Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الحريديم" رحم إسرائيل الخصب المتحكم في مفاصل الدولة

يعد معدل نمو الطائفة الأعلى وتزايد مطالب إلزامهم التجنيد

شبان من "الحريديم" خلال زيارة دعم لقوات إسرائيلية على حدود غزة (أرشيفية - أ ف ب)

ملخص

عام 1951 أعفا أول رئيس للوزراء في إسرائيل ديفيد بن غوريون 400 شاب من "الحريديم" من التجنيد لانشغالهم بدراسة التوراة والتلمود إلا أن التوسع بصورة متزايدة في الإعفاءات عاماً تلو عام وتضخم أعدادهم إلى عشرات الآلاف من الطلاب أثار معارك سياسية وقضائية كبيرة بين الإسرائيليين.

فور صدور قرار المحكمة العليا الإسرائيلية "الدراماتيكي" في الـ25 من يونيو (حزيران) الماضي بتجنيد الشبان "الحريديم" (يهود أرثوذكس متزمتين دينياً) وإلزامهم تأدية الخدمة العسكرية في الجيش أسوة بغيرهم من إسرائيليين خرج عشرات الآلاف منهم إلى الشوارع في احتجاجات عنيفة ضد القرار. المستشارة القانونية للحكومة لم تكتف بإصدار تعليماتها إلى الجيش بالشروع في العمل على تجنيد ثلاثة آلاف شاب حريدي بصورة فورية وتقديم خطة متكاملة لزيادة هذا العدد بصورة تدريجية، بل أصدرت توجيهاتها إلى جميع الوزارات والمؤسسات الحكومية المعنية بالامتناع الفوري عن تحويل أية مبالغ من أموال الدعم للمدارس الدينية الحريدية التي لا يخدم طلابها في الجيش.

تعليمات حكومة بنيامين نتنياهو هذه أدت إلى تأجيج قضية تجنيد "الحريديم" التي ظلت تبارح مكانها على الطاولة السياسية لعقود بكل حدتها وخطورتها، كيف لا وهم يجتذبون اليوم، بسبب وزنهم العددي الكبير الذي يفوق المليون حريدي داخل إسرائيل اهتماماً جماهيرياً واسعاً جداً، فهم إلى جانب تمثيلهم 13.3 في المئة من عدد السكان في إسرائيل، يملكون قوة سياسية كفيلة بتفجر الأوضاع الداخلية وإحداث تمرد مجتمعي كبير، فالأحزاب الحريدية الرئيسة "شاس" و"يهودوت التوراة"، الممثلة بـ18 مقعداً في الكنيست، توظف قوتها السياسية للتوغل بمفاصل الحكم وسن قانون يستثني المتدينين اليهود من الخدمة في الجيش. وفي إسرائيل، معظم الرجال اليهود ملزمون الخدمة العسكرية لمدة ثلاث سنوات تقريباً، تليها سنوات من الخدمة الاحتياطية، فيما تخدم النساء اليهوديات لمدة عامين.

عام 1951 أعفا أول رئيس للوزراء في إسرائيل ديفيد بن غوريون 400 شاب من "الحريديم" من التجنيد لانشغالهم بدراسة التوراة والتلمود داخل المدارس الدينية (اليشيفاه)، إلا أن التوسع بصورة متزايدة في الإعفاءات عاماً تلو عام وتضخم أعدادهم إلى عشرات الآلاف من الطلاب، أثار معارك سياسية وقضائية كبيرة بين الإسرائيليين، مما دفع المحكمة العليا عام 2017 لإصدار قرار يعد أن إعفاءات طلاب "الحريديم" من الخدمة العسكرية تمييز وغير دستوري. ومنذ ذلك الحين، يواصل الكنيست تمديد الإعفاء لـ"الحريديم" من الخدمة العسكرية.

 

 

قوة ديموغرافية

في ظل خسائر توصف بالأسوأ منذ عقود في صفوف الجيش الإسرائيلي الذي يواصل حربه على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 واستدعاء الآلاف من قوات الاحتياط، أصبحت مسألة تجنيد "الحريديم" مثيرة للجدل بصورة متزايدة، إذ يوجد حالياً 63 ألف رجل من "الحريديم" مؤهلين للخدمة العسكرية، وهم الآن عرضة للتجنيد، يضاف إليهم 14 ألف شاب آخرين سيبلغون 18 سنة خلال سنة التجنيد الحالية، التي بدأت في يونيو الماضي، والذين سيصبحون مؤهلين للتجنيد خلال الأشهر الـ12 المقبلة، ويشكل الشباب نسبة عالية من هذه الطائفة، إذ إن نحو 60 في المئة منهم تحت سن الـ20، مقارنة بـ31 في المئة من إجمال سكان إسرائيل.

ووفقاً لدراسة أعدها معهد ديمقراطية إسرائيل فإن معدل نمو "الحريديم" في إسرائيل يعد الأعلى مقارنة بباقي سكان البلدان المتقدمة، ويبلغ نحو أربعة في المئة سنوياً، إذ يشكل نسلهم 19 في المئة من عدد الأطفال الإسرائيليين دون سن 14 سنة، و24 في المئة من الأطفال دون سن الرابعة. وتعتقد وكالة الإحصاء الإسرائيلية أنه في ظل الاتجاهات الحالية سيكون نصف عدد الأطفال الإسرائيليين بحلول عام 2065 من "الحريديم"، فنحو 30 في المئة من المواليد الجدد سنوياً هم من أبناء هذه الطائفة المتدينة.

 

 

وتشير الدراسات إلى أن أسباب نمو هذه الطائفة تعود إلى معدلات الخصوبة المرتفعة لديهم، إذ يتبنون سياسة الإنجاب الكثيف، فعادة ما تنجب المرأة الحريدية التي تميل إلى الزواج باكراً، بين 6 و10 أطفال، لأن كثيراً من العائلات الحريدية تراه سبيلاً لتعويض اليهود الذين قتلوا في المحرقة (الهولوكوست)، أو يتقربون إلى ربهم بكثرة الإنجاب، وهو ضعف المعدل القومي الإسرائيلي، وثلاثة أضعاف معدل اليهود العلمانيين الذين لا تتجاوز نسبة الإنجاب لديهم 2.3 في المئة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإلى جانب انغماسهم بالنصوص التي وردت في التوراة والتلمود وبتعاليم الحاخامات، التي عزلهم عن التأثيرات الخارجية، وقد تدفعهم لتقليل معدلات الإنجاب، تسهم الحكومة الإسرائيلية بسخاء في مساعدة الراغبين في علاج الخصوبة، إذ تمنح دعم للإخصاب خارج الجسم بنحو 150 مليون دولار في السنة، وهو ما شجع الحريديم الذين يعانون ظروفاً اقتصادية صعبة على إنجاب مزيد من الأطفال. ومن المتوقع بحسب دراسات إسرائيلية رسمية، أن يصل حجمهم النسبي عام 2030 إلى 16 في المئة من إجمالي عدد السكان اليهود في إسرائيل وإلى 25 في المئة بحلول عام 2040، وعلى الصعيد العالمي، يقدر عدد السكان اليهود "الحريديم" بنحو مليونين و100 ألف نسمة، ويمثلون 14 في المئة من إجمال عدد اليهود على المستوى العالمي (15 مليون نسمة).

ويقطن أكثر من 40 في المئة من اليهود "الحريديم" في مدينة القدس وفي منطقة "بني براك" قرب تل أبيب، بينما يسكن 53 في المئة منهم في مستوطنات ذات غالبية حريدية مثل "مودوعين عيليت" و"بيتار عيليت" و"إلعاد" المقامة بصورة غير شرعية بالضفة الغربية، أما بقيتهم فيتوزعون بين مستوطنة بيت شيمش القريبة من القدس، أو في أحياء سكنية داخل مدن كبيرة في إسرائيل.

تهديد مباشر

الخصوبة المرتفعة لدى "الحريديم" جعلتهم الشريحة الأكثر أهمية لأي ائتلاف حكومي يشكل، فالأحزاب الكبرى في إسرائيل، وخصوصاً اليمينية لا تقوى منفردة على تشكيل حكومة أو الاستحواذ في الأقل 61 مقعداً من أصل 120 دون الاستعانة بالأحزاب الدينية المتشددة (الحريديم)، لا سيما أن معظم أحزاب الوسط واليسار ترفض الانصياع لمطالب "الحريديم"، ويرون أن أسلوب حياتهم يمثل تهديداً مباشراً لتطور إسرائيل وديمومتها كدولة علمانية ديمقراطية، فهم إضافة إلى أنهم لا يدرسون الرياضيات والفلسفة واللغات والعلوم، ويعدونها تفسد الناس، لا يؤمنون بالشهادات ويحملون تصورات سلبية عن الأديان والثقافات والشعوب المختلفة عنهم.

ويمتنع "الحريديم" عن استخدام وبيع الأجهزة الخلوية الذكية ويحرمون ارتياد النوادي ودور السينما والمسارح. وحذر الاقتصادي في جامعة تل أبيب ومؤسسة "شوريش" للأبحاث الاقتصادية الاجتماعية دان بن ديفيد من أن ارتفاع معدل الخصوبة لدى الحريديين ذوي مستوى تعليمي متدن، أو الذين لم يتعلموا أبداً له تبعات اقتصادية خطرة على المجتمع الإسرائيلي، لأن جهاز التعليم الحريدي لا يكسب خريجيه أية مؤهلات لسوق العمل.

 

 

عالة خطرة

ومعظم الرجال "الحريديم" تقريباً لا ينخرطون في سوق العمل، بل ينكبون على دراستهم الدينية ويعيشون على المنح الحكومية والتبرعات الخيرية، وتظهر بيانات مركز الأبحاث التابع للمعهد الإسرائيلي للديمقراطية، أن ما يزيد على 50 في المئة من "الحريديم" يعيشون تحت خط الفقر، في حين بينت سجلات عام 2022، أن معدلات البطالة بين الذكور في المجتمع الحريدي بلغت 46.5 في المئة، وهي نسبة أعلى بثلاثة أضعاف تقريباً من البطالة بين الذكور اليهود غير الحريديين، بداعي التفرغ لدراسة الدين أو الاعتماد على المساعدات المالية من الدولة بدلاً من العمل.

ويحصل كل طالب حريدي على معاش شهري 1200 دولار، وهو ما يثير سخط بقية الإسرائيليين الذين يرون أن الأحزاب الدينية المتشددة تشكل عالة على المجتمع الإسرائيلي، وتزايد هذا الاستياء منذ اندلاع الحرب في غزة. وتشير المعطيات التي كشفت عنها صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" نهاية يونيو الماضي، إلى أنه سيخصص نحو خمسة مليارات شيكل (1.37 مليار دولار) من موازنة الدولة 2023-2024، لتلبية مطالب "الحريديم" كجزء من صفقات ائتلاف الأحزاب اليهودية المتشددة مع الليكود. ووفقاً للقناتين 12 و13 الإسرائيليتين، سيخصص معظم هذه الأموال إلى المدارس الدينية والمدرسين في المؤسسات التعليمية الحريدية.

 

 

وحذر 130 من كبار رجال الاقتصاد في تل أبيب في رسالة جماعية من الخطر الوجودي على إسرائيل في حال نجحت التماسات جديدة ستقدم إلى "محكمة العدل العليا" بإعفاء اليهود المتشددين من التجنيد في الجيش. وبحسب الرسالة التي كشفت مضمونها تقارير إسرائيلية متلفزة فإن "الجمع بين سياسات الحكومات ومعدل النمو المرتفع للسكان اليهود المتشددين يقود البلاد نحو الهاوية ويعرض الاقتصاد والمجتمع للخطر بصورة جدية". وأضافوا "من دون تغيير في المسار الحالي فإن ما يحدث من إنفاق على المدارس الدينية وإعفاء المتدينين من الخدمة العسكرية يعرض وجود إسرائيل للخطر، إذ إن الشعور بعدم المساواة في الخدمة سيدفع كثيراً من الناس إلى مغادرة إسرائيل"، مؤكدين أن السكان الذين سيبقون في إسرائيل سيكونون أقل تعليماً وأقل إنتاجية، بالتالي فإن العبء على ما تبقى من السكان المنتجين سيتزايد، وهو ما سيشجع على مزيد من الهجرة من إسرائيل.

في المقابل حذر كبير الحاخامات السفارديم يتسحاق يوسف نجل الزعيم الروحي لحزب "شاس" عوفاديا يوسف، ويتمتع بنفوذ كبير في الحزب، من أن اليهود الأرثوذكس المتشددين سيغادرون إسرائيل بصورة جماعية في حال إقرار التجنيد الإلزامي عليهم في الهيئة العامة للكنيست بالقراءتين الأخيرتين، الثانية والثالثة، بعد إقراره بالقراءة الأولى، على رغم أن معظم استطلاعات الرأي في إسرائيل تشير إلى وجود تأييد شعبي واسع للغاية لإلغاء إعفاء "الحريديم" من التجنيد.

المزيد من متابعات