Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رياضة "القفز على الجمال" قصة الأرض والجدود في تهامة

تدق أجراس الاندثار باليمن وسط غياب الجهود الرسمية لتوثيقها كإرث شعبي

ملخص

تزخر البيئة التهامية في اليمن بعديد من الرياضات والألعاب والفنون الشعبية، منها ما يؤدى بدنياً كالقفز والرقص والجري والأخرى تمارس ذهنياً كرياضتي البقر والكبن ويشي حجم تنوع الرياضات الشعبية في تهامة بمبلغ الثراء في موروثها الشعبي.

توضع كومة من التراب بمقدار نصف متر قبل الجمال المصفوفة التي سيتم القفز فوقها وعادة ما تكون من خمسة إلى سبعة جمال، أما الواثب فيجري من نقطة تبعد خمسة أمتار عنها حتى يصل إلى المرتفع الترابي "كومة" فيقفز إلى الأعلى من دون أن تلامس قدماه أسنمة الجمال، ويحظى الفائز في هذا المضمار بإشادة أبناء "قبيلة الزرانيق"، إذ إن هذه اللعبة تعبر عن المقدرة والفتوة والرجولة.

وفي تهامة غرب اليمن لو صادفت شاباً من الزرانيق يعيش في عشة (بيت من القش)، وسألته عن الرياضات الشعبية التي كان يلعبها أجداده؟ سيجيبك أن أجداده كانوا يمارسون الرقص، والقفز على الجمال والصيد والمصارعة وألعاباً كثيرة أخرى.

تنتابك الدهشة وتسأل نفسك كيف يقفزون فوق الجمال وأين تعلموا ذلك؟ ويدفعك فضولك إلى أن تسأله، هل تستطيع القفز عليها أنت؟ فيجيب: "نعم، أقفز من فوق خمسة وستة وأحياناً سبعة جمال".

رياضات حربية

ارتبطت رياضة القفز على الجمال بحياة الإنسان الزرنوقي القديم المشهور بصلابته وقوته وكفاحه ونضاله السياسي والعسكري في التاريخ اليمني، وإلى جانب ذلك فهو يمارس رقصات ورياضات شعبية متنوعة فريدة وجذابة هي في الأصل حربية، وأخرى ذهنية ارتبطت بتاريخ قبيلته على مر الزمن.

وللتعرف إلى طقوس هذه الرياضة "القفز على الجمال" شدت "اندبندنت عربية" الرحال إلى "قرية العباسي" في محافظة الحديدة (غرب) والتقت الشاب صلاح جودات ذي الـ25 سنة وبعضاً من رفقائه الواثبين.

أحضرت خمسة جمالات على مسرح أرض ساحلية رملية وصفت بعضها إلى جانب بعض ووضع قبلها كومة من التراب ترتفع نحو نصف متر. أما شروط اللعبة فتنص على أن يقفز الواثب "جودات" ورفقاؤه على الجمال جميعاً من دون أن تلامس أقدامهم أسنمتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كانت العيون تشرئب بشوق منتظرة وثب المتسابقين، وفي الزاوية الأخرى تقرع الطبول والدفوف ويعزف الناي، تشجيعاً للواثبين.

وبلياقة مبهرة استطاع الشاب جودات القفز على الجمال وتبعه أصدقاؤه الذين قرروا خوض هذا المضمار التنافسي، أما الآخرون فمنهم من أجاد القفز وحظي بمباركة الجمهور الحاضر ومنهم من خسر وأصبح مثار سخرية.

هوية وتراث

جودات أشار في سياق حديثه إلى أن التنافس على لعب هذه الرياضات يكون محل اهتمام وفخر لدى أبناء قبيلته فهي تقليد متوارث عن الأجداد، وتحتاج إلى تمارين مكثفة ونظام غذائي صارم. وأضاف "نمارسها كرياضة بمعدل مرتين إلى ثلاث في الأسبوع الواحد، وهي جزء من هويتنا وتراثنا الحضاري".

في السياق يرى الباحث المتخصص في التراث التهامي محمد الزرنوقي أن هذه الرياضة تعاني إهمالاً كبيراً من قبل الجهات الرسمية وقد تندثر وأضاف "نحتاج إلى إقامة فعاليات ومنتديات محلية وإقليمية ودولية للتعريف بها، وتسجيل الموروث في الجهات الدولية المتخصصة، ونحتاج إلى إنشاء متحف رياضي ثقافي لقبيلة الزرانيق". معتبراً أن هذه المتطلبات تعد الحد الأدنى من حقوق أبناء الزرانيق، ولكن للأسف الشديد صارت بالنسبة إلينا أحلاماً.

ملامح الأرض

وتزخر البيئة التهامية بعديد من الرياضات والألعاب والفنون الشعبية، منها ما يؤدى بدنياً كالقفز والرقص والجري. والأخرى تمارس ذهنياً كرياضتي البقر والكبن. ويشي حجم تنوع الرياضات الشعبية في تهامة بمبلغ الثراء في موروثها الشعبي.

"القفز على الجمال" وغيرها ليست رياضات شعبية يمارسها أبناء تهامة اليمن فحسب، بل تاريخ يختزل ملامح الأرض ويفصح عن حياة الإنسان التهامي المكافح وأجداده الذين عمروا مساكنها من الطين وسعف النخيل واتخذوا من العشة (بيت من القش) رمزاً شاهداً على حياتهم البسيطة، إضافة إلى قارب الصيد والفأس والمحراث التي كانت وسائل مثالية للعيش والعمل.

وتعد "الزرانيق" من القبائل التهامية العريقة التي تسكن ما بين الحديدة وزبيد (شمالاً - جنوباً)، وما بين جبال ريمة والبحر الأحمر (شرقاً - غرباً)، وكانت تعرف في بداية العهد الإسلامي بقبيلة المعازبة، وقد عرف عن هذه القبيلة صلابتها وقوتها ومبادئها الرافضة للظلم ومقاومة نظام الأئمة والاستعمار البريطاني والاحتلال العثماني.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات