم عُروبيون". وأضاف صاحب ديوان "غريب على العائلة" أن مصر لم تكن ذات عطاء شعري متقدم على الآخرين في العصور الوسطى، ولم يبرز من مصر شاعر بمقام المتنبي والبحتري وأبي تمام وأبي نواس. وأوضح أن الشعر المصري في العصور الوسطى كان ينظر إلى نفسه في مرآة الشعر العربي وما كتبه عرب الجزيرة. ولفت صاحب "متاهة الإسكافي" إلى أن اللغة الجديدة التي تبنتها مصر، لم تتح الفرصة ليكون للمصريين وقتها إنجاز مميز، مثل شعراء حاضرتي الدولتين الأموية والعباسية، فالشعراء كانوا يتوجهون إليهما لمدح الخلفاء والأمراء ولم يكن هناك شاعر مصري فذ على الإطلاق. وأردف صاحب ديوان "بعيداً عن إيثاكا، قريباً من بابل" أن مصر كانت مكانتها متأخرة في شعرها المكتوب بالعربية، لأنه بالضرورة كان لديها شعرها الذي يكتب بغير العربية وللأسف لم نطلع على شعرها في لغات ما قبل العربية، لذا ظل شعراء الشام والعراق والجزيرة هم الراكبون فوق أعناق الشعر العربي لفترة طويلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح صاحب "لماذا أيها الماضي تنام في حديقتي" أن أول شاعر كبير قدَّمته مصر إلى العربية هو أحمد شوقي، وقبله كان يوجد شعر يكتبه أناس تعلموا العربية وهي ليست لغتهم الأصلية، بل إن كثيراً من شعراء مصر في هذه الفترة كانوا قادمين مع حملات الغزو، وهكذا لم تكن مصر شاعرة عند العرب في هذه الفترة.

تأثير ممتد

وعبَّر أستاذ النقد العربي في كلية الآداب في جامعة القاهرة خيري دومة عن ترحيبه بفكرة "ديوان الشعر المصري"، بخاصة وأن الكلية نفسها تدرس أدب مصر الإسلامية تحت هذا الاسم. وأضاف دومة أنه ليس مهماً قيمة هذا الشعر؛ ولكن المهم هو تأثيره في الشعراء المصريين حتى أبعد من المدرسة الرومانسية. فروح ابن سناء الملك وابن نباتة وغيرهما من الشعراء حاضرة في الشعر المصري الحديث، وهو ما نلمسه في كتاب الدكتور طه وادي "الشعر والشعراء المجهولون في القرن التاسع عشر". وأكد دومة أنه مع فكرة السلسلة؛ "لكن لا بد أن يكون وراءها استراتيجية ما". وأضاف أن هذا ليس نقيضاً للعروبة، فعلميّاً نحن ندرس الرواية في مصر والقصة في مصر والشعر في مصر، وكذلك في العراق وفي لبنان وفي كل دولة من الدول العربية يفعلون ذلك. ولفت إلى أنها ليست دعوة للفرقة وإنما دعوة إلى تأصيل جذورنا أكثر، فتأثير تراثنا الشعري هذا حاضر بقوة في الشعر المصري الحديث.

وأشار دومة إلى ضرورة أن تحرص السلسلة بشدة على امتلاك مقدمات علمية رصينة لما تنشره، فشاعر مثل ابن نباتة مثلاً يجب أن يعرف القارئ شيئاً حول مدى امتداده في الشعر المصري في الوقت الراهن. وذكر أن هناك كُثراً حققوا دواوين هؤلاء الشعراء الذين ترغب السلسلة في نشر أعمالهم، ويمكن الاستعانة بهم في هذه التجربة لكتابة مقدمات محترمة لهذه الدواوين حتى لا يصبح الأمر مجرد نشر لشعرهم. ويرى مؤلف كتاب "تداخل الأنواع في القصة القصيرة" أن المقدمات هي التي تبرر عنده إعادة نشر هذه الدواوين وتغري القارئ بأن يقرأها ويعرف صلتها بالحاضر وماذا تبقى من شعر هؤلاء الشعراء في شعرنا الحاضر.

وأردف أنه غير صحيح النظرة إلى الشعر المملوكي والعثماني على أنه عصر انحطاط شعري بدليل أنهم مؤثرون، وإن كان ذلك غير ظاهر بشكل مباشر في الشعر المصري حتى حافظ إبراهيم، فهناك تأثر كبير بهذا الشعر ويُلمس ذلك في الموضوعات وخصوصاً في الجانب الفكاهي، وفي اللغة شبه العامية، وفي استخدام ظلال معان غير موجودة إلا في العامية المصرية.

وفسر دومة أن ضياع دواوين كثير من الشعراء المصريين لا يعود لأسباب مذهبية فقط مثل الخلاف بين الدولة الفاطمية والأيوبية؛ لكن ربما يعود كذلك لأن المصريين في هذه الفترة لم يشعروا بأهمية شعرهم أو أنهم نظروا إليه على أنه قليل القيمة، كما أن الشعر في الحقبتين المملوكية والعثمانية كان طابعه شعبياً وشفوياً، إلا أنه حُفِظ جانب منه في كتب الموسوعات مثل "صبح الأعشى" للقلقشندي.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة