Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يكتب انسحاب يوسف زيدان نهاية "تكوين"؟

بينما يرى مثقفون أن اعتذار الروائي المصري عن الاستمرار بالمؤسسة "لا يعني توقف نشاطها" فإن الملاحقات القضائية والدينية ربما تعطل مسيرتها

شهدت القاهرة في مايو الماضي انطلاق أعمال المؤتمر السنوي الأول لمؤسسة "تكوين" (الصفحة الرسمية للمؤسسة)

ملخص

منذ الإعلان عن نشأة "تكوين" أثير جدل في الرأي العام المصري وبين أوساط المثقفين حول "قانونية" هذا الكيان، وما إذا كان يندرج تحت مسمى مؤسسة أم مبادرة أم جمعية أهلية، وما إذا كان يعمل بتصريح قانوني من وزارة التضامن الاجتماعي؟ 

يوماً تلو الآخر يتصاعد الجدل في مصر في شأن المركز الفكري الجديد الذي يحمل اسم مؤسسة "تكوين الفكر العربي" الذي أطلق مؤتمره التأسيسي في الرابع من مايو (أيار) الماضي. آخر الأزمات التي لاحقت المؤسسة كان انسحاب الكاتب المصري يوسف زيدان والاستقالة من مجلس أمنائها واجتناب أي أنشطة أو فعاليات ترتبط بها. معللاً استقالته بـ"تخصيص كل وقته للكتابة فهي فقط التي تدوم وربما تثمر في الواقع العربي المعاصر الذي بلغ حداً مريعاً من التردي"، بحسب وصفه في منشور عبر صفحته على "فيسبوك".

وعقب انسحابه شكرت "تكوين" زيدان لمساهمته البناءة والمثمرة في وضع لبنات المؤسسة الأولى وحرصه اللامشروط على ترسيخ مبادئ الحوار والتسامح ونشر التثقيف في العالم العربي بهدف الارتقاء بوعي المواطن في منطقتنا العربية. مضيفة في بيان أنها تحترم قرار الاستقالة، بخاصة في ظل الضغوط التي تعرض لها في الفترة الأخيرة والهجمات التي طالته والمؤسسة.

أزمة المناظرة

وفي منتصف مايو الماضي أشار زيدان في بيان إلى إمكانية الانسحاب من عضوية مجلس أمناء المؤسسة وقطع صلته بها "إذا أقيمت أي مناظرات أو مواجهات بين إسلام البحيري عضو مجلس أمناء المؤسسة وعبدالله رشدي باحث الدعوة بوزارة الأوقاف، عقب إعلان إحدى المحطات عن إجراء مناظرة بينهما". معلناً أنه ليس من مهام مؤسسة "تكوين" عقد المناظرات بين المتخاصمين ولا المواجهات بين المتخالفين.

وتواصلت "اندبندنت عربية" مع زيدان للوقوف على خلفيات وأسباب الاعتذار غير أنه رفض الإجابة عن التساؤلات، مكتفياً بقوله "لا أريد التعقيب على هذا الأمر نهائياً ولن أتحدث في أي تفاصيل تتعلق بالمؤسسة وليس لدي ما أقوله".

وكذلك تواصلت "اندبندنت عربية" مع عضو مجلس أمناء مؤسسة "تكوين" إسلام بحيري لاستيضاح حقيقة انسحاب زيدان من المؤسسة والحصول على تعقيب منه، وحول ما إذا كان الاعتذار نتيجة الخلافات الأخيرة بسبب أزمة المناظرة، إلا أن بحيري لم يرد على الاتصالات الهاتفية ولم يتسن الحصول على تعقيب رسمي منه حتى كتابة التقرير.

هل تبارك الدولة المصرية "تكوين"؟

"تكوين قائمة على الأفكار لا الأشخاص" بهذه الكلمات أجابت عضو مؤسسة "تكوين" فاطمة ناعوت عما يثار حول نهاية المؤسسة بخروج زيدان منها. مؤكدة "مستمرون في أعمالنا وأفكارنا فالظلاميون يحلمون بنهاية المؤسسة ويحاربونها استباقاً ويروجون الأكاذيب بأنها تحاول هدم الإسلام ونشر الفتن".

وتتساءل ناعوت "كيف يصدق البعض تلك الأوهام والأكاذيب عن المؤسسة؟"، موضحة "لدينا تياران رافضان (تكوين)، أحدهما مغرض وهم تجار الدين الذين بدأوا الحرب استباقاً ومن مصلحتهم أن تستمر تجارتهم التي يروجون لها، والثاني من الطيبين الذين صدقوا تلك الأكاذيب من دون بينة أو بحث"، لافتة إلى أن من المبادئ الرئيسة للمؤسسة هو "تكوين العقل والاهتمام بالنحت والفنون وليس تجديد الخطاب الديني فقط".

 

وتؤكد عضو المؤسسة خلال حديثها لـ"اندبندنت عربية" أن "(تكوين) ماضية في طريقها ومن المرجح أن تعقد ندوات ومؤتمرات ثقافية في الفترة المقبلة"، مشيرة إلى أن المعضلة الحقيقية حالياً التي تواجه الحياة الثقافية في مصر "أن لدينا مثقفين ولكن ليس لدينا حراك أو تيار أو جبهة ثقافية مثلما كان في الماضي، لكن حالياً أصبح لدينا جبهة وتيار ثقافي ويجب الحفاظ عليهما من قبل الأدباء والمفكرين".

وعما إذا كانت المؤسسة تعمل بمباركة الدولة المصرية تقول ناعوت "أعتقد أن (تكوين) تعمل تحت حماية الدولة المصرية وبمباركة منها". متسائلة، "إذا لم تكن المؤسسة تعمل بمباركة الدولة المصرية وتحت حمايتها، فكيف سيتاح لها إقامة مؤتمرها في المتحف المصري الكبير على مدار يومين بحضور نخبة من المفكرين والمثقفين العرب؟".

وشهدت العاصمة المصرية القاهرة في مايو الماضي انطلاق أعمال المؤتمر السنوي الأول لمؤسسة "تكوين الفكر العربي" تحت عنوان "50 عاماً على رحيل طه حسين: أين نحن من التجديد اليوم؟" في المتحف المصري الكبير تحت رعاية الدولة المصرية وبمشاركة نخبة من المفكرين والأكاديميين العرب.

ويضم مجلس أمناء المركز ستة كتاب بين مصريين وعرب، وهم إسلام بحيري وإبراهيم عيسى ويوسف زيدان من مصر وفراس السواح من سوريا ونايلة أبي نادر من لبنان وألفة يوسف من تونس.

إنعاش "ثقافي" بديل عن "السياسي"

وعن استقالة زيدان ومستقبل "تكوين" يقول الكاتب أسامة الغزالي حرب "شعرت بحالة فرقة وانفراط في العقد عقب انسحاب يوسف من المؤسسة، وأتمنى أن يكونوا أكثر تماسكاً وقوة من ذلك". معبراً عن استيائه من الهجوم الذي طال المؤسسة، وواصفاً إياه بـ"الظاهرة السيئة"، ومشدداً على أهمية "احترام حرية الرأي والفكر والتعبير، خصوصاً أن أعضاءها أشخاص لهم أفكار تنويرية".

وفي رأي حرب، "لا توجد في مصر حياة سياسية حقيقية، لذلك من الأجدى البحث عن الحياة الثقافية وإنعاشها". مشيراً إلى أن "المشهد برمته سلبي للحياة الثقافية بسبب الهجوم على هؤلاء التنويريين، وهذه المؤسسة تمثل حركة فكرية وليست حزباً سياسياً كما يعتقد البعض".

"تجربة غير مسبوقة"، هكذا يعقب الأديب المصري يوسف القعيد. موضحاً أن "وجود جبهة ثقافية أمر مفيد للدولة المصرية، لكن المهم هو ماذا ستقدم للحركة الثقافية وصورة الثقافة المصرية والعربية؟ وهو ما سيظهر في الأشهر الأولى من تلك التجربة".

