Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"النونو" ينعش "الشرطة الشعبية" في مواجهة الأعمال الفنية

"عمارة يعقوبيان" و"المذنبون" و"حين ميسرة" أعمال دفعت الثمن

مشهد من فيلم "أصحاب ولا أعز" (موقع الفيلم)

ملخص

انقسمت الآراء وأثير الجدل ليفتح مجدداً ملفاً شائكاً، ويطرح التساؤل حول حرية الدراما والخيال في تجسيد أية شخصية مهما جنحت نحو الجرأة والتجرد من معايير الشخصيات الملتزمة مجتمعياً والتي ترضي تقاليد الشعوب، وتنتصر فقط لمعايير عامة ترضي الجنسيات والأعراق والوازع الديني والأخلاقي العام من دون التطرق لأعماق الشخصيات الموجودة في المجتمع، ويواجهها الجميع ويعترف بها في الحقيقة، لكن يثيره بشدة عرضها على الشاشة مهما كانت طريقة الطرح والهدف من تشريحها بكل أبعادها عبر الشاشات.

أثار إعلان الفنان أحمد حلمي تقديم شخصية شاب مصري يعقد صفقات وهمية وينصب على الحجاج خلال موسم الحج في فيلم "النونو" المقرر تصويره قريباً، حالاً من الغضب الشديد، وانهالت الاتهامات التي ترفض تجسيد مصري دور شخص ينصب على الحجاج بحجة الإساءة، وهي تهمة واجهت معظم الأدوار الجريئة والأفلام التي تطرح أية فكرة مختلفة.

وانقسمت الآراء وأثير الجدل ليفتح مجدداً ملفاً شائكاً ويطرح التساؤل حول حرية الدراما والخيال في تجسيد أية شخصية مهما جنحت نحو الجرأة والتجرد من معايير الشخصيات الملتزمة مجتمعياً، والتي ترضي تقاليد الشعوب وتنتصر فقط لمعايير عامة ترضي الجنسيات والأعراق والوازع الديني والأخلاقي العام، من دون التطرق إلى أعماق الشخصيات الموجودة في المجتمع، ليواجهها الجميع ويعترف بها في الحقيقة، لكن يثيره بشدة عرضها على الشاشة مهما كانت طريقة الطرح والهدف من تشريحها بكل أبعادها عبر الشاشات.

 

مواجهة حتمية

لم يكن فيلم "النونو" الذي لم يرَ النور حتى الآن أول الأعمال التي تتسبب في جدل عنيف يناهض الدور والعمل برمته، ولن يكون الأخير، فتاريخ السينما والدراما العربية يكتظ بحالات وأفلام وأدوار قامت بسببها الجماهير ولم تهدأ، واتهمت بالخروج عن الأخلاق والأعراف والإساءة إلى الأديان أحياناً ونشر الفساد وزعزعة التقاليد، وبعض هذه الأفلام عانى صناعها لأعوام طويلة تبعات الهجوم، وبعض الأعمال توقفت بسبب الضغط الجماهيري الذي تحوّل إلى سلطة شعبية حاكمة أعنف من الرقابة والجهات الرسمية.

ومن تلك الأعمال فيلم "أصحاب ولا أعز"، إذ شن عدد كبير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي هجوماً حاداً عليه لاحتوائه على كثير من المشاهد الجريئة والألفاظ غير اللائقة، وهوجمت بشدة بطلته منى زكي لمجرد تقديمها دوراً به إيحاء بخلع قطعة من ملابسها، وتحول الأمر من مجرد انتقاد إلى عنف شديد وتعليقات مزعجة ولاذعة ضد الممثلة المصرية.

 

كما تعرض فيلم "حلاوة روح" للفنانة هيفاء وهبي الذي صدر عام 2014 لهجوم حاد أيضاً بسبب قيام هيفاء بدور سيدة تتورط في علاقة مع طفل يقترب من سن المراهقة، وعلى رغم أن الفيلم يحاكي ولع طفل بسيدة مثيرة مثلما تناول فيلم "مالينا" للنجمة مونيكا بيلوتشي، لكن تمت معالجته بشكل مختلف لا يقترب من الناحية الجسدية، ورفضت الفكرة من جذورها من قطاع ضخم من الجمهور، كما حدث ضغط شعبي كبير جداً لدرجة أن رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب أصدر قراراً بوقف عرضه وسحبه من دور العرض السينمائي وإعادته لهيئة الرقابة على المصنفات الفنية.

