Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مأساة السودانيين لا تنتهي... الحرب تحرقهم والسيول تغرقهم

موسم الأمطار يضرب بعنف في ظل غياب التحوطات وكلفة الخطة الكلية لطوارئ الخريف تقدر بنحو 24 مليون دولار

السيول والأمطار محنة جديدة تطرق أبواب السودانيين (اندبندنت عربية - حسن حامد)

ملخص

انعزال ولايات بأكملها أدى إلى عرقلة جهود إيصال المساعدات اللوجستية لعون وإنقاذ كثير من المناطق المتضررة التي لم يعد أمامها سوى الاعتماد على الجهد الذاتي والحلول التقليدية

فوق قسوة الحرب وجراحها كان السودانيون على موعد مع فصل آخر من مآسي كوارث الأمطار الغزيرة والسيول المتوقعة هذا العام، إذ عززت التنبؤات والبداية العنيفة لموسم الخريف الجاري المخاوف من محنة أخرى تطرق الأبواب، مترافقة مع ظروف صعبة جراء تداعيات الحرب وتقطع أوصال البلاد التي انعزلت بعض ولاياتها عن منظومة الحكم، مما أدى إلى غياب السلطة والاستعدادات والتحوطات الدورية اللازمة لمجابهة فصل الخريف، وهو ما ينذر بآثار وخيمة ومضاعفات بالغة لسيول وأمطار هذا العام.

تأثيرات بالغة

ومع بداية إطلالة فصل الخريف وبواكيره الأولى فيما يعرف محلياً بـ "منزلة النترة"، أعلن مركز عمليات الطوارئ تسجيل 14 حالة وفاة في ولايتي كسلا والقضارف الأكثر تأثراً بالأمطار الغزيرة التي شهدتها معظم ولايات السودان هذا الأسبوع، كما تسببت السيول الجارفة في قطع طريق "التحدي" بمنطقة قباتي الرابط بين مدينتي شندي عطبرة بولاية نهر النيل، وتسببت غزارة الأمطار في الولايات الشمالية وكسلا البحر الأحمر والقضارف بعرقلة حركة المرور في كثير منها.

تنبؤات ومخاوف

وتشير تنبؤات وحدة الإنذار الباكر في هيئة الأرصاد الجوية السودانية إلى أن موسم أمطار هذا العام سيكون غزيراً، وهناك توقعات بهطول أمطار متوسطة إلى غزيرة على ولايات كسلا وسنّار، شمال وجنوب وغرب كردفان، ومعظم ولايات دارفور، إلى جانب إقليم النيل الأزرق والأطراف الجنوبية لولاية البحر الأحمر، وخفيفة إلى متوسطة في معظم أنحاء السودان الأخرى.

وفي المنحى نفسه حذر الراصد الجوي المنذر أحمد الحاج من أمطار شديدة الغزارة مصحوبة برياح ناشطة متوقعة خلال الأيام القليلة المقبلة على مناطق من ولايات كسلا ونهر النيل والخرطوم والجزيرة والنيل الأبيض، من المتوقع أن تتسبب في سيول جارفة.

ونصحت مجموعة "الراصد الجوي" جميع المواطنين بأخذ الحيطة والحذر واتباع إرشادات السلامة للحماية من الأمطار والسيول والرياح والصواعق المصاحبة لها.

غياب التحوطات

وفي السياق حذر الأمين العام للمجلس الأعلى للبيئة عضو لجنة طوارئ الخريف بولاية الخرطوم بشرى حامد من خطورة موسم الأمطار وما يتبعه من سيول هذا العام، وتوقع حامد أن يكون من أسوأ المواسم التي مرت على السودان طوال تاريخه بسبب حرمان الجهات الرسمية المتخصصة من القيام بدورها الطبيعي في اتخاذ التحوطات اللازمة للتخفيف من آثاره وأضراره.

ودعا عضو طوارئ الخرطوم الأمم المتحدة إلى الحد من أخطار الكوارث وأن تكون على أهبة الاستعداد لتقديم العون اللازم للسودان هذا العام، نظراً لعدم تمكنه من التهيؤ لمجابهة أخطار السيول والفيضانات مثل كل عام.

وأضاف أمين مجلس البيئة أن المشاريع الزراعية المروية تواجه مشكلة فيض بعض الخزانات والقنوات بعد طرد الكوادر الهندسية ونهب تلك المشاريع، مما سيشكل خطورة ويؤثر في المجاري المائية ونظم الري، ويهدد بغرق مساحات واسعة من الأراضي والمنازل.

توقعات وعواقب

ولفت حامد إلى أن هناك آباراً لتجميع وتخزين المياه يستخدمها الإنسان والحيوان في الشرب في مناطق عدة بالسودان، لم يتيسر هذا العام تنظيفها أو إجراء المعالجات الهندسية ونظافة أحواضها وتطهيرها وتهيئتها، مما ينذر بانهيارها وجفافها نتيجة انسداد المجاري المغذية لها.

وأعرب المتخصص البيئي عن أسفه للظروف شديدة التعقيد التي يحل فيها موسم الأمطار هذا العام، بخاصة في المناطق التي تشهد خللاً أمنياً وتغيب عنها السلطات والاستعدادات والإجراءات السنوية لمواجهة الخريف، والتي كانت تتم في كثير من المدن الكبيرة وتشمل تنظيف المصبات والمصارف وتقوية المتاريس المائية العليا، مما يخلق مشكلات هندسية كبيرة لها عواقب سيئة على حياة الناس.

ومع غياب الحماية والاستعدادات اللازمة توقع حامد حدوث حالات غرق لمساحات زراعية شاسعة وأضراراً كبيرة في المنازل، ولاسيما المشيدة من الطوب، إلى جانب احتمالات انتشار الآفات والنواقل المختلفة وما يتبعها من أمراض وأوبئة.

تمزق وانعزال

إلى ذلك توقع مصدر مسؤول سابق في مجلس الدفاع المدني أن يكون لموسم الأمطار والسيول هذا العام تأثيرات بالغة ومضاعفات كبيرة على السودانيين بالنظر لواقع الحرب الذي تعيشه البلاد، وما نتج منه من ضعف الاستعدادات التحوطية اللازمة في ولايات عدة وغيابها التام في أخرى.

وقال المصدر إن تمزق النسيج الإداري وانعزال ولايات بأكملها عن المنظومة الإدارية للحكم في البلاد، ناهيك عن بعض المحليات التي انعزلت كذلك عن ولاياتها، يؤدي إلى عرقلة كل جهود إيصال المساعدات اللوجستية لعون وإنقاذ كثير من المناطق المتضررة التي لم يعد أمامها سوى الاعتماد على الجهد الذاتي والحلول التقليدية.

وأضاف أن "أزمة شح السيولة والوقود والنهب الذي تعرضت له المعدات وتشتت الكوادر والقوى العاملة من التحديات الكبيرة التي تؤثر في الترتيبات المطلوبة للتعامل مع آثار الأمطار والسيول، مما سينعكس ليس فقط على القرى والمنازل التي باتت مهجورة من دون عناية أو حماية من قبل أصحابها من مضاعفات الأمطار، بل أيضاً في تهديدات حقيقية على الموسم الزراعي بغرق مساحات كبيرة نتيجة غياب التحوطات".

سيول جارفة

ميدانياً شهدت ولايات البحر الأحمر والقضارف وكسلا شرق السودان أمطاراً قياسية سجلت في كسلا معدلاً لم تشهده منذ أعوام بلغ نحو 120 مليمتراً على مدى يومين متتابعين خلال الأسبوع الماضي، إذ أغرقت المياه شوارعها واجتاحت مراكز إيواء النازحين مما اضطر اللجنة العليا للطوارئ في الولاية إلى العمل على إجلاء وترحيل أكثر من 80 ألف أسرة من مراكز الإيواء في المدينة.

وطالبت اللجنة المواطنين بأخذ الحيطة والحذر تحسباً لزيادات كبيرة متوقعة في الأمطار ومناسيب نهر القاش خلال الفترة المقبلة.

أما في البحر الأحمر فتسببت الأمطار في جريان خور أربعات وسيول أدت إلى قطع طرق عدة مؤدية إلى مدينة بورتسودان، مما حدا بالسلطات المحلية مناشدة القادمين من خارجها والمناطق الجبلية المحيطة بها إلى أخذ الحيطة والحذر وتجنب مجاري السيول.

كما هطلت خلال اليومين الماضيين أمطار غزيرة في مناطق متفرقة من الولاية الشمالية وبخاصة محلية مروي، تسببت مع الرياح المصاحبة لها في سقوط عدد من أعمدة الكهرباء على الطريق الرئيس مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن المنطقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

جرف الطريق

وتسببت الأمطار والسيول في ولاية نهر النيل في جرف طريق "التحدي" وعزل بعض مناطق جنوب مدينة شندي عن الطريق الرئيس، وبالتالي انقطاع التواصل مع بعض مراكز الخدمات في الولاية.

 ووجه والي نهر النيل بالإنابة صلاح علي كركبة بإيجاد معالجات جذرية لتلافي آثار السيول على الولاية وتأثيرها في الطرق وحياة المواطنين داخل القرى المتاخمة للوديان، بينما أكدت السلطات المحلية توجهها نحو ترحيل القرى المتأثرة إلى القرى النموذجية المقترحة مع إنشاء متاريس لحماية مناطق الهشة في محلية الدامر.

وانتقدت لجان الأحياء ضعف معالجة المنخفضات في بعض المناطق المتأثرة، مطالبة بالاستنفار الشعبي وتوفير المعدات المطلوبة للمعالجة مع حصر الأضرار ودعم المستحقين للعبور الآمن من موسم الأمطار بأقل الأضرار.

معاناة صامتة

وشهدت معظم مناطق ولاية الجزيرة أمطاراً غزيرة وسيولاً شملت مدينة المناقل، العاصمة الموقتة للولاية، استمرت لخمس ساعات.

وذكرت السلطات المحلية في المدينة أنها شرعت في تنفيذ برنامج إسعافي لتصريف مياه الأمطار، مناشدة المواطنين بالتعاطي الإيجابي مع المصارف والمعابر، وأن تسخر طاقات الشباب في الأحياء لتجاوز الخريف بأقل خسائر ممكنة.

وفي الأطراف الغربية للولاية يعاني مواطنو قرى وبلدات دهمتها الأمطار الغزيرة والسيول في صمت، بعيداً من أية مساعدة أو اهتمام رسمي من المنظمات الطوعية، واضطر مواطنو تلك المناطق إلى مغادرة منازلهم وقراهم نتيجة الأضرار الكبيرة التي لحقت بها بسبب السيول.

وقال والي الولاية المكلف الطاهر إبراهيم إنه وجه مفوضية العون الإنساني بالتنسيق مع إدارة الدفاع المدني بالولاية بحصر جميع المتضررين وتوفير الخيم لهم.

مساع اتحادية

وعلى المستوى المركزي دعا وزير الصحة الاتحادي هيثم محمد إبراهيم إلى الاستعداد لمجابهة الأوبئة المحتملة وتوفير المعينات اللازمة لاحتوائها، وتوحيد الاستجابة للتدخلات العاجلة مع المنظمات العاملة، مشيراً إلى أن الترتيبات جارية لانعقاد اجتماع اللجنة العليا للطوارئ الصحية والإنسانية في الحكومة لزيادة التدخلات.

وعقب اجتماع ناقش الأوضاع الصحية في الولايات المتضررة بالسيول والأمطار، لفت إبراهيم إلى أن كلفة الخطة الكلية لطوارئ الخريف تقدر بنحو 24 مليون دولار.

وشدد الوزير على ضرورة إحكام التنسيق بين وزارة الصحة الاتحادية والوزارات ذات الصلة إلى جانب المنظمات الطوعية، والانعقاد الدائم لمركز الطوارئ للعمل على مكافحة نواقل الأمراض.

وكان مركز عمليات الطوارئ الاتحادي قد استعرض خلال اجتماعه في مقره الجديد في مدينة كسلا، تقارير حول الأوضاع الصحية في البلاد والاستجابة لتحديات الخريف، والوضع الصحي في مراكز إيواء نازحي ولاية سنار إلى ولايات كسلا والقضارف والنيل الأبيض والنيل الأزرق.

الفاشر بين نارين

وشهدت مدينة الفاشر شمال دارفور أمطاراً غزيرة دمرت منازل القش التي يحتمي تحتها آلاف النازحين في مخيم زمزم، لتفاقم معاناتهم مع الجوع والمرض والقصف.

وفيما أكد مصدر في وزارة الري والموارد المائية أن هناك استقراراً نسبياً في مناسيب النيلين الأزرق والأبيض ونهر النيل حتى الآن، ذكرت نشرة حديثة للوزارة مطلع الأسبوع الجاري وصول منسوب النيل الأزرق أمام سد الروصيرص إلى مستوى 481.49 متر، مقارنة بـ 467 متراً عام 1988، و11.51 متر في الخرطوم مقارنة بـ 13.68 من العام نفسه.

وكان نهر القاش الموسمي شرق السودان قد فاض مطلع هذا الشهر واجتاح مناطق واسعة من مدينة أروما بولاية كسلا، مخلفاً خسائر مادية في المنازل، مع توقع مزيد من المياه المندفعة من الهضبة الإثيوبية.

كوراث وفوائد

من جانبه أشار وكيل الري السابق المهندس أحمد آدم إلى أن المياه المصروفة من خزان سنّار لأقسام امتداد النقل الآمن بالمشروع بلغت نحو 15 مليون متر مكعب يومياً حتى الأسبوع الماضي، مقارنة بـ 6 ملايين متر مكعب فقط لأقسام منطقة الجزيرة، معتبراً أن المردود العام لأمطار هذا الموسم يعتبر جيداً حتى الآن، ومن شأنه أن يساعد كثيراً في إنجاح الزراعة داخل المناطق التي لا توجد فيها عناصر ميليشيات "الجنجويد" في بعض أقسام مشروع الجزيرة الزراعي، على رغم أنها تصعب الحياة بالنسبة إلى النازحين الذين ليس لهم مأوى مناسب، مثلما حدث في ولايتي القضارف وكسلا.

وظل السودان طوال أعوام ما قبل الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل (نيسان) 2023، يتعرض لكوارث مدمرة من الأمطار والسيول والفيضانات، تتسبب بمقتل مئات الأشخاص وتدمير عشرات آلاف المنازل وعدد من المرافق العامة والمساحات الزراعية، وكذلك نفوق آلاف الحيوانات الأليفة والدواجن.

المزيد من تقارير