Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الصداق القيرواني"... عندما حكمت زوجات تونس الرجال

كانت المرأة تشترط على من يتقدم إلى خطبتها ألا يتزوج سواها من دون إذنها ورضاها أو بعد طلاقها

انتشرت قصة "الصداق القيرواني" في عصر الخليفة أبو جعفر المنصور وارتبطت بأروى القيروانية (مواقع التواصل)

ملخص

يتضمن "الصداق القيرواني" البسملة وآيات قرآنية تتعلق بالزواج مع ذكر اسمي الزوجين، وكذلك قيمة المهر والتراضي وشرط المنع، إضافة إلى أسماء الشهود وتاريخ العقد واسم القاضي أو كاتب العقد.

لم يكن منع تعدد الزوجات الذي أقرته مجلة الأحوال الشخصية عام 1956 جديداً على المجتمع التونسي، فقد سبقه بقرون عدة "الصداق القيرواني" الذي ينص أساساً على "إلزام الرجل بعدم الزواج أو مصاحبة امرأة ثانية في حال كانت زوجته على قيد الحياة".

وعلى رغم ما تضمنه من نص صريح على منع تعدد الزوجات على خلاف ما تنص عليه الشريعة الإسلامية إلا أنه يعتبر عقد زواج إسلامي، إذ يشمل كامل الشروط الشرعية اللازمة لصحة الزواج.

وكانت نساء القيروان خلال القرن الثامن يشترطن على الرجل المتقدم لخطبتهن ألا يتزوج امرأة أخرى، إلا في حال الطلاق، إذ تتضمن عقود الزواج في تلك الفترة نصاً "وبعد تمام العقد لا يتزوج عليها امرأة سواها إلا بإذنها ورضاها".

ويعتبر هذا النوع من عقود الزواج أو الصداق أول عقد ينص على منع تعدد الزوجات، مما يعني أن هذه العادة موجودة في تونس منذ قرون عدة، كما أنه عقد يقلب شروط المعادلة الزوجية بمنح الزوجة سلطة زوجية، وجعلها منفذة طلاق الزوجة الجديدة التي سيتخذها الزوج الملتزم بهذا العقد.

أروى القيروانية

وانتشرت قصة "الصداق القيرواني" في عصر الخليفة أبو جعفر المنصور الذي يعتبر المؤسس الحقيقي للدولة العباسية في بغداد، ثالث خلافة إسلامية في التاريخ.

 

 

وكان المنصور لجأ إلى مدينة القيروان هرباً من الأمويين في القرن الثامن الميلادي، حيث نزل عند رجل يُدعى منصور الحميري الذي جاء من اليمن واستقر في القيروان، فأعجب بابنته أروى وطلب الزواج منها، فاشترطت عليه في عقد الزواج أن يلتزم بعدم الزواج بغيرها، وأن يكون الطلاق بيدها على عادة نساء القيروان خلال تلك الفترة، وهو ما وافق عليه المنصور والتزم به خلال فترة خلافته وحتى وفاة زوجته أروى عام 764.

ويرتبط هذا العقد بعرف وتقاليد مدينة القيروان التي كانت تعتبر العاصمة الروحية لأفريقيا وقلعة المذهب السنّي المالكي.

ويتضمن "الصداق القيرواني" البسملة وآيات قرآنية تتعلق بالزواج مع ذكر اسمي الزوجين، وكذلك قيمة المهر والتراضي وشرط المنع، إضافة إلى أسماء الشهود وتاريخ العقد واسم القاضي أو كاتب العقد.

من القيروان إلى مصر والأندلس

ويقول المتخصص في البحوث الأثرية والتاريخية لطفي عبدالجواد في تصريح إلى "اندبندنت عربية"، إن "الصداق القيرواني يمتاز بأنه خصوصية أهل المدينة في القيروان من دون أن يمتد إلى النساء في الريف أو المدن المجاورة"، مؤكداً أن "الدراسات بينت قدم ممارسة الزواج الشرطي في أفريقيا منذ القرن الثامن الميلادي، واستمراره إلى حدود عام 1957، وهو تاريخ إصدار مجلة الأحوال الشخصية، كما كشفت هذه الدراسات أيضاً انتشار الزواج الشرطي في عدد من بقاع العالم الإسلامي بدءاً بمصر، حيث سجل وجود عقود على البرديات منذ القرن التاسع، وصولاً إلى بلاد الأندلس، مروراً بالمغربين الأوسط والأقصى".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار متخصص البحوث الأثرية والتاريخية إلى وجود هذا الصنف من الزواج الشرطي لدى قسم من اليهود في بلاد الإسلام "السيفارديم"، وهم اليهود الذين يعود أصلهم لإسبانيا والبرتغال خلال العهد الإسلامي في الأندلس، وسرعان ما انتشر "الصداق القيرواني" في مجتمعات إسلامية عدة استساغته كونه يمنح المرأة مكانة كبيرة ويحد من سلطة الرجل عليها، كما يجيز للزوجة أن تشترط على زوجها ألا يتزوج عليها أو يسيء معاملتها أو يغيب عنها لفترة طويلة.

وثائق ذاكرة العالم

ويضيف عبدالجواد أن تونس أرادت تسجيل "الصداق القيرواني" على قائمة "وثائق ذاكرة العالم لـ ’يونسكو‘" عام 2021، إلا أن الملف لم يستجب لشروط المنظمة الصارمة التي تفرض أن يكون الموضوع أدى إلى التأثير في المجتمع بصورة كبيرة، أو يمثل استثناء أو يكون له بعد عالمي، على رغم أهمية الوثائق المتوافرة في تونس من النسخ الأصلية والمخطوطات من "الصداق القيرواني".

 

 

الصداق القيرواني ومجلة الأحوال الشخصية

ويعتبر بعضهم أن هذا العقد كان أحد أسس مجلة الأحوال الشخصية التونسية، إلا أن المتخصص في التاريخ المعاصر بالجامعة التونسية سعيد بحيرة أكد أن "الصداق القيرواني" ظاهرة تونسية فريدة، وإن تميزت بها المرأة القيروانية دون سواها من نساء تونس عن بقية المدن والأرياف، ولذلك لا يمكن الجزم بأنه أثر في المجتمع التونسي ونخبه، وأسهم في وضع مجلة الأحوال الشخصية خلال ستينيات القرن الماضي.

ويرى بحيرة أن مجلة الأحوال الشخصية في تونس نتاج فكر نيّر وقراءة نقدية للسياق التاريخي وقتها من طريق نخب سياسية تشبعت بالفكر الحر وتأثرت بالحداثة والثورة الفرنسية، ولذلك اُعتبرت مجلة الأحوال الشخصية وقتها ثورة في مجال تمكين المرأة من حقوقها وإنصافها في مجتمع ذكوري بامتياز.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات