Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

صعود الصين التكنولوجي: منعطف تاريخي يهدد أميركا

شركات صينية تقارع نظيراتها الأميركية وبكين تنتقل من المنتجات المقلّدة إلى الندية في نقطة تحول لسيطرة واشنطن العالمية على التقنية

روبوت شبيه بالبشر من صنع شركة يونيتري روبوتكس أثناء عرضه في مؤتمر المطورين الدوليين بمدينة شنغهاي بتاريخ 21 فبراير 2025 (غيتي)

ملخص

هل طوت الصين صفحة هيمنة الولايات المتحدة على الذكاء الاصطناعي؟ هل نتجه إلى عالم متعدد الأقطاب في التكنولوجيا تتنقل فيه الهيمنة بين القوتين العظمتين حاضراً، أميركا والصين، وقد يضاف إليهما أوروبا؟ برز هذا السؤال مع سلسلة من الاختراقات الكبرى للصين في الذكاء الاصطناعي التوليدي على غرار "ديب سيك" و"مانوس"، إضافة إلى نجاحات بكين في صناعات تكنولوجية أخرى.

مرتدياً بنطلون جينز وكنزة بياقة مقفلة من دون أزرار، صعد رئيس الشركة التكنولوجية الأسرع نمواً في العالم، رافعاً بيده هاتفاً خليوياً جديداً. وحدث ذلك في أغسطس (آب) من العام 2012، بعد وفاة ستيف جوبز بعشرة أشهر. وآنذاك، بدا أن المدير التنفيذي لشركة "كزيومي" Xiaomi ، لي يون، قد رمى إلى تقليد الرئيس الراحل لشركة "آبل" فيما اختاره من ملابس، وكذلك بالنسبة إلى التشابه بين "آيفون" والجهاز الذي لوّح به لي على منصة العرض.

ولم يمثل ذلك الضربة الموجعة الأولى التي سددتها الصين في تلك السنة. وقد انضمت شركات ناشئة اخرى كـ"هاي فون" HiPhone و"غووفون" Goophone و"مايتزو"  Meizu، إلى كزيومي" في صنع أشباه مستنسخة من منتج "آبل" وتتميز برخص ثمنها. وبالتالي، لم يقتصر الأمر على مجرد تقليد هواتف. وقد نُظِر إلى "بايدو" Baidu بوصفه تقليداً مزرياً عن محرك البحث "غوغل"، وصُرِفَ النظر عن كون "علي بابا" Alibaba تمثل النسخة الصينية من "إي باي"  eBay، فيما عُرِفَت منصة "وايبو" Weibo بأنها الشبيه الصيني لـ"تويتر".

وفي العام 2013، وصفت صحيفة "نيويورك تايمز" الصين بأنها "البلد الذي تُصنع فيه منتجات كهواتف آيفون لكنها لا تبتكر هناك إلا في ما ندر". وفي العام نفسه، ظهر مقال من ثلاثة آلاف كلمة في مجلة "تايم" بعنوان "لماذا لا تستطيع الصين ابتكار أي شيء". وكذلك ذهب المقال نفسه إلى أن "الابتكار في الصين يعتمد على البناء على التكنولوجيا المتوفرة بالفعل، ولا يستند إلى توليد أفكار ثورية"، في كلمات أشارت إلى ما بات يُعرف الآن بوصفه "حقبة الإنتاج المُقلَّد" في الصين.

ولقد أحاطت الصين نفسها بـ"الجدار الرقمي العظيم" الذي عزلها عن بقية العالم، وحال دون وصول شركات التكنولوجيا الأميركية إليها إلا نادراً؛ ولكن [لم يكن هناك ما ينافس تلك القلة من الشركات التي نفذت إلى السوق الصيني] فبقيت هناك. وفي المرحلة الأولى من ظهور جهاز "آيفون"، لم تحظى أي تطبيقات صينية برواج شعبي مناسب، ولم تستطع أي شبكة إجتماعية رقمية صينية إحراز أي مكانة يُعتَدْ بها في الأسواق الناطقة بالإنجليزية.

اقرأ المزيد

وتضمن مقال نشرته مجلة "هارفرد بزنيس ريفيو"، الأسف والأسى حيال انتقال الصين من البلد الذي اخترع البوصلة والبارود والورق، إلى بلاد تفضِّل التقليد على الابتكار. وخلُصَ المقال إلى طرح سؤال عن مدى قدرة الصين على القيادة، فيما لاحظ "أن لدينا الكثير من الشكوك حيال تلك القدرة".   

وخلال ما لا يزيد عن عشر سنوات، وعلى خلاف تلك التوقعات كلها، ربما باتت الصين الآن موشكة على الإطاحة بالهيمنة الأميركية على التكنولوجيا. وبدءاً من [مجالات] التطبيقات إلى الذكاء الاصطناعي، ومن الروبوتات إلى الصواريخ، تنحول الصين إلى دور قيادي [توجيه دفة العالم تكنولوجياً].

وفي سبتمبر (أيلول) 2024، أورد تقرير من أحد مراكز البحوث المهمة في واشنطن، "إنفورمايشن أند إنوفيشن فاونديشن" Information Technology and Innovation Foundation ، واختصاراً "آي تي آي أف" ITIF ، أن الصين "تعمل على اللحاق بركب المنافسة، وفي حالات كثيرة، يحدث ذلك بسرعة عالية قصوى؛ وذلك من طريق  جهود هائلة".

وفي التقرير نفسه، لاحظ محللون أن الصين دخلت مرحلة جديدة في تطورها الاقتصادي، وباتت "المُبتكِر المُنافِس" في الصناعات المتقدمة. وكذلك تحقَّق تقدُّماً ضخماً في قطاعات حساسة وحيوية على غرار الذكاء الاصطناعي، فيما وصل الأمر في حقول اخرى كالسيارات الكهربائية والبطاريات، إلى حد الإمساك بزمام القيادة من طريق تسجيل اختراقات تكنولوجية والتقدم الفكري [قدرات بشرية لامعة].

وورد في التقرير نفسه إنه "إذا أردنا اللجوء إلى صورة مقايسة، فالأمر يشبه أن تنظر إلى المحيط فترى أمواجه هادئة، فيما تلوح في الأفق نُذر تسونامي مكوَّن من شركات صينية قوية ومبتكرة بمنتجات رخيصة الثمن، تعمل في عشرات من الصناعات وتسعى إلى حيازة نصيب وازن في السوق العالمي، وانتزاعه من الشركات القيادية الراسخة".

وخلال الشهر نفسه الذي ظهر فيه ذلك المقال، اعتَلَتْ منصة "تيك توك" لائحة التطبيقات الرقمية في الولايات المتحدة، متفوقة على منصة "إنستغرام" الأميركية. وكذلك سجل التطبيق الصيني "تيمو" Temu الرقم الأعلى في إنزال الجمهور له على أجهزته، فيما دَنَتْ شركة "بي واي دي" BYD من تسنُّم القيادة العالمية في سوق المركبات الكهربائية. وحدث الأمر الأخير بعد ثلاثة عشر عاماً من استهزاء إيلون ماسك بفكرة أن تلك الشركة الصينية للسيارات تعتبر منافساً لشركة "تيسلا" [المتخصصة في المركبات الكهربائية ويملكها ماسك].

وبعد ما لا يزيد عن ثلاثة أشهر من ظهور تقرير الـ"آي تي آي أف"، تسبب إطلاق برنامج "ديب سيك" بإثارة ذعر واسع في صفوف شركات التكنولوجيا الأميركية. وأدى الوصول غير المتوقع لنموذج متقدم في الذكاء الاصطناعي صنعته شركة ناشئة صينية غير معروفة، إلى خسارة ما يزيد على تريليون دولار في إجمالي أسهم شركات التكنولوجيا الأميركية، مع بداية تزعزع ثقة المستثمرين بالوضع القائم.

وأورد نايجل غرين، المدير التنفيذي لمجموعة "دي فير غروب" العالمية المتخصصة في الاستشارات المالية وإدارة الأصول الاقتصادية، أن "إطلاق ديب سيك سجل منعطفاً تاريخياً في التوازنات بين القوى التكنولوجية. وإن الترددات المترتبة على ذلك الاختراق في الذكاء الاصطناعي يمتد إلى أبعد من حقل التكنولوجيا، ويلامس الجغرافيا السياسية والتجارة العالمية. وقد ألقى الضوء على التسارع في السباق العالمي للتسلح بالذكاء الاصطناعي، مع ترسيخ الصين مكانتها كمنافس جدي. ولا يقتصر ذلك على شركة تغرد خارج السرب، بل يمثل توجهاً أوسع مدى من شأنه إعادة تعريف مشهدية الاقتصاد العالمي".

وفي هذا الشهر، أضيفت ذخيرة اخرى إلى ذلك السباق في التسلح بالذكاء الاصطناعي، عبر ظهور نموذج آخر في تلك التقنية حمل إسم "مانوس" Manus ، وقد تسبب في بروز تكهنات مفادها أن الصين ربما باتت موشكة على الفوز بالجائزة الكبرى عبر تحقيق نموذج ذكاء اصطناعي يماثل مستوى العقل البشري.

وبالاستعادة، بدأ ذلك النجاح في الذكاء الاصطناعي مع حلول العام 2017، حينما نشرت الحكومة الصينية "خطة تطوير الجيل المقبل في الذكاء الاصطناعي". وأوضحت الخطة أن الصين قد تستطيع "اقتناص فرصة استراتيجية كبرى في تطوير الذكاء الاصطناعي"، فتصير قوة عالمية في العلوم والتكنولوجيا.

وورد في تلك الخطة إنه "على الصين تسريع تبني الذكاء الاصطناعي وتطبيقه، وزرع صناعاته وتوسيعها؛ بغية المساهمة الفاعلة في تطور الاقتصاد الصيني. وكذلك تضمنت الخطة نفسها تصدر الأولويات المستويات المتقدمة في البحوث والتدريب والبنية التحتية والسياسات والتشريعات التنظيمية، وذلك كي تتكفل تلك المعطيات كلها في الدفع باتجاه تحقيقق ذلك الهدف [الوصول إلى مستوى القوة العالمية في العلوم والتكنولوجيا].

واستكمالاً، اشتملت تلك الخطة عينها على تواريخ محددة مُستَهدَفَة، وقد تحققت الآن بالفعل. ووفق كلمات الخطة، "مع حلول العام 2025، ستحقق الصين اختراقات كبرى في النظريات الأساسية للذكاء الاصطناعي، إلى حد أن بعض التكنولوجيات والتطبيقات ستبلغ مستوى الريادة العالمية".

وفي وقت مبكر من الشهر الجاري، عُقِد اجتماع تشريعي سنوي يعنى بشكل أساسي بالتكنولوجيا والجغرافيا السياسية. وكذلك أوردت التقارير أن الرئيس شي جينبينغ رسم الأطر العامة لخطط الصين في التفوق بالكامل على خصومها. وركّز على إلحاح الحاجة لأن تضحي بلاده قوة عظمى تحظى بهيمنة عالمية.

ولقد حاولت الولايات المتحدة إعاقة نمو الصين، ولجم نفوذها. وفي العام 2018، وضعت واشنطن قيوداً على نوعية أشباه الموصلات التي يُمكن تصديرها إلى الصين، مع تقليص كبير لقدرة بكين على الوصول للرقاقات المتطورة التي يتطلبّها تطوير الذكاء الاصطناعي.

وأدى ذلك إلى دفع الصين إلى صنع تقنياتها الخاصة، وإيجاد السبل لتحقيق ذلك. وحينما أميط اللثام عن "ديب سيك" في وقت مبكر من العام الجاري، دُهِش بحاثة الذكاء الاصطناعي بأن أداءه يشابه مستوى "شات جي بي تي" الذي تصنعه شركة "أوبن إيه آي" ، لكن كلفته أدنى كثيراً من نظيره الأميركي، وكذلك الحال بالنسبة إلى ما يتطلبه من قوة في الحوسبة [أي قوة الرقاقات الإلكترونية]. وإذا وصلت الصين إلى موقع القيادة في هذا الحقل، فسيترتب على ذلك نتائج عميقة تطاول العالم بأكمله.

وقال لـ "اندبندنت" د. ويي زينغ من كلية الرياضيات وعلوم الفيرياء بجامعة شيفلد البريطانية، "إذا بسطت الصين هيمنتها على الذكاء الاصطناعي، فسيترتب على ذلك أن تغدو المعايير العالمية للتكنولوجيا معبرة أكثر فأكثر عن القيم والأولويات الصينية".

وأضاف زينغ، "من المرجح أن تشدّد أنظمة الذكاء الاصطناعي الصينية على أهداف مختلفة، وبما يتجاور الفوارق في التشريعات كي يصل إلى التحديدات الأساسية في الثقافة والفلسفة، بشأن كيفية وضع الذكاء الاصطناعي في خدمة المجتمع. وبالتالي، فإن القيم الأساسية المنغرسة في أنظمة الذكاء الاصطناعي، كتلك التي تتناول صناعة القرار والهدف من تدريب تلك الأنظمة والمصالح التي يتوجب أن تخدمها؛ ستُعبِّر عن الرؤى الثقافية الصينية إلى العلاقة بين الأفراد والتكنولوجيا والدولة".

وعلى رغم صعود الصين كمنافس أصيل للولايات المتحدة [في التكنولوجيا]، لاحظ د. زينغ أنه ليس من الضرورة أن يعتبر ذلك إشارة إلى نهاية الهيمنة الأميركية. وقد رجّح أن ينحو البلدين كليهما صوب الاستمرار في التنافس، مع تعزيز كل منهما لقواه المميزة الخاصة به.

وتحظى هذه الرؤية بموافقة من كلير تراشيه التي أسست شركة تحمل إسم عائلتها وتتخصص في الاستشارات عن جلب التمويل. وتزعم تراشيه أن أسس هيمنة الولايات المتحدة في التكنولوجيا، لا زالت سليمة ولم تُمَسْ، بما في ذلك قدرتها على جلب رؤوس الأموال، واستقطاب المواهب العالمية، وبناء شركات تعمل على مستوى عالمي.

وقد يعني ذلك أنه بدلاً من وجود هيمنة لهذا البلد أو ذاك، فقد يتوزع التوازن على إثنتين من القوى العظمى، أو أكثر، بما في ذلك الصين وأوروبا والولايات المتحدة.

وبحسب تصريح إلى "اندبندنت" من الآنسة تراشيه، "لقد سارت الصين نحو نمو ضخم في حقول مستهدفة على غرار الذكاء الاصطناعي والمركبات الكهربائية، وحققت عوائد تاريخية. وفي المقابل، فقد أدى ذلك في الاستراتيجية الطويلة الأمد، إلى تمويل ممركز [من الدولة]، وسوق محلي يعمل على دعم التوسع السريع.لكن ذلك لا يعني أن الولايات المتحدة تتراجع".

وأضافت تراشيه، "ستبقى الولايات المتحدة المغناطيس الذي يجذب رؤوس الأموال والمواهب والأفكار الكبرى، خصوصاً لأنها تستطيع الجمع بين أصوات ورؤى متنوعة ومختلفة. وببساطة، تبرهن تلك المعطيات على أننا ننتقل نحو عالم متعدد الأقطاب في التكنولوجيا".

© The Independent

المزيد من علوم