ملخص
تتعرض الحكومة الإسرائيلية لتصدع داخلي جاءها بضربتين مؤلمتين في آن، قرار المحكمة الإسرائيلية العليا تجنيد اليهود "الحريديم"، وشعارات "النصر الحتمي" والقضاء على "حماس" التي لا يمكن تحقيقها
تتعرض الحكومة الإسرائيلية لتصدع داخلي جاءها بضربتين مؤلمتين في آن، قرار المحكمة الإسرائيلية العليا تجنيد اليهود "الحريديم" (المتدينين والمتشددين دينياً) ووقف الموازنات عن مدارسهم التعليمية، وهو قرار يضع الحكومة أمام خطر تفكيكها في حال قررت الأحزاب الدينية والداعمة لها في الائتلاف الانسحاب من الحكومة، إذا لم تتوصل إلى تفاهمات مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، على رغم استبعاد الأمر ضرورة الالتزام بتنفيذ قرارات المحكمة.
أما الضربة الثانية التي أحدثت تصدعاً ونقاشات داخل صمام أمان هذه الحكومة بين أعضاء كتلة "الليكود" من جهة، ومن أحزاب الائتلاف من جهة أخرى، في أعقاب تصريحات رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي الذي يُعتبر الأقرب لنتنياهو، بأن "النصر الحتمي" والقضاء على "حماس" شعارات لا يمكن تحقيقها، واتفق مع تصريحات سابقة لرئيس أركان الجيش، هرتسي هلفي وأمنيين وعسكريين يعارضون سياسة نتنياهو تجاه حرب غزة، بأنه لا يمكن قتل "حماس" كفكرة فهي حركة لها أيديولوجيتها وتجذرها بين الفلسطينيين، وامتدادها على مختلف المناطق الفلسطينية.
مواقف هنغبي من الوضع الحالي للحرب على جبهتي الجنوب تجاه غزة والشمال تجاه لبنان طرحها خلال مؤتمر هرتسليا الذي عقد في جامعة رايخمان، وجاء هذا العام تحت عنوان "الرؤية والإستراتيجية في عصر عدم اليقين"، وركز على الأمن القومي والصمود الوطني والترابط بينهما، في ظل الوضع الأمني الذي تشهده إسرائيل منذ تسعة أشهر وانعكاساته على مختلف الجوانب الإسرائيلية.
شجارات وخلافات
في مؤتمر هرتسليا شارك في الندوات والحوارات عشرات السياسيين والأمنيين والخبراء من الخارج ومن إسرائيل، بأكثر من 2000 شخصية سياسية وعسكرية وصاحبة خبرات مختلفة، وتحدث العشرات ومن بينهم مسؤولون في الهيئات السياسية والعسكرية العليا وممن يتخذون القرارات، لكن حديث هنغبي كان الأكثر إثارة وأحدث زوبعة واسعة من النقاشات والخلافات تعمقت اليوم الأربعاء، بعدما كشف عن نقاشات وخلافات داخل مجموعة "واتساب" للحكومة الإسرائيلية تشمل وزراء ونواب من "الليكود" وأحزاب الائتلاف، الذين أجمع معظمهم على أن تصريحات هنغبي الذي يحظى بمكانة مهمة من خلال رئاسته مجلس الأمن القومي، تتناقض وسياسة الحكومة تجاه "حماس" وحتى حرب غزة.
وزير النقب والجليل إسحاق فاسرلاوف من حزب "عوتسما يهوديت"، طالب بعزله من منصبه واعتبر حديثه هدية لحركة "حماس"، وكتب في مجموعة "واتساب" الوزير موشيه أربيل أن "'حماس' يجب أن تختفي تماماً مثل 'داعش' والنازية والعبودية والفاشية، ولا حق لهنغبي بطرح مثل هذا الموقف".
وتعرض هنغبي لحملة تحريض واسعة من داخل الحكومة أسهمت في زعزعتها في أصعب وأخطر مرحلة في ظل تصدع المجتمع الإسرائيلي وانقساماته، فقد وجد نفسه محرجاً ومحاطاً بالصرخات داخل قاعة المؤتمر من قبل عائلات الأسرى وقادة الاحتجاجات، وقاطعوا حديثه حول غزة وصفقة الأسرى بصفته ممثلاً عن حكومة نتنياهو وقراراتها.
وحدة حول الدبلوماسية تجاه لبنان
وظهر الانقسام حول "حماس" وصفقة الأسرى بين الوزراء ومتخذي القرارات وداخل المجتمع الإسرائيلي والمؤسسة السياسية مغايراً لدى الحديث عن الجبهة الشمالية، وهو جانب اتخذ قسطاً وافراً من نقاش المؤتمر، والأكثر أهمية فيه جاء من رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي الذي فوضه نتنياهو إلى جانب وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر بإجراء محادثات في واشنطن حول مختلف جوانب الحرب، وتحديداً الأسلحة والجبهة الشمالية.
وكشف هنغبي عن تفاهمات غير مسبوقة مع واشنطن حول الجبهة الشمالية وضرورة التخفيف من حدة التهديدات وإتاحة الفرصة للتقدم في المفاوضات السلمية، وكانت لقاءاته وديرمر مع المبعوث الأميركي في المنطقة أموس هوكشتاين في واشنطن "إيجابية إلى أقصى حد"، وفق حديثه الذي أكد أن "إسرائيل أمام أسابيع طويلة لانتظار المفاوضات التي تديرها الولايات المتحدة للتوصل إلى تسوية دبلوماسية".
ونقل هنغبي تفاؤل هوكشتاين بإمكان التوصل إلى تسوية سلمية "تمنع حرباً مع لبنان تتوقع الأطراف أن تتسع إلى حرب إقليمية ستكون مدمرة للجميع"، وفق ما أكد الأميركيون لضيفيهما في واشنطن الأسبوع الماضي.
وأوضح هنغبي في حديثه حول الجبهة الشمالية ولبنان أن الحكومة وبالتنسيق مع واشنطن تعمل على ضمان عودة سكان الشمال لبيوتهم من خلال خلق وضع جديد مختلف وآمن في المنطقة الحدودية تجاه لبنان، مضيفاً أن "الولايات المتحدة هي من تقود هذه المهمة عبر مبعوثها أموس هوكشتاين الذي التقيناه في واشنطن، واتفقنا أن نكرس أسابيع طويلة من أجل البحث في المسار الدبلوماسي، ومن المتوقع أن يعود قريباً للمنطقة".
وبحسب هنغبي فإن ما سمعه وديرمر في واشنطن من جهود دبلوماسية تجاه لبنان يؤكد إمكان التوصل إلى تسوية سلمية، وقال إن "الأميركيون يتوقعون، كما نحن، أن يكون هناك تقدم في هذه المحادثات بعد الانتهاء من عملية رفح، إذ سيكون الأمر أفضل لمحادثات التسوية حتى بالنسبة لـ 'حزب الله' وجميعنا يدرك أننا بحاجة إلى تسوية الوضع القائم، وحالياً سنكرس جهودنا في المحادثات الدبلوماسية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الجانب الآخر
صحيح أن حديث هنغبي حول لبنان لم يواجه باعتراض وانقسام في الرأي داخل الحكومة، إلا أن اليمين الإسرائيلي المتجذر في مختلف المؤسسات والجمعيات والهيئات الإسرائيلية يتبنى مواقف الوزيرين المتطرفين، الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بضرورة توجيه ضربات مؤلمة للبنان تسوي أرض بيروت ومختلف المناطق، وتقضي على البنى التحتية لدولة لبنان و"حزب الله".
ويسعى عضو اللجنة الإدارية لمنتدى القادة الوطنيين أليكس نحومسون إلى تجنيد واسع لدعم حرب في الشمال، وبرأيه فإنه "لا مفر من حرب شاملة في الشمال تؤدي إلى هزيمة 'حزب الله'، ومن أجل ضمان إدارة هذه الحرب يجب على إسرائيل أن توضح لحكومة لبنان أنها ستدفع ثمناً باهظاً"، وفق طرح نحومسون.
ويلعب منتدى القادة الوطنيين دوراً نشطاً خلال الحرب بين الجمهور ومسؤولي البلديات، وبعضهم يؤثر في وزراء وقياديين، إذ يطرح نحومسون ثلاثة خيارات أمام متخذي القرار في إسرائيل، يفرضها الواقع الذي وصلت إليه الجبهة الشمالية اليوم، وهي أولاً اتفاق يوقف بصورة موقتة قرار الحرب، على أن يتضح الوضع في غزة وضمان جهوزية الوحدات العسكرية للانتقال إلى الشمال، وثانياً تشديد الهجمات على "حزب الله" من خلال تكثيف النيران والطلعات الجوية الهجومية على أهداف عسكرية له، أما الاحتمال الثالث، والذي يراه الأفضل خلال الوضع الحالي، فهو شن هجوم عسكري على لبنان أسوة بما قام به الجيش الإسرائيلي بداية حرب لبنان الأولى، هجوم متداخل على "حزب الله" في جنوب لبنان، واحتلال الأرض وتطهيرها من قوات الحزب ومركباته العسكرية.
وردّ على داعمي التسوية السلمية والتفاهم مع واشنطن وأولويات هذه المرحلة، بتحذير متخذي القرار من أن "مواصلة المواجهات وإدارة حرب استنزاف ثابتة غير وارد، ولا يمكن لإسرائيل الصمود أمامها فترة طويلة، وبالتالي على الجيش الإسرائيلي شن حرب فورية تؤدي إلى هزيمة الحزب"، وليس هذا وحسب، بل تضمنت خياراته التي طرحها أمام متخذي القرار حملة تهديدات استباقية لحكومة لبنان وتحذيرها من أنه إذا لم تضمن كصاحبة سيادة تنفيذ القرار (1701) فستدفع ثمناً باهظاً عبر ضرب أهداف حيوية في جميع الأراضي اللبنانية السيادية.
"الهاوية"
وفي حال لم تستجب حكومة لبنان فقد اقترح أن يقوم الجيش بتنفيذ خطوات على مراحل، منها "ضمان أن يسود الظلام في بيروت، وقطع طرق توريد المياه إلى المدن وتعطيل المطار، وعندها ستضطر الحكومة اللبنانية إلى ضمان أمن الحدود"، بحسب نحومسون.
الخطط التي يطرحها نحومسون ويحاول إقناع مسؤولين فيها ووجهت من قبل عسكريين وأمنيين سابقين بحملة تحذر من هذه الحرب، ومنهم الجنرال المتقاعد إسحاق بريك الذي اختار الحديث مباشرة مع وزراء وأعضاء حزب "الليكود" ممن سيكون لهم تأثير قوي في أي قرار يتخذ، فاعتبر أن "حرباً على لبنان ستؤدي إلى خراب الهيكل الثالث"، وهو تحذير لم يسبق أن طرحه أي مسؤول إسرائيلي سابق، لكن بريك الذي كان أول من عقد معه نتنياهو جلسة استشارية حول الحرب على غزة في شهرها الأول، يقف في المعسكر الرافض لسياسة نتنياهو حول الحرب واستمراريتها، ويكرر تحذيرات خطرة من حرب على الشمال تتسع إلى إقليمية، وبرأيه فإن "متخذي القرار يضحّون بإسرائيل وأمنها وأمن سكانها لاعتبارات سياسية شخصية".
وخلال "مؤتمر هرتسليا" لم يُطرح لا موقف بريك ولا نحومسون، بل ركز المتحدثون على طرح مواقف تمنع حرباً شاملة، لكنهم جعلوا أولوياتهم لحرب غزة وعرقلة صفقة الأسرى، أو ما اعتبرها بعضهم التضحية بـ120 أسيراً لدى "حماس"، من أجل مصالح سياسية شخصية قد تؤدي في ظل ضبابية سياسة نتنياهو وحكومته إلى تهديد الأمن القومي الإسرائيلي وإلحاق الدمار بإسرائيل.
ووفق رئيس "مؤتمر هرتسليا" ورئيس معهد السياسات الإستراتيجية، جنرال احتياط عاموس جلعاد عند تلخيصه أهمية المؤتمر، فإن الحاجة المطلبية لإسرائيل اليوم هي "وقف جميع مظاهر تفكك الدولة، فإذا لم تكن إسرائيل دولة وفقاً لقيمها الأساس فإن أمنها القومي سيتضرر من جميع الجوانب، وهناك انقلاب يهدف إلى تحويلنا من دولة ديمقراطية مزدهرة إلى دولة متخلفة وسنصل إلى الهاوية، فهذا تنبيه إستراتيجي من أننا نقف عند مفترق طرق لم يسبق له مثيل في التاريخ، ونحن في ذروة قوتنا في مواجهة التهديدات المتزايدة، وعلينا العمل فوراً لمنع وصولنا إلى الهاوية".