والفيلم من إخراج سامح عبدالعزيز وتأليف علي الجند وبطولة هيفاء وهبي وباسم سمرة ومحمد لطفي وصلاح عبدالله وأحمد فتحي.

ولأن شخصية المثلي جنسياً من أكثر الشخصيات التي تواجه هجوماً مجتمعياً عند عرضها على الشاشة، مهما كان الهدف من طرحها، كان فيلم "عمارة يعقوبيان" صاحب أكبر هجوم من الجمهور خلال الأعوام الماضية، وجسّد الشخصية الفنان خالد الصاوي الذي كان شديد الحماسة وقتها، لكنه أكد ندمه بعد ذلك بسبب تواصل الهجوم عليه على رغم مرور 18 عاماً على عرض الفيلم.

ونال العمل انتقادات كبيرة بسبب ما يحويه من مشاهد وقضايا جريئة، ولعب بطولة الفيلم عادل إمام ونور الشريف ويسرا وهند صبري وخالد الصاوي، وهو عن قصة لعلاء الأسواني وسيناريو وحوار وحيد حامد وإخراج مروان حامد.

ومن الأفلام التي كانت سبباً في جدل كبير فيلم "حين ميسرة" الذي يعرض شخصية سيدة مثلية أيضاً وتهوى النساء، وقامت بدورها غادة عبدالرازق، إذ تناول العمل كذلك قضايا شائكة تسببت في حدوث عاصفة ضده أدت إلى مطالبات بالمنع.

ونظراً لجرأة التناول فقد هوجم بشدة فيلم "حرام الجسد" من بطولة ناهد السباعي، إذ عرضت مشاهد اعتبرها الجمهور جنسية وخارجة عن التقاليد، وأيضاً اُنتقدت بعنف الفنانة هند صبري أكثر من مرة بسبب بعض الشخصيات والمشاهد الجريئة التي جسدتها وبخاصة في فيلم "مذكرات مراهقة"، وكذلك "مواطن ومخبر وحرامي".

ونظراً إلى تعرضه للعلاقات غير الشرعية فقد منع عام 1990 فيلم "العقرب" من العرض السينمائي وهاجمه الجمهور بشدة وتقرر وقف عرضه سينمائياً، ولعب البطولة كل من شيريهان وكمال الشناوي وصلاح قابيل ورجاء الجداوي.

وفي فيلم "جنون الحياة" من إنتاج عام 2000، جسّدت إلهام شاهين دور سيدة تكتشف خيانة زوجها محمود قابيل لها، فتقرر الانتقام وإقامه علاقة جنسية مع سائقها كريم عبدالعزيز الذي يقيم علاقة مع جارته المتزوجة.

ونظراً إلى الهجوم الجماهيري بسبب تعدد المشاهد والإيحاءات الجنسية والعلاقات غير المشروعة في الفيلم فقد مُنع عرضه بمبرر أنه يسيء إلى الآداب العامة، ولا يزال ممنوعاً من العرض العام والتلفزيوني حتى الآن، وهو من إخراج سعيد مرزوق وقصة إسماعيل ولي الدين وسيناريو وحوار مصطفى محرم.

الإساءة للأديان

وتعرّض أيضاً لهجوم عنيف جداً فيلم "لي لي" المأخوذ عن قصة للأديب يوسف إدريس، وينتمي لنوعية الأفلام القصيرة ذات الـ 45 دقيقة من إخراج مروان حامد وبطولة عمرو واكد ودينا نديم وسامي العدل، ورأى المهاجمون أن العمل يهين الإسلام لأن القصة تدور حول إمام مسجد شاب يتعرض لغواية من إحدى فتيات الحي ويستسلم لها، ومن شدة الانتقادات وهجوم الناس عليه مُنع الفيلم العرض.

وحدثت عاصفة من الهجوم الشعبي والجماهيري الرقابي عام 2004 بسبب فيلم "بحب السيما" للمخرج أسامة فوزي، لأن مضمون العمل تناول أسرة مصرية مسيحية في فترة الستينيات تعيش صراعاً بين الالتزام الديني من جهة وبين حب الاستمتاع والانطلاق نحو رغبات وغرائز الحياة، إذ أثار موضوع الفيلم الجدل والغضب، وأصدرت بعض الجهات الكنسية بيانات لمعارضة الفيلم، كما رفعت دعاوى قضائية تطالب بوقف عرضه.

والفيلم من ﺗﺄﻟﻴﻒ هاني فوزي وبطولة ليلى علوي ومحمود حميدة ويوسف عثمان ومنة شلبي وإدوارد.

