ملخص
توقعت كليات طب حول العالم بأن تلعب أنظمة التعلم الآلي دوراً محورياً في إعادة تشكيل العقد المقبل من قطاع الرعاية المنزلية ليكون خياراً أكثر رغبة للمرضى الذين يفضلون تلقي الرعاية في منازلهم براحة تامة.
ترسم المؤشرات الديموغرافية صورة قاتمة تترقبها كثير من الدول المتقدمة بحلول عام 2034 تتلخص بتسبب انخفاض معدلات الخصوبة المستمر منذ أعوام بزيادة عدد البالغين الذين تزيد أعمارهم على 65 سنة مقارنة بالأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة، وانخفاض العمالة الفتية وارتفاع الإنفاق على الرعاية الصحية إلى جانب تفضيل كبار السن لقضاء فترة الشيخوخة في المنزل، وهذا ما سيفرض بطبيعة الحال ضغوطاً هائلة على القطاع التمريضي والوكالات الصحية ويستنزف مواردهما.
لكن هذه الضغوط بات الذكاء الاصطناعي قادراً على تخفيف تأثيراتها السلبية إلى حد بعيد، فبينما يشير تقرير حديث لشركة "بيناريكس" الأوكرانية المتخصصة في تطوير البرمجيات إلى أنه من المتوقع أن يصل حجم السوق العالمية للذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية إلى 173.5 مليار دولار عام 2029، أي بأكثر من 10 أضعاف حجم سوقها في 2022، كشفت الأعوام القليلة الماضية أيضاً عن حالات استخدام لا حصر لها للذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية المنزلية وعن تطور مطرد في هذا المجال.
وفي هذا الصدد يمكن أن تساعد القدرات التحليلية للذكاء الاصطناعي مقدمي الرعاية على الاستجابة بصورة أسرع للمرضى المحتاجين، وحتى تسريع عمليات التشخيص والوصول السريع إلى البيانات في الوقت الفعلي ما يسهم في إنقاذ الأرواح. كما أنها تمكن المرضى من التمتع بمزيد من الاستقلالية وخصوصاً عند الفئات السكانية المتقدمة في السن.
تحسين خطط الرعاية
عادة ما تتضمن العواقب المترتبة على الإصابة الخطرة وتشخيصها الطبي الدقيق خطة طويلة ومعقدة للتعافي، وغالباً ما تشمل مثل هذه الخطط مراقبة على مدار الساعة وزيارات متكررة للطبيب وتعليمات دقيقة للرعاية المنزلية.
وهنا بالتحديد يأتي دور الذكاء الاصطناعي الذي بمقدوره جعل إدارة خطط الرعاية المنزلية المعقدة أسهل بكثير بالنسبة للمرضى ومقدمي الرعاية، حتى إن بإمكانه تحليل بيانات المريض عبر مصادر متباينة من ملخصات الأطباء وصولاً إلى السجلات الطبية، وإنشاء توصيات رعاية مخصصة للغاية.
يوفر هذا التحليل الفوري ساعات من العمل لمقدمي الرعاية في كل مرة تحدث بها الخطط أو تعدل بناء على بيانات جديدة، فضلاً أنه يمكن تصميم هذه الخطط لتتناسب مع عادات المرضى وأنماط حياتهم مما يحسن الالتزام بخطط الرعاية.
المراقبة الصحية الذكية
وتشهد صناعة الرعاية الصحية المنزلية حالياً ارتفاعاً في الاعتماد على أنظمة المراقبة الذكية المدمجة مع ابتكارات كإنترنت الأشياء وتحليلات البيانات في الوقت الفعلي، وهكذا باستخدام أجهزة الاستشعار والأجهزة القابلة للارتداء والتطبيقات الذكية لجمع البيانات حول العلامات الحيوية وحركات المرضى، ويمكن لتقنيات المراقبة الذكية تنبيه مقدمي الرعاية المعتمدين لأية حركة تشير إلى حال طوارئ طبية.
ومع ذلك يجب التنويه بأن التطبيقات والأجهزة القابلة للارتداء لا تمثل سوى جزء بسيط من إمكانات الذكاء الاصطناعي في مراقبة الصحة. وعلى سبيل المثال، تتعاون كلية "ستانفورد" للطب مع منظمة "أون لوك" لرعاية كبار السن في مشروع بحثي مشترك وضعت فيه أجهزة استشعار الحركة وأنظمة الكمبيوتر في جميع منازل المشاركين المسنين لمراقبة 17 نشاطاً سريرياً ذات صلة، والهدف من هذا المشروع تطوير الرعاية للمرضى المسنين باستخدام التقنيات الذكية وتمكينهم من التمتع بالاستقلالية وتحسين نوعية حياتهم.
الجدولة الآلية للرعاية الصحية
يحدث أحياناً تداخل من أطراف عدة في رحلة الرعاية الصحية للمريض، وهذا ما يحول جدولة المواعيد في العيادة وزيارات مقدم الرعاية والتسجيل الافتراضي إلى عملية مرهقة.
ويظهر دور الذكاء الاصطناعي جلياً هنا بقدرته على تبسيط إدارة الرعاية من خلال تحديد مواعيد الطبيب تلقائياً وتنسيق أنشطة مقدم الرعاية، وبذلك يمكن للتعلم الآلي تمكين أنظمة الجدولة من التكيف مع عوامل مثل حاجات المريض المتطورة وتكرار المواعيد المتغير وتوافر مقدم الرعاية وغيرها كثير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المساعد الصحي الذكي
مساعدو التمريض الافتراضيون عبارة عن أدوات مدعومة بالذكاء الاصطناعي عادة ما تكون في صورة تطبيق أو روبوت محادثة أو واجهة رقمية، وتقوم بمهام لا تتطلب خبرة متخصص طبي. وبالنسبة للمرضى الذين لا يستطيعون الوصول إلى الرعاية الطبية على مدار الساعة يمكن لهذه الأدوات تغطية بعض واجبات الممرضين المنزليين.
ولهذه الأدوات الذكية فوائد إيجابية عدة، إذ يمكن للمريض المصاب بداء السكري من النوع الثاني طرح أسئلة شائعة على مساعد التمريض الافتراضي حول نسبة السكر في الدم والأعراض الجسدية والأدوية وغير ذلك، كما يمكن لحلول الرعاية الصحية القائمة على الذكاء الاصطناعي مراقبة الحال الصحية لمريض القلب من بعد لتوفير درجة معينة من الرعاية المستمرة بصورة أفضل.
وانطلاقاً من ذلك لا توفر هذه الابتكارات طبقة إضافية من الأمان للمرضى فحسب، بل تساعد أيضاً مقدمي الخدمة على تقليص الكلف المرتبطة بالرعاية المنزلية بمرور الوقت.
الصحة العقلية
إلى ذلك يقول العلماء إن نقطة التحول والفرق الواضح الذي يحدثه الذكاء الاصطناعي ضمن الرعاية المنزلية نلمسه بدرجة أكبر في الرعاية الصحية العقلية داخل المنزل، خصوصاً أن معالجة أكثر حالات الصحة العقلية انتشاراً بين مرضى الرعاية المنزلية وهي الاكتئاب والقلق والخرف أمر ضروري لتحسين صحة المريض بصورة عامة.
ومن خلال نماذج الذكاء الاصطناعي أصبح من الممكن راهناً رؤية الأنماط السلوكية وتجميع المرضى في مجموعات بناء على حاجاتهم المحددة، عبر تحديد الاتجاهات في السلوكات وعوامل الخطر وحتى احتمال تدهور بعض حالات الصحة العقلية بمرور الوقت. وما نذكره هنا في غاية الأهمية لأن هذا النهج القائم على البيانات يساعد مقدمي الرعاية في تصميم التدخلات وخطط الرعاية التي تتوافق بصورة أفضل مع متطلبات كل مريض، مثل المساعدة في تحديد المرضى الذين قد يستفيدون من التمارين المعرفية المنتظمة أو أنواع معينة من العلاج.
إضافة إلى ما تقدم يمكن لهذه الأنظمة الذكية تنبيه مقدمي الرعاية إلى المحفزات المحتملة أو علامات التحذير من تدهور الصحة العقلية، ومن خلال تسخير قوة التعلم الآلي لفهم حاجات الصحة العقلية للمرضى ودعمها بالطرق المثلى، ويمكننا ضمان حصولهم على الرعاية المناسبة والمصممة وفقاً لمتطلباتهم الفريدة.
وفي الأمد البعيد من المفترض أن يؤدي هذا النهج المتعدد الأوجه إلى تحسين تدابير الرعاية العقلية المنزلية وتعزيز رضا المرضى وتمكينهم من اتباع نمط حياة صحي.
مستقبل الرعاية الصحية المنزلية
أما وقد تحدثنا بإسهاب عن النقلة النوعية التي أدخلها الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية المنزلية، فلا بد لنا أن نذكر توقع عدد من كليات الطب في العالم بأن تلعب أنظمة التعلم الآلي دوراً محورياً في إعادة تشكيل العقد المقبل من قطاع الرعاية المنزلية ليكون خياراً أكثر رغبة للمرضى الذين يفضلون تلقي الرعاية في منازلهم براحة تامة.
من هنا تتطرق بعض التوقعات إلى عالم تستخدم فيه منصات الرعاية الصحية التي تعمل بهذه التقنيات الناشئة لتسهيل الاستشارات من بعد مع مقدمي الرعاية الصحية، بالتالي تمكين المرضى من تلقي الرعاية من دون الحاجة إلى السفر أو الرحلات الشاقة إلى المستشفيات والعيادات.
ويمكننا القول إننا ندخل مستقبلاً يمكن فيه للواقعين الافتراضي والمعزز المساعدة في توفير تجارب غامرة وجذابة للمرضى وتعزيز الصحة العقلية والحد من العزلة الاجتماعية، وسيؤدي هذا إلى تحويل نظام الرعاية الصحية بأكمله إلى بيئة أكثر تركيزاً على المريض وتكون ضغوطها أقل على الوكالات الصحية ومقدمي الخدمات والموظفين على حد سواء.