Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

واحات زاكورة في المغرب تحتاج إلى "معجزة بيئية"

مصدر الأمن الغذائي للسكان الأصليين يعاني زحف الرمال وندرة المياه ومرض النخيل

بسبب التغيرات المناخية تغير نمط الحياة واضطر بعض أبناء المنطقة للهجرة إلى المدن أو خارج البلاد (اندبندنت عربية)

ملخص

تزود الواحات 10 في المئة من سكان العالم بالغذاء، وتعد شريان حياة في البيئات القاسية والجافة. وتسهم في الإمدادات المائية وتحقيق الأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية لسكان المناطق الصحراوية، وأيضاً التنوع البيولوجي الذي يسهم في تحقيق التوازن الإيكولوجي لكوكبنا.

على مدى قرون من الزمان اعتمد المسافرون في الصحراء على الواحات بوصفها ملاجئ تمنحهم الحياة، وساعدت هذه المناطق الخضراء في دعم المجتمعات الصحراوية، وشكلت مراكز تجارية، وألهمت الشعراء والفنانين وخيال المبدعين، لكنها اليوم تواجه تحديات بيئية بسبب التغيرات المناخية وتوسع الواحات العصرية.

والواحة ليست مجرد صحراء، بل هي منطقة مميزة حيث تزدهر النباتات بما يتناقض مع المناظر الطبيعية القاحلة المحيطة بها، وتعتمد الواحات على المياه الجوفية وهي الآبار الطبيعية ومياه الأمطار والثلوج التي تتدفق من المرتفعات العالية.

وتزود الواحات 10 في المئة من سكان العالم بالغذاء، وتعد شريان حياة في البيئات القاسية والجافة. وتسهم في الإمدادات المائية وتحقيق الأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية لسكان المناطق الصحراوية، وأيضاً التنوع البيولوجي الذي يسهم في تحقيق التوازن الإيكولوجي لكوكبنا.

أمنا النخلة

في الجنوب الشرقي للمغرب تقع مدينة زاكورة، المعروفة بتنوعها الثقافي وارتباط سكانها بالحياة في الواحة، لكن بسبب التغيرات المناخية تغير نمط الحياة واضطر بعض أبناء المنطقة للهجرة إلى المدن المغربية أو إلى خارج المغرب بحثاً عن العمل.

وحافظت واحات زاكورة على التنوع البيولوجي للنظام البيئي في المغرب، من خلال المناظر الطبيعية والنخيل والقصبات والإرث الثقافي الشفهي مثل الشعر والرقص وأيضاً التدبير الجماعي للحياة في الواحة.

 

 

علي أيت يوسف ولد وعاش داخل الواحة وتعلم من أسلافه كيفية الحفاظ على النظام البيئي والعيش في مناخ صحراوي بشكل متوازن، لكنه كغيره من شباب الواحة، أصبح يلاحظ في السنوات الأخيرة صعوبة العيش فيها.

ويصف أيت يوسف علاقته بالواحة بنبرة متحسرة، "النخلة هي أمنا أو عمتنا نشعر أنها أحد أقاربنا ولدينا معها علاقة وطيدة، نحاول بكل إمكاناتنا البسيطة أن نحافظ عليها".

موتى القلوب

إلى جانب أنه من أبناء الواحة فعلي أيت يوسف مهتم بالشأن الواحي ويحاول أن يسهم في التوعية بأهمية الحفاظ على الواحات، يقول في هذا السياق "نطلق في قريتنا على من لا يعتني بواحته على رغم قدرته المادية والجسدية بميت القلب، أي على رغم أنه حي جسدياً لكنه ميت معنوياً وليست لديه روح المسؤولية".

ويضيف أيت يوسف "لكن بسبب ندرة المياه والجفاف وأيضاً بسبب مرض النخيل وزحف الرمال والتصحر أصبح من الصعب الحفاظ على الواحات".

 

 

ويتابع "كانت واحات زاكورة على مدى قرون ملجأ للحياة، فقد ساعدت سكانها الأصليين على تحقيق الأمن الغذائي، وأثارت خيال الشعراء وجعلتهم يتنافسون في ما بينهم حول من ينظم أفضل قصيدة".

ويمضي أيت يوسف قائلاً "ولدت في الواحة وسط هذه المنظومة البيئية المتنوعة المكونة من النخيل والنباتات وأيضاً ممارسات وثقافة زراعية ورثناها من أسلافنا، مثلاً كيف نلقح النخلة ونعتني بها، وهي مهارات اكتسبناها من خلال المشاهدة، ولم تعد الوحات قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي لسكانها، لذلك يهاجر البعض سواء إلى المدن المغربية أو أوروبا للبحث عن عمل، ويبقى كبار السن ومعهم أحد الأبناء الذي يهتم بهم".

من خلال متابعته، لاحظ أيت يوسف أن الجيل الجديد لم يعد مهتماً بكيفية الاعتناء بالواحة، وهذا ما سيسهم على حد تعبيره في اندثار هذه المعارف.

وتكشف الأبحاث الحديثة عن الواحات في العالم أن تدخل الإنسان والتصحر أثر في مصير الواحات، وهذا ما يؤكده أيت يوسف، موضحاً أنه "لكي تعود الواحة لما كانت عليه في السابق فإن الأمر يحتاج إلى مفاجأة بيئية بسبب الجفاف والتغيرات المناخية، ويبدو أنها مع الوقت ستختفي بسبب التحديات البيئية وأيضاً تغير الأجيال، لكن علينا أن نتشبث بالأمل".

واحات عصرية

تكشف الأبحاث الحديثة ارتفاع المساحة الإجمالية للواحات في جميع أنحاء العالم بمقدار مذهل بلغ 85 ألف ميل مربع بين عامي 1995 و2020. وعلى رغم أن هذا الرقم قد يبدو تطوراً إيجاباً كشفت دراسة جديدة نشرت في المجلة العلمية "Earth's Future" أن هذا التطور الإيجابي قد يكون مدمراً على المدى الطويل، وحذرت من هذا التوسع، معتبرة أنه ليس ظاهرة طبيعية بل نتيجة لتدخل بشري متعمد.

والهدف الأساس لعديد من الواحات العصرية هو دعم الزراعة في المناطق القاحلة وزراعة المحاصيل، لكن هذا النوع من الزراعات لا يتكيف مع البيئات القاحلة، مما يؤدي إلى ارتفاع الطلب على المياه، ويتم استغلالها بصورة مفرطة وهو ما يؤثر في الواحات الأصلية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب دونغ وي غوي، المشرف على الدراسة وعالم الجيولوجيا في الأكاديمية الصينية للعلوم، فـ"على رغم أن المجتمع العلمي أكد دائماً أهمية الواحات، فإنه لا توجد خريطة واضحة لتوزيعها العالمي، والواحات ذات أهمية حيوية، لكن حتى الآن ليس لدينا بيانات شاملة في مناطق العالم".

وتضيف الدراسة أن "عديداً من الواحات العصرية تعتمد على ممارسات غير مستدامة في التعامل مع المياه، مثل استغلال مصادر المياه الجوفية بصورة مفرطة".

في هذا الصدد يشير علي أيت يوسف، إلى أن "الواحات العصرية القائمة على الربح والإنتاج تنافس الواحات الأصلية التي تلعب دوراً مهماً فيها الثقافة والحياة الاجتماعية، كما أن الفلاحين يفضلون العمل في الواحات العصرية بسبب المقابل المادي، وهذه الواحات تستنزف الفرشاة المائية التي كانت تزود الواحة التقليدية بالماء، كما أن تغير النظام العائلي والصراعات بين الإخوة حول الإرث أثر في الحياة المشتركة في الواحة، وأدى إلى تقسيم الأراضي".

أشبه النخلة

التصحر من أكثر التحديات التي تواجه الواحات، ومعناه التحول التدريجي للأراضي الخصبة إلى صحراء قاحلة، وغالباً ما يكون سببه عوامل مثل تغير المناخ والرعي الجائر أو تدخل الإنسان من خلال الاستخدام غير المستدام للمياه، وقد أدى التصحر في العالم إلى فقدان ما يقارب 52 ألف ميل مربع من الواحات خلال 25 عاماً الأخيرة.

على رغم جميع التحديات البيئية في منطقة زاكورة لا يزال البعض يتشبث بواحته ويستمر في الاعتناء بها. يقول أحد السكان، "أنا أشبه هذه النخلة، ولا يمكن لي أن أزرع في أي مكان ومناخ آخر سوى هذه الأرض وهذا المناخ، لهذا لن أترك الواحة لأنني أشبه نخلها، فعندما يخرج من هنا يصعب عليه التأقلم وقد يموت".

وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يوجد أكبر عدد من الواحات في العالم، إذ يقدر إجمالي عددها بنحو 690 واحة.

المزيد من بيئة