Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مبدعو الـ"غرنيكا" السودانية... ذاكرة تكافح المحو

يشكلون ملحمة إبداعية لمقاومة التفتت والتلاشي وانكسار الروح والتشوهات النفسية والمجتمعية وغياب البصيرة

لعل الحرب الحالية أصبحت أكثر تحريضاً - في بشاعتها - على الكتابة التي تظهر بوصفها واحدة من أدوات المقاومة (أ ف ب)

ملخص

على رغم تناول عدد من الكتاب مآسي البلاد في مشاهد أدبية مختلفة، فإن الحرب التي اندلعت في أبريل (نسيان) 2023 لم تكن مثل غيرها من الحروب، فكيف أثرت حرب الخرطوم الحالية في ذاكرة الكاتب السوداني؟

شكل الوطن وهمومه ومشكلاته وآلامه معنى عميقاً في ذاكرة الكتاب السودانيين، بتفاعلهم مع الأحداث التي تشهدها بلادهم وخصوصاً الحروب المتتالية منذ قرن كامل، من خلال فنون الكتابة المختلفة المتمثلة في الرواية والشعر والنثر والقصة القصيرة.

وعلى رغم تناول عدد من الكتاب مآسي البلاد في مشاهد أدبية مختلفة، فإن الحرب التي اندلعت في أبريل (نسيان) 2023 لم تكن مثل غيرها من الحروب التي عاصرها كتاب كثر وكتبوا عنها كحرب دارفور المشتعلة منذ أكثر من 30 عاماً، وأبرز من تناولها الكاتب السوداني عبدالعزيز بركة ساكن في مجموعة من رواياته التي ظلت تحصد جوائز عالمية، فضلاً عن ترجمتها إلى لغات عدة، وبخاصة روايته "مسيح دارفور" التي عكس فيها الانتهاكات التي تعرض لها سكان هذا الإقليم كالاغتصاب والقتل والدمار والنهب وغيرها.

مصدر إلهام

حول ما يستمده الكاتب مما يجري في بلاده من إلهام، تقول الكاتبة والناقدة الأدبية السودانية سارة الجاك إن "الذاكرة هي منبع التفكير والتعبير والتواصل، فضلاً عن أنها تمثل أيضاً مكمن التفاعل والتعبير عبر أدوات الإبداع مثل الفنون والكتابة، ومن دونها لا يستطيع الإنسان أن ينتج أفكاراً ورؤى، لأنها المستودع الذي يحتوي على المعلومات الضرورية التي تبنى عليها الأفكار والإبداعات بشكل عام".

وأشارت الجاك إلى أن "الذاكرة لا تملك ساقين لتأخذنا عكس الريح، فلا بد للكتاب من التعاطي مع ما يشاهدونه أو يختزنونه أو يعالجونه آنياً ويكون ذلك في تفاصيل حياته اليومية العادية، فما الظن بهم عندما يكون الحدث عظيماً كحرب الخرطوم؟ لقد تفاعلوا معها قبل وقوعها وحذروا منها عبر كتاباتهم ومواقفهم التي نادت وما زالت تنادي بالسلام وقبلها بمدنية الدولة، لأنهم يعلمون أن العسكرة إذا اجتاحت السياسة أفسدتها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابعت "عندما أصبحت الحرب واقعاً فإنها لم تثن الكتاب السودانيين عن سعيهم إلى تخفيف وطأتها على الناس، فأقاموا عدداً من الفعاليات في دور الإيواء ومجمعات النزوح بعطبرة ومدني وكوستي والأبيض لتكون متنفساً للأطفال والمرضى وكل من تأثر بهذه الحرب اللعينة. كما شملت الفعاليات العيادات النفسية الإبداعية وورش التدريب على الكتابة المجانية لتطوير مهارات المنتسبين بأجر رمزي دعماً للمتأثرين الآخرين بالحرب، كما فعل الكاتب القاص والروائي الحاصل على جائزة ’الطيب صالح‘ للإبداع الكتابي الهادي علي راضي بإطلاقه إصدارات جديدة تناولت الواقع الراهن بصورة إبداعية".

وأردفت الكاتبة والناقدة الأدبية "حتى الكتاب السودانيين في الخارج كانت لهم إسهامات عظيمة تصب في وقف الحرب مستخدمين أدواتهم الخاصة بعيداً من دوائر السياسة، وما زال دورهم متواصلاً، فهم يراقبون ويوثقون الأحداث من مكان الحياد والوعد بأن تحفظ أعمالهم القادمة كل ما حدث، ولن يسقط حدث بالتقادم فالكتابة متحف لحفظ التاريخ الاجتماعي الذي لا يكتبه المنتصرون".

توثيق حقيقي

يقول الكاتب السوداني عادل سعد يوسف الذي يقوم بتوثيق الحرب التي اجتاحت بلاده من خلال روايته "جرة الخزاف"، "مما لا شك فيه أن الفنون هي مؤشر واضح وجلي يعبر عن حركية المجتمعات، لذا تظل الكتابة واحدة من الأدوات التعبيرية التي تتيح النظر في ما يكمن وراء الصورة الزائفة، بامتلاكها قدرة أن تحفر عميقاً في تشكلات بنائها التاريخية عبر سلسلة من إعادة ترميم وبناء الذاكرة، وهي ذاكرة الأمكنة في مواجهة المحو، أي الذاكرة التي أصابتها عبثية الحرب بالاضطرابات والتغيرات النفسية والمجتمعية".

 

 

ويواصل يوسف "بكل تأكيد ذاكرة الكتاب تتأثر في زمن الحروب والنزاعات والصراعات السياسية، فقد عاش الكاتب السوداني أزمنة الحرب منذ فترات بعيدة وهي متمركزة في لاوعيه، ولعل الحرب الحالية أصبحت أكثر تحريضاً - في بشاعتها - على الكتابة، ومن هذه الزاوية أجد أن الرواية تظهر بوصفها واحدة من أدوات المقاومة، مقاومة التفتت والتلاشي وانكسار الروح وغياب البصيرة. فهي حال سردية لواقعة العنف الذي سحق المدن وهجر إنسانها، إذ تستهدف قيمه وذاكرته الثقافية".

ويوضح الكاتب السوداني "أيام وجودي في الخرطوم أثناء الحرب، وهي تكبو في أقسى مراحلها التاريخية، اكتشفت ما هو معتم وكابوسي بالنظر إلى مشاهد الدمار وموجات النزوح، إذ رأيت كيف يكون الهامشي والمستتر ملوحاً بالعنف والعدوان، كما رأيت الموت الذي يقتنص الناس في منعطف ما أو شارع ما أو من طائرة، رأيت الـ’غرنيكا‘ السودانية في مرارة ألمها وحزنها العريض، من هذا الواقع المؤلم أحاول كتابة ما رأيت، موثقاً مشاهد الدمار وبؤس الإنسان، أي أن أنجز شهادتي ضد الحرب".

إصدارات حديثة

عبر كتاب سودانيون وبخاصة الشباب منهم عما يدور في بلادهم من حرب طالت أكثر من 15 شهراً عن طريق الكتابة الأدبية والشعر والنثر، منها رواية الكاتب السوداني عبدالعزيز بركة ساكن "الأشوس الذي حلقت أحلامه مثل طائرة مسيرة"، التي دشنها أخيراً ووصفها بأنها "نوفيلا عن الإنسان".

 

 

بحسب ساكن فإن "الرواية تدور أحداثها في قرية بولاية الجزيرة اسمها شعلت، وهي قرية بلا حامية عسكرية أو نقطة شرطة، وسكانها فلاحون بسطاء هربوا قبل دخول قوات الأشاوس. لكن بعض الشخصيات ظلت في القرية مثل المساعد الطبي الطيب المشرف والخالات الثلاث والمهندس العوض وزوجته، وديك العوض الذي يعد بطل النوفيلا".

وأوضح ساكن أن "روايته تهدف إلى بناء السلام من خلال نبش الجراح وحديث الصراحة والوضوح، ومعالجة جذور الحرب للمساعدة في وقفها"، مؤكداً أن "الحل الأمثل للأزمة الإنسانية في البلاد يأتي عبر جمع الأطراف المتحاربة للحوار، وتشمل قوى الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية) التي تضم الجيش والإسلامويين، وقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) المتحالفة مع قوات ’الدعم السريع‘".

ويعتبر ساكن أن الفنون والآداب بأشكالها المختلفة يمكن أن تسهم في معالجة أزمات الحرب في السودان، داعياً المثقفين والأدباء والمبدعين إلى استخدام الفنون كأداة للسلام والتعايش.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة