ملخص
على سبيل المثال اعتبر السيناتور الجمهوري جيه دي فانس أن ما حدث ليس حادثة منعزلة، مشيراً إلى أن الفرضية المركزية لحملة بايدن هي أن الرئيس ترمب فاشي استبدادي يجب إيقافه بأي ثمن، كما نشرت مجموعة من المشرعين الجمهوريين تعليقات مماثلة على وسائل التواصل الاجتماعي، ملمحين إلى دوافع سياسية.
بعد محاولة اغتيال فاشلة للرئيس السابق دونالد ترمب خلال حشد انتخابي في ولاية بنسلفانيا، وقبل أن يخرجه رجال الخدمة السرية المكلفون بحراسته من المسرح الذي كان يلقي فيه كلمته، رفع ترمب قبضته في الهواء وأذنه تقطر دماً، قائلاً لأنصاره "قاتلوا، قاتلوا، قاتلوا"، ما ينبئ بما سيكون عليه المشهد خلال الأيام والأسابيع المقبلة: مزيد من الصراع السياسي والاتهامات المتبادلة بين الجمهوريين والديمقراطيين، فكيف يمكن أن تؤثر محاولة الاغتيال في مسار الانتخابات الأميركية؟
تغيير فوري
عندما بدأ إطلاق النار في تجمع انتخابي للرئيس ترمب في مدينة بتلر بولاية بنسلفانيا، وأطلق جهاز الخدمة السرية النار على مسلح مشتبه فيه وقتله، انطلقت عملية تغيير في المشهد السياسي والانتخابي الأميركي، حيث أرسل إطلاق النار، الذي وصفه عدد من مشرعي الحزب الجمهوري بأنه محاولة اغتيال، موجات صادمة إلى انتخابات مضطربة بالفعل، إذ أوقف الديمقراطيون هجماتهم على الرئيس السابق بعدما كانوا متحدين في انتقاده حتى عندما كانوا يتقاتلون حول إمكانية انتخاب الرئيس جو بايدن، كما سارع الجمهوريون الذين التزموا الصمت وسط الشجار الديمقراطي، إلى إلقاء اللوم على خطاب الحزب المعارض في الهجوم على ترمب.
وتدفقت رسائل الدعم لترمب على الفور من كبار الديمقراطيين والجمهوريين وكذلك الرؤساء السابقين، الذين عبروا جميعاً عن إدانتهم العنف السياسي، بمن في ذلك الرئيس جو بايدن الذي أعلن أنه لا يوجد مكان في أميركا لهذا النوع من العنف، لكن بعض الجمهوريين حملوا خطاب بايدن مسؤولية إطلاق النار على رغم أن ترمب نفسه قال إن الدافع غير واضح.
وعلى سبيل المثال اعتبر السيناتور الجمهوري جيه دي فانس أن ما حدث ليس حادثة منعزلة، مشيراً إلى أن الفرضية المركزية لحملة بايدن هي أن الرئيس ترمب فاشي استبدادي يجب إيقافه بأي ثمن، كما نشرت مجموعة من المشرعين الجمهوريين تعليقات مماثلة على وسائل التواصل الاجتماعي، ملمحين إلى دوافع سياسية.
مزيد من الشعبية
يعتقد باحثون ومشرعون أن الحادثة ستصب في مصلحة ترمب إلى حد بعيد، إذ يشير رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة نورث ويسترن، كوستاس باناغوبولوس إلى أن الحادثة ربما تولد التعاطف مع ترمب، الذي من الواضح أنه عرضة للعنف السياسي والتطرف مثل أي شخص آخر.
ويعود هذا الاستنتاج إلى أن محاولات الاغتيال التي تستهدف القادة الشعبويين لها سجل حافل في تعزيز شعبيتهم، مثل المرشح البرازيلي جايير بولسونارو الذي تعرض للطعن عام 2018، مما عزز دعم الناخبين الذين رأوا أنه نجا من محاولة اغتيال على يد أعدائهم الأيديولوجيين، وفي الأشهر التي تلت إصابته برصاصة في ساقه خلال تجمع سياسي، شهد رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان تزايد الدعم لحزبه إذ أصبح الجمهور ينظر إليه بصفته شخصية تحارب مؤسسة فاسدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبالمثل استفاد الرئيس رونالد ريغان من التعاطف والدعم الشعبي بعد محاولة اغتياله عام 1982، وهو الدعم الذي ساعده على المضي قدماً في مجموعة من السياسات الاقتصادية المثيرة للجدل التي حددت هوية البلاد لعقود قادمة.
ويحذر علماء من تزايد واضح في الاغتيالات السياسية خلال الأعوام الأخيرة، بعد عدد من المحاولات الفاشلة والناجحة لاستهداف مسؤولين في الولايات المتحدة وخارجها، وألقى مركز "وور أون ذا روكس" بالمسؤولية على مجموعات تسمى "أنصار التسارع" الذين يسعون إلى إثارة الصراع الاجتماعي من خلال زعزعة استقرار المؤسسات السياسية.
وفي هذا السياق بدأت صورة ترمب وهو يرفع قبضته الملطخة بالدماء أمام الحشد الجماهيري تنتشر بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك بين المؤيدين الذين أشادوا بتحديه مثل النائب الجمهوري تيم بورشيت الذي يرى أن الحادثة تنشط قاعدة ترمب أكثر من أي شيء آخر، وأن نداء ترمب للجماهير بالقتال سيكون هو الشعار، في إشارة إلى الصور ومقاطع الفيديو لترمب التي انتشرت بسرعة عبر الإنترنت.
استفادة ثلاثية
ويتوقع الجمهوريون أن العواقب السياسية لحادثة إطلاق النار على ترمب ستحفز ناخبيهم بصورة كبيرة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، إذ يقول النائب الجمهوري أنتوني دي إسبوزيتو، الذي يمثل منطقة انتخابية ساخنة في نيويورك، إنه بينما يعتقد أن قضايا مثل أمن الحدود والاقتصاد ستقود بالفعل ترمب إلى النصر، فإن تداعيات إطلاق النار ستجعل الناس يريدون الخروج للتصويت في 20 منطقة ستقرر السيطرة على مجلس النواب.
ولا شك أن التساؤلات حول إمكانية إعادة انتخاب بايدن جعلت الديمقراطيين يشككون بالفعل في فرصهم للحفاظ على سيطرتهم على البيت الأبيض، في وقت يبدو فيه الحفاظ على الغالبية في مجلس الشيوخ بمثابة صعود شاق، ولهذا يبدو أن إطلاق النار على تجمع ترمب جعل الجمهوريين أكثر تفاؤلاً في شأن الفوز بالثلاثية الكاملة للسيطرة على الحكومة الفيدرالية في البيت الأبيض ومجلسي الكونغرس.
ويعتقد بعض الجمهوريين أن إطلاق النار في مسيرة ليل أمس السبت جعل طريق ترمب أسهل إلى البيت الأبيض، ونجاته تجعله يفوز مثلما أشار النائب الجمهوري ديريك فان أوردن، غير أن جمهوريين آخرين لن يذهبوا إلى هذا الحد، وإن توقعوا أن يؤدي إطلاق النار إلى تعزيز الدعم للرئيس السابق وتحفيز قاعدتهم في نوفمبر.
أبعد من السياسة
ومن المرجح أن تمتد التداعيات إلى ما هو أبعد من السياسة، حيث يدعو أعضاء من كلا الحزبين إلى إجراء تحقيق في الحادثة، حيث أشار رئيس الرقابة في مجلس النواب الجمهوري جيمس كومر إلى أنه يخطط لعقد جلسات استماع في شأن إطلاق النار، على رغم وجود انقسام بين الجمهوريين حول ما إذا كان ينبغي توجيه أصابع الاتهام إلى جهاز الخدمة السرية لأنه سمح للمهاجم بالمرور، أو الانتظار لمعرفة ما يقوله التحقيق الرسمي.
ونشر بعض الجمهوريين في الكونغرس مثل النائب مايك كولينز، نظريات مؤامرة مفادها أن بايدن أرسل الأوامر لإطلاق النار، في إشارة إلى تصريحات بايدن المجازية التي قال فيها إن الديمقراطيين بحاجة إلى وضع ترمب في مركز الهدف، كما قال السيناتور الجمهوري مايك لي، إن بايدن يجب أن يأمر على الفور المدعين العامين بإسقاط التهم الفيدرالية ضد ترمب باعتباره جزءاً من محاولة خفض درجة الحرارة السياسية في أميركا.
العنف المسلح
ومن الانعكاسات المهمة لحادثة إطلاق النار على الرئيس السابق ما يتعلق بموقف الجمهوريين والرئيس ترمب من قضية عنف السلاح في الولايات المتحدة، إذ يشير أستاذ علم الجريمة والقانون والسياسة العامة بجامعة نورث ويسترن، جيمس آلان فوكس إلى أن الحادثة ستضع العنف المسلح قضية رئيسة في حملة ترمب، كما قال رئيس قسم العلوم السياسية بالجامعة نفسها كوستاس باناغوبولوس، إن الحادثة تذكير بأنه لا يوجد مكان للعنف السياسي في بلادنا، وكذلك بمدى انقسام البلاد على أسس حزبية وأيديولوجية.
ويعتبر جيمس فوكس الذي يترأس قاعدة بيانات عمليات القتل الجماعي التابعة لـجامعة نورث ويسترن، وهي أطول مصدر للبيانات حول هذا الموضوع، أن الحادثة يجب أن تجعل السيطرة على الأسلحة قضية رئيسة في الحملة الانتخابية بالنظر إلى حوادث مماثلة كانت تبرز فيها قضية العنف المسلح إلى السطح، مثل محاولة إطلاق النار على الرئيس رونالد ريغان بعد نحو شهرين من أدائه اليمين الدستورية أثناء مغادرته فندق هيلتون في واشنطن العاصمة في الـ30 من مارس (آذار) 1981، إذ أطلق جون هينكلي جونيور النار على ريغان من مسدس عيار 22، كما أُطلقت النار على النائبة الأميركية غابي غيفوردز و18 آخرين خلال اجتماع تأسيسي عقد في ولاية أريزونا في الثامن من يناير (كانون الثاني) 2011.
وفي حين تعهد ترمب أمام الرابطة الوطنية للبنادق بأنه إذا انتُخب فسوف يلغي القيود المفروضة على الأسلحة التي فرضتها إدارة بايدن، كما كان الحزب الجمهوري متردداً إلى حد ما في دعم التدابير المعقولة للسيطرة على الأسلحة، إلا أن إطلاق النار على زعيم حزبهم الذي لم يصب بجروح قاتلة لحسن الحظ، من المؤكد أن يساعدهم على إعادة النظر في بعض مواقفهم في شأن تدابير السلامة المعقولة للأسلحة النارية.
غير أن باناغوبولوس يرى أنه من الناحية السياسية، قد يكون إطلاق النار ضاراً لترمب لأن كثيراً يعتقدون أنه أجج نيران العنف السياسي والانقسام من أجل مكاسب سياسية، مما أدى إلى تفاقم الاستقطاب في الولايات المتحدة بخطابه الحارق.