يدخل الشغور الرئاسي في لبنان عامه الثاني بعد شهرين، ويعود سفراء الدول الخمس (أميركا والسعودية وفرنسا ومصر وقطر) إلى الاجتماع مجدداً في الـ14 من سبتمبر (أيلول) بدارة السفير السعودي وليد البخاري. وقد مضى على آخر اجتماع موسع بينهم نحو الشهرين. ويأتي اجتماع المجموعة الخماسية التي شكلت للمساعدة في معالجة الأزمة اللبنانية بعد مسعى فرنسي باتجاه السعودية، تمثل في لقاء جرى في الرياض أول من أمس الخميس بين الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان والمستشار في الديوان الملكي نزار العلولا بحضور البخاري.
وشكل اللقاء الثنائي الفرنسي - السعودي إشارة إلى انطلاق المشاورات من أجل لبنان بعد توقف قسري فرضته التطورات الأمنية على الحدود بين لبنان وإسرائيل، على رغم تأكيد أكثر من مصدر دبلوماسي أن الاتصالات لم تتوقف. وكشف مصدر دبلوماسي في فرنسا عن أن الجانب الفرنسي بات مقتنعاً بأن الحل لن يحصل إلا عبر إشراك إيران في المشاورات الخاصة بلبنان، وإن بطريقة غير مباشرة. وفي اتصال معه فضل السفير المصري لدى لبنان علاء موسى التريث في الحديث عن عودة حراك الخماسية بانتظار ما سيرشح عن الاجتماع الفرنسي - السعودي واكتمال كل المعطيات.
في المقابل يؤكد مصدر دبلوماسي أوروبي أن فرنسا تسعى وستظل تسعى إلى تسويق تسوية، لكن السعودية ثابتة في سياستها لدعم قيام دولة سيدة حرة مستقلة في لبنان، ولا إمكان لتحرير صفقة على حساب ذلك.
الرئاسة مؤجلة
تتفاوت الآراء حول نتائج الحراك الخماسي المرتقب، خصوصاً أن المواقف الداخلية للقوى السياسية لا تزال على حالها بين إصرار "حزب الله" ورئيس مجلس النواب نبيه بري وحلفائهما على طاولة الحوار كممر إلزامي لانتخاب رئيس الجمهورية، مقابل رفض المعارضة أي طرح مماثل لا ينص عليه الدستور.
ويؤكد الأستاذ في كلية باريس للأعمال والدراسات العليا محيي الدين الشحيمي أن اللقاءات طوال الفترة الماضية بين أعضاء المجموعة الخماسية لم تنقطع، سواء كانت ثنائية فرنسية - سعودية أو بين مختلف الأعضاء الخمسة في الكواليس أو بالعلن، إنما طريقة التعامل مع الملف اللبناني كانت واقعية أكثر، وبحسب ما تقتضيه مقبولية الساحة اللبنانية.
ويشرح الشحيمي أن مضمون الحراك يصب في اتجاه ملء الشغور الرئاسي بصرف النظر عن البروتوكولات الشكلية التي تحكم طبيعة اللقاء بين ثنائية أو ثلاثية أو خماسية، علنية كانت أم سرية. وما شجع على الحراك الخماسي بحسب رأيه مسألتان أساسيتان، الأولى أن كل القوى اللبنانية أعلنت أنها تريد انتخاب رئيس للجمهورية وترفض تأجيل الاستحقاق الرئاسي، والثانية تطبيق القرارات الدولية كما تظهر أخيراً مع قرار التمديد للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هذا التمديد، وفق الشحيمي، "تضمن واقعية أن لبنان يجب أن يكون جاهزاً لليوم التالي للحرب، ولانتقال المشهدية في المنطقة من حرب إلى تسويات، وأية تسوية تحتاج إلى وجود رئيس للجمهورية، وهذه هي النقطة الأساس التي يتم التركيز عليها، خصوصاً أن الفرنسي، وهو حامل القلم حالياً في مجلس الأمن، خاض حرباً ضروساً للتمديد لـ"يونيفيل" من دون أي تعديل في القرار لجهة زيادة الصلاحيات المعطاة لها. والتمديد للقوات الدولية كرس حقيقة أن أية تسوية متعلقة بلبنان لا يمكن أن تمر إلا عبر القرارات الدولية بدءاً من القرار 1701 صعوداً إلى اتفاق الهدنة عام 1949، والتي تشكل القوات الدولية ترياقها الأساس والشريك للقوات اللبنانية الأمنية الشرعية، وهي الجيش اللبناني، ولن يكون الحل السياسي إلا من خلال الدستور واتفاق الطائف. وهذا قطع الطريق على كل من حاول، بالتعاون مع دول الإقليم، الاستثمار في حرب غزة وتحويلها إلى مكاسب لهم في الداخل اللبناني، وأقصد (حزب الله) وفريق الممانعة".
الحل بإشراك طهران
لا يتوقع مصدر دبلوماسي فرنسي حصول جديد في القريب العاجل على رغم الحركة الدبلوماسية التي عادت إلى الواجهة. ويشرح لـ"اندبندنت عربية" أن المشاورات القائمة بين الجانب الفرنسي من جهة والسعودي من جهة أخرى، والتي ستتوسع على طاولة المجموعة الخماسية، هي لاستباق أي تفاهم قد يتم التوصل إليه لحرب غزة، علماً أن المفاوضات التي لا تزال تراوح ما بين التفاؤل من جهة والتشاؤم من جهة أخرى سيليها البحث بملفات المنطقة العالقة ولبنان أولها.
ويؤكد المصدر الفرنسي أن لقاء الرياض بين لودريان والعلولا جاء في إطار التشاور ولتبادل الآراء بسبل معالجة ملف رئاسة الجمهورية على رغم وجود قناعة راسخة لدى الجميع بأن ملف لبنان بات معلقاً على حبال حرب غزة. موضحاً أن المشكلة ليست داخل المجموعة الخماسية، ومذكراً بأن الدول الخمس لديها مقاربة واحدة لملف الاستحقاق الرئاسي اللبناني، لكن أي حل بحسب فرنسا لن يحصل في غياب طرف سادس مؤثر في الساحة اللبنانية، وهو إيران.
ويعد الجانب الفرنسي، وفق المصدر، أن إشراك طهران في المشاورات المتعلقة بلبنان بات أمراً ضرورياً، وإن بطريقة غير مباشرة، كاشفاً عن أن السعودية وحدها قادرة على تولي هذه المهمة والتواصل مع الجانب الإيراني. وإذ ينفي المصدر تحديد زيارة قريبة للموفد الفرنسي إلى لبنان، فإنه يستبعد في الوقت نفسه حصول أي تغيير في الملف الرئاسي قبل عام 2025، إلا إذا حصلت أعجوبة، كما يقول.
اعتراض في لبنان
وفي مقلب المعارضين لحلفاء إيران في لبنان يعد عضو تكتل الجمهورية القوية لحزب القوات اللبنانية النائب بيار بو عاصي أن التحريض الفرنسي لن يؤدي إلى أي شيء، مضيفاً "إذا وضعوا إصبعهم في الترس الإيراني فإن الآلة الإيرانية ستطحنهم حتى أصابع أقدامهم، تماماً كما فعل السوريون. وستستغل طهران هذا الواقع وتبدأ بمسار الطلبات التي لا نهاية لها من دون إعطاء أي شيء في المقابل. كما أنها ستعد أن المجتمع الدولي في حاجة إليها، وإلا لما اقترب منها. وهي تعول على حقيقة أن الدول المهتمة حالياً بلبنان سينتهي بها الأمر إلى الاهتمام بأمور أخرى، بينما ستبقى طهران مهتمة من كثب بلبنان".
بحسب بو عاصي فإن "إيران تعلم أن كل ما يمكنها فعله في لبنان هو إبطاء العمل المؤسسي في البلاد بواسطة (حزب الله)، تماماً كما فعلوا في الانتخابات الرئاسية السابقة. بالتالي فإن الحزب يستطيع استخدام المكابح، لكنه لا يستطيع أن يتحكم لا بدواسة الوقود ولا بعجلة القيادة، وهذا الدور لا يمكن أن يلعبه إلا المسيحيون".
في السياق نفسه يتحدث مصدر أوروبي مطلع على حركة الخماسية عن أن حركة اللجنة الخماسية الدولية تجاه الاستحقاق الرئاسي في لبنان ليست مستجدة، بل هي متأتية من مسارات مترابطة تراكمية خلفيتها الأساس قائمة على الدفع لإعادة الروح إلى الدستور، وانتظام المؤسسات الدستورية. ويكشف عن أن معظم الدول المعنية بالملف اللبناني باتت لديها قناعة بأن إطالة أمد الشغور الرئاسي، الذي هو انقلاب على الدستور، حمل في طياته أيضاً محاولة واضحة لتعديله بفرض أعراف جديدة، وهذه ليست المرة الأولى، مما جعل المجتمع الدولي يفهم أن طبيعة الاشتباك ليست على رئاسة الجمهورية، بل على هوية الجمهورية اللبنانية. وهذا الاشتباك خطر، وليس مسموحاً فرض واقع بقوة سلاح غير شرعي خارج اللعبة البرلمانية الديمقراطية.
وإذ يضيف المصدر أن رئاسة الجمهورية اللبنانية تمثل مدخلاً أساساً لتصويب الخلل الدستوري المؤسساتي في لبنان، فهو يؤكد أنه انطلاقاً من ذلك لم يعد انتخاب الرئيس شكلياً أو "ترقيعياً"، ويكشف عن وجود حرص عربي ودولي على انتظام الأمور بتسوية، لكنها لن تكون إلا تسوية بناءً على الدستور ومنطق الدولة. وينفي ما يصفه بالبروباغندا المبنية على الانحياز إلى فرضية أن الصفقة باتت قيد الإعداد، وأن الانتصار سيكون للأقوى، والحقيقة أن الحرص العربي والدولي ينكب على إنقاذ لبنان بهويته في الحرية والتنوع والليبرالية والمواطنة والعيش معاً، وفي أساس كل هذه الأشياء "العدالة".