ملخص
انتشرت لقاحات للأطفال فاسدة ومنتهية الصلاحية في الضواحي الجنوبية للعاصمة يروج لها أشخاص ادعوا أنهم ينتمون إلى وزارة الصحة السودانية
تبدلت معالم الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" التي اندلعت شرارتها الأولى في العاصمة الخرطوم منتصف أبريل (نيسان) 2023، وأصبحت لها قوالب أخرى غير القتل بالرصاص والقذائف المتفجرة والدانات التي تسقط بصورة عشوائية على المنازل، في ظل الوضع الحالي من أزمة لا نهاية لها، على رغم تجدد الوساطات من بعض الدول التي تهتم بالشأن الإنساني في السودان.
مع طول أمد الحرب واتساع رقعتها تشهد الخرطوم تفلتات أمنية واستغلالاً للظروف المعيشية، لا سيما الواقعة تحت سيطرة "الدعم السريع"، وباتت الآفاق ضبابية لا سيما مع انتشار الفوضى التي تحمل عواقب مروعة بطبيعة الحال.
الحرب الكارثية استهدفت الأطفال مستقبل البلاد وعرضت صحة 24 مليون طفل للخطر بسبب انتشار الأمراض الناتجة من نقص الغذاء والدواء، وبخاصة سوء التغذية الحاد الذي يعانيه نحو 700 ألف طفل، والذي يقود إلى أخطر أمراض الطفولة، خصوصاً شلل الأطفال إلى جانب الحصبة اللذين تفاقما بانعدام اللقاحات.
وفي خضم هذه التداعيات انتشرت لقاحات للأطفال فاسدة ومنتهية الصلاحية في الضواحي الجنوبية للعاصمة المكتظة بالسكان العالقين، يروج لها أشخاص ادعوا أنهم ينتمون إلى وزارة الصحة السودانية.
في الوقت نفسه كشفت وزارة الصحة في بيان أن الأفراد الذين يجوبون جنوب الخرطوم لتطعيم الأطفال يستخدمون لقاحات فاسدة في مقابل مبالغ مالية تراوح ما بين ثلاثة وخمسة آلاف جنيه سوداني (ما يعادل خمسة دولارات أميركية)، فضلاً عن أنهم ينتحلون صفة منسوبي الوزارة، حتى تطمئن الأسر بإعطاء الأطفال اللقاحات مجهولة المصدر والاسم، مما أثار القلق والمخاوف وسط الأسر، فيما تسابقت الأمهات للإبلاغ والشكاوى عقب إصابة الأطفال بعوارض غير مطمئنة.
لاحقاً أعلنت الوزارة بعد التحقق والتقصي من صحة المعلومات بانتشار أمصال فاسدة للأطفال في ضواحي الكلاكلة والحاج يوسف والإنقاذ ومايو، ومنطقة جبل أولياء، إضافة إلى غزو الأسواق ببعض السلع الغذائية الفاسدة ومنتهية الصلاحية في ضاحية شرق النيل، مما أدى إلى وجود حالات تسمم لبعض السكان.
احتيال لكسب المال
وتقول المواطنة السودانية نجلاء الخير التي لا تزال عالقة في ضاحية الكلاكلة، إن "طفلها البالغ من العمر تسعة أشهر، يعاني الحصبة، لا سيما أنه لم يكمل الجرعات الوقائية المحددة حتى بلوغ العام والنصف بسبب الصراع الدائر بالخرطوم الذي أدى إلى انهيار الخدمات الصحية، حتى في المراكز الخيرية الواقعة وسط الأحياء السكنية، التي من خلالها كنا نتلقى العلاج والتطعيمات مجاناً".
وأضافت "بسبب انتشار الأمراض وتفاقمها ومعاناة الأطفال لعدم قدرتهم على تحمل الوجع والعوارض المؤلمة على رغم العلاجات المنزلية البديلة، اعتقاداً منا أنها تحد من الأعراض لا سيما أن العدوى سريعة الانتشار، لجأت أسر كثيرة إلى أخذ اللقاحات بواسطة أفراد يجوبون الأسواق بمكبرات الصوت، معلنين توفر أمصال بخاصة الحصبة وشلل الأطفال في ضواحي الكلاكلة والحاج يوسف ومايو والإنقاذ، إلى جانب منطقة جبل أولياء، وهم يرددون ويؤكدون انتماءهم إلى وزارة الصحة الاتحادية في الخرطوم التي وفرت اللقاحات على حد قولهم أيضاً".
