Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معركة لوتي وزولا على "مجمع الخالدين" عنوانها "شرق - غرب"

صاحب "معبد فيلة" كشفت له مؤامرات "الأعداء" أن النجاح في العمل الإبداعي ثأر ناجح

بيار لوتي وإميل زولا معركة أبعد من مجرد منصب (اندبندنت عربية)

ملخص

على رغم غرابة أطوار الكاتب الفرنسي بيار لوتي سرت اختياراته الشرقية حتى على أصغر التفاصيل في حياته وأفكاره، إلى الحد الذي اعتبر معه في مرحلة ناضجة في حياته أن انتصاره على زميله إميل زولا في التنافس، بل الصراع الذي تجابها فيه للحصول على مقعد خال في "مجمع الخالدين" (الأكاديمية الفرنسية) انتصار كبير للشرق على الغرب

تميز الكاتب الفرنسي بيار لوتي (1850 – 1923) عن مجمل الكتاب الفرنسيين والأوروبيين عموماً من الذين اختاروا الوقوف إلى جانب الشرق ضد "المطامع الغربية" بكونه فعل ذلك عن قناعة تامة، وليس عن اختيار ثقافي ينطلق من عدائه لبيئته الخاصة. ومن هنا لم يكن غريباً أن يتحدث دائماً ومنذ صباه المبكر عن الحدود الفرنسية – الإسبانية المجاورة لمسقط رأسه في أقصى الجنوب الشرقي الفرنسي بوصفها "الحدود العربية"، ويقيناً أنه ما فعل ذلك إلا انطلاقاً من إيمان بروتستانتي جعل فكره أقرب إلى الفكر الإسلامي منه إلى الفكر الكاثوليكي. ومن هنا وعلى رغم غرابة أطواره في هذا المجال سرت اختياراته الشرقية حتى على أصغر التفاصيل في حياته وأفكاره، إلى الحد الذي اعتبر معه في مرحلة ناضجة في حياته أن انتصاره على زميله إميل زولا في التنافس، بل الصراع الذي تجابها فيه للحصول على مقعد خال في "مجمع الخالدين" (الأكاديمية الفرنسية) انتصار كبير للشرق على الغرب، وانتصار يحتفل به وكأنه انتقام لهزيمة الأسطول العثماني في معركة لابوانت المعروفة بكونها وضعت نهاية للزحف الشرقي – الإسلامي على أوروبا وغزوها بأكملها، كما سنرى.

حكاية ثأر

إذاً وكما سنعرف دائماً خصوصاً بالنسبة لمن يتتبع سيرة حياة بيار لوتي أن اختياره كان اختيار هوية لا مجرد اختيار ذهني وحسب. ونحن يمكننا دائماً وإن من خلال هذه الملاحظة، أن نفرق بين نمطين من أنماط التعاطي الغربي مع الإسلام (ونقصد هنا تعاطي الكتاب والمثقفين الغربيين مع الإسلام)، النمط الذي ينتج من اكتشاف ثقافي يكتشفه كتاب ومثقفون ليسوا في حاجة لخشبة خلاص، فيكون الإسلام بالنسبة إليهم مجرد وسيلة للوصول إلى عوالم أخرى غريبة عنهم، تعزز من إبداعهم الأدبي أو تكون خطوة على طريق حياتهم، والنمط الذي يكون عبارة عن اندماج كلي في الدين الجديد ينتج من فراغ يعيشه الكاتب أو الشخص المعنى، فيكون الالتصاق هنا كلياً. ولأن بيار لوتي كان يعيش مثل هذا الفراغ فكان ارتباطه بالإسلام والشرق كلياً ورسم له كل مسار حياته وكتاباته. وكان ذلك الارتباط بالنسبة إليه خشبة الخلاص. ولا شك أن ذروة انتماء لوتي هذا إلى الشرق أتى عبر نشره روايته التي ستعد كبرى رواياته لاحقاً "آزيادة" (1879)، التي يمكن اعتبارها أوضح تعبير عن "انتمائه" الشرقي.

العمل على درب النجاح

ولكن إذ لم تحقق "آزيادة" حين نشرت للمرة الأولى النجاح الذي كان بيار لوتي يتوقعه لها، فإن ذلك لم يدفعه إلى اليأس، بل ها هو يصدر في العام التالي "رواية" ثانية له بعنوان "زواج لوتي" (1880)، وهي رواية تدور أحداثها الغرامية في الجزر البولينزية في المحيط الهادئ... وكان من حظ هذه الرواية أن حققت من النجاح قسطاً جعل الكاتب يشعر أنه عبره قد ثأر لفشل "آزيادة".. وقرر منذ ذلك الحين أن يواصل الكتابة في الوقت نفسه الذي واصل فيه الترحال حيناً كضابط في البحرية الفرنسية، وحيناً على سجيته ولحسابه الخاص. ولعلنا إن نحن ذكرنا أسماء رواياته التي صدرت متتالية، نعطي فكرة عن البلاد التي زارها والتي أتاحت له أن يعيش مغامرات قلما عاشها أي رومانسي آخر من كتاب فرنسا، ففي عام 1881 يصدر لوتي رواية "رواية سباعي" وفي العام التالي يصدر "زهور السأم" وبعدهما "أخي إيف" ثم "ثلاث سيدات من القصبة" ثم "صياد إيسلندا"، و"السيدة كريزنتام" (1887) وبعدها "في المغرب" (1889) ثم "شبح الشرق" (1891) التي شاء منها بيار لوتي أن تكون تتمة لـ"آزيادة"، التي لم تكن قد بارحت خياله أبداً.

معركة الأكاديمية

عند صدور "شبح الشرق" كانت شهرة بيار لوتي كأديب كبير قد طبقت الآفاق، ولم يعد في الأوساط الأدبية مجرد رحالة مغامر يكتب على الورق انطباعاته وآراءه.. بل صار يعد أديباً كبيراً وصاحب تجربة أدبية، ومن هنا كان من الطبيعي له حين رشح لعضوية الأكاديمية الفرنسية خلال مايو (أيار) 1891 أن يفوز... لكن الأمر غير الطبيعي كان أن يفوز لوتي ضد مرشح آخر ذي شهرة هو إميل زولا. وزولا لم يكن ذا شهرة وحسب، بل كان ذا نفوذ وأصدقاء... وعلى هذا النحو كان انتصار لوتي عليه إيذاناً ببدء حملة صحافية شرسة شنها أصدقاء زولا على صاحب "آزيادة"... وتواصلت أعوام وأعوام وتلك الحملة كانت الأساس في اللعنة التي انصبت على بيار لوتي وأدبه طوال أكثر من 50 عاماً بعد ذلك، إذ إننا نعلم اليوم بأن تاريخ الأدب الفرنسي لم يعرف أبداً أديباً أسيء إلى سمعته كما أسيء إلى سمعة لوتي... بل ورمي في النسيان أعواماً وأعواماً، بحيث إن تجدد الاهتمام به في هذه الآونة الأخيرة لا يأتي إلا ليسد جزءاً صغيراً جداً من الدين الذي للوتي على عالم الأدب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إلى الأكاديمية دخول الأبطال

على رغم حملات أصدقاء إميل زولا عليه دخل لوتي إلى الأكاديمية دخول الأبطال، بل إنه كان يغالي في هذا الأمر إلى درجة أنه – وهو الذي كان يحب الملابس الفخمة الغربية والديكورات العجائبية والصور والأقنعة والتبرج – تعمد إعلان رفضه لارتداء ثياب الأكاديميين، وكانت تلك الثياب القناع الوحيد الذي رفض بيار لوتي وضعه. لماذا؟ لا ندري. كل ما ندريه أن دخول لوتي الأكاديمية كاد يكون وبالاً عليه، إذ إنه شعر بنفسه من القوة ما دفعه لكتابة مقالات صحافية عديدة تنتقد سلوك الجيش الفرنسي في إحدى المعارك، فأحاله وزير الدفاع إلى التقاعد... غير أن مجلس الشورى في الدولة رد الحكم وأعاد لوتي إلى موقعه كضابط كبير في البحرية، وظل يترقى في ذلك المنصب حتى أضحى قائداً لفرقاطة خلال عام 1899، وفي تلك الآونة لم يخلد لوتي الأديب إلى الهدوء بل أصدر ثلاثة كتب هي "بحار" (1893) و"الصحراء" (1985) و"رامونتشو" (1897). وعاد عام 1900 من رحلة عسكرية بحرية إلى الصين بمواد كفته لملء صفحات عدد من الكتب الجديدة مثل "آخر أيام بكين" و"نحو أصفهان". أما كتابه الكبير "موت فيله" (1909) فإنه كان نتيجة زيارة قام بها إلى مصر بدعوة من الزعيم الوطني مصطفى كامل... وكانت زيارة مهمة عززت بالنسبة إليه علاقته بالشرق وبالإسلام وجعلته أكثر تعاطفاً مع بلاد السحر هذه... وربما أشعرته في الوقت نفسه وعند نهايات حياته بأن "انتصاره" في مجمع الخالدين، إذ عاد و"سلب" منه عبر "مؤامرة ضخمة دفع فيها الثمن غالياً نيابة عن العرب والمسلمين تعد جزءاً من المؤامرة الغربية ضد السلطنة العثمانية نفسها، فكان ذلك ما حركه عند أخريات تلك الحياة لينتقم من الغرب مرة أخرى وذلك بعد "أن نسي غريمه إميل زولا تماماً وخلد هو في تاريخ البشرية"، كما كان يحلو له أن يقول مبتسماً بكل ثقة واقتناع!

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة