Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حيوانات السودان البرية تنتظر مآلات البشر

المحميات في مرمى النيران ومخاوف من مقتل الكائنات الوحشية أو نزوحها بعيداً بلا عودة

بطبيعتها تهرب الحيوانات الوحشية من أصوات السلاح والمعارك إلى مناطق أكثر أمناً (أ ف ب)

ملخص

 أوضحت غرفة طوارئ منطقة الدندر أن شرطة حماية الحياة البرية تصدت لمحاولة من "الدعم السريع" لاقتحام حظيرة الدندر بعد سيطرتها على مدينة الدندر بولاية سنّار جنوب شرق السودان، واجتياحها عدداً من القرى في محيط المدينة منذ أسابيع مضت.

لم تقتصر تداعيات الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع المستمرة منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023 على الإنسان والبنية التحتية للبلاد وحسب، لكن تمددها واتساع رقعتها المتواصل جعل آثارها تلامس المحميات الطبيعية في البلاد، بخاصة حظيرتي الدندر والردوم الأكبر والأهم، مما جعل موائل الحياة البرية في مرمى النيران التي تهدد وجود الحيوانات الوحشية بالموت أو الهجرة بعيداً.

على مشارف الدندر

وكانت أنباء تواترت عن وصول المعارك الي مشارف حظيرة الدندر ووقوع اشتباكات بين "الدعم السريع" وقوات شرطة الحياة البرية بالمحمية، في أعقاب سيطرة الأولى على بلدة الدندر على الحدود بين ولايتي سنّار والقضارف شرق السودان، وعلى بعد 25 كيلومتراً شرق مدينة سنجة عاصمة ولاية سنّار التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع.

وأوضحت غرفة طوارئ منطقة الدندر أن شرطة حماية الحياة البرية تصدت لمحاولة من "الدعم السريع" لاقتحام حظيرة الدندر بعد سيطرتها على مدينة الدندر بولاية سنّار جنوب شرقي السودان، واجتياحها عدداً من القرى في محيط المدينة منذ أسابيع مضت.

وأضاف بيان للغرفة أن شرطة حماية الحياة البرية لا تمتلك من العتاد العسكري ما يكفي لوقف محاولة ثانية من "الدعم السريع" لاقتحام الحظيرة، ولا يمكن التنبؤ بمستقبل الوضع خلال الأيام المقبلة.

 

 

إلى ذلك قال المدير العام لقوات حماية الحياة البرية اللواء شرطة حقوقي عصام الدين جابر حقار لـ "اندبندنت عربية" إن "الحرب الدائرة الآن في البلاد لها انعكاسات مدمرة على الإنسان والموارد الطبيعية على نحو كارثي، فالحياة البرية كإحدى مكونات التنوع الأحيائي تتأثر بهذه الحرب، سواء بالنسبة إلى الحيوانات البرية في حدائق الحيوان أو مراكز العناية أو مزارع الإكثار".

وأضاف حقار أن "قوات شرطة حماية الحياة البرية تصدت لمحاولة الوصول الي محمية الدندر الطبيعية من قبل المتمردين"، مشيراً إلى أن "الظروف الطبيعية بسبب بدء فصل الخريف وهطول الأمطار بغزارة مع طبيعة الأراضي الطينية في المحمية، تساعد قوات حماية الحياة البرية في الدفاع عن الحظيرة ضد أي خطر محدق".

وأوضح المدير العام للحياة البرية أن المحميات الأخرى الواقعة في الولايات المتأثرة بالحرب في وادي هور شمال دارفور على الحدود التشادية - الليبية، ومحمية الردوم بولاية جنوب دارفور على الحدود مع دولتي أفريقيا الوسطى وجنوب السودان، ومحمية جبل الداير بغرب كردفان، تأثرت كلها بإبادة الحيوانات، خصوصاً الظباء والغزلان، من قبل قوات التمرد والمرتزقة المشاركين معها في الحرب والقادمين من الدول الأفريقية عبر الحدود الغربية، كما تأثرت أيضاً البيئات الطبيعية والمجتمعات المحلية بالتهجير القسري والقتل.

وتابع، "لم يجرى تقييم حقيقي لحال المحميات وقياس درجة التأثيرات الناتجة من الحرب بسبب الظروف الأمنية في الوقت الراهن، لكن قوات حماية الحياة البرية تحتاج إلى تدريب كوادرها في مجالات عدة، ولا سيما الرصد والتقييم والإبلاغ، كما أن هناك حاجة تقنية وفنية إلى سد النقص في استخدام التكنولوجيا الحديثة وإجراء المسوح والتخريط وجمع البيانات ومعالجتها.

وتضم محمية الدندر سلالات نادرة من الحيوانات والطيور، منها 28 نوعاً من الثدييات الصغيرة وما يقارب 200 نوع من الطيور و32 من الأسماك، إضافة إلى الزواحف وأنواع أخرى من الحيوانات.

نهب ومخاوف

وخلال الأشهر الأولى من الحرب تعرضت مجموعة من الحيوانات في مركز الخرطوم للحياة البرية بمنطقة سوبا شرق ولاية الخرطوم، وبينها عدد من الأسود، إلى إصابات بليغة بسبب المعارك هناك، مما استدعى تدخلاً عاجلاً لإنقاذها وإجلائها إلى مناطق أخرى.

وعلى الصعيد نفسه أوضح ممثل المفوضية القومية للحدود في منظمة المحميات الأفريقية اللواء الصادق عبدالله أن تأثير الحروب والنزاعات الأهلية لا يقتصر فقط على الإنسان، ولكن أيضاً في الحياة البرية والحيوان والغطاء النباتي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار عبدالله إلى أن مجرد أصوات المدافع والذخيرة تدفع الحيوانات البرية الوحشية إلى الهرب والهجرة بعيداً إلى مناطق أكثر هدوءاً، لأن الحيوانات الوحشية بطبيعتها تهرب من أصوات السلاح والمعارك إلى مناطق أكثر أمناً.

وأردف، "هناك أخطار عدة على حياة كل كائن حي بسبب الحرب، سواء على الحيوانات الوحشية مثل الغزلان والأفيال والجاموس والزراف، ليس فقط بسبب تأثير الذخائر والمفرقعات والقنابل والألغام وما تفرزه من سموم على الأراضي ومصادر المياه في المناطق التي تمثل موئلاً لتلك الحيوانات، بل كذلك بتعرضها للصيد الجائر من أجل الغذاء وأحياناً بغرض التسلية والمتعة". 

وحذر عبدالله من أن تمدد قوات الدعم السريع في معظم دارفور وعدم إلمامها وتقديرها لأهمية حظيرة الردوم يشكل خطراً كبيراً عليها، بخاصة وهي تواجه بالأصل تحديات خطرة نتيجة انتشار نشاط التنقيب عن الذهب في المناطق المجاورة.

وفي السياق ذاته كشف منسق الإعلام بمنظمة "الردوم" الخيرية المهندس حمزة صالح مصطفي عن أن تمدد الحرب إلى بلدة الدندر نتج منه نهب ممتلكات حديقة الحيوان الملحقة بالحظيرة، كما أن توسع المعارك نحو القرى المحيطة بالبلدة أخرج جميع معسكرات الحماية الفرعية، إضافة إلى المعسكر الرئيس في "قلقو" من الخدمة، إضافة إلى نهب محتويات النزل الخاصة بالزوار والسياح.

 

 

ودعا مصطفى المجتمعين الدولي والمحلي والمنظمات المعنية بحماية الثروة البيئية والحيوانية إلى التدخل العاجل للإسهام في تأمين حظيرة الدندر الطبيعية، لأن عدم توافر الحماية اللازمة ستنتج منه مشكلات عدة أبرزها الصيد والرعي الجائران، وقطع الأشجار وتمدد الزراعة الآلية خصماً من مساحة المحمية، مما يعني تدمير البيئة وهجرة الحيوانات إلى محمية الطاش على نهر إيما داخل الحدود الإثيوبية، حيث تحول حساسية تلك الحيوانات المفرطة تجاه الهدوء والأمان دون عودتها للبلاد قريباً.

وتقع المحمية على الحدود السودانية - الأثيوبية في تقاطعات ثلاث ولايات هي سنّار والقضارف والنيل الأزرق، يتخللها نهري الرهد والدندر الموسميان إلى جانب خور قلقو، وتضم كذلك مجموعة من المسطحات المائية تعرف بـ "الميعات"، مما جعلها تتميز بتنوع نباتي وحيواني كبير.

ضياع وانقراض

وأضاف منسق الإعلام بـ "منظمة الردوم" أنه بتأثر معظم المدن والقرى والأرياف بصورة مباشرة وغير مباشرة بالحرب، انتقلت هذه الآثار إلى المحميات الطبيعية للحياة البرية حيث توجد في معظم الأحيان مجموعات صغيرة من حراسات شرطة الحماية مع قلة عتادها، مما ينتج منه انفلات أمني يعرض الحياة البرية والنباتية النادرة للضياع.

وأعلنت منصة "نداء الوسط" أن انتشار "الدعم السريع" في جبل موية وسنجة والرهد والقرى المحيطة بنهاية يونيو (حزيران) الماضي أغراها بالتقدم والهجوم على محلية الدندر التي تخلو من أية حاميات عسكرية تابعة للجيش، فنهبت سيارات المواطنين.

من جانبها أعربت مديرة مركز بحوث الحياة البرية لبنى عبدالله عن أسفها من أنه بسبب الصراع الدائر في عدد من مناطق السودان فقد شهدت الحياة البرية انقطاعاً في الاتصال والتواصل مع المحطات البحثية.

وأشارت لبنى إلى أن الباحثين اضطروا إلى إخلاء محطتي جبل الدير والدندر إلى مواقع أكثر أماناً، بينما ظلت محطة الردوم مغلقة منذ أمد بسبب الاضطرابات الأمنية بالمنطقة، مما أدى إلى نقص المعلومات المهمة في ما يتعلق بوضع الحياة البرية والمناطق المحمية المتضررة من الحرب.

وأضافت أن "النزاع المسلح قد يؤدي إلى تفاقم الأنشطة الاستغلالية مثل صيد لحوم الطرائد والاتجار بالحياة البرية بسبب انعدام الأمن الغذائي وضعف إنفاذ القانون والأعراف الاجتماعية"، ومنوهة إلى أن الحرب تؤدي لتفاقم الصيد المكثف وتدمير الموائل مما يضر بالحيوانات الفردية والسكان والمجتمعات والنظم البيئية.

لكن هناك إمكاناً لاستعادة مجموعات الحياة البرية والنظم البيئية المتضررة من الصراع، كما أن هناك حاجة إلى تدابير قانونية وغيرها لحماية الحيوانات والموائل أثناء الحرب.

 

 

ولفتت مديرة مركز البحوث إلى أن العنف والفقر يؤديان غالباً إلى زيادة استغلال الحياة البرية للحصول على الغذاء والدخل أثناء النزاعات المسلحة.

وتستهدف الحيوانات العاشبة الكبيرة بخاصة من أجل لحوم الطرائد نظراً إلى قدرتها على إطعام عدد من الأشخاص، في حين يزيد توافر الأسلحة النارية والآلية أثناء الصراعات من كفاءة الصيد وحجمه، وتُستغل بعض الأنواع في التجارة الدولية مما يجعلها معرضة للخطر.

وعلى رغم أن الأدلة تشير إلى أن النزاع المسلح يضر بالحياة البرية والموائل فإن عبدالله تشير في الوقت نفسه إلى أن "النظم الطبيعية يمكن أن تتعافى بعد الحرب، مثلما حدث في حديقة جورونجوسا الوطنية في موزمبيق كمثال ناجح لإعادة التأهيل بعد الحرب".

وتقع محمية الردوم الطبيعية على حدود ولاية جنوب دارفور مع أفريقيا الوسطى بمساحة تبلغ أكثر من 11 ألف كيلومتر مربع، وفي بيئة جغرافية تميزها التلال والمجاري المائية، مما عرضها لبعض الإهمال بسبب صعوبة الوصول إليها.

وتضم الحظيرة أعداداً كبيرة من المجموعات الحيوانية العشبية والمفترسة مثل الأفيال ووحيد القرن والأسود والنمر الأفريقي والفهود، مع تشكيلة كبيرة من أنواع الطيور، وقد تأثرت المحمية سلباً بنشاط تعدين الذهب المحموم في المنطقة.

وتشغل المحميات الطبيعية مساحة شاسعة من أرض السودان يصل عددها إلى ثمان محميات، بمساحات ومناخات متفاوتة تتوزع على أنحاء السودان المختلفة، هي محميات الدندر والردوم وجبل الدائر وجبل الحسانية ووادي هور وجبل مرة ومكوار وأرخبيل سواكن، إضافة إلى محميتين بحريتين هما سنجنيب ودنقناب.

وتعود نشأة وتقنين أوضاع تلك المحميات والمناطق المحجوزة لعام 1935 إبان عهد الاستعمار البريطاني، حيث تم تقنين منطقة الدندر كأول محمية طبيعية في السودان.

واندلعت الحرب السودانية بين الجيش وقوات الدعم السريع في الـ 15 من أبريل 2023 داخل العاصمة السودانية الخرطوم، لكن أوارها سرعان ما تمددت إلى إقليم دارفور وولايات الجزيرة وسنّار وسط البلاد، ثم جنوب كردفان وإقليم النيل الأزرق وتخوم ولاية نهر النيل، مهددة بجر البلاد إلى أتون حرب أهلية طويلة وشاملة قد تزعزع استقرار المنطقة بأكملها.

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة