Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تبدو قدرات بريطانيا الدفاعية مقارنة مع الثمانينيات؟

ما وضع القوات المسلحة في المملكة المتحدة اليوم مقارنة بما كانت عليه قبل 40 عاماً، تحديداً في عام 1984 عندما دخلت بريطانيا الحرب الباردة ضد روسيا؟

رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يؤكد دعم المملكة المتحدة أوكرانيا عندما التقى الرئيس زيلينسكي في قمة حلف "الناتو" (رويترز)

ملخص

بين 1984 و2024، كيف اختلف وضع الجيش البريطاني على ضوء مراجعة للسياسة الدفاعية.

تأتي مراجعة السياسة الدفاعية للمملكة المتحدة التي يجريها رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في وقت تواجه فيه دول الغرب "رباعياً دولياً خطراً" يضم كلاً من روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران، كما يرى الأمين العام لـ"حلف شمال الأطلسي" (الناتو) اللورد جورج روبرتسون.

ومن بين الدول الأربع، لا تزال روسيا تشكل التهديد الرئيس إذ تواصل حربها في أوكرانيا، بما فيها الهجوم الصاروخي الدموي على مستشفى للأطفال في العاصمة كييف الأسبوع الماضي، إضافة إلى ذلك، تشهد العلاقات مع روسيا أسوأ حالاتها منذ فترة الحرب الباردة، في وقت يؤكد فيه خبراء عسكريون أهمية أن تستعد الدول الأوروبية للمواجهة العسكرية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن كيف يمكن مقارنة وضع القوات المسلحة البريطانية في هذه المرحلة بما كانت عليه قبل نحو 40 عاماً، تحديداً في عام 1984، خلال فترة التوتر مع روسيا؟

من جهة العديد والسفن، باتت قدرة المملكة المتحدة أقل بكثير مما كانت عليه في عام 1984، ويرجع ذلك أساساً إلى ظروف زمن السلم الذي كانت تعيشه بريطانيا.

لكن التكنولوجيا تطورت بصورة ملحوظة منذ ثمانينيات القرن الماضي، ولا سيما في مجال الدفاع الجوي والدبابات. وهذا يعني أنه على رغم أن بعض المعدات قد تكون أقل عدداً، فإن جودتها أصبحت أعلى بكثير.

وفي حين كانت الطائرات المقاتلة في ثمانينيات القرن الماضي متطورة من الناحية التكنولوجية في تلك الحقبة، فإن الطائرات الحديثة هي متقدمة إلى درجة أنها أصبحت أقرب إلى أجهزة الكمبيوتر العملاقة الطائرة. أما الغواصات فتم تصميمها للإفلات من أنظمة الكشف المعقدة، فيما بات يتعين على السفن الحربية أن تتعامل مع صواريخ تصل سرعتها إلى أضعاف سرعة الصوت.

إلا أن الخبراء يعدون أن الأرقام لا تزال مهمة في القتال المباشر بين الجيوش، إذ الخسائر تكون شبه حتمية أثناء الصراعات.

وفي المقابل، يوضح خبير الاستحواذ الدفاعي ستيوارت يونغ - وهو ضابط مهندس سابق في "البحرية الملكية" Royal Navy وزميل زائر في "جامعة كرانفيلد" - أن بعض المعدات العسكرية هي إما خارج الخدمة، أو مستعارة، أو تخضع للصيانة.

ويشير خصوصاً إلى أن "الدبابة القتالية الرئيسة ’تشالنجر‘ Challenger ما زالت في الخدمة الآن، لكنها تخضع للتحديث.

إلا أن التحدي الذي يفرض نفسه هو أنه خلال فترة تحسين مستوى هذا النوع من الآليات، ينخفض العدد الإجمالي المتاح للدبابات القتالية الرئيسة، وذلك إلى حين الانتهاء من عملية التحديث، وإعادتها إلى الخدمة الفعلية".

ويجدر التذكير هنا بأن كثيراً من هذه الإمدادات لم يخضع للتحديث منذ عقود من الزمن، مما يعني في بعض الحالات أن المملكة المتحدة تواصل الاعتماد على معدات تم تصنيعها خلال فترة الحرب الباردة.

في الواقع، تعود غالبية المركبات القتالية المدرعة التابعة للجيش البريطاني إلى مرحلة ما قبل تسعينيات القرن الماضي، ويرجع تاريخ بعضها إلى الستينيات، كما أفاد تقرير لجنة الدفاع البرلمانية لعام 2021، الذي وصف عدم إجراء عمليات استحواذ جديدة بأنه "أمر مؤسف". والأمر نفسه ينسحب على "البحرية الملكية" التي تواجه تحديات مماثلة.

ويوضح ستيوارت يونغ أن "أقدم أنواع الفرقاطات البريطانية - وهي من ’طراز 23‘ Type-23 - يبلغ عمرها أكثر من 30 عاماً الآن، وكان من المقرر أساساً أن يتم استبدالها في عام 2010 تقريباً. وجرى تصميم هذه السفن لفترة تشغيلية تتفاوت بين 18 و21 عاماً".

ويرى أنه إذا ما دخلت بريطانيا في حرب، فمن غير الواضح ما إذا كانت البلاد ستكون قادرة على توفير المستويات اللازمة من العديد والعتاد في الوقت المناسب.

ويرى المتخصص في الاستحواذ العسكري أن "نسبة اثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للممكلة المتحدة، هي رقم بني في الأساس على الاعتبارات السياسية وليس على الحاجات الاستراتيجية البحتة، وارتبط بمتطلبات مرحلة ما بعد الحرب الباردة، واستهدف في حينه محاولة عكس اتجاه الانخفاض في الإنفاق".

يشار إلى أن المملكة المتحدة استوفت، لا بل تجاوزت، الحد الأدنى من متطلبات الإنفاق الدفاعي لـ"حلف شمال الأطلسي"، وهو اثنان في المئة من إجمالي الناتج الاقتصادي البريطاني أو الناتج المحلي الإجمالي، بحيث تقدر المستويات الراهنة بنحو 2.3 في المئة.

مع ذلك، وبحسب مساعد المدير في مجموعة أبحاث الأمن "راند" Rand، جيمس بلاك، فإن هذا المستوى من الإنفاق يظل مجرد الحد الأدنى.

ويلفت إلى أنه "خلال الحرب الباردة، أنفقت دول الغرب بصورة روتينية أكثر من اثنين في المئة على الحاجات الدفاعية، وغالباً ما كانت نسبة ثلاثة أو أربعة أو حتى خمسة في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي تذهب إلى موازنة الدفاع. لذا ينبغي ألا نعتبر أن نسبة اثنين في المئة هي بمثابة رقم سحري يشكل عتبة تضمن تلقائياً الإنفاق الدفاعي الكافي لتحصين الدولة من جميع التهديدات".

وكان حزب المحافظين، والآن حزب العمال، قد وعد بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى ما نسبته 2.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030.

لكن كثيراً من الخبراء العسكريين أعربوا عن مخاوفهم من أن هذا الإنفاق قد لا يكون كافياً. ويعتقدون أن تخصيص ثلاثة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي - أي ما يعادل زيادة بنسبة 0.7 في المئة، أو ما يقارب 16.4 مليار جنيه استرليني (21.32 مليار دولار أميركي) كل سنة - أمر ضروري لتجديد المخزونات العسكرية، وإعداد جهوزية المملكة المتحدة للتعامل بصورة مناسبة مع صراعات محتملة قد يواجهها التحالف الغربي ضد دول معتدية مثل روسيا.

ويتابع السيد يونغ قائلاً إنه "أمام انعكاسات الحرب في أوكرانيا والتضييق العام على الإنفاق الحكومي، نجد أنفسنا في موقف من يحاول اللحاق بالركب. وأعتقد أنه يتعين علينا أن نرفع الإنفاق على الدفاع إلى ثلاثة في المئة أو أكثر، لتعزيز قدراتنا في الاستجابة للتهديدات المتزايدة، كتلك التي نواجهها اليوم".

ويرى أن وفاء بريطانيا بوعدها تخصيص 2.5 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي للدفاع، لن يؤدي إلى إجراء تحسينات كبيرة في المنظومة الدفاعية للمملكة المتحدة. ويقدر في المقابل أن هذا المبلغ لن يكون كافياً إلا لمواكبة المخزون والطلب الراهن.

وقال السيد يونغ: "لم نستثمر حتى الآن في تخزين الصواريخ والذخيرة أو موارد مماثلة".

وأقر ناطق باسم وزارة الدفاع البريطانية بأن القوات المسلحة تواجه تراجعاً في الموارد في الأعوام الأخيرة. وأضاف قائلاً: "نحن ندرك التحديات الخطرة التي تواجهنا بعد أعوام من تناقص الموارد في قواتنا المسلحة، وستعمل مراجعتنا الدفاعية الاستراتيجية على تقييم التهديدات التي نعيشها، وتحديد القدرات اللازمة لمواجهتها، بما يضمن الأمن الدفاعي لبلادنا".

لقد انعكست الحرب في أوكرانيا سلباً على الموازنة والإمدادات العسكرية للمملكة المتحدة، كما أثرت أيضاً في أعضاء آخرين في حلف "الناتو".

فمنذ فبراير (شباط) من عام 2022، تعهدت بريطانيا بتقديم 7.6 مليار جنيه استرليني (9 مليارات و880 مليون دولار) على صورة مساعدات عسكرية لكييف، شأنها شأن دول حليفة أخرى، وتبرعت بالمعدات مباشرة من مخزونات الدفاع البريطانية، بما فيها الدبابات والصواريخ.

وهذا يعني أن أعداد المعدات يمكن أن تكون أقل مما هو مذكور في الإحصاءات الرسمية التي تم تحديثها آخر مرة أخرى في سبتمبر (أيلول) من عام 2023.

لذا يشير السيد يونغ إلى أنه إذا تلقت قوات الدفاع البريطانية تمويلاً متزايداً، فقد يستغرق الأمر أربع أو خمس سنوات لتجديد إمدادات المعدات والأسلحة. ويضيف: "أعرب وزير الدولة البريطاني الجديد لشؤون القوات المسلحة عن رغبته في شراء أكبر كمية ممكنة من المعدات الدفاعية من موردين محليين في المملكة المتحدة، إلا أن بريطانيا لم تعد تمتلك في الواقع تلك القدرة التصنيعية".

العبر المستخلصة من حرب أوكرانيا: الاستعداد على الأمد البعيد

يرى السيد بلاك من مؤسسة "راند" أنه يتعين على بريطانيا والأعضاء الآخرين في حلف "الناتو" استخلاص العبر من الحرب في أوكرانيا لتعزيز القدرات القتالية على المدى الطويل.

ويوضح أن "الصراع في أوكرانيا كشف عن أن كثيراً من الجيوش الغربية عملت على افتراض أن أي حرب عنيفة ضد دولة مثل روسيا، ستكون مميتة للغاية، لكنها قد تكون على الأرجح سريعة. وستكون نوعاً من موجة عنف قصيرة ومكثفة ورهيبة، تليها تسوية للوضع".

إلا أن الحرب المستمرة في أوكرانيا - التي تدوم منذ 26 شهراً - أثبتت أن هذا الافتراض قد لا يكون دقيقاً تماماً.

فوفقاً لتقرير لجنة الدفاع البرلمانية الصادر في فبراير الماضي، في حال انخرطت بريطانيا في صراع طويل الأمد، قد تواجه القوات المسلحة صعوبات في مواصلة عملياتها لأكثر من بضعة أشهر، لأنها لن تكون مستعدة بصورة كافية.

وقد أبلغ الرئيس السابق للجنة سير جيريمي كوين أعضاء البرلمان أن الجيش يفتقر في الوقت الراهن إلى التدريب والموارد اللازمة لمواجهة اشتباكات عسكرية مكثفة وعنيفة.

ويحذر السيد بلاك من أن التركيز الراهن على الآلات المعقدة عالية الجودة، قد لا يكون فعالاً لخوض حرب طويلة الأمد، نظراً إلى وجود تحديات مثل إعادة التزود بالوقود، والتجديد السريع للإمدادات، والتخزين.

ويطرح السؤال التالي: "كيف يمكن للجيش تجديد مخزونه من الذخائر بعد استنفاد كل ما يملك من صواريخ أو قنابل؟ إنها مسألة عسكرية في جزء منها، لكنها أيضاً تتعلق بالقدرة الصناعية. هل نمتلك في الأساس القدرة لإنتاج هذه الموارد بكفاءة؟".

المشكلة تكمن في الجودة أكثر من الكمية

على رغم أن حكومة حزب العمال الجديدة أبدت اهتماماً بتسخير تصنيع الأسلحة محلياً لخدمة الدفاع، فإن الموردين المحليين في المملكة المتحدة غير قادرين على تلبية الطلب. ويوضح السيد يونغ أن صناعة الدفاع في المملكة المتحدة في حال تراجع منذ أعوام. ويضيف أن "الجداول الزمنية الطويلة للمشتريات تشكل تحدياً كبيراً. فبالنسبة إلى المدمرات والفرقاطات أو الغواصات أو الطائرات المقاتلة، قد تكون هناك فجوة في الطلبات تتفاوت ما بين 10 أو 15 عاماً".

إن إحدى النتائج غير المقصودة المترتبة عن قلة عدد الآلات الحربية ذات الجودة العالية، هي أن هذه الآلات أكثر تعقيداً وتستغرق وقتاً أطول لإنتاجها، مما يشكل تحديات كبيرة إذا كانت هناك حاجة مفاجئة إلى زيادة الإنتاج بسرعة.

علاوة على ذلك، هناك عدد أقل من الموظفين الذين تلقوا التدريب اللازم والخبرة الكافية لتشغيل هذه المعدات المتخصصة.

ويشير السيد يونغ إلى أن ذلك ينطبق "تحديداً على البحرية و’سلاح الجو الملكي‘، إذ تستخدم معدات معقدة للغاية، ويستغرق تدريب العناصر على تشغيلها وصيانتها وقتاً طويلاً".

ويرى السيد بلاك من مؤسسة "راند" أن هذا يتناقض مع النهج الذي تم اتباعه خلال "الحرب العالمية الثانية"، عندما كان التركيز ينصب على إنتاج كميات كبيرة من المعدات الأقل كلفة، مما يمثل تحدياً جديداً. ويضيف: "خلال ’الحرب العالمية الثانية‘، كانت الطائرات متطورة من الناحية التكنولوجية، لكنها كانت عملياً مصنوعة من مواد مثل القماش والخشب والمعدن. وقد تمكنا بسهولة من بناء الآلاف منها أسبوعياً، وإنتاجها، من خلال تحويل مصانع الدراجات إلى مصانع طائرات من طراز ’سبيتفاير‘ Spitfire. وبعد ذلك، كان تدريب الأشخاص على استخدام (المعدات) أمراً بسيطاً".

التجنيد والحفاظ على الكوادر

تواجه القوات المسلحة البريطانية أيضاً مشكلة كبيرة في مجال التجنيد، وقد ازدادت سوءاً بسبب خفض الموازنة.

ومن بين أفراد القوات المسلحة الراهنين، هناك 54 ألف شخص غير مدربين، ونحو129760 شخصاً جرى تدريبهم.

ويلفت يونغ إلى أن التدريب يتطلب الوقت والمال، والأهم من ذلك، هو الحفاظ على الجنود.

وفي سوق العمل اليوم، لم تعد رواتب أفراد الجيش تنافسية، حتى قبل النظر في مدى استعداد الشباب البريطاني لالتزام ساعات عمل شاقة، وتحمل أسلوب الحياة العسكرية، والأخطار المرتبطة بالخدمة.

ونبه السيد يونغ إلى أن القضية الأكثر أهمية قد تكون غياب الخبرة، إذ يغادر المسؤولون المدربون تدريباً عالياً الجيش بحثاً عن وظائف في القطاع الخاص.

ووفقاً للسيد يونغ، فإن تراجع مستوى جودة أماكن الإقامة وانخفاض الموارد الأخرى الخاصة بعائلات المنضوين إلى الخدمة العسكرية، هما عاملان رئيسان يدفعان بالأفراد الأكبر سناً الذين لديهم أسر يعيلونها، إلى مغادرة الجيش.

ويقول إن المملكة المتحدة لا تستطيع أن تتحمل خسارة هذه المجموعات المدربة بصورة جيدة، خصوصاً مع تزايد تعقيدات المعدات العسكرية من الناحية التقنية.

ويتابع قائلاً: "لدينا أفراد يتركون القوات المسلحة بسبب سوء ظروف المعيشة والعمل، مما يؤدي إلى فقدان ذوي الخبرة والمواهب القيمة".

ويوضح أن "تجنيد أفراد جدد اليوم لا يوفر حلاً سريعاً، إذ يتطلب الأمر ما بين ثلاث أو أربع أو حتى خمس سنوات لتدريبهم تدريباً كاملاً، ومن ثم سيتعين علينا الاحتفاظ بهم في الخدمة. لكن إلى أن يحين ذلك الوقت، سيكونون قد اكتسبوا مهارات من شأنها أن تجذب إليهم أرباب العمل من المدنيين".

أخيراً أكد وزير الدولة البريطاني الجديد لشؤون القوات المسلحة لوك بولارد أن معالجة الظروف السيئة للسكن العسكري تشكل أولوية قصوى بالنسبة إلى حكومته، وقال: "دعونا نكن واضحين تماماً. نحن لسنا راضين عن حال الإقامة العسكرية لأفراد الدفاع وأسرهم"، مشدداً التزامه على "إعطاء الأولوية للتحسينات في هذا المجال".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل