Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النزوح المُر... مأساة زوجين يهربان زحفا من خان يونس

دمرت شظايا غارة إسرائيلية كرسييهما الكهربائيين

ملخص

أمر الجيش الإسرائيلي سكان مناطق واسعة من مدينة خان يونس أمس الجمعة بالإخلاء الفوري والتوجه نحو منطقة المواصي.

بعد أن تسلم الزوجان نهاد وزينب أوامر النزوح التي ألقاها الجيش الإسرائيلي على شرق مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، توجها لتفقد بطاريات كرسييهما الكهربائيين الذين يعتمدان عليهما كلياً في التنقل وبخاصة أثناء الهرب إلى مناطق آمنة، فكلا الزوجين يعانيان إعاقة حركية في أطرافهما السفلية، وخلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يعانيان كثيراً، لكن أصعب لحظات يمران بها هي وقت الإخلاء وبخاصة إذا كانت التعليمات العسكرية تطلب أن يكون فورياً وعاجلاً.

إخلاء جديد

صباح أمس الأول الجمعة أمر الجيش الإسرائيلي سكان مناطق واسعة من مدينة خان يونس بالإخلاء الفوري والتوجه نحو منطقة المواصي الإنسانية. كانت القوات تستعد حينها للتوغل في خان يونس للمرة الرابعة لتنفيذ عملية قتالية برية جديدة، بهدف ملاحقة مقاتلين والبحث عن رئيس حركة "حماس" الجديد يحيى السنوار، حيث يعتقد أنه متخف في أنفاق تحت أرض تلك المنطقة.

واستجابة للأوامر الإسرائيلية جهزت زينب حقيبة النزوح وجمعت المستلزمات والأدوات الضرورية التي يمكن حملها بسهولة أثناء الهرب، وبينما كانت السيدة تستعد للإخلاء كان زوجها ناهد يتفقد كرسيه الكهربائي بعد أن أوصل بطارية تخزين الطاقة في الكرسي الخاص بزوجته.

 

 

كان صوت الانفجارات الضخمة يعم المكان، فقد بدأت إسرائيل عمليتها العسكرية الرابعة على خان يونس بقصف جوي مكثف على المنطقة المقصودة بالإخلاء، واستعجل الزوجان ناهد وزينب مغادرة السكن الذي كانا يعيشان فيه.

النزوح مرّ

يقول ناهد إن "عملية الإخلاء لأشخاص يعانون إعاقة حركية صعبة للغاية، والطريق ستكون صعبة مع انتشار الركام وتناثر حجارة البيوت المدمرة في أرجاء الشوارع، ولذلك غادرنا سكننا بسرعة كبيرة خوفاً من توغل بري مفاجئ".

وبمساعدة الجيران تمكن ناهد من إنزال كرسييهما المتحركين الكهربائيين إلى الشارع، وأخذ ينتظر زوجته زينب على قارعة الطريق، وفجأة شنت الطائرات الإسرائيلية المقاتلة غارة عنيفة في المنطقة وبسببها عم الغبار الأسود الحي، وسمع الجميع صوت تطاير الشظايا في المكان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في لحظة القصف كانت زينب تزحف على درج البناية التي تعيش فيها رفقة زوجها، ومن الارتباك والخوف فقدت السيطرة على أعصابها وسقطت من أعلى إلى أسفل، مما سبب لها كدمات أصابت جسدها.

كراس مدمرة

بعد أن انقشع غبار القصف زحف ناهد ليطمئن على كرسيه المتحرك، وأمامه تجمد بلا أي حركة، فقد صدم مما رأت عيناه وتسمر وتشنج عندما وجد أن الشظايا المميتة التي تطايرت من الغارة الأخيرة أصابت وسيلته الوحيدة في التنقل وأتلفتها بالكامل، وما إن تدارك صدمة قصف كرسيه المتحرك الكهربائي حتى انتقل ليتفقد كرسي زوجته، يقول ناهد "هو الآخر كان عبارة عن كومة حديد، فلقد أصابت الشظايا المتناثرة وسيلة تنقل زوجتي أيضاً، ولا نملك وسيلة أخرى للنزوح".

بسرعة زحف ناهد الذي يختصر وضعه الصحي بأنه يعاني شللاً في أطرافه السفلية منذ الولادة نتيجة خطأ طبي، ليبلغ زوجته التي يظنها تأخرت، فتفاجأ من تعثرها وحاول أن يحضنها بين ذراعيه أو يقدم لها المساعدة، لكنه فشل في ذلك بسبب الإعاقة الحركية.

الخبر صادم

ولم يعرف ناهد كيف يبلغ زوجته زينب بأن كرسييهما تدمرا بسبب القصف الأخير، وخاطبها "نجوت للتو من الغارة وتطايرت الشظايا في المكان وكادت تقتلني، لكنها لم تصبني مباشرة ويا ليتها قضت عليّ بدلاً من أن تدمر كرسيينا المتحركين".

"ماذا تقول؟" ردت زينب ولطمت خديها، وأكملت "هذا أصعب خبر أسمعه، كيف سنكمل حياتنا، وكيف سننزح الآن، هل أنت جاد؟".

وبعد تدارك الموقف الذي أجبرهم قصف جوي آخر على تداركه، قرر الزوجان النزوح زحفاً، إذ تعاني زينب من بتر قدميها بسبب خطأ طبي تعرضت له بعد زواجها بأربعة أعوام.

الهرب زحفاً

بين الحجارة المتناثرة في المكان كان الزوجان يزحفان هرباً من العملية العسكرية الجديدة في خان يونس، واستمرا على هذا الحال نحو نصف ساعة، وتوضح زينب أن جميع النازحين كانوا يسيرون على الأقدام ووسائل المواصلات نادرة جداً، وإذا توفرت فإن كلفتها مرتفعة للغاية.

طلب ناهد مساعدة من رجل كان يقود عربة يجرها حمار لمساعدته في نقله إلى خيمة في المواصي، وقد سهل ذلك أعباء النزوح المريرة على الزوجين.

 

 

نزحت زينب وناهد أربع مرات، واستقر بهما الحال في خيمة كانت تظن أنها موائمة لذوي الإعاقة ولكنها ليست كذلك، إذ تفتقد جميع مقومات الحياة، ولهذا يكره الزوجان العيش فيها.

وتشير السيدة إلى أنها تفتقر إلى الحمام والمياه ولا طعام قريب منهما، كما أن الحياة البدائية صعبة عليهما في معسكرات النزوح.

على يديها وبلا ساقين تزحف زينب داخل خيمتها من أجل القيام بواجباتها اليومية، ولم تجد السيدة وصفاً لحياتها القاسية في الخيمة سوى وصفها بأنها "سجن"، وتقول "عندما يسكنها زوجان من ذوي الإعاقة الحركية فإن الواقع سجن بمعنى الكلمة أو أشد عذاباً".

الحياة في خيم غير موائمة

تستيقظ زينب باكراً وتمسك بمكنسة نُزع ذراعها ثم تزحف بها داخل الخيمة لكنسها وتنظيفها من الرمال، حيث يقع مخيم النزوح الذي تقيم فيه في منطقة رملية قريبة من شاطئ البحر، وكالنحلة لا تتوقف عن الحركة وتدبير شؤون زوجها.

وأكثر ما تشكو منه زينب أن خيمتها لا يوجد بها مرحاض يراعي حالتها وزوجها، وتشير إلى أنها تضطر إلى قضاء حاجتها في وعاء بلاستيكي، كما أنها لا تجد دواء الأعصاب الذي تتناوله.

وبتبرع من النازحين وُفر لناهد وزينب كرسي متحرك قديم ومتهالك وبه أعطاب، ويوضح الزوج أنه يتشاركه مع رفيقة حياته، ثم يسكت للحظات يجول خلالها ببصره في أرجاء الخيمة، ويكمل "لا نطلب المستحيل، نريد فقط حقوقنا كبشر نعاني إعاقة".

ويختصر حال ناهد وزينب وقصة نزوحهما الوضع الذي يعيشه ذوو الإعاقة الحركية في ظل الحرب المدمرة، وتقول الباحثة في حقوق ذوي الإعاقة في "هيومن رايتس ووتش" أمينة تشيريموفيتش، إن "الهجوم البري الكبير الذي شنه الجيش الإسرائيلي في غزة بشكل لا يوصف يزيد الصعوبات الخطرة التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة في الفرار والعثور على مأوى، والحصول على المياه والغذاء والدواء والأجهزة المساعدة التي يحتاجون إليها بشدة".

وتضيف تشيريموفيتش، "لقد استمعت إلى شهادات مروعة منهم، لقد وصف الذين تمكنوا من الإخلاء الرعب الذي شعروا به لاضطرارهم إلى مغادرة منازلهم التي صممت لتتكيف مع حاجاتهم، إضافة إلى أن جزءاً كبيراً منهم فقدوا الأجهزة المساعدة مثل الكراسي المتحركة وأجهزة المشي".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات