Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حج المصريين المخالف... قوافل التدين و"عصابات" التحايل

شغف أداء الفريضة دفع آلافاً إلى اتباع طرق خداع الأنظمة وتحمل المشاق فأفضى إلى وفاة 672 شخصاً

شهد موسم الحج عدداً كبيراً من الحجاج غير النظاميين القادمين من مصر (واس) 

ملخص

أداء فريضة الحج بالتحايل واللجوء إلى شركات سياحة تعمل بصورة غير قانونية لأداء المناسك والمشي في الصحراء لعشرات الكيلومترات في العراء يحتاج دراسات نفسية واجتماعية وأنثروبولوجية وتقويمات دينية وتوعوية إضافة إلى رقابة محكمة وربما عقوبة صارمة على من حولوا الدين من يسر إلى عسر.

بين فضل العمل في اليوم شديد الحرارة، وثواب الحر وقسوة الطقس، والفرق بين من يسعى طلباً للرزق أو لأداء طقوس الدين في جو حار رطب، ومن يسعى في جو لطيف مع نسمة هواء عليل من جهة، وتعليل وتبرير بل وتعظيم وتبجيل من توجه لأداء الحج نظامياً أو غير مشروع في درجة حرارة شديدة الارتفاع وهو "يحمل أمراض الدنيا والآخرة"، أو على رغم تحذير الأطباء له من أن ذلك يعرضه لخطر الموت، أو وهو يتمنى الموت في أطهر بقاع الأرض "بما إنها كدة كدة موتة" من جهة أخرى صلة عميقة وقرابة وثيقة.

أربعة فرق

توثيق ما جرى لنحو 672 حاجاً مصرياً يشكلون أكثر من نصف عدد وفيات الحجاج المعلن عنها في السعودية أثناء موسم الحج، ومعظمهم من "الحجاج غير النظاميين"، ليس توثيقاً عددياً فقط، لكنه توثيق حالة، إنها حالة التدين الشعبي السائدة بصورة كبيرة بين فئات عدة من المصريين.

فريق من المصريين تعامل مع ما جرى من منطلق "ماتوا أحسن موتة" أو "ماتوا شهداء" أو "أحلى موتة" أو "ربنا يكتبها لنا"، وفريق أقل عدداً ولكن يتمتع بالصوت العالي والحضور الافتراضي الطاغي حمل الحكومة المصرية مسؤولية "الشهداء"، ويقولون إنه كان على الدولة، وفي أقوال أخرى الحكومة، أن تعمل على ضمان قيام هؤلاء "المساكين" "الغلابة" وغالبيتهم لا مراد لهم أو غاية في الدنيا سوى حج بيت الله الحرام أن تتكفل بحجهم.

وفريق ثالث يدق على ما يقول إنه قانون معتل وتدقيق غائب وفوضى مسكوت عنها، وفريق رابع بح صوته وتعب قلبه وأُنهِك عقله لتكرار المطالبة بتحليل تصرفات الناس ومراجعة مفهوم الدين وإعادة ترتيب أوراق التدين كلما تم الكشف عن "غرائب" المفاهيم و"عجائب" التفاسير.  

محنة وفتاوى

قبل ساعات، وبينما أزمة وفيات الحجاج ومحنة أهاليهم وكارثة الشركات المخالفة لا تزال في أوجها، تواترت أسئلة إلى دار الإفتاء المصرية تدور غالبيتها حول من مات قبل أن يتم مناسك الحج، وكذلك إن كان قريبهم الذي مات أثناء أداء مناسك الحج يندرج تحت بند من "توفاهم الله على طاعة" أم لا.

أمين الفتوى علي فخر قام بما ينبغي أن يقوم به عالم الدين، أجاب بأن من توفاه الله على طاعة، مثل أثناء الصلاة أو الحج أو قراءة القرآن أو وهو ذاهب إلى المسجد، فهذا حسن الخاتمة، وبرد النفوس القلقة من ذوي من ماتوا في الحج قبل إتمام المناسك، فقال "من تُوفى أثناء الحج، كتب له الحج مبروراً إن شاء الله، حتى لو لم يكن قد أتم المناسك".

واستشهد فخر بحديث الرسول عن النيات "يبعث الناس على نياتهم"، مؤكداً أن مجرد نية الحج والبدء فيه والوفاة قبل إتمامه يعني "إنه حاج إن شاء الله قد أتم الله سبحانه وتعالى له حجه".

أمر عظيم

إتمام الحج أمر عظيم، واهتمام الناس به أمر جميل، والقلق من أن قريباً أو صديقاً قد مات قبل أن يكمل المناسك أمر مؤثر، لكن تكبد أصعب المشاق، وتجرع آلام السفر غير القانوني، وخوض مخاطرة التنقل من مكان إلى آخر بحرص شديد درءاً للتعرض للجهات الرسمية، والإقامة بصورة غير قانونية لأسابيع طويلة، والمشي كيلومترات طويلة في العراء لأداء المناسك نظراً إلى عدم انتماء الحاجة أو الحاجة لشركة أو جهة ما تنظم انتقالاتهم وتضمن سلامتهم وتقدم خدمات الإنقاذ وقت الحاجة، وغيرها من تفاصيل رحلة الحج يتعامل معها كثير باعتبارها جزءاً من مشقة الحج المرجوة ووسيلة من وسائل تجميع الحسنات وتعظيم الثواب، لا تعريض النفس للخطر أو ارتكاب مخالفة أو الكذب مع سبق الإصرار أو تزوير في أوراق رسمية.

 

 

الحج بالتهريب والحج بالتحايل والحج بالالتواء وغيرها من مسميات الحج غير النظامي أو غير القانوني ليس وليد الأمس، قصص وحكايات على مدار عقود عن "عم خميس" الذي سافر قبل موسم الحج بأشهر لزيارة ابنه الذي يعمل في السعودية وظل مقيماً لديه حتى وقت الحج حتى يتمكن من أداء "الفريضة"، و"الحاجة عنايات" التي باعت مشغولاتها الذهبية وجانباً من أجهزة البيت الكهربائية وحررت على نفسها إيصالات أمانة حتى تجمع المبلغ المطلوب سداده للشركة المتخصصة في تنظيم رحلات الحج غير القانوني "جزاهم الله كل خير"، وغيرها آلاف وربما أكثر يعرفها الجميع.

تناقض غير مرئي

الجميع يوافق أو يختلف، ويشجع أو يعارض هذا النوع من الحج على مدار عقود، لكن أحداً قلما يتوقف ليسأل إن كان هناك تناقض بين هذا القدر من الحرص على أداء ركن من أركان الدين تم فرضه على القادرين فقط، وهو ما يعكس عشقاً وشغفاً بالدين والتدين، وبين جوهر الدين القائم على الأخلاق والتدين المرتكز على الحلال والصواب والمباح، والتناقض بين الشغف بالدين الذي يصل حد الهوس لدى بعض، واعتبار الكذب والتحايل أموراً مباحة أو تصرفات مقبولة في سبيل إتمام "فريضة" الحج.

"فريضة الحج تخضع للاجتهاد" بحسب الإمام والخطيب المصري نشأت زارع الذي كتب على صفحته معلقاً على وفيات الحجاج المصريين غير النظاميين "انطلاقاً من قول النبي: (افعل ولا حرج)، وعملاً بمبدأ التيسير، ففريضة الحج لا يصح أن يغلق معها باب الاجتهاد للحفاظ على النفس الإنسانية".

ويحكي زارع كيف كان على وشك الموت أثناء الرجم بسبب التزاحم والحرارة الشديدة وشعوره بالتعب الشديد أثناء الحج عام 1993، على رغم كونه في سن الـ29 سنة وفي كامل صحته.

واستعرض زارع عدداً من الفتاوى والقرارات التي صدرت على مدار الأعوام القليلة الماضية في شأن الحج، وكان الغرض منها الحفاظ على أرواح الناس، ومنها على سبيل المثال تعطيل موسم الحج بسبب جائحة كورونا، وفتوى تجيز رمي الجمرات طيلة الـ24 ساعة تيسيراً وحفاظاً على الناس، وعلى رغم ذلك، فإن فتاوى التيسير دائماً تقابل بكثير من الرفض من قبل من يصفهم بـ"المتنطعين".

ويبدي زارع تعجبه ممن يعارضون ويشتكون تقييد أعداد الحجاج، وذلك درءاً للأخطار ووقوع وفيات بسبب التزاحم والحرارة الشديدة التي يتفاقم أثرها المدمر في الزحام، ويتساءل مستنكراً "هل من المنطقي أن أصر على أداء عبادة في وقت معين حتى لو كان هذا الإصرار والتوقيت سيؤديان إلى قتل آخرين؟! كذلك الحال لهذه الأعداد الغفيرة من الحجاج الذين يحجون بصورة غير قانونية فيتسببون في زحام شديد، وربما قتل آخرين، أو موتهم هم أنفسهم، وهو ما حدث بالفعل".

 

 

ما يحدث بالفعل هو تبرير الحج غير النظامي وتعليله وقبوله من قبل كثير، إضافة إلى التعاطف الكامل والتضامن المتناهي مع لجوء الحجاج غير النظاميين إلى التحايل لسببين رئيسين الأول أن الغالبية المطلقة من الحجاج غير النظاميين من البسطاء، والثاني شيوع فكرة أنه كلما كانت هناك مشقة في الحج، كلما أحرز الحاج نقاطاً أكثر في الثواب.

فتاوى متأرجحة

باب الثواب تعرض للشد والجذب كثيراً على أيدي العلماء وغير العلماء، أعوام طويلة والفتاوى متأرجحة بحسب السياسة تارة والاقتصاد تارة، وكلاهما مجتمع دائماً، وطيلة هذه الأعوام، وما يقال أعلى المنبر يختلف عما يقال أسفله، ليس هذا فقط، بل إن عقوداً مضت، والشارع المصري متروك لقبضة جماعات مختلفة على طيف الإسلام السياسي، أشهرها وأكثرها انتشاراً كان جماعة "الإخوان المسلمين"، إضافة إلى توليفة من جماعات تختلف في درجات تشددها بين المتطرف جداً والمتطرف إلى حد ما، كل ذلك انعكس في فتاوى، بعضها تم إسقاطه من الذاكرة لأسباب سياسية واجتماعية، لكن ذاكرة الأرشيف لا تسقط.

"هل يستوي في الأجر من حج البيت وتورمت قدماه بمن جلس في خيمة المتعة والرخاء؟!" سؤال جال أرجاء الإعلام قبل أعوام، وذلك بحثاً عما يعلي من شأن البسطاء في مواجهة غير البسطاء.

وقتها جاء رد أستاذ الشريعة الإسلامية أحمد كريمة حاملاً ما من شأنه أن يبرد قلب الحاج الفقير ولو كان ذلك على حساب الحاج المقتدر، فقال "رغب الشرع المطهر في بذل المجهود لنيل المقصود، لتحمل المشاق، في أداء الطاعات والكروبات"، وعضد كريمة كلماته بآيات وأحاديث تعلي من شأن "أشق الأعمال" و"أشدها".

 وعن الحج، قال "وأما الحج، فإن الإمام الحسين رضي الله عنه حج ماشياً، 25 حجة، وكان بإمكانه أن يركب الخيول، وأن يستظل بالمظلات الفاخرة، وأن يجلس في أعظم الخيم، ولكنه آثر تحمل المشاق".

وأضاف أنه "لذلك جعل الشرع نصف الأجر لمن يجنحون إلى الراحة مثل القاعدين عن الجهاد لا يستوون مع المجاهدين، ولذلك فضلهم الله درجات"، مشيراً أنه "كان من السلف الصالح من يأتي ماشياً لأداء المناسك، بل من يحرم من المسجد الأقصى حتى يصل إلى مكة".

بالطائرة أم مشياً على الأقدام؟

ووصل الأمر قبل أعوام لدرجة السؤال هل الحج بالطائرة أكثر ثواباً أم مشياً على الأقدام، وغيرها من الأسئلة التي يرى بعض أنها كانت مؤشرات مبكرة لنوعية التدين الشعبوية الآخذة في التمدد، وهي المؤشرات التي فسرها بعض أنها برعاية الدولة ورضا مؤسسات دينية رسمية وتكالب جماعات إسلام سياسي يعنيها أن تبقى العامة في قبضتها.

الخطاب الديني الرسمي تغير كثيراً في الأعوام القليلة الماضية، وعلى رغم أن الدعوات المتكررة التي وجهها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لتجديد الخطاب والفكر الدينيين أو تنقيحهما أو تطهيرهما، قوبلت بمقاومة غير منطوقة شعبياً ومن قبل قطاع عريض من رجال الدين، إلا أن هامشاً من "التجديد" تم الحفاظ عليه في الخطاب الديني المحسوب على الدولة.

هذه الأيام، تتواتر آراء رجال الدين المعبرة عن "حرمانية" أو "عدم جواز" الحج من دون تصريح أو غير النظامي، وأسئلة كثيرة ترد إلى دار الإفتاء المصرية ورجال الدين العاملين في الأزهر ودار الإفتاء حول حكم الحج بتأشيرات مزورة أو من دون تصريح أو الشخص الذي يتخلف عن العودة إلى بلده بعد العمرة انتظاراً لموسم الحج.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية محمد عبدالسميع قال إن من يعتمر ويظل متخفياً انتظاراً للحج "يأثم شرعاً"! وعلى رغم ذلك، تبقى عمرته وحجته صحيحة!

أما من يحج من دون تصريح، فيقول إن ذلك ينتج منه عدد من المشكلات، فزيادة العدد عن المقرر تؤدي إلى التزاحم، مما يعرض الجميع للخطر، وأضاف أنه في ذلك "كمن يغتصب زجاجة ماء ليتوضأ للصلاة"، "لكن تبقى صلاته صحيحة ويأخذ إثم أخذ مال بغير حق".

حج آثم ومقبول

بعض يعتبر مثل تلك الآراء "تجديداً نصفياً" أو "رمادياً"، أحدهم كتب على "إكس" معلقاً على فتاوى الحج الآثم المقبول، "أنا حاصل على درجتي الماجستير والدكتوراه إضافة إلى البكالوريوس بالطبع، وعلى قدر معقول من الدراية بالدين وقواعده، لكن عقلي تعطل تماماً حين قرأت أن هناك حجاً آثماً ومقبولاً في الوقت نفسه، فما بالك بغير المتعلمين أو البسطاء؟!".

البسطاء بينهم من يسلم نفسه وقراره وأقداره لرجال الدين، وهذا يعني أن من يفكر في "اغتصاب زجاجة" ليتوضأ بمائها بغرض الصلاة، أو يكذب أو يتحايل من أجل أداء "الفريضة".

أداء فريضة الحج بالتحايل، واللجوء إلى شركات سياحة تعمل بصورة غير قانونية لأداء المناسك، والمشي في الصحراء لعشرات الكيلومترات في العراء ابتغاء مرضاة الله، واعتبار إيقاف الحاج المخالف ظلماً وقهراً وقمعاً جميعها يحتاج دراسات نفسية واجتماعية وأنثروبولوجية، ناهيك عن تقويمات دينية وتوعوية، إضافة إلى رقابة محكمة وربما عقوبة صارمة على من حولوا الدين من يسر إلى عسر.

يسر أم عسر؟

الكاتب الصحافي سليمان جودة انتقد قيام الحجاج غير النظاميين بـ"إلقاء أنفسهم في التهلكة"، وكتب تحت عنوان "ليس من الدين" أن الرسول (ص) حين قال "الدين يسر"، كان يقصد أن الاستطاعة عنصر أساس في أركان الدين كلها، وليس في الحج وحده، وأن "الدين الذي ييسر الأمور على المسلم لا يقبل من مسلم أن يذهب إلى الحج وهو غير مستطيع جسدياً، لأن النتيجة في المقابل هي أن يفقد حياته، والقرآن الكريم يقول: "ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، فكأن كل حاج لقى حتفه في موسم حج هذا العام قد ألقى بنفسه في التهلكة، مخالفاً بذلك مبدأ راسخاً من مبادئ الدين".

وانتقل جودة إلى من "ضيقوا الدنيا على المسلمين وصوروا الدين على غير حقيقته السمحة" قاصداً "المتشددين"، وداعياً إلى "يكون العقل عيناً نتطلع بها إلى كل أمر من أمور الدين، وعندها سنعرف أن الله تعالى أعطانا عقولنا لنوظفها بما يخدمنا في تجسيد فلسفة الحياة، لا لنعطلها، أو نوقف عملها".

التدين الرقمي فاعل

تعطيل العقول وإيقاف عملها يجري على قدم وساق منذ عقود، والغريب أن التكنولوجيا أسهمت في ذلك بصورة كبيرة، ويشير الكاتب ومستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية نبيل عبدالفتاح في ورقة عنوانها "التدين الشعبوي الرقمي والفعلي والحالة الدينية في مصر وتونس" (2022) إلى أن عمليات الاضطراب وعدم الاستقرار السياسي والأمني، والأزمات الاقتصادية والاجتماعية، تؤدي إلى مزيد من كثافة استخدام الوسائط الاجتماعية، ودخول الملايين إلى هذه المواقع، لإبداء آرائهم في الشأنين السياسي والديني، والظواهر الاجتماعية والثقافية، وغيرها من مظاهر الحياة الواقعية والرقمية.

ويضيف عبدالفتاح أن ذلك أدى إلى عمليات تحول في أنماط التدين الشعبي والشعبوي، الافتراضي الرقمي، وفي الحياة الدينية الرقمية، وأن ذلك من شأنه أن يؤثر في الواقع الفعلي.

ويرى أن "المقولات الدينية التي تطرحها بعض الجموع الغفيرة من العاديين باتت تسود الحياة الرقمية بكثافة، ومعها السائد من المفاهيم والتصورات الدينية الشعبية، أو آراء بعض المشايخ الرسميين، أو الدعاة ومن أطلق عليهم الدكتور طه حسين دعاة الطرق أو بعض آراء السلفيين وجماعة الإخوان، وانتقلت هذه التصورات الدينية الشعبية من الحياة الدينية الشعبية الفعلية إلى الحياة الرقمية، وتم توظيفها بكثافة".

تديين المجالين العام والخاص

بين إثبات تدين مستخدمي هذه المقولات بوصفه جزءاً من التحقق الذاتي وإعلاء الذات، ومحاولتهم بناء مكانة في الواقع الرقمي عبر جذب المتابعين وتديينهم، والترويج لأفكار سلفية وإخوانية، مشيراً إلى أن الـ"سوشال ميديا" أصبحت مجالاً خصباً لتوظيف الطقوس الدينية اليومية مثل الصلاة، وتديين الخطاب اليومي بهدف تديين المجالين العام والخاص.

ولا يعفي عبدالفتاح رجال الدين "الرسميين" من تديين المجتمع، فيقول "نظرة على تدخلات بعض رجال الدين الرسميين في الفيديوهات وقنوات التلفزيون ومواقعهم على الحياة الرقمية، تشير إلى ازدياد حضورهم في تفاصيل الشؤون اليومية، على نحو يكشف عن حال من رهاب الخوف من تفكك نسيج الحياة اليومية الذي ألفوه.

وانتقد ما سماه بـ"تديين الحياة الرقمية والفعلية تحت لواء الدفاع عن القيم والأخلاقيات المجتمعية"، وتدشين محاكم تفتيش دينية رقمية تحاكم المخالفين في الرأي والدين، وتحول الجدل حول القضايا الاجتماعية والثقافية والسياسية والأخلاقية المتغيرة إلى قضايا تدور حول ثنائية الحلال والحرام، والإيمان والكفر، وذلك بوصفها أدوات لتديين الجدل على الواقع الافتراضي وتأثيم آراء المغايرين في الرأي".

 

 

اللافت أن جدلاً ضارياً لا يزال يدور على المنصات الرقمية بين فرق الدفاع عن الحج غير النظامي، باعتباره "فرضاً" و"جهاداً في سبيل الله" و"لولا الأوضاع الاقتصادية الصعبة والتضييقات المادية والإجرائية في السفر" لما لجأ البسطاء والغلابة والمساكين إلى الحج عبر طرق ملتوية، وفريق متناهي الصغر يصف الحج غير النظامي بـ"غير المقبول" و"الشائن" "الذي لا يعكس إلى شيزوفرانيا المتدينين الجدد"، هذا الجدل ينجم عنه قدر وفير من الإدانات والاتهامات، وبعضها يصل إلى درجة التشكيك في تدين الفريق الأخير.

تجدر الإشارة إلى أن المؤشر العالمي للفتوى التابع لدار الإفتاء المصرية صرح قبل أيام بأن "فتاوى الركن الخامس من الإسلام شكلت 11 في المئة من جملة الفتاوى المرصودة هذا العام، وتشكل 20 في المئة من فتاوى العبادات".

وأشارت إلى أن هيئة كبار العلماء السعودية أصدرت فتوى هذا العام مفادها أن الالتزام باستخراج تصريح الحج مستند إلى ما تقرره الشريعة الإسلامية من التيسير ‏على العباد في القيام بعبادتهم وشعائرهم ورفع الحرج عنهم، وأن الالتزام باستخراج تصاريح الحج يتفق والمصلحة المطلوبة شرعاً، وهو ما لا يتحقق في الحج غير النظامي.

أعداد الحجاج غير النظاميين المصريين تقول كثيراً عن مفهوم التدين الشعبوي الذي صار غالباً في الشارع المصري، وإحالة الشركات المسؤولة عن سفر هؤلاء، والتكفل بإعادة جثامين من ماتوا في أثناء الحج، والتدقيق الأكبر مستقبلاً في المنظومة لتجنب ما جرى جميعها ليس تجديداً أو تنقيحاً أو مراجعة للخطاب الديني.

اتهامات بقلة الإيمان

أصوات خافتة تخشى الاتهام بقلة الإيمان أو وهن التدين، أو في الأقل عدم التعاطف مع الغلابة والمساكين تطالب بعمل دراسات اجتماعية ونفسية عاجلة لتوثيق المفاهيم الشعبية السائدة عن الدين والحياة والموت والأخلاق والعلم، ومكانة كل ما سبق في حياة الناس، وذلك بغية وضع "روشتة" لعلاج مواطن الاعتلال.

في تلك الأثناء، ورغم كل ما جرى تحتفي وسائل إعلام عدة بقصص وحكايات الحجاج الذين تحايلوا من أجل أداء "الفريضة".

 صاحبة صورة فوتوغرافية شهيرة هي "حاجة" غير مشروعة، تكالبت عليها وسائل الإعلام لتجري معها الأحاديث وتحتفي بكونها "أيقونة الحج"، أم لتسعة أبناء، مات زوجها، أحد أبنائها يعمل في السعودية، حلم بها تلبي على عرفات، حصلت على تأشيرة زيارة، ثم  بقيت حتى الحج.

سارت مسافات على الأقدام على رغم الحرارة والعطش لأنها لا تحمل تأشيرة حج، لكن تحمل عزيمة من فولاذ من أجل الحج، وهي تذكر الله وتكبر وتلبي، وعلى رأسها حقيبتها ومتعلقاتها، أما العبرة والخلاصة والاستشراف، ففيما قالته في نهاية اللقاءات "لو عاد بي الزمان، سأمشي الـ30 كيلومتراً وأكثر، لم أشعر بالحر والعطش، لكن شعرت بحلاوة الرحلة".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات