Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من الحيوانات إلى النفايات... غرائب الوحدات العسكرية في الجيوش

مرضى التوحد في الاستخبارات ووحدات مظلية أبطالها كلاب وسجناء في صفوف المقاتلين

كان كلاب المظلات أحد أبطال "إنزال نورماندي" الشهير خلال الحرب العالمية الثانية (أ ف ب)

ملخص

تاريخ الجيوش وحاضرها حافل بانتصارات وانكسارات، وعجائب وغرائب بعضها لا يخلو من طرائف... فما أغرب وحدات الجيوش؟

تاريخ الجيوش وحاضرها حافل بانتصارات وانكسارات وكرّ وفرّ ومكر ودهاء، وأيضاً عجائب وغرائب، وبعضها لا يخلو من طرائف، ورغم أن الحروب فنون، بغض النظر عن أنها فنون كثيراً ما تكون دموية وأدواتها كلما كانت فتاكة ولديها قدرات هدامة، جرى تصنيفها باعتبارها الأقوى والأفضل، فإن غرائبها وعجائبها تظل مثار حيرة وسبباً للبحث والاهتمام.

الاهتمام بالجيش الإسرائيلي هذه الأيام كبير، قدراته العسكرية، تقنياته الحديثة، قياداته وأهدافه، ضرباته وخروقاته، وكذلك طائفة الـ "حريديم" وصولاتها وجولاتها للامتناع من انضمام أفرادها إلى "جيش الدفاع"، وإصرار قيادات "جيش الدفاع" على إلحاقها بصفوفه.

سجناء لكن محاربون

يبدو المحكوم عليهم في قضايا النصب والاحتيال والسرقة والفساد وحتى القتل بحد أقصى شخص واحد، أبعد ما يكونون عن الجنود المقاتلين في الجيوش، لكن ما وجدت أوكرانيا نفسها مضطرة إلى عمله جعلهما على جبهة واحدة، فقبل أيام وبعد مرور ما يزيد على عامين من حرب روسيا في أوكرانيا، وأمام صعوبة التغلب على جيش "العدو" الروسي، بدأت أوكرانيا تأخذ خطوات فعلية لتجنيد نزلاء السجون شرط ألا يكونوا مدانين بالاغتصاب أو الاعتداء الجنسي أو قتل شخصين أو أكثر أو جرائم ضد الأمن القومي.

إنه الإفراج المشروط حيث القتال في صفوف الجيش في مقابل الحرية، والخطوة نفسها اتخذتها روسيا قبل أوكرانيا، فتقارير إعلامية روسية أشارت إلى أنه جرى الإفراج عن نحو 105 آلاف سجين عامي 2022 و2023، وأن كثيراً منهم انضم إلى صفوف المقاتلين في الحرب الروسية - الأوكرانية، كما أشارت التقارير إلى أن سيبيريا تنوي إغلاق عدد من سجونها العام الجاري بسبب انخفاض عدد السجناء الذين انضموا إلى صفوف المقاتلين.

 

وسواء جرى توزيع السجناء السابقين على وحدات مختلفة أو جرى تخصيص وحدة بعينها لهم، فإن الدفع بالسجناء إلى صفوف المقاتلين في الجيوش ليس وليد الحرب الروسية - الأوكرانية، بل ضارب في جذور التاريخ، فالتاريخ يشير إلى استعانة إمبراطوريات وممالك عدة بمئات وأحياناً آلاف السجناء في حروبها وغزواتها، من حرب "تشو وهان" في الصين عام 206 قبل الميلاد إلى الحروب النابليونية أوائل القرن الـ 19، التي استخدم فيها السجناء المدانون، وكان يجري وضعهم على حدود القتال الأولى أو في المهمات الانتحارية من منطلق أن التضحية بهم أقل كلفة من التضحية بالجنود المقاتلين، إلى تعبئة السجناء البريطانيين إبان الحرب العالمية الأولى لضمهم إلى صفوف الجنود.

وقيل إن طبيعة المجرم التي تميل إلى العنف تكون مرغوبة من بعض القيادات لدى خوض الحروب الكبرى، إلى الحرب العالمية الثانية ولجوء ألمانيا النازية للسجناء أيضاً لتجنيدهم في صفوف الجيش، سواء بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى والتحضير للثانية، أو في الحرب العالمية الثانية نفسها، وكثيراً ما أطلق على هذه الوحدات "الوحدات الخاصة"، إذ تأبى منظومة الاستعانة بالسجناء في الحروب والصراعات أن تتوقف رغم غرابتها.

وعلى القدر نفسه من الغرابة بدا دفاع الرئيس السابق لمجموعة "فاغنر" الروسية يفغيني بريغوجين الذي قتل في "تحطم طائرة" في أغسطس (آب) 2023 عن إرسال سجناء للقتال في أوكرانيا، وكان بريغوجين ظهر في فيديو مسرب وهو يتحدث مع نزلاء في أحد السجون لينضموا إلى صفوف مقاتلي "فاغنر"، ووقتها قال رداً على الانتقادات إن على الرافضين الفكرة أن يرسلوا أبناءهم للحرب بدلاً من السجناء، كما نشر بيان قال فيه إنه لو كان سجيناً لراوده حلم القتال ضمن مقاتلي "فاغنر" لـ "يسدد الدين لبلاده".

وحدات فنية

تسديد الدين عبر الانتقال من عنابر السجون إلى وحدات القتال ليس أغرب ما في الجيوش، فسجل الغرائب فيه كثير وليس أدل على ذلك من "الجيش الشبح" أو "وحدة الأشباح"، ففي هذه الوحدة من الجيش الأميركي اختلطت فنون الحرب وأهدافها بقواعد الفنون والإبداع صيف عام 1944، حين تشكلت مجموعة من الفنانين والمصممين واختصاصيي المؤثرات الصوتية في أميركا، وكلفوا بتكوين وحدة أو جيش الأشباح.

بدا التجهيز لهذا الجيش أشبه بالعمل في كواليس فيلم هوليوودي، فجرى تصميم أزياء مموهة ومركبات وهمية، كما جرى تزويدها بأصوات إذاعية زائفة ومؤثرات صوتية تحاكي ضربات الجيش في المعارك، كما كان يجري بث رسائل كاذبة ومفبركة عبر موجات الاتصال السلكية واللاسلكية بغرض إيهام "الأعداء" النازيين بأن القوات الأميركية أكبر وأكثر قدرة مما هي عليه.

وتمكن "جيش الأشباح" القائم على الوهم والخداع بالقيام بما يزيد على 20 مهمة، كان السلاح الأكبر فيها هو الفن مختلطاً بالوهم، واللافت أن "جيش الأشباح" ظل سرياً حتى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ولم يعلن عنه إلا عام 1966، أما محاربوه القدماء فقد انتقلوا للعمل في أكبر بيوت الأزياء والتصميم والفنون الجميلة والبناء وترميم الآثار.

الفنون الجميلة والآثار تؤرق بعضهم في الحروب، وبينما هناك من يعتبر تدمير الآثار هدفاً ضمن أهداف القتال والعراك، مثل مقاتلي "طالبان" الذين اعتبروا على مدى أعوام الصراع الطويلة في أفغانستان الآثار "رموزاً للكفر" يجب تهشيمها بالمعاول والمطارق، فهناك من اعتبر الآثار والفنون ضمن أغلى ممتلكات الوطن الواجب حمايتها.

 

كانت حماية التراث الثقافي في عدد من الدول الأوروبية إبان الحرب العالمية الثانية هدف "وحدة الآثار" أو "جيش الآثار" الذي جرى تدشينه في خضم الحرب لحماية اللوحات الفنية ومقتنيات المتاحف وغيرها من الآثار والمحفظات والتراثية، فالمجموعة المنتقاة بعناية من المتخصصين في الفنون الجميلة والآثار وأمناء المتاحف وعلماء الآثار أطلق عليها اسم "رجال الآثار".

الغريب أن "رجال الآثار" جرى توزيعهم على الخطوط الأمامية لقوات الحلفاء حتى يتمكنوا من إخبار قيادات الجيش بالمباني التاريخية والمعالم الأثرية المهمة التي ينبغي تفادي تدميرها لقيمتها الإنسانية والتاريخية والثقافية، وضمن المهمات الموكلة إليهم أيضاً رسم الخرائط التي توضح مواقع الأماكن الأثرية والتاريخية ليستعين بها الطيارون الحربيون لتفادي قصفها، كما قاموا ببعض المهمات الترميمية لبعض المواقع التي تدمرت أجزاء منها أثناء الحرب.

لم تنته مهمة "رجال الآثار" بنهاية الحرب العالمية الثانية بل استمرت بعدها أعواماً، لكن مع تغيير المهمات الموكلة إليهم، إذ أصبحت مهمتهم تعقب واستعادة الأعمال الفنية من لوحات وتماثيل قال جيش الحلفاء إن النازيين نهبوها.

وتشير تقارير عدة إلى أنه بعد انتحار هتلر وسقوط الحزب النازي عثر على آلاف القطع الفنية المخبأة، ومنها أعمال لرامبرانت ودافنشي ومايكل أنجلو وبوتيتشيلي وغيرهم، وممن أسهم في العثور عليها "رجال الآثار".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإذا كان "رجال الآثار" جنوداً حفروا أسماءهم في دوريات اختلط فيها الفن والإبداع بالحرب والصراع، فإن رجال ونساء الدوريات الزلاجة جنود يحفرون أسماءهم، لكن على ظهر زلاجات تجرها الكلاب في درجات حرارة قد تصل إلى 50 درجة مئوية تحت الصفر في الشتاء، وذلك في اتجاه القطب الشمالي تحديداً في جزيرة غرين لاند النائية التابعة سياسياً للدنمارك.

وحدة عسكرية دنماركية بكاملها عتادها الزلاجات التي تجرها الكلاب، تقطع مئات الكيلومترات يومياً تزلجاً في ظروف جوية بالغة الصعوبة بغرض تأمين أرجاء الجزيرة المترامية الأطراف، ففيما جيوش العالم تتدرب على مواجهة القصف الجوي والتصويب من الدبابات والاستهداف من المسيرات، فإن هذه الوحدة تتدرب على التعامل مع الرياح المتجمدة والأنهار والمستنقعات الجليدية وقضمات الصقيع والدبب القطبية.

ومن الدبب إلى العصافير، تحديداً تلك العصافير التي يجري ضربها بحجر واحد، ووحدة عسكرية غريبة ترفع راية "ضرب عصفورين بحجر"، فالعصفوران هما الأشخاص المصابون بطيف التوحد والحاجة إلى دمجهم في المجتمع، والحاجة الماسة في الاستخبارات إلى قراءة وملاحظة التفاصيل الصغيرة البالغة الدقة، وقد أعلنت إسرائيل العام الماضي أنها تستعين بجنود مصابين بالتوحد، ليخدموا في وحدات استخباراتية بالغة السرية تابعة للجيش. وبحسب تقارير صحافية إسرائيلية فإن نحو 400 جندي يخدمون في وحدتي "9900" المسؤولة عن جمع وتحليل المعلومات الاستخباراتية المرئية المأخوذة من الأقمار الاصطناعية وطائرات المراقبة، و"8200" المسؤولة عن تقديم رؤية استخبارية بناء على المعلومات التي يمدها بها العملاء، فالمعروف أن الأشخاص المصابين بالتوحد يعوضون افتقادهم المهارات الاجتماعية بالإفراط في تطوير مهاراتهم الإدراكية، مما يجعل منهم موظفين أو جنوداً استخباراتيين متخصصين في إدراك وتحليل أدق التفاصيل.

كلاب بالمظلات

وضمن التفاصيل الغريبة في عدد من الجيوش الكلاب العسكرية، فجيوش كثيرة تستخدم الكلاب المدربة في الحروب والصراعات للمساعدة في مطاردة الأعداء والقيام بمهمات أخرى في سياق الدفاع والهجوم، أما القفز بالمظلات فأمر غريب حتى لو كانت الكلاب عسكرية.

وقبل ثلاثة أعوام تناقلت وسائل الإعلام حول العالم خبر قيام الجيش الروسي بتدريب كلابه العسكرية على القفز بالمظلات في الأماكن التي يصعب هبوط الطائرات العسكرية فيها باعتباره خبراً غريباً، والأغرب هو أن وحدة مظلات الكلاب العسكرية أقدم من ذلك بكثير، فعلى سبيل المثال كان كلاب المظلات أحد أبطال "إنزال نورماندي" الشهير خلال الحرب العالمية الثانية، إذ تدربت الكلاب العسكرية على القفز بالمظلات، كما اعتادت أصوات القذائف والضوضاء ومراوح الطائرات وغيرها، وكانت الكلاب تقفز بالمظلات وحافزها رضا المدرب ومكافآت متمثلة في قطعة إضافية من اللحم أو عظام مجففة.

 

غرائب الجيوش وإبداعاتها الملهمة أو ابتكاراتها السخيفة ستظل تفاجئ الجميع طالما هناك حروب وصراعات وحاجة إلى مؤسسات عسكرية، وقد أثبت التاريخ المعاصر أن الغرائب والعجائب العسكرية لا تقتصر على وحدات في الجيوش أو أفكار تحكمها، لكن الأمر يمتد إلى أسلحة الردع ولو كان الردع عبر الروائح الكريهة وتكتيكات الترويع ولو كان ترويعاً منبعه الحَمّامّ، فقد ذهل العالم قبل أسابيع حين علم أن كوريا الشمالية أرسلت أسلحة "ردع" طائرة عبر حدودها لتستقر لدى جارتها اللدودة كوريا الجنوبية، حيث انطلق نحو 150 بالوناً من كوريا الشمالية نحو كوريا الجنوبية، وانطلقت التحذيرات الرسمية في كوريا الجنوبية تطلب من المواطنين التزام بيوتهم وعدم فتح البالونات، لأن محتواها غير معلوم، وقد لا يكون معلوم العواقب.

هبطت البالونات في تسع مقاطعات في كوريا الجنوبية، وأثبتت التحاليل أنها تحوي "نفايات آدمية" وقمامة، ورغم أن الحملة الدعائية العدائية بين الكوريتين تعود إلى الخمسينيات وقت الحرب الكورية، ورغم اعتياد الدولتين إرسال منشورات عدائية لبعضهما بعضاً، فإن بالونات النفايات البشرية تعد الأشنع والأغرب ابتكاراً.

الابتكار ليس رفاهية

مجال الابتكار في الجيوش ليس رفاهية أو اختياراً، بل هو واجب ومسؤولية لمن أراد الجاهزية لمواجهة خصم ماكر أو جيش ينتهج فكراً غير تقليدي، أو لم يعد يكتفي بكلاسيكيات المواجهة، ورغم ذلك فإن عدداً من الجيوش، بحكم العادة أو العقيدة القتالية أو الترتيب الهرمي المحكم، يقاوم التفكير خارج الصندوق، بل ويحاكم من يقترفه محاكمة عسكرية صارمة.

ويشير الضابط الأميركي المتقاعد بن زويبلسون في مقالة عنوانها "لماذا تخنق الجيوش الأفكار الجديدة؟" في الدورية الأسترالية "القضايا المعاصرة في مجال القوة الجوية والفضائية" (فبراير 2024) إلى أنه ورغم حاجة الجيوش إلى الابتكار والإبداع في صياغة الإستراتيجيات لمواجهة حيل المكر والدهاء، إضافة إلى القوة العسكرية، فإن التوبيخ عادة يكون نصيب من يتجرأ على زعزعة الكلاسيكيات المؤسسية العسكرية حتى لو كان قد عفا عليها الزمان.

ورغم أن زويبلسون يقصد الابتكار العسكري على صعد أكبر وأعمق من مجرد تدشين وحدة لحماية الآثار أو تدميرها، أو ضم مرضى التوحد للاستفادة من إفراطهم في تنمية مهاراتهم الإدراكية في وحدات الاستخبارات، أو إرسال بالونات تحمل نفايات بشرية، أو تكريم وحدات مظلات الكلاب، فإن غرائب الوحدات وعجائب الأفكار هي خطوات في طريق الابتكار.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات