ملخص
تتهم كييف روسيا بإصدار أوامر بقتل الجنود الأوكرانيين المستسلمين بهدف زرع الخوف ومنع الجنود الروس من الاستسلام. وتسعى هذه السياسة التي يزعم أنها موجهة من الكرملين إلى ترهيب القوات الأوكرانية والمجندين الروس
بدأ قادة عسكريون روس بإعطاء قواتهم أوامر قتل جنود أوكرانيين كانوا استسلموا، في خطة يريدون من خلالها "ترهيب" مجموعات كبيرة من الجنود الروس وحثهم على عدم تسليم أنفسهم للخصوم.
وأدرك عدد من المجندين الروس الجدد الذين خضعوا لتدريب سيئ أن حياتهم تزهق في هجمات بموجات بشرية، بحسب ما أعلن مسؤولون أوكرانيون.
ويقول بيترو ياتسينكو المتحدث باسم مركز التنسيق الأوكراني لأسرى الحرب إن الأوامر بقتل أوكرانيين كان يمكن أسرهم تأتي من "مستوى رفيع" في القيادة، أي الكرملين. ويراد بهذه التوجيهات "ترهيب" الجنود الروس على حد تعبيره.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتضمن المركز ممثلين عن مختلف الوزارات الأوكرانية وتلعب فيه الاستخبارات العسكرية الأوكرانية دوراً رئيساً ومحورياً.
ويتابع ياتسينكو "المنطق صريح ومباشر للغاية، يراد من قتل الجنود الأوكرانيين العزل الحيلولة دون قيام الجنود الروس أنفسهم بالاستسلام للجيش الأوكراني، على قاعدة أنه إذا أقدمت روسيا على قتل المستسلمين لها فالأوكرانيون سيقومون حتماً بالأمر نفسه في حال استسلمتم لهم. بالتالي لا تستسلموا لهم بل الأجدى بكم قتل أنفسكم وإنهاء حياتكم".
ويضيف قائلاً "إنه تكتيك عنيف وإجرامي للغاية ولكننا للأسف نتعامل مع روسيا التي لم تلتزم على مر التاريخ بأي قيم ديمقراطية، والتي لا قيمة لحياة الإنسان بالنسبة إليها".
وبرزت أدلة على سياسة "عدم أخذ الروس أي سجناء" في عدد من المواقع على طول الخطوط الأمامية وخصوصاً في ساحات المعارك الواقعة شمال أوكرانيا في منطقة خاركيف، حيث تتشارك روسيا حدوداً طويلة مع أوكرانيا وحيث شنت هجوماً عنيفاً مع تدفق كثيف لقواتها في الـ10 من مايو (أيار) الماضي.
وفي هذا السياق قال مصدر عسكري أوكراني مطلع على الوضع في الصفوف الأمامية في خاركيف في معرض حديثه لـ"اندبندنت" ولكن بصورة غير رسمية، بأنه خلال الهجمات أعدم 90 في المئة من الأوكرانيين الذي وقعوا بين أيدي الأعداء. وأضاف أنه من بين القتلى أولئك المصابون إصابات بالغة إذ يستحيل عليهم الفرار، والجنود الذين فقدوا وعيهم جراء الانفجارات وأولئك الذين حاولوا الاستسلام لأن موقعهم كان عديم الجدوى.
وتمثل أحد الأهداف الرئيسة للهجوم في بلوغ المدفعية مدى يصل إلى مدينة خاركيف عاصمة المنطقة، التي تتعرض في الأساس إلى هجمات يومية بالصواريخ والطائرات من دون طيار (المسيرات) والقنابل الجوية لإجبار سكانها على الفرار. ويتمثل طموح فلاديمير بوتين المعلن في إنشاء "منطقة رمادية" غير صالحة للسكن بعمق عشرة أميال (نحو 15 كلم) على الجانب الأوكراني من حدود البلدين المشتركة.
وتسبب التسلل الروسي في القضاء على عدد من القرى واحتلال ما يناهز 50 ميلاً مربعاً من الأراضي. ولكن الهجمات المضادة نجحت في احتواء الهجوم الروسي وأبقت سلاح مدفعيته خارج مدى مدينة خاركيف.
وعلى مر أسابيع شهدت المعارك جموداً دموياً مع تغيرات طفيفة وحسب على الأرض وسط قتال الشوارع الذي تركز على فوفتشانسك، التي تعد أكبر بلدة في المنطقة فضلاً عن مناطق سكنية أصغر على غرار ستاريتسيا وهاليبوك وليبتسي.
وفي سياق متصل أفاد "معهد دراسات الحرب" الواقع في واشنطن هذا الأسبوع بأن "القوات الأوكرانية أطلقت هجوماً مضاداً واستعادت أخيراً بعض المواقع التكتيكية" في فوفتشانسك وستاريتسيا.
وفي هذا الإطار قالت القوات الأوكرانية التي تقاتل في شمال خاركيف لـ"اندبندنت" الشهر الماضي إن الروس يلقون بالجنود المبتدئين في الصفوف الأمامية ويستخدمونهم كوقود للمدافع، لإجبار الأوكرانيين على الكشف عن مواقعهم عندما يقومون بصدهم. وأضافوا أنهم كانوا يقضون على الروس بأعداد هائلة.
ويقول ياتسينكو إنه ليس بوسعه "في الوقت الحالي تأكيد" حجم عمليات قتل السجناء الأوكرانيين "إذ إننا لا نملك الإحصاءات الموضوعية لأن كل ذلك يحصل في ساحات المعارك الحالية وبوسعنا فقط تأكيد كل هذه الحوادث بعد إزالة الاحتلال من تلك الأراضي، إضافة إلى عمل المحققين الجنائيين".
ولكنه يقول إن الجنود [الروس] الجدد يدركون أن قادتهم يعدونهم "وقوداً بشرياً" مما أدى إلى "فقدان الحافز" بصورة جدية، بالتالي زيادة عدد الجنود الروسيين المستسلمين للقوات الأوكرانية.
وأظهرت التعليمات التي اعترضتها الاستخبارات الأوكرانية إضافة إلى استجواب أسرى الحرب الروس ومصادر أخرى، أن السبب الإضافي الذي يجعل القادة الروس يأمرون رجالهم بعدم أخذ أسرى هو أن التعامل مع السجناء يبطئ وتيرة الاعتداءات.
وقال ياتسينكو إن الأوامر بقتل الجنود الأوكرانيين العزل (غير المسلحين) أو المستسلمين في منطقة خاركيف يأتي على خلفية ارتكاب فظائع مماثلة منذ بداية الغزو الروسي عام 2014، عندما ضمت قوات بوتين شبه جزيرة القرم واحتلت أجزاء من شرق أوكرانيا المعروفة بمنطقة دونباس.
وتم تسجيل عدد من هذه الحوادث من خلال عشرات مقاطع الفيديو التي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل الروس أنفسهم.
وظهرت على الإنترنت مقاطع فيديو لأوكرانيين مستسلمين وهم مصطفون أو مجبرون على الجثو على ركبهم قبل أن يعدموا، فيما أظهرت مقاطع أخرى سجناء يتعرضون للتعذيب. وظهر في أحد الفيديوهات التي أصبحت منتشرة في كل أرجاء روسيا وليس فقط بين العساكر، جندي أوكراني ممدد على طاولة ووجهه إلى الأسفل وهو يصرخ بينما يتعرض للإخصاء قبل أن يقتل.
ويظهر فيديو آخر التقطه جندي روسي وقام بنشره أسير يقتل بالرصاص بعد تلفظه بالهتاف الوطني "النصر لأوكرانيا".
وفي غضون ذلك أجرى مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان تحقيقاً في بعض تلك الحوادث، وقال إن تحقيقاته ومقابلاته مع عدد من سجناء الحرب الأوكرانيين السابقين "كشفت بأنهم تعرضوا للعنف الجنسي خلال اعتقالهم، بما في ذلك محاولات للاغتصاب وتهديدات بالاغتصاب والإخصاء فضلاً عن تعرضهم للضرب على أعضائهم التناسلية أو صعقها بالكهرباء، وإجبارهم المتكرر على نزع ملابسهم".
والأسبوع الماضي، ترك الروس رأس جندي أوكراني مقطوعاً قرب فولنوفاخا في منطقة دونيتسك. ويجري المدعي العام الأوكراني أندري كوستين تحقيقاً في الحادثة التي عدها جريمة حرب، ويقول إن الاستخبارات الأوكرانية كشفت عن أن قادة الكتيبة الروسية وقادة السرية أمروا جنودهم بقطع رؤوس السجناء الأوكرانيين من أجل إثارة الرعب.
وفي هذا السياق، قال "معهد دراسات الحرب"، "يعد تقرير كوستين منسجماً مع الاتجاه الأوسع الملحوظ للانتهاكات الروسية اللامتناهية ضد أسرى الحرب الأوكرانيين، والتي يبدو أنه يجري تشجيعها وتأييدهم ودعمها صراحة من قبل القادة الروس الأفراد والقادة الميدانيين".
وتسعى روسيا جاهدة إلى توسيع مكاسبها أو في الأقل تعزيزها في شمال خاركيف قبل استئناف تدفق الأسلحة والذخائر التي زودت بها الولايات المتحدة أوكرانيا، والتي توقفت لمدة ستة أشهر بسبب المشاحنات السياسية داخل الكونغرس الأميركي.
وتسبب النقص الكبير في الذخيرة التي توفرها الولايات المتحدة وبخاصة للمدفعية وأنظمة الصواريخ الأوكرانية، في إعاقة قدرات أوكرانيا في ساحة المعركة ومنح روسيا فرصة لتحقيق مكاسب كبيرة.
ولكن في القريب العاجل ستقفل هذه النافذة إذ توقع رئيس الاستخبارات العسكرية الأوكرانية كيريلو بودانوف بأن الذخائر الأميركية ستعود إلى مستوياتها السابقة خلال الشهر المقبل.
وأرسى ياتسينكو مقارنة يظهر فيها التناقض بين معاملة سجناء الحرب من قبل أوكرانيا وروسيا. ويقول إنه في حين تسمح أوكرانيا بدخول اللجنة الدولية للصليب الأحمر بحرية إلى مكان وجود السجناء الروس الذين تعتقلهم أوكرانيا، فرضت روسيا حظراً مشدداً على الوصول إلى السجناء الأوكرانيين.
ويقول إن سجناء الحرب الأوكرانيين لم يروا إلا نادراً ممثلين للجنة الدولية للصليب الأحمر أثناء اعتقالهم. "وعندما يفرج عنهم، بوسعكم رؤية أن السجناء الروس يبدون في صحة جيدة وقد تمت تغذيتهم جيداً في حين أن مواطنينا يبدون كصور سجناء من مخيمات التعذيب النازية".
وأوضح أن ما لا يقل عن 170 أوكرانياً نقلوا إلى مخيمات سجناء الحرب الروسية ماتوا في الأسر، وأن العدد الحقيقي للسجناء الذين لقوا حتفهم هو على الأرجح أعلى بكثير.
وتجدر الإشارة إلى أنه في الـ25 من يونيو (حزيران) الماضي أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال، بحق وزير الدفاع الروسي السابق وسكرتير مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو ورئيس الأركان العامة الحالي فاليري غيراسيموف "بشبهة ارتكاب جرائم حرب، من خلال شن هجمات على أهداف مدنية" في أوكرانيا.
وأصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان اتهامات تتعلق بارتكاب روسيا جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان على المدى الطويل في أوكرانيا.
© The Independent