ملخص
سبق لقوى شيعية أن تقدمت بطلب لتشريعه بحيث يتيح للمواطنين اللجوء إلى رجال الدين الشيعة والسنة للتقاضي في شؤون الزواج والطلاق والميراث.
أثارت عودة الحديث عن تعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق موجة غضب واسعة وتحديداً في الأوساط المدنية في البلاد، مما دفع البرلمان العراقي إلى التراجع عنه وتأجيل مناقشته من دون تحديد تاريخ.
وأعلن البرلمان العراقي خلال الـ24 من يوليو (تموز) الجاري (أمس الأربعاء) تأجيل مقترح قانون تعديل الفقرة 57 من قانون الأحوال الشخصية لعام 1957 من أجل مزيد من النقاش، إثر تقديم رئيس اللجنة القانونية ريبوار عبدالرحمن طلباً لإشراك منظمات المجتمع المدني ولجنة المرأة وحقوق الإنسان في المناقشات حول التعديل.
ويعود هذا القانون إلى الأعوام الأولى للغزو الأميركي إذ حاولت شخصيات سياسية ودينية منذ اللحظات الأولى لسقوط نظام صدام حسين تعديل القانون ليكون مذهبياً بدلاً من القانون المدني، إذ أطلقت عليه جماعات سياسية شيعية اسم "القانون الجعفري"، في إشارة إلى مطالبها بتغيير الصيغ المدنية إلى أخرى خاضعة للمذهب الجعفري الاثني عشري الذي ينتمي إليه معظم الشيعة العراقيين.
ومن بين أبرز دعاة تعديل القانون السياسي ورجل الدين الراحل عبدالعزيز الحكيم الذي كان حينها رئيساً لـ"المجلس الأعلى للثورة الإسلامية"، الذي ألغى عند تسلمه رئاسة "مجلس الحكم" عام 2003 قانون الأحوال الشخصية المعمول به إلا أن الحاكم المدني الأميركي بول بريمر أعاده إلى العمل عام 2004.
ولم تتوقف الدعوات عند هذا الحد إذ أبدى المرجع الشيعي ورئيس حزب "الفضيلة" محمد اليعقوبي حماسة شديدة في محاولات إقرار ما سماه بـ"القانون الجعفري".
فرصة لتمرير القوانين الخلافية
وفي السياق يقول رئيس منطقة الشرق الأوسط في مؤسسة "غالوب الدولية" منقذ داغر إن "الإطار التنسيقي سيستثمر سيطرته على السلطات في العراق لتمرير ما يستطيعه من قوانين وتشريعات في هذه المرحلة، لأنه يعلم أنها لن تدوم لفترة طويلة".
ويضيف لـ"اندبندنت عربية" أن تعديل قانون الأحوال الشخصية يأتي ضمن "جملة القوانين التي تحاول من خلالها القوى الدينية المتطرفة وتلك الأقل تطرفاً التخادم في ما بينها".
ويستبعد داغر أن تكون محاولات إمرار مشروع القانون مرتبطة بصفقة حول قانون العفو العام الذي تطالب به الكتل السنية، مبيناً أن "عدداً من الخلافات الداخلية بين القوى السنية لا تزال تعرقل تشريع قانون العفو العام".
ويختم بأن قوى "الإطار التنسيقي" بعد سيطرتها على كل السلطات في البلاد ستحاول "استغلال ضعف القوى المدنية الفاعلة في تمرير كل القوانين الخلافية"، لافتاً إلى أنه "من الممكن تمرير قوانين أخرى تذهب بذات الاتجاه الطائفي".
صفقة سياسية وسلطة أكبر لرجال الدين
واستخدم آلاف العراقيين وسم "لا لتعديل قانون الأحوال الشخصية" على وسائل التواصل الاجتماعي، في حملة ربما هي الأوسع منذ وصول "الإطار التنسيقي" الموالي لإيران إلى السلطة في البلاد.
ويركز الناشطون والحقوقيون وأحزاب مدنية في اعتراضاتهم على أن القانون يتعارض مع المادة 14 من الدستور، التي تنص على أن العراقيين متساوون أمام القانون من دون تمييز.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير الباحث والصحافي مصطفى ناصر إلى أن تعديل قانون الأحوال الشخصية "طالما حولته الكتل الشيعية إلى صفقة سياسية"، مبيناً أن تزامن طرحه مع طرح قانون العفو العام يعني أن "ثمة صفقة أبرمها ’الإطار التنسيقي‘ مع الكتل السنية لتمرير القانونين".
ولعل ما يعزز أن يكون القانون قد أتى بصفقة بين "الإطار التنسيقي" والقوى السنية بحسب ناصر، هو كون الجماعات السنية التي تطالب بقانون العفو العام "لم توقع طلب تأجيل مناقشة تعديل قانون الأحوال الشخصية".
ويعتقد ناصر أن "تعديل القانون لن يمر خصوصاً مع الضجة الكبيرة التي أحدثها الناشطون ضده، وهي المرة الأولى التي يتحد فيها الرأي العام بهذه الصورة ضد مشروع لـ’الإطار التنسيقي‘ منذ توليه السلطة".
ولا يرجح ناصر أن يكون ثمة كسب انتخابي من مشروع القانون، مشيراً إلى أن الغاية الرئيسة منه تتمثل بـ"إعطاء سلطة أوسع للفقهاء".
تعطيل لأدوار القضاء
وفي السياق وصفت الصحافية والناشطة النسوية صفا عماد محاولات إمرار التشريع بأنها "تعطيل لأدوار السلطات القضائية وتمكين لرجال الدين"، مشيرة إلى أن بنود مشروع القانون "تذكرنا بديوان المظالم الذي أنشأه تنظيم ’داعش‘ خلال سيطرته على الموصل حين عطلت الحياة المدنية".
وأضافت لـ"اندبندنت عربية" أن إمرار هذا التشريع "يحمل في طياته عدداً من الأخطار بسبب تعدد المذاهب والتشريعات الفقهية حتى داخل المذهب الواحد، لكن أبرز الإشكالات مع القانون هي البنود المتعلقة بحقوق المرأة والطفل من حيث إباحة بعض المذاهب زواج القاصرات، وحرمان النساء من الميراث وغيرهما من التشريعات التي تتعارض مع أساسات حقوق الإنسان".
وأشارت إلى أن المنظمات الحقوقية في البلاد "تسعى إلى تفكيك هذا التشريع من خلال الضغط عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وعقد الندوات المختلفة لتوضيح ما يتستر تحت سطوره"، مبينة أن الهدف من ذلك هو "تمكين الشارع العراقي من فهم كيفية إدارة حياتهم المدنية المتعددة تحت حكم الهوية الواحدة".
وقت أمثل لحلفاء إيران
يرى مراقبون أن "الإطار التنسيقي" الموالي لإيران يحاول خلال الفترة الحالية "منافسة الإشارات الطائفية التي أطلقها الصدر خلال الفترة الأخيرة.
وفي المقابل يعتقد المتخصص في مجال العلوم السياسية هيثم الهيتي أن الحديث عن تعديل قانون الأحوال الشخصية بدأ منذ اللحظات الأولى للغزو الأميركي للبلاد إلا أن عراقيل عدة حالت دون تمريره، أما الآن "فيشعر حلفاء إيران أنه الوقت الأمثل لتشريع كل القوانين التي تدعم سلطة الجماعات الراديكالية".
ويرى الهيتي أن ما يجري يمثل "امتداداً للمحاولات الإيرانية في كسر كل القوانين والتشريعات والمؤسسات العريقة في البلاد"، مبيناً أن غياب المعارضة الفاعلة للجماعات الراديكالية يوفر "الفرصة الأمثل في تعزيز سلطة رجال الدين واتجاهاتهم السياسية على الدولة".
ويمثل مشروع القانون بحسب الهيتي "تكملة برنامج متكامل يتعلق بنخر شكل العراق وتحويله إلى نموذج يشبه ’طالبان‘ تسيطر عليه إيران"، لافتاً إلى أن مشروع القانون يعد "جزءاً من العمل الإيراني الدؤوب لإلغاء الهوية الوطنية العراقية واللجوء إلى الهويات الفرعية والمذهبية".
إنقاذ الشيعة
وكان مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية وصل مراحل غير مسبوقة في فترة حكومة المالكي خلال مارس (آذار) 2014، إذ تجاهل الرفض الشعبي حينها وأرسله إلى البرلمان للمصادقة، إلا أنه لم يمرر حينها نتيجة الضغوط الشعبية واشتماله على بنود تتعارض مع مواد دستورية واتفاقات دولية متعلقة بحقوق الإنسان والمرأة والطفل.
ولعل من أوائل من دعم تعديل القانون إلى صياغات مذهبية كان المرجع الشيعي ورئيس حزب الفضيلة محمد اليعقوبي إذ تم الترويج له حينها بوصفه "إنقاذ الطائفة الشيعية"، خصوصاً مع وصفهم القانون المدني المعمول به بأنه "يعارض الفقه الشيعي".
ولعل أبرز النقاط الإشكالية في مقترح القانون هو سماحه بزواج القاصرات ممن بلغن التاسعة من العمر، فضلاً عن حرمان النساء من الميراث في بعض الحالات في حين يرى قانونيون أن أبرز إشكالات القانون سماحه بالزواج خارج المحاكم المدنية من دون عقوبات، مما يزيد من نسب زواج القاصرات والتعدد.
وطرح مقترح التعديل في البرلمان العراقي من قبل النائب رائد المالكي، الذي قال إنها "تلبية لرغبة المرجعية الدينية في النجف".