ملخص
أمام فائض إنتاج تخطى ستة آلاف ميغاواط، ومبيعات يومية إلى الجارة تونس فاقت 500 ميغاواط، ذكرت السلطات أن الاستهلاك المحلي للطاقة الكهربائية بلغ 19500 ميغاواط، مسجلاً بذلك ذروة جديدة للمرة الخامسة خلال الصيف الحالي
بعد التموقع الغازي ثم الانطلاق في الهيدروجين الأخضر ضمن مشروع "الممر الجنوبي"، جاء الدور على الكهرباء، إذ أعلنت الحكومة الجزائرية عن دخول مشروع تصدير الكهرباء إلى أوروبا حيز التنفيذ، في مسعى لأن تكون البلاد مزوداً قوياً لأوروبا بالطاقة، بحسب متابعين للملف.
إبرام عقود
وذكر وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب أن شركتي "سوناطراك" للمحروقات و"سونلغاز" للكهرباء والغاز الحكوميتين تحضران لإبرام عقود لإنجاز خط كهربائي عبارة عن "كابل" بحري يربط الجزائر بالقارة الأوروبية عبر البحر الأبيض المتوسط، موضحاً أن هذا الكابل البحري سيسمح للجزائر بتصدير الكهرباء التقليدية التي يجري إنتاجها عبر محطات تشتغل بالغاز الطبيعي، فضلاً عن الكهرباء النظيفة التي ستنتجها محطات للطاقة البديلة، خصوصاً الشمسية منها، ووصف المشروع بأنه "تاريخي".
وكان عرقاب صرح بأن "الجزائر أصبحت قطباً كبيراً في إنتاج الطاقة الكهربائية بـ25 ألف ميغاوات، مما جعلها من الدول الرائدة في حوض المتوسط في إنتاج هذه المادة الحيوية"، مبرزاً أن الجزائر بصدد طرح جميع الحلول الطاقوية على شركائها، لا سيما في أوروبا من أجل توفير الطاقة بمختلف أنواعها في السوق الأوروبية.
مؤشر إيجابي
وأمام فائض إنتاج تخطى ستة آلاف ميغاواط ومبيعات يومية إلى الجارة تونس فاقت 500 ميغاواط، ذكرت السلطات أن الاستهلاك المحلي للطاقة الكهربائية بلغ 19500 ميغاواط، مسجلاً بذلك ذروة جديدة للمرة الخامسة خلال الصيف الحالي، مما دفع عرقاب إلى اعتبار أن "الارتفاع المتزايد في الطلب على الطاقة الكهربائية محلياً يعكس الحركية الاقتصادية التي تشهدها الجزائر، والقيمة المضافة التي تسهم بها قطاعات عدة".
وتزيد الذروة القياسية الجديدة بفارق 768 ميغاواط مقارنة بالأولى التي تم تسجيلها هذا الصيف وبلغت 18732 ميغاواط، وقال مجمع "سونلعاز" المسؤول عن إنتاج وتوزيع وتصدير الكهرباء، إنه إضافة إلى الاستجابة النوعية للطلب المحلي الجزائري القياسي على الكهرباء، تستمر عملية التصدير نحو تونس.
اكتفاء من دون خلل
وأوضح الوزير الجزائري أن هذا الارتفاع يؤشر إلى أن المنظومة الكهربائية المحلية يتم تسييرها بكفاءة ومهنية مع ضمان توزيع عادل ومتوازن عبر مناطق البلاد كافة ومن دون تسجيل أي خلل في الشبكة، مشدداً على أن القطاع يحوز كل الإمكانات التي تسمح له بضمان تغطية الطلب المحلي المتزايد الذي من المرتقب أن يصل خلال العام الحالي إلى 20 ألف ميغاواط، وأشار إلى أنه تم اتخاذ كل التدابير اللازمة لتقوية الإنتاج الكهربائي وإعادة النظر في تنظيم الشبكة وتدعيمها ببعض المعدات الكهربائية التي يمكن أن تتحمل حرارة شديدة تفوق 55 درجة.
ويشهد جنوب الجزائر درجات حرارة تفوق 55 درجة مئوية، وبعضها صنف ضمن المناطق الأكثر سخونة في العالم، ومنها أدرار المرتبة الأولى عالمياً بدرجة حرارة 49.4 وعين صالح بالدرجة نفسها وتيميمون بـ48.6 وبني عباس بـ48 وسجلت منطقة تندوف حرارة بلغت 47.9.
ومن أجل ضمان التزود بالكهرباء في أحسن الظروف وبعيداً من أية انقطاعات، قال عرقاب إنه تم الإسراع في التحضيرات منذ سبتمبر (أيلول) 2023، من خلال استكمال كل المشاريع والأعمال اللازمة لضمان التزويد بالكهرباء في أفضل الظروف الممكنة خلال فترة الصيف، مشيراً إلى إنجاز برنامج استعجالي لتعزيز شبكة النقل الكهربائي على مستوى 16 محافظة عرفت العام الماضي استهلاكاً استثنائياً لهذه المادة الحيوية، كما تم الالتزام ببرنامج الربط بشبكات الكهرباء والغاز للمواطنين والمحيطات الفلاحية والمناطق الصناعية، ومناطق النشاط ومختلف البرامج المسطرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التصدير بعد الفائض
ويبدو أن تحقيق الفائض والتفكير في التصدير دفعا إلى إنجاز أكبر محطة لإنتاج الكهرباء في البلاد التي انطلق تشغيلها الجزئي في الـرابع من يوليو (تموز) الجاري، مما سمح بتدعيم الطاقة الإنتاجية الوطنية بـ450 ميغاواط، وبذلك "أصبحت الجزائر منتجاً كبيراً للكهرباء" على حد وصف وزير الطاقة، بطاقة إنتاجية تفوق 26 ألف ميغاواط، تستهلك منها 17 ألف ميغاواط في أوقات الذروة. وأضاف "نحن بصدد طرح جميع الحلول الطاقوية على شركاء الجزائر، لا سيما في أوروبا من أجل توفير الطاقة بمختلف أنواعها".
وكشف مصدر في وزارة الطاقة الجزائرية لـ"اندبندنت عربية" عن أن 51 منشأة لنقل الكهرباء ستدخل حيز الخدمة في 2024، فيما تعرف أشغال 28 منشأة أخرى نسبة تقدم فاقت الـ80 في المئة، وتحدث عن دخول أكثر من 500 محول كهربائي حيز الخدمة أخيراً.
وقبل إتمام محطة "مستغانم" التي دخل جزء منها حيز الخدمة في الـرابع من يوليو الجاري والتي تعتبر الأكبر في البلاد، تمتلك الجزائر خمس محطات ضخمة سمحت بتحقيق الاكتفاء المحلي والتوجه نحو التصدير، وهي "بلارة" بطاقة إنتاجية تصل إلى 1600 ميغاواط و"حجرة النص" بقدرة إنتاجية تبلغ 1227 ميغاواط و"راس جنات" بـ1200 ميغاواط و"تارقة" بـ1200 ميغاواط، وأخيراً محطة "كدية الدراوش" بسعة تصل إلى 1200 ميغاواط.
هكذا بدأت فكرة المشروع
وبدأ الحديث عن مشروع الربط البيني بين الجزائر وأوروبا منتصف 2022 في أعقاب الحرب الروسية - الأوكرانية، حين سعت إيطاليا ومعها دول الاتحاد الأوروبي إلى البحث عن بديل لإمدادات الطاقة الروسية، وأوضحت وزارة الطاقة في الجزائر حينها أن شركة الكهرباء والغاز "سونلغاز" الحكومية ناقشت مع وزارة الانتقال الطاقي الإيطالية خلال مؤتمر حول تسيير وإدارة أنظمة الكهرباء بالعاصمة روما، فرص إطلاق كابل بحري لنقل الكهرباء عبر البحر المتوسط.
وينطلق المشروع، بحسب معلومات حصلت عليها "اندبندنت عربية"، من سواحل محافظة الطارف شرق الجزائر، وصولاً إلى جزيرة سردينيا الإيطالية بطاقة سنوية أولية تقدر بـ 2000 ميغاواط، وأن الإنتاج والفائض يرجعان إلى محطات كهربائية تشتغل بالغاز الطبيعي الذي بلغ إنتاج الجزائر منه 137 مليار متر مكعب في 2023.
ووفق بيانات رسمية لشركة "سوناطراك" البترولية الحكومية، فإن الجزائر تستهدف إنتاج 200 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في 2027، كما تراهن على تمكين 20 محطة شمسية كهروضوئية من ضخ 2025 ميغاواط، في إطار مشاريع للطاقة الشمسية يجري تنفيذها بولايات صحراوية، لا سيما أن البلاد تتوافر على إمكانات هائلة من الطاقة الشمسية، قالت الوكالة الدولية للطاقة إن بها أكبر حقل شمسي في العالم لجهة عدد ساعات سطوع الشمس في السنة.
كسب أصدقاء جدد؟
وفي السياق، يعتبر أستاذ الاقتصاد جمال مناصري أن الإمكانات الطبيعية والمادية والتكنولوجية التي تتوافر في الجزائر من حيث الموقع الجغرافي الذي يعتبر من أكثر مناطق العالم سخونة، ثم الاحتياطات الكبرى للغاز، وأيضاً المنشآت المتطورة، كلها أسهمت في جعلها دولة مصدرة للطاقة ومنها الكهرباء، مشيراً إلى أن الخط البحري الذي يصدر الكهرباء إلى أوروبا يحظى بأهمية محلياً وأوروبياً، وقال إن "تصدير هذه المادة الحيوية بعد حرب أوكرانيا يمنح الجزائر مكانة دبلوماسية رائدة قبل المكانة الاقتصادية والطاقوية".
ويواصل مناصرة أن "استجابة الجزائر للطلب المحلي من دون حدوث انقطاعات على رغم بلوغ درجات الحرارة مستويات قياسية، لا سيما في جنوب البلاد، وتسجيل الذروة في استهلاك الكهرباء مرات عدة من دون خلل، ثم الانتقال إلى التصدير الذي ليس جديداً، باعتبار أن تونس وقبلها المغرب يحصلان على كهرباء الجزائر، أمر يكشف عن الجهود المبذولة للاستفادة من المقدرات الطبيعية أولاً، والإمكانات البشرية والتكنولوجية ثانياً"، مبرزاً أن الاستثمار في هذا المجال الذي يحقق نتائج طيبة يمكن وصفه بالناجح، وختم أن ذلك من شأنه أن يكسب الجزائر أصدقاء جدداً وتحقيق مكاسب.
المنافس الإسرائيلي
لكن وفي خضم الأرقام الإيجابية المشار إليها سابقاً التي سمحت للجزائر بدخول فضاء تصدير الكهرباء إلى أوروبا، يبدو أن إسرائيل دخلت على خط المنافسة، إذ كشفت العام الماضي عن خطط لإقامة خط تحت سطح البحر المتوسط لتصدير الكهرباء إلى أوروبا، وأوضح وزير الطاقة إسرائيل كاتز أن المشروع جزء من خطة أوسع نطاقاً لربط شبكات الكهرباء في إسرائيل بنظيرتها مع دول محيطة.
وكانت قبرص وإسرائيل واليونان أبرمت في مارس (آذار) 2021، اتفاقاً مبدئياً للربط الكهربائي بين البلدان الثلاثة يتضمن مدّ أطول خط كهرباء تحت سطح المياه في العالم، وقال وزير الخارجية القبرصي كونستانتينوس كومبوس، "نكافح من أجل إقامة ممر طاقة يُعتمد عليه ومستدام من شرق المتوسط إلى أوروبا"، مشدداً على أهمية مشروع تصدير الكهرباء إلى أوروبا في ضوء الحرب الروسية - الأوكرانية، والحاجة إلى تنويع مصادر إمدادات الطاقة وزيادة الترابط، وثمن دخول الاتحاد الأوروبي في تعاون إقليمي يهدف إلى تعزيز التعاون بتوليد الكهرباء، لا سيما أن حوض شرق المتوسط يتهيأ ليكون ممراً بديلاً للطاقة.