وفقاً للقعيد، فإن "ذلك الحراك الثقافي لم تظهر نتائجه حتى الآن، ولا يمكن التكهن بمصيره في المستقبل"، منوهاً بأن تلك الجبهة الثقافية تشبه التجمع الثقافي الذي نشأ قبل 10 أعوام وانطلق من مقر وزارة الثقافة المصرية، ونجحت في أن يكون لها دور وتأثير في إبعاد الإخوان عن حكم مصر.

يشار إلى أن عديداً من المثقفين والفنانين المصريين كانوا قد نظموا اعتصاماً مفتوحاً أمام وزارة الثقافة المصرية في يونيو (حزيران) من عام 2013 احتجاجاً على ما سموه "سياسة أخونة الوزارة"، والمطالبة برحيل وزير الثقافة آنذاك علاء عبدالعزيز.

 

وفي السياق ذاته يتفق وزير الثقافة الأسبق حلمي النمنم مع الآراء السابقة. مشيراً إلى أن الجدل الكبير في شأن "تكوين" ليس ضد المؤسسة ذاتها، لكن "بسبب بعض الأشخاص الذين اختيروا في مجلس الأمناء". واصفاً أن الأمر يندرج تحت إطار "تصفية حسابات سياسية وأحقاد شخصية لا علاقة لها بالدين"، بحسب تعبيره.

وعلى النقيض يرى البرلماني المصري مصطفى بكري أن هذا التجمع "كتب نهايته قبل أن يبدأ، وانسحاب زيدان خير دليل على أن هؤلاء الأشخاص يتجمعون على الباطل، وأن هناك خلافات بينهم في أمور كثيرة"، موضحاً أن كل ما يتعارض مع صحيح الدين أو يحاول أن يملي إملاءات بعيدة من ثوابت العقيدة والمجتمع "محكوم عليه بالفشل والازدراء". بحسب بكري.

وعلى مدى الأسابيع الماضية تعالت النداءات الرافضة تأسيس المركز عبر منصات التواصل الاجتماعي، وانتشرت عديد من الحملات التي تطالب بإغلاقه، وقدم برلمانيون ومحامون استجوابات للبرلمان وبلاغات للنائب العام، تطالب بوقف نشاط مركز "تكوين للفكر العربي"، متهمين أعضاء مجلس الأمناء بـ"إثارة الفتنة ونشر الإلحاد"، فيما وصف المركز الهجوم عليه بأنه "استباقي ولا يستند إلى أي أدلة لهذه الاتهامات".

ويضيف بكرى خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "هناك رفض عارم لهذه المؤسسة، وكان يجب أن يناظر رجال الدين أعضاء المؤسسة في كل القضايا الدينية والفقهية"، مؤكداً "لسنا ضد حرية الرأي والفكر والعقيدة، لكن ضد التشكيك في ثوابت الدين، وأطلب رأي الأزهر في هذا الأمر من الناحية الفقهية والدينية حتى يطمئن الناس إلى هذا التجمع وأهدافه الحقيقية".

وكان المستشار الديني لرئيس الجمهورية أسامة الأزهري، قد أصدر بياناً دعا فيه إلى عقد مناظرة كبرى، يناظر فيها وحده جميع أعضاء مؤسسة "تكوين"، وقال الأزهري إنه يعفي المؤسسة الأزهرية من خوض هذا الجدل. معلناً تواصله بالأنبا أرميا من الكنيسة المصرية، للمشاركة معه في التصدي لهذه الأفكار دفاعاً عن الديانتين الإسلام والمسيحية، ووجه الأزهري أيضاً دعوة لكل الباحثين الأزهريين إلى أن يتكون منهم فريق تحت إشرافه، للعمل على مدار عام كامل لمناقشة كل أفكار مركز "تكوين".

أي مصير قانوني ينتظر "تكوين"؟

ومنذ الإعلان عن نشأة "تكوين" أثير جدل في الرأي العام المصري وبين أوساط المثقفين حول "قانونية" هذا الكيان، وما إذا كان يندرج تحت مسمى مؤسسة أم مبادرة أم جمعية أهلية، وما إذا كان يعمل بتصريح قانوني من وزارة التضامن الاجتماعي؟

وفي منتصف مايو الماضي أقام المحامي المصري المستشار مرتضى منصور دعوى قضائية طالب فيها بإلغاء الترخيص الصادر من وزارة التضامن لمركز "تكوين الفكر العربي" واختصم في دعواه وزيرة التضامن الاجتماعي بصفتها وأعضاء مجلس أمناء مؤسسة "تكوين"، مؤكداً أنها "تخالف الدستور والقانون واللوائح". بحسب دعواه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتعقيباً على ذلك قال مصدر مطلع بوزارة التضامن الاجتماعي طلب عدم الإفصاح عن اسمه إلى "اندبندنت عربية"، "أعضاء (تكوين) لم يتقدموا إلينا بطلب للحصول على تصريح رسمي من الوزارة لتحويلها إلى جمعية أهلية"، مؤكداً أنها "لا تخضع لإشراف وزارة التضامن الاجتماعي".

"أين رخصة هذا الكيان؟" تساؤل طرحه المحامي بالنقض وأحد مقدمي البلاغات ضد "تكوين" عمرو عبدالسلام. مشيراً إلى أنه لا توجد أي أوراق ثبوتية خاصة بهم، وكان من المفترض أن يخضع نشاطهم لوزارة التضامن الاجتماعي بوصفهم مؤسسة أهلية.

ويشترط قانون تنظيم العمل الأهلي في نص مادته رقم "23" "التزام الجمعيات الأهلية بفتح حساب بنكي أو أكثر في أحد البنوك الخاضعة لرقابة البنك المركزي، والإنفاق على أغراضها أو تلقي أي أموال متعلقة بها من طريق هذه الحسابات من دون غيرها".

ويؤكد المحامي بالنقض إلى "اندبندنت عربية" أن وجود هذا الكيان "غير قانوني وقاموا بجمع تبرعات من داخل وخارج مصر بالمخالفة لقانون الجمعيات الأهلية ومن دون الحصول على إذن وتصريح من السلطات المصرية". مضيفاً أن "تكوين" إذا كانت مبادرة فسيكون هناك تجريم أيضاً لها، لأنها مارست عملاً من أعمال الجمعيات الأهلية من دون ترخيص وجمعوا تبرعات بالمخالفة للقانون". وفق عبدالسلام.

وتقدم عمرو عبدالسلام ببلاغ إلى النائب العام المصري، لمعرفة مصادر التمويل والتبرعات، ولا يزال التحقيق مفتوحاً أمام نيابة أمن الدولة العليا، مؤكداً أنه لو ثبت وجود مخالفات سيتم إيقاف النشاط الخاص بهم وسيكون هناك إجراءات قانونية جديدة ضدهم.

وفي شأن التمويل والتبرعات، سبق وقال إسلام بحيرى عضو مجلس أمناء مؤسسة "تكوين" في حوار تلفزيوني "عام 2022 بدأنا نسافر ونبحث عن تمويل للفكرة، لكي تظهر في أحسن صورة، وبعد عامين من التعب أنشأنا المؤسسة". موضحاً أن "تمويل تكوين من خلال تحالف رجال أعمال مصريين وغير مصريين آمنوا بالفكرة المتعلقة بتعزيز السلام في بلادنا، وفي النهاية الأمر سيكون فيه ربحية، مقرنا في مصر ونحن إلى الآن مؤسسة".

ولفت البحيري في حديثه إلى أنهم يسعون "إلى الحصول على ترخيص في أكثر من دولة عربية، وليس مطلوب دخولنا في إطار الجمعيات الأهلية. عملنا مقراً طبيعياً كشركة ومؤسسة، لكننا لا نخضع لقانون الجمعيات الأهلية، بسبب التعقيدات واستجاب إلينا كتاب كبار من كل البلدان العربية".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات