Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معاناة نفسية وجسدية قد تدفع بعض الرياضيين إلى الانتحار

كثيرون منهم أقروا أنهم عانوا الاكتئاب خلال مسيرتهم ما أوصل بعضهم إلى اليأس

يزيد احتمال التعرض لإصابات جسدية بشكل خاص أثناء التدريبات لسباق الماراثون (رويترز)

ملخص

يدرك الجميع الفوائد النفسية والجسدية للرياضة، لكن هناك جانباً آخر غير مرئي لها في حياة الرياضيين المحترفين، وقد يصل البعض إلى حد الانتحار بسبب المعاناة النفسية والجسدية.

للرياضة فوائد لا تعدّ ولا تحصى سواء على الصحة النفسية أو الجسدية، كما يعلم الجميع، وينصح الأطباء دوماً بممارستها بانتظام في إطار نمط حياة صحي، لتأمين الحماية من أمراض عدة كأمراض القلب والسكري والسرطان والسمنة. إضافة إلى انعكاساتها الإيجابية على الصحة النفسية والمزاج. ماذا عن الوجه الآخر للرياضة الذي لا يعرفه الجميع؟ وحدهم الرياضيون المحترفون يدركون هذا الجانب الذي لا تغلب فيه الإيجابيات دائماً، فبالنسبة لهؤلاء، تتحول الرياضة إلى جزء لا يتجزأ من الحياة، وتكون المتعة حاضرة وكذلك الشغف الذي وراء هذا الاختيار، إنما في الوقت نفسه، تزيد الضغوط النفسية والجسدية في كثير من الأحيان، وهذا ما لا يدركه الجميع. وتبدو حياة الرياضي المحترف مثالية في الظاهر، فيما ليست كذلك في الواقع، فالاحتراف في مجال الرياضة يتطلب تخصيص الجزء الأكبر من الوقت والحياة لها، وتزيد حدة التوتر والضغوط النفسية أكثر بعد لدى المشاركة في البطولات، وهذا ما يشكل جزءاً من التحديات التي يواجهها الرياضيون في مسيرتهم، ومنهم أولئك الذين يشاركون في الأولمبياد الذي يعتبر الهدف الأسمى للرياضي والحلم الذي يتوق إلى تحقيقه، فيبدو أن الانهيار الناتج من الضغط النفسي من الأمور المألوفة بين الرياضيين المحترفين، وقد دفعت بعضهم إلى الانتحار بعد حالة الاكتئاب التي عانوها خلال مسيرتهم.

ما ذكرته السبّاحة اللبنانية الشابة لين الحاج على إثر مشاركتها في الألعاب الأولمبية في باريس، يعكس تماماً ما تبدو عليه حياة الرياضي المحترف. وأشارت إلى أن حياتها لم تكن ملكاً لها، وأن طفولتها لم تشبه ما كانت عليه تلك المرحلة بالنسبة لآخرين، فتدريباتها في رياضة السباحة فرضت عليها الالتزام التام، وسرقت منها شيئاً من طفولتها، وأخذت حيزاً مهماً من وقتها واهتمامها، ولم تتمكن من الاستمتاع كغيرها من الأطفال بالأنشطة المناسبة لعمرها، وإن لم تتقبل ذلك في البداية، فكانت تبكي لرغبتها بالذهاب إلى عيد ميلاد صديقتها، وكان أهلها يرفضون التهاون، وسرعان ما وضعها أهلها في المسار الصحي، وعلماها معنى الالتزام  حتى أصبحت الرياضة جزءاً لا يتجزأ من حياتها، بشكل لا يسمح لها بالمساومة.

 

ضغط نفسي قد ينتهي بالانتحار

بالفعل، يعتاد الرياضي المحترف على الالتزام تلقائياً بنمط حياة لا يشبه مثيله لدى أي شخص آخر، مع تدريبات مكثفة وشروط صارمة يتقيد بها. وعلى رغم أنه يخصص أوقاته هنا لمجال عشقه، يتعرّض إلى ضغوط عدة نفسية وجسدية في حياته عامة، وأكثر بعد أمام كل مشاركة جديدة في بطولة أو استحقاق رياضي، في سعيه إلى تحقيق النجاح في مجال اختاره، وتعلّق به إلى حد الشغف، حتى أن الانهيار بسبب الضغط النفسي يعتبر مألوفاً عند الرياضيين المحترفين. وعلى رغم أن الرياضة تعتبر من الحلول العلاجية التي ينصح الخبراء باللجوء إليها لتجنب الاكتئاب والوصول إلى حد الانتحار، كثيرون من الرياضيين أقروا أنهم عانوا الاكتئاب خلال مسيرتهم، ما أوصل بعضهم إلى الانتحار. وكانت الدراجة الأميركية كيلي كاتلين الحائزة على الميدالية الفضية في أولمبياد ريو في عام 2016، قد انتحرت بعد تعرضها للاكتئاب على إثر حادثتين تعرضت لهما.

كما عانى حارس منتخب ألمانيا لكرة القدم ونادي "هانوفر" روبرت إنكه حالة اكتئاب أقدم بعدها على الانتحار في عام 2009، فرمى بنفسه أمام أحد القطارات السريعة.

كما أقرت بطلة كرة المضرب اليابانية نعومي أوساكا أنها مرت بفترات طويلة من الاكتئاب منذ عام 2018 حين نالت اللقب في بطولة الولايات المتحدة المفتوحة وواجهت كثيراً من الصعوبات حتى تعافت.

وسُجل انتحار رافع الأثقال فلاديمير سيدوف عن عمر 35 سنة في العام الماضي.

إضافة إلى ذلك، يشير جراح العظام والمفاصل المتخصص في الطب الرياضي وائل بيوض، إلى أن الرياضيين المحترفين يعتبرون بالفعل عرضة للإصابات النفسية، تماماً كما للإصابات الجسدية "ومن الإصابات النفسية ما قد يلزمهم على الانسحاب من بطولة ما أو مباراة يخوضونها من شدة الخوف والقلق، وهي حالة معروفة بين الرياضيين تسببت بانسحاب لاعبين من مباريات كبرى. وقد يحصل ذلك أيضاً نتيجة الإجهاد الزائد الذي يسبب لهم الإحباط أحياناً، ما لا يسمح لهم بمنافسة عالية المستوى. لذلك، من الضروري متابعة الصحة النفسية للرياضي من قبل اختصاصي لحمايته من الضغوط النفسية التي يتعرض لها".

أما الاختصاصية في المعالجة النفسية ريما بجاني، فتشير إلى أن العلاقة المباشرة بين الحالة النفسية وممارسة الرياضة باتت مؤكدة في علم النفس العلاجي "فمع ممارسة نشاط جسدي تتعزز الدورة الدموية مع تنشيط الجسم والعضلات، ما ينعكس إيجاباً على الحالة النفسية. إذ تزيد عندها معدلات النشاط والطاقة ما ينعكس على وظائف الدماغ. لذلك، يشجع الخبراء على ممارسة النشاط الجسدي يومياً حفاظاً على معدلات الطاقة، خصوصاً لمن لهم وظائف تزيد فيها معدلات الإرهاق".

في المقابل، عندما تتحول الرياضة إلى مهنة، تتبدل الأمور وقد تأخذ أحياناً منحى مختلفاً نتيجة المبالغة. فعلى المستوى النفسي، يستمر الأثر الإيجابي ويستفيد الرياضي من الطاقة الإيجابية، إنما في هذه الحالة، ترتفع معدلات التوتر والقلق بنسب متفاوتة بحسب أنواع الرياضة وما إذا كانت ضمن فريق أو بشكل منفرد، وبحسب الشخصية، وتزيد حدة التوتر نتيجة الرغبة في تحقيق الأفضل، والفوز، والحفاظ على مستوى معين.

وبحسب بجاني، يفرض نمط الحياة الصارم الذي يلتزم به الرياضي المحترف، المزيد من الضغوط النفسية لأنه لا يحق له التهاون "قد يتأقلم البعض مع نمط الحياة هذا، ويساعد الشغف على التأقلم معه عبر الحرص على عدم السهر، والامتناع عن التدخين، واتباع نظام غذائي صحي، والنوم بمعدلات كافية، وتخصيص معظم الوقت للتدريب الرياضي بدلاً من الاستمتاع بأنشطة أخرى في الحياة. وصحيح أن تجنب المبالغة مسألة مطلوبة من الجميع، ويعتبر نمط الحياة هذا صحياً عامة، إنما بالنسبة للرياضي المحترف فتزيد الضغوط لأنه من المفترض تطبيقه بشكل صارم. يضاف إلى ذلك التوتر نتيجة الرغبة بالفوز وحفاظ الرياضي على صورة معينة له. كما تضعه المباريات الكبرى تحت المزيد من الضغط النفسي. وبالنسبة للبعض، قد يزول التوتر عند الدخول في أجواء المباراة والمنافسة، لكن إذا كانت مستويات التوتر عالية قد تعيق الأداء وتؤثر في الرياضي سلباً".

بشكل عام، يدخل الرياضي المحترف هذا المجال من مرحلة مبكرة، ما يفرض عليه التخلي عن جزء من طفولته. وقد يكون في ذلك شيء من القسوة لأنه بالنسبة للرياضي من المهم الحفاظ على سلامته وصحته أياً كانت الظروف. ويضعه هذا تحت الضغط النفسي لأن التهاون غير مقبول إلى أن يتعلم الطفل معنى الالتزام تلقائياً. وفي الوقت نفسه، تؤثر روح المنافسة في شخصية الرياضي، فالطفل هنا ينمو مع فكرة راسخة لديه بأن يكون في الصدارة وأن يفوز دوماً، ما قد ينعكس سلباً على شخصيته فتكون متزمتة أكثر، لكن كثيرين من الرياضيين يستفيدون من نمط الحياة الصحي، في وقت يستمتعون بالرياضة التي يعشقونها. وتشير بجاني إلى توتر ما بعد الحياة الرياضية أيضاً، بما أن حياة الرياضي تكون قصيرة عادة "فبعد أن تكون حياته كلها تحت الأضواء وتغلب عليها النجاحات وتكون الرياضة محور حياته، يأتي اليوم الذي ينتهي فيه كل شيء وينعكس ذلك سلباً على صحته النفسية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الضغط أكبر على اللبنانيين

بالنسبة للبنانيين، يبدو الوضع أكثر صعوبة بعد، فقد يتوجه اللبناني إلى الرياضة كمتنفس في ظل الظروف الصعبة في البلاد، أما في حال احتراف الرياضة والمشاركة في الألعاب الأولمبية، فيشعر أن الضغط النفسي يزيد عليه لأن الآمال تعلّق عليه حتى يُدخل الفرح إلى قلوب اللبنانيين. وقد يجد اللبنانيون في الرياضة فسحة أمل، وهذا ما يزيد الضغوط على الوفد اللبناني بشكل خاص، إنما في الوقت نفسه، قد يشكل هذا حافزاً لهم ليعطوا أفضل ما لديهم ويحققوا هذا الهدف.

 

بين التدريب المكثف والإصابات

من جهته، أشار الطبيب وائل بيوض إلى الإصابات التي يتعرّض لها الرياضي المحترف بسبب التدريب المتواصل والمكثف أحياناً، ولها علاقة بالعظام والعضلات "يكون الرياضي المحترف أكثر عرضة للكسور الناتجة من الإجهاد في التدريبات المكثفة، بعكس ما يعتقد كثيرون، بدلاً من أن يكون محمياً. ويحصل هذا غالباً عندما يحمّل العظام أكثر من طاقتها، خصوصاً في تدريبات سباق الماراثون. هذه الإصابات وغيرها تؤكد أن حياة الرياضي ليست سهلة كما يعتقد كثيرون، وإن كان يخضع إلى تدريبات مستمرة ويمارس نشاطاً جسدياً مستمراً. كما يكون الرياضي أكثر عرضة للإصابات العضلية والتشنجات على إثر ذلك".

وفيما يعتبر كثيرون أن من المفترض بالرياضي المحترف أن يتدرب بشكل مكثف ومتواصل، يشدد بيوض على أهمية فترة التعافي بالنسبة له، فمن لا يلتزم بها يعرّض نفسه أكثر بعد للإصابات "وفي فترة التعافي من المفترض اللجوء إلى حمام الثلج، والعلاج الفيزيائي، وتمارين المطّ التي تعتبر ضرورية، ويجب أن يدرك الرياضي المحترف أن التدريب المكثف غير ممكن له ويعرضه للمزيد من الأخطار، ولا بد من إفساح المجال لفترة التعافي والتنويع بين التمارين حفاظاً على سلامة العضلات. فبالنسبة له، تكون كل هذه التفاصيل مدروسة تجنباً للأضرار والمشكلات التي يمكن التعرض لها. فالتدريب بشكل مبالغ فيه ومن دون إشراف طبي يسبب كثيراً من الإصابات الرياضية في الأربطة والعضلات والأوتار".

انطلاقاً من ذلك، أصبحت هناك في الرياضة مقاربة متعددة الأوجه لمتابعة الرياضي حفاظاً على سلامته، من ناحية التغذية، والصحة النفسية، والعلاج الفيزيائي، والتدريب الرياضي، حتى أنه في البطولات العالمية، هناك حرص على وجود طبيب قلب بسبب حالات الوفاة التي حصلت سابقاً نتيجة الإجهاد الزائد، فكل ما يتعرّض له الرياضي المحترف من ضغوط نفسية وجسدية يتطلب إشراف فريق متكامل.

وتابع بيوض "بشكل عام، تتطلب الإصابات التي يتعرّض لها الرياضي المحترف أثناء التمرينات أسبوعين تقريباً حتى تتعافى، وثمة إصابات عضلية يتعرّض لها وقد لا تتعافى قبل مرور شهرين أو ثلاثة. أما الإصابات الكبرى والخطيرة التي يتعرّض لها، فتحصل عادة في المباريات والبطولات إذ يبذل أقصى جهده ويعطي أقصى طاقاته في اللعب. وتُقسم الرياضات التي يتعرّض فيها إلى خطر أكبر إلى قسمين: تلك التي يلعب فيها ضمن فريق، ويحصل فيها احتكاك مع لاعبين آخرين، وتلك التي يحصل فيها تغيير اتجاه مفاجئ في حركة أو وضعية الجسم ككرة المضرب والتزلج. ففي هذه الحالة يحصل تغيير مفاجئ في الاتجاه في العضلات المستخدمة ما يعرّض الرياضي إلى الإصابات في الرباط الصليبي".

وكل ما يتعرّض له الرياضي يتطلب منه كثيراً من الحرص والالتزام بتعليمات الخبراء الذين يشرفون عليه من النواحي كافة، لأن الإهمال يعرّضه إلى مشكلات عدة على المستويين النفسي والجسدي، لذلك، النظام الصارم الذي يتقيد به والضغوط النفسية تجعل حياته بعيدة كل البعد من تلك الحياة الوردية التي يرسمها البعض في أذهانهم للرياضي الذي يحقق نجاحات، ويفوز ببطولات.

اقرأ المزيد

المزيد من صحة