وتابعت المواطنة "لم يكن هناك خيار سوى إعطاء الأطفال الجرعات بعد الاطمئنان من خلال شعار الوزارة الذي يرتدونه، لا سيما أنه من الطبيعي أن يصاب الطفل بارتفاع طفيف في الحمى عند التطعيم، لكن أن يكون مصحوباً بالتقيؤ والإسهال هذا ما أثار القلق، فضلاً عن أن الأمصال شكلها ولونها مختلف، إلى جانب المبالغ المالية، إذ إن وزارة الصحة قبل اندلاع الحرب كانت توفر لقاحات الأطفال مجاناً، مما أدى إلى رفع الشكاوى والإبلاغ من الأسر المتضررة، بعد التأكد من أن هؤلاء الأفراد يحتالون من أجل الكسب المادي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
انعدام الثقة
من جهته قال عضو غرفة طوارئ جنوب الخرطوم ياسر بريمة إن "الحرب استهدفت المواطنين بمختلف أعمارهم، وطاولتهم انتهاكات واسعة من طرفي الصراع، فضلاً عن أن سيناريو الفساد سيكون متكرراً في الغذاء والدواء والمصدر دائماً مجهول، ولا ندري إذا كانت هذه المنتجات الفاسدة من سوء التخزين أو يروج لها أشخاص للحصول على المال، مما يؤدي إلى تفشي الأمراض وبخاصة السرطانات والفشل الكلوي".
أردف بريمة "ظهور أمصال للأطفال فاسدة في الأسواق يروج لها بعض ضعاف النفوس، إنما تدل على فوضى الحرب والتفلت الأمني بسبب غياب الرقابة والمساءلات القانونية لمن يتاجرون بأرواح الأطفال، فضلاً عن أن وزارة الصحة في السودان نفت أن هؤلاء الأفراد ينتمون لها، وأكدت أن هذه اللقاحات منتهية الصلاحية ومجهولة الاسم والمصدر، وفي الوقت نفسه انتشرت سلع غذائية أيضاً فاسدة ومنتهية الصلاحية في ضاحية شرق النيل، أدت إلى تسمم نحو 25 شخصاً تناولوا الدقيق وزيت الطعام نفسهما، استقبلتهم مستشفى البان جديد، وأجريت لهم الإسعافات اللازمة من دون وجود خسائر في الأرواح، فضلاً عن أننا مُنعنا تحت تهديد السلاح من تقديم أية مساعدات إنسانية للعالقين في نيران الحرب، وبات من المؤكد الهدف من هذه التجارة غير المشروعة التكسب والحصول على المال أياً كانت العواقب".
ولفت عضو غرفة الطوارئ إلى أن "الأخطار التي تعرض لها المواطنون في هذه المناطق، ستؤدي إلى انعدام الثقة ومقاطعة تطعيم الأطفال أو شراء المواد الغذائية خلال هذه الفترة الحرجة، لذلك يجب أخذ الحيطة والحذر والتأكد من صلاحية أي منتج قبل الاستخدام".
قتل متعمد
وعلى الصعيد ذاته أوضح المتحدث باسم اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان محمد عبدالله، أن "طول أمد الحرب أدى إلى تداعيات بالغة التعقيد، لا سيما الإتجار بأرواح المدنيين، وبخاصة الأطفال الذين لا تتحمل بنيتهم المخاطرة بتناول السموم، لا سيما انتشار لقاحات فاسدة في جنوب الخرطوم، بل تجرأ بعضهم دخول المنازل بغرض حملات التطعيم وبخاصة الحصبة التي قضي عليها سابقاً في البلاد، من وجهة نظري أن هذا الفعل يعتبر جريمة وقتلاً متعمداً غير ما ألفناه في الحرب".
وأضاف عبدالله "مع غياب النظام الاستقصائي للأمراض كما كان متبعاً قبل اندلاع الحرب، جعل من الصعب تقصي الأمراض والحد منها، مما أدى إلى ارتفاع معدلات الوفيات بين الأطفال من دون حتى معرفة سبب وفاتهم، فضلاً عن أن الغالبية منهم عانى كثيراً الحصبة والشلل".
وزاد عبدالله "هناك انعدام لأساسات الحياة الآمنة، إزاء ذلك يبقى الخيار الوقاية، لكن مع احتدام المعارك والنزوح والتكدس في معسكرات الإيواء وانعدام الأمن الغذائي أدى إلى الإصابة بسوء التغذية".
وأشار المتحدث باسم النقابة "استخدام الأمصال الفاسدة من طريق الفم أو الحقن نتيجته الموت لا محال، فضلاً عن أن الحل للخروج من هذه الأزمة رفع الوعي وسط الأسر، إلى جانب تكاتف الجهود على الصعيدين المحلي والدولي لإحلال السلام بين الأطراف المتصارعة، حتى ينعم المواطنون بالاستقرار والأمان".