 

حرب قديمة

والحرب التي يشنها الجمهور على الشخصيات الدرامية المعروضة سواء سينمائياً أو تلفزيونياً ليست أمراً حديثاً، فمنذ بداية الفن دأب قطاع كبير من المشاهدين على محاكمة أية شخصية فنية خارج الصندوق، ومعاملتها وكأنها شخصية حقيقية ولديهم رغبة في عقابها بالمنع النهائي من الظهور عبر الشاشة أو أي وسيط.، وتسبب الهجوم الجماهيري منذ القدم في معارضة كثير من الأفلام وعرقلتها، بل وأفلح في منع بعضها من العرض لأعوام، ومنها "أبي فوق الشجرة" الذي أنتج عام 1969 للمخرج حسين كمال وبطولة عبدالحليم حافظ وعماد حمدي ونادية لطفي، وعن قصة وسيناريو وحوار إحسان عبدالقدوس، فقد عرض في السينما مدة 53 أسبوعاً وحقق إيرادات عالية، لكن الرقابة صنفته "للكبار فقط" ومنعت عرضه على شاشات التلفزيون نظراً إلى ما يحويه من قبلات ومشاهد ساخنة.

أما فيلم "حمام الملاطيلي" الذي أنتج عام 1973 للمخرج صلاح أبو سيف والمؤلف محسن زايد، فقد واجه عاصفة ضارية ومنعته الجهات الرقابية لاحتوائه على مشاهد جنسية واضحة، إضافة إلى تطرقه لحياة المثليين، وعلى رغم الإصرار على حذف هذه المشاهد وعرضه في دور العرض السينمائي إلا أنه لا يزال ممنوعاً من العرض تلفزيونياً حتى الآن.

كذلك منع من العرض في جميع الدول العربية فيلم "ذئاب لا تأكل اللحم" لعزت العلايلي وناهد شريف بسبب ظهور الفنانة ناهد شريف في دور جريء ومن دون ملابس نهائياً، مما جعل هناك ضغطاً شعبياً كبيراً، وصُنف الفيلم على أنه إباحي، وهو من تأليف وإخراج المخرج اللبناني سمير خوري.

وتعرّض فيلم "درب الهوى" الذي قام ببطولته كل من يسرا ومديحة كامل ومحمود عبدالعزيز وأحمد زكي وحسن عابدين لهجوم جماهيري عنيف أطاح به تماماً، وبعد عرضه بستة أسابيع صدر قرار وزاري بسحبه، ومُنع لعرضه سوق الدعارة، إذ أنتج عام 1983 وأعيد عرضه عام 1991.

ومن أبرز الأفلام المصرية التي منعت أيضاً بسبب جرأة المشاهد والشخصيات الفاسدة فيلم "المذنبون" الذي أنتج عام 1975، وهو من إخراج سعيد مرزوق وتأليف نجيب محفوظ وبطولة حسين فهمي وزبيدة ثروت وكمال الشناوي وسهير رمزي، وطرح الفيلم شخصيات سياسية ودينية شديدة الفسوق وجميعها وقع في الخطيئة مع إحدى الممثلات، واعتبر الجمهور ما قُدم مشاهد جنسية صارخة وأن شخصيات العمل تسيء للهوية المصرية.

ومُنع الفيلم من العرض بعد قرار مجلس الشعب الذي تلقى كثيراً من الشكاوى من المصريين في الخارج بسبب الأحداث التي تسيء إلى سمعة مصر والمصريين، ولتضمنه كثيراً من المشاهد الجنسية الجريئة، مما دفع المجلس إلى إحالة الخطابات إلى وزير الإعلام والثقافة لاتخاذ الإجراءات اللازمة.

وعلى رغم إجازة الرقابة على المصنفات للفيلم وعرضه مدة يومين فقط فإن الجميع فوجئوا بأن مديرة الرقابة اعتدال ممتاز التي وافقت على عرضه، تحولت مع 10 من موظفيها، في حدث للمرة الأولى في تاريخ الرقابة على المصنفات الفنية، إلى المحكمة التأديبية لإجازتها عرض الفيلم، وقالت إنها وافقت على الفيلم لأن الدولة تشجع الإبداع، بخاصة أن الرقابة وافقت قبل ذلك على عرض فيلم "الكرنك" بما يحويه من مشاهد خادشة.

ودينت مديرة الرقابة والموظفين بأحكام تأديبية وأُقيلت من منصبها بقرار من الرئيس الراحل محمد أنور السادات، واتهم الفيلم بالعمل على تشويه صورة المجتمع المصري، ومُنع تماماً بأمر من السادات أيضاً لتضمنه مشاهد غير لائقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كلام غير مجد

المنتج أحمد السبكي، وهو صاحب رصيد كبير من اعتراضات الجمهور والرقابة على أعماله وبعض الشخصيات التي يتعرّض، لها مثل الراقصات والمدمنين والخارجين عن القانون في بعض الأوقات قال، "من حق أي فنان تقديم شخصيات من الواقع أو من الخيال مهما كانت، سواء طيبة أو شريرة أو مجرمة أو خارجة عن المألوف فهذا هو الفن، وسمي إبداعاً لأن المحتوى ليس مشروطاً بمنطق أو واقع أو أحداث حقيقية، لذلك لا أفهم الهجوم المستمر منذ قديم الزمن على الأعمال والشخصيات الدرامية التي هي في الغالب من وحي الخيال، وصناعة السينما أكبر من هذه الحملات التي تشن من وقت لآخر ولن تتأثر بها، بخاصة أن الفن مستمر مهما كانت العقبات، وفي النهاية تسكت الحملات ويموت الهجوم وتظل الشخصيات الفنية، مهما كانت جريئة، مستمرة على الشاشة وفي تاريخ الفن، ولا يتذكر أحد الأحداث المصاحبة لعرض العمل أو الهجوم المسنون وقت الإعلان عن أي مشروع فني، ولو اهتم صناع السينما والفن بكل صراخ واعتراض يتهم العمل أو الأدوار الجريئة التي تتعرض لشخصيات، قد تكون غير سوية أو خارجة عن المألوف، لكان الفن قد انتهى منذ أعوام طويلة ومنذ أيام حسين صدقي وعماد حمدي".

وتابع السبكي أنه "من منا يستطيع إنكار أن المجتمع ملئ بشخصيات نصابين وحرامية وسيدات منحلات وشخصيات مخترقة القانون والأخلاق، وإذا تطرقنا لصفحات الحوادث سنجد الواقع يخرج عن المنطق أكثر مما نقدمه في السينما، وهناك جرائم بشعة وشخصيات مخيفة لدرجة أننا لو تناولناها درامياً فقد نتهم بالجنون ويزج بنا في السجن بتهمة الإساءة للمجتمع، لذلك لا أفهم المهاجمين ونياتهم سوى أنهم أشخاص يعارضون الفن والإبداع، ويخشون رؤية أية لمحة من الحقيقة أو حتى الجنوح للخيال، لأسباب قد تعود لكونهم يتصورون أنفسهم حماة الدين والأخلاق والمجتمع لا أكثر ولا أقل".

تراكمات نفسية

أما الناقد الفني محمد عبدالخالق فقال "يبدو أن الهجوم على فيلم الفنان أحمد حلمي الجديد 'النونو' لمجرد أن فكرته تدور حول نصاب مصري مجرد هجوم متسرع وتراكمات لا أكثر، فلم يكن من المسيء أبداً في أي وقت أن تتعرض السينما والدراما لمهنة أو وظيفة بها شخص منحرف، وفي تاريخ السينما عشرات من هذه  الأدوار ومئات من تلك الشخصيات لكبار الفنانين الذين قدموها ببراعة، وظلت بصمة في تاريخ السينما لما قدمته من حقائق، ونقل لشخصيات وقضايا معينة بشفافية، مما زاد الوعي وفتح عيون المشاهدين بصورة غير مباشرة بعيداً من قبح الواقع أو تهمة الإساءة لمهنة أو تقاليد أو أخلاق، وأي مراعاة وخوف من التهم الجاهزة مثل الإساءة للمهن أو التقاليد أو الجنسيات، فهذا يعني أن ندفن رؤوسنا في الرمال ونخشى الاقتراب من الحقيقة أو الخيال الذي يقدم الشخصيات بطريقة ليست لها مقاييس إلا الفن والإبداع".

وختم عبدالخالق أن "المهن والبلاد والأديان والأوطان والأخلاق والتقاليد أكبر بكثير وأقوى من أن يؤثر فيها تناول عمل فني، والجمهور على علم ووعي لا يستهان بهما، ويدرك جيداً حدود الشاشة والهدف مما يُقدم، سواء بالتوعية أو الترفيه، والفن لا يهدف للهدم لكنه يطمح إلى ترك التساؤلات وطرح المشكلات بهدف الحل أو الطرح أو حتى المتعة فقط، وهذا لا يمكن أن يهدم، بل على العكس هو يبني العقول والوجدان والإبداع".

المزيد من سينما