ملخص
لدى سيطرة "الدعم السريع" على مدينة سنجة بولاية سنار الواقعة على بعد أكثر من 500 كيلومتر جنوب العاصمة الخرطوم السبت الماضي، بدأت موجات النزوح الجماعي للسكان من المنطقة.
لا تزال المعارك مستمرة داخل مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار، بعد أن خلف سقوطها في يد قوات "الدعم السريع" عدداً من الأسئلة والاستفهامات حول الموقف داخل المدينة التي تبعد 60 كيلومتراً فقط من مدينة سنار، حيث تحتشد قوات كبيرة من الجيش.
وأعلنت قوات "الدعم السريع" بعد سيطرتها على مقر الفرقة 17 مشاة التابعة للجيش بمدينة سنجة أنها وضعت يدها على مخزون وافر من عتاد وأسلحة الجيش في مدينة سنجة، منها 112 عربة بكامل عتادها العسكري و250 موتراً وكميات من الأسلحة والمدافع والذخائر بمخازن الجيش، وفق بيان للقوات.
ولدى سيطرة "الدعم السريع" على مدينة سنجة بولاية سنار الواقعة على بعد أكثر من 500 كيلومتر جنوب العاصمة الخرطوم السبت الماضي، بدأت موجات النزوح الجماعي للسكان من المنطقة.
وبثت قوات "الدعم السريع" فيديوهات تستعرض فيها استيلاءها على كمية من العتاد الحربي داخل الفرقة 17 للجيش بمدينة سنجة، بما فيها راجمة صواريخ ومدافع "هاون" و"هاوتزر" وأخري رباعية وثلاثية، بجانب كميات من صناديق الذخيرة المدفعية، مما أثار تساؤلات عدة حول عدم سحب الجيش لأسلحته ونقلها إلى مكان آخر.
سجال واتهامات
لاحقاً أعلنت قوات "الدعم السريع" أمس الإثنين تمدد سيطرتها بالاستيلاء على اللواء 165 مدفعية وقيادة اللواء 67، الحرس الرئيس التابعي للفرقة 17 للجيش بمدينة سنجة، وبثت مقاطع فيديو على موقعها بمنصة "إكس" لجنودها وهم أمام المواقع العسكرية الجديدة التي استولوا عليها.
في المقابل، نشر جنود من الجيش فيديوهات من داخل مدينة سنجة تظهر عربات مقاتلة محترقة تتبع "الدعم السريع" دمرت وسط المدينة، وقال المتحدث الرسمي باسم الجيش العميد نبيل عبدالله إن قواته في سنجة صامدة ومتماسكة وتقاتل العدو بثبات ومعنويات عالية.
على صعيد التطورات بالعاصمة السودانية تبادل الطرفان الاتهامات بالتدمير الجزئي لجسر الحلفايا الرابط بين الخرطوم بحري وأم درمان شمال العاصمة السودانية، وأصدر الجيش تعميماً صحافياً اتهم فيه قوات "الدعم السريع" مساء أمس بتدمير جزء من الناحية الشرقية للجسر وإحداث أضرار بهياكله الخرسانية هناك، استمراراً لاستهدافها الممنهج للبنية التحتية ومقدرات البلاد، وردت قوات "الدعم" الاتهام للجيش بأنه من دمر الجسر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في معرض نفيه لاستيلاء "الدعم السريع" على مخزونات كبيرة من العتاد الحربي الخاص بالجيش في سنجة، اتهم المراقب العسكري الفريق المعز عتباني إعلام "الدعم" بترويج الأكاذيب واتباع كل السبل المعوجة لإقناع نفسه أولاً ثم المجتمع الدولي بأنه ما زال مؤهلاً لمفاوضات تنقذ مصيره وحاضنته السياسية التي تسمى بـ"الحرية والتغيير" سابقاً، أو الجبهة الديمقراطية المدنية (تقدم).
وأضاف العتباني "تحاول قوات ’الدعم السريع‘ جاهدة عبر بث مثل هذه الأكاذيب للاحتفاظ بدولة الإمارات العربية المتحدة كداعم استراتيجي لها مادياً وبالسلاح، ظناً منها أن ذلك يمكن أن يمحو هزيمتها أو كونها على وشك الانهيار".
وشدد المراقب العسكري على أن القوات المسلحة كانت أصدرت تعليمات لقيادة الفرقة 17 بانسحاب قصير إلى مقر اللواء 67 بالمدينة ذاته، دام ليس أكثر من نصف ساعة قبل أن تبدأ قيادة الفرقة 17 هجوماً مضاداً لاستعادة المدينة وكل المواقع الأخرى، بالتالي لم يكن أمام قوات "الدعم السريع" الوقت الكافي للاستيلاء على أي عتاد أو ذخائر.
راجمات ومدافع
وأوضح العتباني أن ما عرضته قوات "الدعم السريع" من راجمات أو مدافع "هاون" و"هاوتزر" أو صناديق الذخيرة زعمت الاستيلاء عليها من الجيش في سنجة تتبع لها أصلاً، وأن الجيش على علم بامتلاكها لمثل تلك الأسلحة، وهو قادر على تجريدها منها في وقت قريب.
وتابع "لو كانت في مدينتي سنجة أو سنار 112 عربة قتالية كما زعمت قوات ’الدعم السريع‘ لما كانت استطاعت الاقتراب من أي منهما، أما كل المواتر حتى لو صارت ألف أو ألفين فكلها مسروقات من الشعب الذى تشن قوات ’الدعم السريع‘ الحرب عليه".
واستبعد المراقب العسكري أن تكون مدينة سنجة هي التي ستفتح الطريق أمام قوات "الدعم السريع" نحو إقليم النيل الأزرق، بعد أن تبددت خططها باستعادة الجيش للفرقة 17 والشروع في طرد وملاحقة بقايا قواتها من المنطقة بالكامل.
واستطرد الفريق العتباني أنه عندما بدأت الحرب كانت قوات المشاة بـ"الدعم السريع" يفوق عددها 150 ألفاً بينما لا تمتلك كل فرق مشاة الجيش السوداني (22 فرقة) نصف هذا العدد، لكن بقوة القوات الجوية والمدفعية المتطورة جداً لدى الجيش استطاع إحباط المؤامرة، ولم يستطع "الدعم السريع" بكل تلك القوات ومن جندهم من مرتزقة الخارج احتلال القصر الجمهوري أو القيادة العامة أو أي من وحدات الجيش بالعاصمة، سواء كان في سلاح الإشارة والمهندسين أم المدرعات والذخيرة وقواعده في وادي سيدنا وكررى.
المخزونات والمفاجأة
من جهته، أوضح الباحث والمحلل العسكري إسماعيل يوسف أن الوضع التقليدي المتعارف عليه عند الانسحاب أو إخلاء المواقع خلال المعارك الحربية أن يدمر المخزون والسلاح والعتاد حتى لا يستفيد منه العدو، مشيراً إلى أن الحديث عن استيلاء "الدعم السريع" على أسلحة ثقيلة في قاعدة الجيش بمدينة سنجة، يكشف عن مفاجأة لم تتمكن معها القوة المنسحبة من تدمير أو إتلاف أو سحب العتاد المشار إليه من الموقع.
ورجح المحلل ألا تتمكن قوات "الدعم السريع" من الاستفادة من تلك الأسلحة التي تزعم أنها استولت عليها بشكل فعال باستثناء كميات الذخيرة، لأن طبيعة وطريقة قتاله لا تعتمد على المدفعية الثقيلة أو القصف الثابت، كونه يعتمد أسلوب الكر والفر والمناورة والالتفاف بشكل أساسي في عملياته الحربية.
واستغرب الباحث الأمني من أن يظل خط إمداد قوات "الدعم السريع" مفتوحاً من ولايتي الجزيرة والخرطوم وصولاً إلى مدينة سنجة مروراً بمناطق جبل موية وود الحداد على رغم متابعة أجهزة الاستخبارات العسكرية والأمن، سيما أن قائد الجيش تلقى تنويراً أمنياً قبل الهجوم على سنجة بساعات إبان زيارته مدينة سنار المجاورة.
وقال إن إعادة الانتشار التي ينفذها الجيش مع وصول تعزيزات كبيرة لها للشروع في هجوم مضاد لاستعادة الفرقة 17 بسنجة، قد تمكنه من تطوير هجوم فعال من أجل استعادة سيطرته على مدينة سنجة، مع احتمال أن تتحول المدينة إلى مثل مصير أشبه بما يجري في الفاشر الآن من قتال طويل الأمد حال تمكن قوات "الدعم السريع" من استقدام إمداد بشري جديد.
ولفت يوسف إلى أن قوات "الدعم السريع" كانت جمعت قوات تابعة لها من أنحاء مختلفة بولاية الجزيرة قبل أن تهاجم مدينة سنجة بأيام، لكنها مارست التمويه بالإيحاء بمهاجمة أهداف في ولاية النيل الأبيض بينما اتجهت لمدينة سنجة.
وأوضح الباحث العسكري أن تلك القوات بجانب سعيها إلى تحقيق نصر معنوي لافت، هدفت كذلك من هجومها على مدينة سنجة إلى التزود والتموين بالمواد الغذائية والوقود والسيارات عبر عمليات نهب وسلب واسعة في المدينة، بخاصة نهب مخازن المواد الغذائية.
نزوح وضياع
وخلف استيلاء "الدعم السريع" على مدينة سنجة أوضاعاً إنسانية محزنة وحركة نزوح واسعة وسط المواطنين بلغت أصداؤها مدينة سنار المجاورة، التي شهدت هي الأخرى موجات نزوح كبيرة خلال اليومين الماضيين.
مع استمرار موجات النزوح من مدينتي سنجة وسنار إلى المدن المجاورة وإقليم النيل الأزرق، قالت منصة "مفقود" إنها تلقت 17 بلاغاً للبحث عن أطفال مفقودين انفصلوا عن عائلاتهم أثناء النزوح والاشتباكات بين الجيش و"الدعم السريع" في مدينة سنجة.
يتوقع الباحث إسماعيل يوسف أن تسعى قوات "الدعم السريع" إلى توسيع عملياتها العسكرية بغرض السيطرة على مدينة سنار أيضاً، لتأثيرها المباشر في مناطق نفوذ وسيطرة الجيش في ولاية الجزيرة (المناقل) والنيل الأزرق والنيل الأبيض، فضلاً عن قطع الطريق الرابط بين وسط وغرب السودان، ما من شأنه إحداث تحول في موازين القوى والوضع الميداني لصالحها.
تحذير لـ"النيل الأزرق"
في الأثناء وجه القيادي القبلي بإقليم النيل الأزرق القائد الميداني البارز بقوات "الدعم السريع" محمد عبيد (أبو شوتال) رسالة إلى مواطني إقليم النيل الأزرق بالتزام منازلهم والابتعاد من المناطق العسكرية، في إشارة إلى أن الإقليم سيكون الهدف التالي لقواته بعد ولاية سنار.
وطالب أبوشوتال من وصفهم بالحكماء من أبناء الإقليم بإدارة حوار حول تسليم الفرقة الرابعة للجيش بالدمازين لأحد "شرفاء الجيش" على حد قوله، تفادياً للدماء والدمار أسوة بما حدث في مدينة الضعين شرق دارفور.
إزاء ذلك أعلنت حكومة إقليم النيل الأزرق تعديل ساعات الحظر، على أن يكون من الساعة السادسة مساء وحتى السادسة صباحاً، ومنعت حركة الدراجات النارية داخل حدود محافظتي الروصيرص والدمازين، مع استثناء الكوادر الطبية وعمال المياه والكهرباء والأجهزة الأمنية.
ويقع إقليم النيل الأزرق على بعد كيلومترات من مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار التي سيطرت عليها "الدعم السريع" مساء السبت الـ29 من يونيو، وأكدت انتشارها في المدينة في ظل موجات النزوح المستمرة من المدينة.
وتكتسب ولاية سنار أهمية جغرافية لوقوعها في الجزء الجنوبي الشرقي من وسط السودان، وتجاور داخلياً ولايات القضارف والجزيرة والنيل الأبيض، وتمثل كذلك مدخلاً لإقليم النيل الأزرق، وتعتبر نقطة وصل بين وسط البلاد وشرقها.
كما أن الموقع الجغرافي الحدودي لولاية سنار مع كل من إثيوبيا وجنوب السودان، يجعل منها مفتاحاً لخطوط إمداد عابرة للحدود.
واندلعت الحرب السودانية بين الجيش وقوات ’الدعم السريع‘ منذ الـ15 من أبريل (نيسان) العام الماضي في العاصمة السودانية بولاية الخرطوم، لكن نيرانها سرعان ما تمددت إلى إقليم دارفور، وولايتي الجزيرة وسنار وسط البلاد، ثم جنوب كردفان وإقليم النيل الأزرق وتخوم ولاية نهر النيل، مهددة بجر البلاد إلى أتون حرب أهلية طويلة وشاملة قد تزعزع استقرار المنطقة بأكملها.
وعلى رغم خسائرها البشرية والمادية المتعاظمة وتسببها في موجة نزوح وتشريد ملايين المواطنين هي الأكبر في العالم، بجانب ما خلفته من أزمة إنسانية كارثية ومجاعة تهدد أكثر من نصف السودانيين باتوا في حاجة ماسة إلى معونات غذائية عاجلة، فإنها ما زالت مستمرة ومتمددة.