Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تعود "جبهة تحرير تيغراي" كحزب سياسي شرعي؟

وافق المجلس الوطني للانتخابات على تسجيلها شرط أن تلتزم السلمية وتعزز المسار الديمقراطي

مصافحة بين ممثلي وفد تيغراي والحكومة الإثيوبية بحضور رئيس كينيا السابق في بريتوريا (رويترز)

ملخص

الآثار المحتملة للانقسامات الداخلية في جبهة تحرير شعب تيغراي توثر في استقرار القومية وتنفيذ اتفاقية بريتوريا والمنطقة برمتها.

خلاف متجدد تشهده الساحة الإثيوبية بين "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" والحكومة الإثيوبية هذه المرة في شأن المطالبة بإعادة شرعية الأولى التي خاضت حرباً ضد حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد استمرت لعامين، وتطالب الجبهة الآن في ظرف ما بعد "اتفاقية سلام بريتوريا" في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، بإعادة الشرعية المنزوعة عنها كحزب سياسي. فإلى أين يقود الخلاف وما مؤشرات تبعاته؟.

 كانت الحكومة الإثيوبية أصدرت الجمعة الماضي بياناً عبر هيئة المجلس الوطني للانتخابات في شأن "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" جاء نصه، "في الـ26 من يوليو (تموز) 2023، تلقت الهيئة خطاباً من الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي للحصول على صفتها القانونية. وبعد فحص الطلب استناداً إلى قانون الانتخابات وتسجيل الأحزاب السياسية الإثيوبية رقم 1162/2019، وتعديله رقم 1332/2023، اتخذ المجلس قراره في ما يخص هذا الطلب".  

وأضاف البيان "سبق أن قدمت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي طلبات مشابهة في الـ21 من أبريل (نيسان) والسادس من مايو (أيار) 2023. وقد تم تقييم تلك الطلبات، وصدر قرار المجلس في الـ12 من مايو 2023 الذي أبلغت به الجبهة، بأن القانون رقم 1162/2019 لا يحوي أي بند يتيح إعادة تسجيل حزب تم حله نتيجة تورطه في أنشطة تمردية".

اعتبارات خاصة

 وأشار البيان إلى أنه "تم تأكيد أن التعديل الأخير على القانون، المتمثل في الإعلان رقم 1332/2023، لا يحوي أحكاماً تسمح باستعادة الصفة القانونية السابقة لأي حزب في مثل هذه الحالات. بناءً على ذلك، تم رفض الطلب".

 وتابع البيان "ومع ذلك، ووفقاً للمادة 2 (1) من الإعلان رقم 1332/2023، يسمح لمجموعة سياسية سبق أن دخلت في أنشطة تمردية بالتسجيل كحزب سياسي بموجب اعتبارات خاصة في حال توقفها عن تلك الأنشطة وأعلنت التزامها النظام الديمقراطي الدستوري، وذلك بعد تأكيد الجهات الحكومية المعنية".

ولفت البيان إلى أنه "بناءً على التأكيد المقدم من وزارة العدل، والوثائق المقدمة من الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، قرر المجلس الوطني للانتخابات تسجيل الجبهة كحزب سياسي مع ’اعتبارات خاصة‘، كما نص عليه القانون. كما تم تحديد أن الشهادة القانونية التي سيتم إصدارها للجبهة يجب أن تحوي العبارة "بموجب اعتبارات خاصة". 

وضع ما قبل الحرب

 واعتبرت "الجبهة الشعبية لتيغراي" من جهتها بيان اللجنة الوطنية للانتخابات بمثابة رفض بإعادة وضعها السابق. ويشير مراقبون إلى أن رفض الحكومة إعادة تسجيل حزب الجبهة بالتقادم تسنده حجج قانونية، خصوصاً ما سبق عنها من أعمال عدوانية غير مشروعة، بينما تدعي الجبهة استناداً إلى ما جرت عليه "اتفاقية بريتوريا" في حيثيات الاعتراف بوضع الجبهة كحزب سياسي وما تضمنه الاتفاق.

 الأزمة المتجددة الآن في شأن إعادة تسجيل حزب "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" تأخذ أبعاداً سياسية مختلفة، وكان رئيس الجبهة دبرصيون ميكائيل طعن في الـ29 من يوليو الماضي في مشروع القانون المعدل، قائلاً إنه يسمح فقط للأحزاب المحظورة بإعادة التسجيل كمنظمات شرعية ولا يلبي توقعات الحزب.

وصرّح إلى إحدى وسائل الإعلام الإقليمية وفق ما نقله الراصد الإثيوبي، بأنه لن نسجل أبداً كحزب جديد، ونطالب بإعادة وضعنا القانوني الذي كان قبل الحرب.

قومية تيغراي

تمثل تيغراي القومية الثالثة في التعداد بعد أورومو وأمهرة ويقع إقليمها في شمال إثيوبيا على الحدود مع كل من إريتريا والسودان، كما تحدّه أمهرة في الجنوب، وارتبط التاريخ الحديث لـ"الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، بدورها الرئيس في إسقاط الحكم العسكري بقيادة منغستو هيلا ماريام (1974 - 1991)، عبر التحالف الذي كونته وقادته وضم كثيراً من القوميات تحت اسم "الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية".

وبعد سقوط نظام منغستو هيلا مريام، هيمنت الجبهة بقيادتها في زعامة تحالف "الجبهة الثورية" على الحكم وسيطرت على المناصب المدنية والعسكرية في الدولة.

ونتيجة للفساد وتدهور الأوضاع السياسية بعد وفاة رئيس الوزراء السابق ملس زيناوي في أغسطس (آب) 2012 أخذ النظام في الضعف.

وفي 2018، وقعت اضطرابات نتيجة احتجاجات سياسية في عدد من الأقاليم، بخاصة إقليم الأورومو، مما أدى إلى مقتل عدد كبير من الأفراد، وأعقبته استقالة رئيس الوزراء هايلي مريام ديسالين الذي ينتمي لقوميات جنوب إثيوبيا، وتردت الأوضاع السياسية والأمنية، مما دفع تحالف الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية الحاكم إلى اختيار زعامة جديدة لتحل محل رئيس الوزراء المستقيل ديسالين ليتولى رئاسة الوزراء آبي أحمد كخليفة له.

بعد تولي آبي احمد كأول رئيس وزراء من غالبية الأرومو في مارس (آذار) 2018، مثلت "جبهة تحرير تيغراي" تحدياً للنظام الجديد بخلفياتها العسكرية والسياسية.

وعلى رغم ما شكلته الجبهة من قوة، لكن فتح ملفات الفساد وتورط مسؤولين من "تيغراي" خلال العقود الثلاثة من  حكمها أضعفا سطوتها.

وسعى رئيس الوزراء آبي أحمد إلى تشكيل تحالف بديل لتحالف الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الاثيوبية، باسم "حزب الازدهار"، ورفضت "جبهة تحرير تيغراي" الانضمام إلى الحزب الجديد لتبدأ السلسلة الأولى من الخلافات الجوهرية بين قيادة الجبهة وحكومة آبي أحمد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 كما جاء قرار آبي أحمد تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في 29 أغسطس 2020 وحتى 2022 بسبب فيروس كورونا بمثابة الخلاف الرئيس الثاني، إذ إن البرلمان صوّت لمصلحة قرار التأجيل.

من جهتها رفضت الجبهة قرار تأجيل الانتخابات، وأجرت في التاسع من سبتمبر (أيلول) 2020 انتخابات الإقليم، ولم تعترف الحكومة الاتحادية بانتخابات الإقليم، وفي الوقت ذاته سحبت الجبهة اعترافها بشرعية رئيس الوزراء آبي آحمد، بحجة "انتهاء ولايته الرسمية في أغسطس 2020"، لتتطور الأحداث إلى اشتعال الحرب في نوفمبر 2020، وصنفت الحكومة الإثيوبية حزب "جبهة تيغراي" كجماعة ارهابية.

استمرت الحرب لعامين مخلفة مأساة إنسانية، ونتيجة ضغوط دولية توصل الطرفان إلى صلح بريتوريا في نوفمبر 2022 الذي تحقق عبره وقف الحرب كمرحلة جديدة، ونشرت راية السلام ضمن عدد من الاتفاقات بين الجانبين.

تعزيز مسار

 في شأن القرار الحكومي بالترخيص الخاص لحزب "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، يقول رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية ياسين أحمد إن قرار هيئة المجلس الوطني للانتخابات في إثيوبيا بالترخيص للجبهة الشعبية كحزب سياسي بموجب الاعتبار الخاص يؤكد تعزيز المسار الديمقراطي الذي تعهدت به الحكومة الإثيوبية بعد تبنيها الحوار الوطني من أجل التوصل إلى توافق بين الحكومة وأحزاب المعارضة الإثيوبية نحو التحول الديمقراطي الشامل في البلاد.

ويضيف أنه ينبغي على الجبهة الشعبية من جهتها الأخذ به وممارسة نشاطها العادي ضمن النظام السياسي القائم، مما يدعم المسار السلمي، موضحاً أن أن الاعتراف بـ"جبهة تحرير تيغراي" يسهم في تعزيز المسار الوطني الديمقراطي الذي تقوده لجنة الحوار الوطني المستقلة للتوصل إلى التوافق بين المكونات السياسية كافة والأحزاب وغيرها.

ويشير إلى أن الاعتراف بالجبهة الشعبية وجد في قرار المجلس الوطني للانتخابات ردود فعل إيجابية من قبل الحكومة الإثيوبية وأحزاب المعارضة كون إعطاء شرعية سياسية لحزب خاض حرباً ضد الحكومة وبموجب اعتبار خاص.

تعقيدات داخل "تيغراي"

على مستوى البيت التيغراوي، تعقيدات أخرى يتصدرها المشهد السياسي في اختلاف قيادة "جبهة تيغراي" حول معالجة أزمتها مع الحكومة في نيل شرعية الحزب، وكان نائب رئيس الجبهة ورئيس الإدارة الموقتة لإقليم تيغراي قيتاجو ردا قال الجمعة الماضي إن طلب إعادة التعيين والأنشطة لتنظيم المؤتمر الخاص بالجبهة الشعبية لتحرير تيغراي تحركات غير قانونية من قبل مجموعة لا تمثل الجبهة، وذلك رداً على رئيس الحزب دبرصيون ميكائيل الذي دعا إلى عقد مؤتمر حزب الجبهة خلال الأيام المقبلة.

ودعا قيتاجو رداً على معالجة أزمة شرعية الحزب إلى التفاوض المباشر مع الحكومة بدلاً من التصعيد، كما أنه وضمن التأييد الذي يحظى به رئيس إقليم تيغراي نائب رئيس الحزب قيتاجو ردا، أعلن 14 عضواً من قيادات الجبهة أخيراً عدم مشاركتهم في مؤتمر الحزب المزمع عقده.

اتجاهان رئيسان

 من جهته وفي ما يتعلق بصراع الشرعية لحزب الجبهة، يصف الكاتب الإثيوبي ويلديسلاسي هايلاي أبيرا الباحث بجامعة كوازولو- ناتال، في مقالة له على موقع "أديس استاندر"، الصراعات الداخلية المستمرة داخل جبهة تحرير شعب تيغراي في أعقاب الحرب، وتتناول المقالة التحديات التي تواجهها "جبهة تحرير شعب تيغراي" في بيئة ما بعد الحرب، بما في ذلك الانقسامات الداخلية والأسئلة المتعلقة بشرعيتها.

ويحدد الكاتب اتجاهين رئيسين داخل الجبهة، أحدهما بقيادة رئيسها دبرصيون ميكائيل الذي يصفه بسلوك نهج حذر في تنفيذ "اتفاقية بريتوريا"، والآخر بقيادة رئيس إقليم تيغراي قيتاجو ردا الذي يوصف بأنه أكثر ميلاً إلى التسوية وإعطاء الأولوية للسلام.

ويتناول الكاتب أيضاً المخاوف في شأن شرعية "جبهة تحرير شعب تيغراي" بين سكان تيغراي، كما يشير إلى تراجع الثقة، في تساؤل بعضهم عن دور الحزب أثناء الحرب، وكذلك لفت إلى مزاعم سوء السلوك أثناء الحرب كعوامل مسهمة في تآكل ثقة الجبهة.

وأخيراً، ناقش الكاتب الآثار المحتملة للانقسامات الداخلية في "جبهة تحرير شعب تيغراي" على استقرار الإقليم والمنطقة الأوسع، وأوضح أن الخلافات الداخلية قد تؤثر في الاستقرار الإقليمي وتنفيذ "اتفاقية بريتوريا" برمتها.

التعاطي المنصف

ويرى متخصصون أن الأزمة الحالية التي تبرز في شرعية وعدم شرعية حزب "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" بالتقادم باعتبارها الآن أزمة مركبة ذات أبعاد مختلفة سواء في حيثيات الخلافات الحادثة الآن في الوسط التيغراوي، إلى جانب الأبعاد القانونية التي يستند إليها الجانبان في توصيف حزب الجبهة وحيثيات "اتفاقية بريتوريا".

 ويرى الباحث في الشؤون الدولية عادل عبدالعزيز حامد أن انتهاج الحوار المستدام فيما يطرأ من خلافات سواء على مستويات محلية أو إقليمية هو الطريق الأمثل والنهج الحضاري، خصوصاً في قضايا محلية تتطلب التأني والروية.

 ويضيف أن التعاطي الديمقراطي الحزبي المنصف والمستند إلى الشفافية يمثل الضمان الحقيقي للسلام، ويشير إلى أن من أهم المكاسب التي ينبغي أن تتسابق نحوها الدول الأفريقية تحقيق ديمقراطيات الأحزاب وممارسات سياسية منصفة من دون حجر لأي حزب أو جماعة أو عرقية، مما يحقق التوافق بين أبناء الوطن الواحد وما تتطلبه دول القارة الأفريقية لإرساء الاستقرار المحلي والإقليمي.

ويتابع أن الكسب الذي حققته "اتفاقية بريتوريا" بين الحكومة الإثيوبية و"الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" يعتبر إنجازاً وطنياً إثيوبياً ينبغي الحرص عليه، ومعالجة ما يطرأ من خلافات بنهج الحوار المتعقل ذاته، مما يحقق السلام في ظروف تتطلب بالفعل السلام في أشكاله كافة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير