Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تقطع محاولة اغتيال البرهان الطريق إلى السلام؟

الحادثة تهز الثقة بالسيادة الجوية السودانية ومراقبون يتوقعون توجهاً عسكريا جديداً

عبد الفتاح البرهان أثناء العرض العسكري (مجلس السيادة السوداني)

ملخص

الفضاء السوداني بات يعج بعدد مهول من الطيران المسير، ففي أقل من أسبوع استهدفت قوات "الدعم السريع" بواسطة هذا النوع من الطيران ثلاثة مواقع في مدن مختلفة وبمسافات متباعدة واليوم تستهدف رأس الدولة بجبيت، مما يعد مهدداً كبيراً جداً للجيش السوداني.

في هجوم طاول ولاية البحر الأحمر للمرة الأولى منذ اندلاع القتال بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في الـ15 من أبريل (نيسان) 2023، تعرض قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان اليوم الأربعاء لمحاولة اغتيال بطائرة مسيّرة أثناء حضوره تخريج طلاب الكلية الحربية في معهد جبيت العسكري بولاية البحر الأحمر شرق البلاد، أسفرت عن مقتل خمسة أفراد بينهم طلاب وضابط.

وقال مكتب المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية عبر حسابه على موقع "فيسبوك" إن "المضادات الأرضية تصدّت اليوم لمسيّرتين معاديتين استهدفتا موقع الاحتفال بتخريج دفعات من الكليات الحربية والجوية والبحرية عقب ختامه بمعسكر جبيت"، مضيفاً أن الحادثة تسببت في مقتل خمسة أشخاص ووقوع إصابات طفيفة يُعمل على حصرها، لكن لم تشِر قوات "الدعم السريع" أو أي جهة أخرى مسؤوليتها عن هذا الهجوم.

وأوضح شهود عيان أنه أثناء العرض العسكري فوجئوا بمسيّرتين تستهدفان بصورة مباغتة موقع مهرجان التخريج، مما تسبب في عمليات ذعر وفر من قبل المشاركين وكذلك الأهالي الذين حضروا مهرجان تخرج أبنائهم من الطلبة العسكريين، لافتين إلى أن ما حدث قد يفتح الباب واسعاً أمام احتمالات نقل الحرب إلى الولاية الشرقية التي تحتضن غالبية الوزارات والسفارات الأجنبية بعد اختيارها عاصمة بديلة للخرطوم.

وكان إعلام مجلس السيادة السوداني بث صوراً لقائد الجيش وهو يشهد في استاد معهد المشاة بجبيت تخريج الدفعات 68 كلية حربية، والدفعات 20 و23 من التأهيلية والكلية الجوية والأكاديمية البحرية.

لكن ما انعكاسات وتداعيات هذه الحادثة على تطورات الحرب الدائرة بين القوتين المتحاربتين ومستقبلها؟.

إثبات وكسب

الباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية اللواء معتصم عبدالقادر يقول "من الواضح أن الحرب في السودان منذ بدايتها وحتى الآن هي حرب دولية، فهناك دول تدعم ميليشيات الدعم السريع بالإحداثيات بواسطة الأقمار الاصطناعية وتستهدف مواقع حساسة، لذلك فإن هذه المسألة لا تؤثر بصورة مباشرة وإنما هي محاولات لزعزعة الاستقرار وإرسال رسائل مفادها بأن للميليشيات يد طولى بوصولها إلى مواقع مؤثرة ومهمة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف أنه "من المؤكد أن هذه الأحداث لن تثني القوات المسلحة السودانية وقيادتها عن العمل العسكري والدليل على ذلك أن قائد الجيش قام بعد هذه الحادثة بالتجول بكل أريحية في أسواق جبيت، فهذه معركة مستمرة وسيبذل فيها الجيش كل غالٍ ونفيس من أجل تطهير البلاد من دنس هذه الميليشيات".

مهدد كبير

في السياق، أوضح المتخصص في الطيران الحربي العميد طيار علي أحمد خالد أنه "في ظل التطورات التكنولوجية، من المتوقع توسع طرفي الحرب السودانية في استخدام الطائرات المسيّرة لأنها تساعد في سهولة تطبيق مبادئ وقواعد الحرب، بخاصة مسألة الحشد، وتقليل الأخطار التي تواجه القوات أثناء جمعها، وتمتعها بعنصر المباغتة بالنسبة إلى العدو في المكان والزمان، فضلاً عن المرونة من خلال استعمالها في مهمات عدة مثل الاستطلاع وضرب الأهداف، إلى جانب خفة الحركة والمناورة السريعة والاقتصاد في القوة، وكذلك توفير عامل القيادة والسيطرة وتنسيق الجهود".

وقال "واضح أن الفضاء السوداني بات يعجّ بعدد مهول من الطيران المسيّر، ففي أقل من أسبوع استهدفت قوات الدعم السريع بواسطة هذا النوع من الطيران ثلاثة مواقع في مدن مختلفة وبمسافات متباعدة واليوم تستهدف رأس الدولة بجبيت، مما يعدّ مهدداً كبيراً جداً للجيش السوداني، خصوصاً أن الحصول على منظومة من الطيران المسيّر أصبح أمراً أسهل بكثير عن ذي قبل".

وزاد أن "السودان ظل لفترة طويلة يمتلك السيادة على أجوائه، لكن بعد الحرب باتت قوات الدعم السريع تمتلك منظومات مسيّرة على رغم أنها قليلة التأثير، لكنها في الوقت نفسه تؤثر في زعزعة السيادة الجوية السودانية، فضلاً عن أنها تربك خطط القيادة العسكرية وتزيد من حجم الحماية وسرية حركة القوات والتجمعات والمهرجانات وغيرها".

ولفت إلى أن الحد من الطائرات المسيّرة أصبح أمراً صعباً يؤرق كل الدول لأنه بإمكان أي حركات متمردة امتلاك مثل هذه المنظومة نظراً إلى تدني كلفتها وصغر حجمها وسهولة دخولها عبر المنافذ والحدود المختلفة".

خطر الانهيار

يقول المتحدث الرسمي لتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) بكري الجال، "نرفض مبدأ ومنهج تصفية الخصوم السياسيين، وفي هذا السياق ندين محاولة الاغتيال التي تعرض لها الفريق عبدالفتاح البرهان ونرى أن وحدة القيادة داخل القوات المسلحة ضرورة لتحقيق السلام عبر الحل التفاوضي وأن مثل هذه الممارسات ستفتح باباً جديداً من دوامة العنف السياسي، فضلاً عن أن مثل هذا النهج سيعقد من فرص الوصول إلى سلام في البلاد عبر المفاوضات التي من المتوقع أن تجري في الـ14 من أغسطس (آب) المقبل، كما ندعو جميع الأطراف إلى التحلي بروح المسؤولية لتجنيب السودان خطر الانهيار الشامل الذي لن يخلف سوى الموت والنزوح والدمار".

قطع طريق

في سياق متصل، أوضح المحلل السياسي عروة الصادق أنه "من البديهي أن توجه جميع أصابع الاتهام إلى قوات الدعم السريع التي ظلت موضع الشك حول جميع المحاولات السابقة التي استهدفت تحركات مماثلة ومشاركات في فعاليات يحضرها البرهان، في شندي والقضارف وكنانة وكوستي، وجميعها ظلت مجهولة المصدر والتحليل والنتائج، وإذا تم التسليم بهذه الفرضية فإمكان الوصول إلى مسافات تزيد على الألف كيلومتر من أقرب ارتكاز للدعم السريع يعني أن هناك اختراقاً كبيراً للمنظومة الأمنية للبرهان في دوائر حمايته الشخصية واستخباراته العسكرية".

 

وأردف الصادق "لكني أرى الآن بعدما وصل الأمر إلى محطة جديدة ببروز أصوات داعية إلى الاستجابة لمبادرات السلام، مما يعني أن هناك من يريد قطع هذا الطريق، بسد أي سبيل للمضي إلى السلام بإرسال رسالة للبرهان بأننا نعرف تحركاتك وعربتك وطائرتك وحراساتك، ونستطيع الوصول إليك في أي وقت حال مضيت نحو السلام، وصرح بذلك أحد داعمي استمرار الحرب قبل ساعات من محاولة الاغتيال وهدد البرهان بصورة مباشرة، وهناك نظرة مغايرة وهي أن الأمر عمل استخباراتي داخلي لإعادة ترتيب أوضاع البرهان المأزومة واستعادة تمركز قوي لمعسكر الحرب".

وختم المحلل السياسي أنه "على رغم ما نشهده من انغماس في العوز والفقر والموت، وأن تتصارع البلاد مع التحديات الاقتصادية والتوترات الإقليمية والتوازن الدقيق بين القيادة المدنية والعسكرية، فإن أحداثاً مثل محاولة اغتيال البرهان تستحق الوقوف عندها والتدقيق في مراميها ومآلاتها، وسيظل الوقت وحده كفيلاً بالكشف عن الدوافع الحقيقية وراء هذه الحادثة، لكن تأثيرها في البرهان شخصياً وفي المؤسسة العسكرية وفي الشأن السوداني لا يمكن تجاهله، لأننا سنشهد برهاناً جديداً وتوجهاً عسكرياً وسياسياً لا يمكن تخيله".

هجوم سابق

ويأتي الهجوم بالطيران المسيّر الذي استهدف اغتيال البرهان صبيحة هجمات شنتها طائرات مسيّرة على مقار أمنية عدة في كوستي بولاية النيل الأبيض قبيل منتصف ليلة أمس الثلاثاء، أسفر عن مقتل ضابط في جهاز الاستخبارات العامة وجرح آخرين، فضلاً عن إلحاق الضرر بإحدى كليات جامعة الإمام المهدي.

وبحسب مصادر أمنية فإن المسيّرات التي هاجمت كوستي التي تبعد نحو 400 كيلومتر جنوب الخرطوم، لا يقل عددها عن خمس مسيّرات، مما يجعل العملية أكبر هجوم بالطيران المسيّر على المدينة التي تضم الفرقة 18 مشاة التابعة للجيش.

وكانت ربك، عاصمة ولاية النيل الأبيض المجاورة لكوستي، شهدت أول من أمس الإثنين بدورها هجوماً بمسيّرة استهدف معسكراً للجيش، فضلاً عن مسيّرتين هاجمتا قاعدة كنانة الجوية بالولاية، وسبق أن هاجمت طائرات مسيّرة أول من أمس مقار حكومية بجوار رئاسة حكومة ولاية نهر النيل في مدينة الدامر التي تبعد من الخرطوم 310 كيلومترات، من دون وقوع خسائر في الأرواح.

ومنذ أشهر عمدت قوات "الدعم السريع" إلى مهاجمة المدن التي يسيطر عليها الجيش بالطيران المسيّر، وكان أول هجوم لها استهدف إفطاراً رمضانياً لكتيبة البراء بن مالك التي تقاتل إلى جانب الجيش في عطبرة بولاية نهر النيل في أبريل (نيسان) الماضي، مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى.

المزيد من متابعات