Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"اليسار المتخاصم" يخوض معركة غير متكافئة ضد ماكرون ولوبن

تشكلت الجبهة الشعبية الجديدة لا بغرض مواجهة خطر "التجمع الوطني" وحده ولكن أيضاً لتكون خياراً ثالثاً للفرنسيين بعيداً من ماكرون ولوبن

تستعير "الجبهة الشعبية الجديدة" اسمها من تحالف ظهر رداً على تهديد الفاشية في ثلاثينيات القرن الماضي (أ ف ب)

ملخص

في حين كان الناخبون من جميع المشارب يميلون خلال الانتخابات السابقة إلى التصويت ضد "اليمين المتطرف"، فإن الأمر قد يكون هذه المرة مختلفاً، ووفق مراقبين فإن "يسار ميلينشون الراديكالي" يعتبر بالنسبة إلى كثيرين في فرنسا مقيتاً مثل "يمين لوبن المتطرف". 

بينما يعزز "اليمين المتطرف" في فرنسا وضعه في استطلاعات الرأي، قبيل الانتخابات البرلمانية المقررة الأسبوع المقبل حين تتركز الأنظار على التنافس الحامي بين حزب "التجمع الوطني" بزعامة ماري لوبن، و"كتلة الوسط" بقيادة الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، ثمة كتلة تشكلت مما يمكن أن يطلق عليهم "الأخوة الأعداء"، وهي "كتلة اليسار" المكونة من "فرنسا الأبية" و"الحزب الاشتراكي" و"الخضر" و"الحزب الشيوعي"، تحت اسم "الجبهة الشعبية الجديدة". 

وتكونت "الجبهة الشعبية الجديدة" التي تستعير اسمها من تحالف سياسي بين الاشتراكيين والشيوعيين ظهر رداً على تهديد الفاشية خلال ثلاثينيات القرن الماضي، ليس فقط لمواجهة خطر "اليمين المتطرف" الذي بات يحرز تقدماً في أنحاء أوروبا، لكن أيضاً ليكون خياراً ثالثاً للمواطن الفرنسي بعيداً من "التجمع الوطني" أو كتلة التحالف الرئاسي "معا" التي يقودها ماكرون، وقد التزم التحالف المكون من أربعة أحزاب بتقديم برنامج مشترك مع قائمة مشتركة من المرشحين. 

وتظهر استطلاعات الرأي أن التحالف اليساري يتقدم على كتلة ماكرون المكونة من ائتلاف وسطي يضم أحزاب "النهضة" و"آفاق" و"الحركة الديمقراطية"، إذ يبدو أنه المنافس الرئيس لـ "اليمين المتطرف"، فوفق أحدث استطلاع للرأي فإنه مع تصدر حزب "التجمع الوطني" وحلفائه من جناح الجمهوريين بنتيجة 34 في المئة، فإن تحالف اليسار "الجبهة الشعبية الجديدة" يحظى بـ29 في المئة في مقابل 22 في المئة لمعسكر ماكرون. 

زواج مصلحة

ويقول مراقبون إنه حتى وقت قريب كان يُنظر إلى "اليسار" الفرنسي على نطاق واسع باعتباره قوة مستهلكة ومنقسمة بين مجموعة من الأحزاب التي تختلف بشدة حول قضايا مثل دعم أوكرانيا والحرب في غزة والطاقة النووية ومواقفها تجاه الاتحاد الأوروبي، وحتى العداء الشخصي بين قادتها الذي بلغ ذروته في التشهير، وقد تعثرت المحاولات السابقة للتوحد، وكان آخرها خلال الانتخابات البرلمانية لعام 2022. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن بعد مخاطرة ماكرون بالدعوة إلى انتخابات باكرة في أعقاب الفوز الكبير المفاجئ لليمين المتطرف في انتخابات الاتحاد الأوروبي، استطاعت أحزاب "اليسار" التوحد سريعاً في زواج مصلحة ربما قصير المدى. 

وبالنسبة إلى "الاشتراكيين" في فرنسا فإن التحالف مع حزب "فرنسا الأبية" بعد الإهانات والهجمات التي وجهها زعيمها جان لوك ميلينشون إلى الرجل الذي تصدر صفوف "اليسار" خلال الانتخابات البرلمانية الأوروبية رافاييل غلوكسمان، كان بمثابة حبة دواء مُرة الطعم، لكنهم بحاجة إلى ابتلاعها، كما يقول غلوكسمان، إذا أرادوا الفوز بما سمّاه "أم المعارك". وأضاف القيادي الاجتماعي الديمقراطي واصفاً التحالف الجديد بأنه "معقد، ولن أخبركم أنه زواج عن حب".

ويعتبر مدير برنامج أوروبا لدى مجموعة أوراسيا للأبحاث مجتبى الرحمن أن التحالف اليساري هو تحالف "تكتيكي للغاية"، من شأنه أن يمنع تشرذم أصوات الناخبين، ومن ثم تضمن الأحزاب اليسارية الحفاظ على حصتها نفسها التي تزيد أو تقل قليلاً في كل انتخابات منذ عام 2017.

وتقول صحيفة "أوبزرفر" إن إنشاء برنامج مشترك للتحالف الذي أنشئ على عجل، ويكره معظم قادته بعضهم بعضاً، شمل مزيداً من التنازلات، وتوصل التحالف إلى برنامج يستهدف زيادة الحد الأدنى للأجور وتجميد أسعار السلع الأساس والطاقة، وإلغاء رفع سن التقاعد إلى 64 عاماً ثم خفضه مرة أخرى إلى 60 عاماً، وزيادة الضرائب على الدخل والممتلكات والثروة والميراث.

وقال مدير مرصد الحياة السياسية لدى "مؤسسة جان جوريس" البحثية إيميريك بريهير إن اليسار أُجبر على تجاوز الخلافات السياسية الكبيرة، بسبب احتمال حصول حزب "التجمع الوطني" على غالبية في الجمعية الوطنية المؤلفة من 577 مقعداً، مشيراً إلى أن "اليمين المتطرف" كان حريصاً للغاية ولم يقترف أي خطأ خلال الحملة الانتخابية، ومضيفاً "لقد اكتسب صدقية وجعل الناس يعتقدون أنه حزب عادي آخر، إذ إنه يقول أشياء يريد الناس سماعها، ولمحاربته كان على 'اليسار' أن يتعاون ويتوصل إلى حل وسط لتشكيل قوة سياسية بديلة". 

وقدم ماكرون، الذي دعا إلى انتخابات باكرة، تحالفه الوسطي باعتباره البديل السياسي الوحيد لمارين لوبن ورئيس حزب الجبهة الوطنية غوردان بارديلا (28 سنة)، والذي يعد خصماً قوياً للرئيس الفرنسي.

كلاهما متطرف

ويرى بريهير أن نسبة المشاركة المرتفعة المتوقعة، وانخفاض عدد المرشحين هذه المرة، يمكن أن يؤديا إلى مزيد من "المثلثات" وهو وضع غير معتاد، إذ يتأهل ثلاثة مرشحين للجولة الثانية من التصويت بدلاً من اثنين، ففي الماضي عندما يواجه حزبان "اليمين المتطرف" كان أحدهما ينسحب في كثير من الأحيان لتجنب تقسيم الأصوات، وحتى الآن قال الحزب "الاشتراكي" إنه سينصح الناخبين بدعم من يواجه حزب "الجبهة الوطنية" بعد الجولة الأولى من التصويت الأحد المقبل.

ولكن في حين كان الناخبون من جميع المشارب يميلون خلال الانتخابات السابقة إلى التصويت ضد "اليمين المتطرف"، فإن الأمر قد يكون هذه المرة مختلفاً، ووفق مراقبين فإن "يسار ميلينشون الراديكالي" يعتبر بالنسبة إلى كثيرين في فرنسا مقيتاً مثل "يمين لوبن المتطرف"، وحتى عندما دعا لاعب منتخب فرنسا لكرة القدم كليان مبابي الناخبين إلى عدم التصويت "للتطرف"، لم يُفهم الأمر فقط على أنه يستهدف "اليمين المتطرف" بل أيضاً "اليسار الراديكالي".

وفي هذا الصدد قال الناشط المعروف بتوثيق الـ "هولوكوست" سيرغ كلارسفلد إنه سيصوت لـ "اليمين المتطرف" إذا كان عليه الاختيار بين "التجمع الوطني" و"فرنسا الأبية"، كما قال الفيلسوف اليهودي الفرنسي وعضو الأكاديمية الفرنسية آلان فينكيلكروت إنه سيفعل الشيء نفسه.

ومع ذلك يرفض أستاذ العلوم السياسية في جامعة سوربون فريديريك ساويكي المساواة بين الطرفين، ويسعى إلى طمأنة الناخبين "اليساريين المعتدلين" الذين يرفضون دعم مرشح حزب "فرنسا الأبية"، من خلال الإشارة إلى أن أعضاء التحالف الآخرين سيعملون على تحييد العناصر الأكثر تطرفاً في "اليسار الراديكالي".

وحول ما إذا كان هذا الائتلاف سيتمكن من التغلب على انقساماته لفترة كافية بغية البقاء حتى الجولة الثانية في السابع من يوليو (تموز) المقبل، فهذا أمر صعب تخمينه وفق مراقبين، ويقول مجتبى الرحمن إنهم "عندما يتلامسون مع الواقع فمن المتصور تماماً أنهم سيتفككون لأنهم غير متماسكين حقاً، لكن إنشاء هذه الكتلة في الوقت الحالي خلق بديلاً للناخبين المعتدلين والوسطيين وذوي الميول اليسارية، والذين لولا ذلك لشعروا بأنهم مجبرون على دعم ماكرون لكبح جماح لوبن".

ماكرون يستشعر الخطر 

يعتقد مراقبون آخرون أن نشأة التحالف اليساري "الجبهة الشعبية الجديدة" سيكون خطراً على حظوظ ماكرون وليس "اليمين المتطرف"، إذ إن تقسيم أصوات اليسار هو الإستراتيجية الرئيسة للائتلاف الرئاسي، فإذا اتبع أولئك الذين صوتوا لمصلحة المرشحين اليساريين في الانتخابات الأوروبية قيادتهم ودعموا "الجبهة الشعبية الجديدة"، فستقل حظوظ ائتلاف الرئيس في خوض جولة الإعادة في الغالبية الساحقة من الدوائر الانتخابية، وربما هذا ما تعكسه الفجوة الواضحة في استطلاعات الرأي، فما بين 25 إلى 28 في المئة من الناخبين المحتملين سيدعمون "الجبهة الشعبية الجديدة" في الـ 30 من يونيو (حزيران) الجاري، في حين أن ماكرون وحلفاءه لم يتجاوزوا عتبه الـ22 في المئة، ومثل هذه الفجوة يمكن أن تقوض حظوظ ائتلافه.

ويركز حلفاء ماكرون بالفعل هجماتهم على تحالف اليسار الجديد، إذ وصفه وزير العدل الفرنسي إيرك دوبون موريتي بأنه "مثير للشفقة"، ومع ذلك يعتقد رئيس معهد استطلاعات الرأي "كلاستر-17" جان إيف دورماغن أن انهيار المعسكر الرئاسي لن يدفع بالضرورة اليسار إلى السلطة، إذ "سيعتمد مصير الانتخابات على من سيختاره هؤلاء الناخبون في جولات الإعادة، وفي الوضع الراهن سيخسر 'اليسار' معظم مبارياته أمام حزب 'التجمع الوطني'".

وإذا فاز حزب معارض بالغالبية المطلقة فسيكون الرئيس الفرنسي ملزماً بتعيين رئيس وزراء من الحزب الفائز في الانتخابات، وهذا من شأنه أن يجبر ماكرون على الدخول في حكومة تعايش مما قد يؤدي إلى شلل في الحكم خلال الفترة الباقية من ولايته الرئاسية الممتدة حتى مايو (أيار) 2027.
 

المزيد من تقارير