ملخص
وضع سياسي جديد اتسم بالانقسامات بين مؤيدي رئيس الجمهورية ومعارضيه الذين يقبع غالبهم في السجون بتهم مختلفة، وهو مناخ سياسي يرى عدد من المتابعين أنه لا يساعد في تنظيم انتخابات رئاسية ديمقراطية ونزيهة بسبب التضييقات على عديد من المعارضين.
يسجل تاريخ تونس السياسي المعاصر توجه التونسيين مبكراً إلى صناديق الاقتراع بعد الاستقلال مباشرة، حين انتخب أعضاء المجلس القومي التأسيسي في الـ25 من مارس (آذار) 1956، وهو الذي وضع أسس الجمهورية وألغى رسمياً النظام الملكي.
قدرت نسبة المشاركة في أول انتخابات تونسية بعد الاستقلال بـ82.86 في المئة، واعتبرت الانتخابات التشريعية لعام 1959 أول انتخابات في تاريخ البلاد بعد استكمال المرحلة التأسيسية وإلغاء الملكية بقرار من المجلس القومي التأسيسي في الـ25 من يوليو (تموز) 1957.
ظاهرة المرشح الواحد
وشهدت تونس منذ إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية واختيار الحبيب بورقيبة رئيساً من المجلس القومي التأسيسي عام 1957 إلى حدود انتخابات الـ20 من مارس 1994 ظاهرة "المرشح الواحد" للانتخابات الرئاسية، باستثناء عام 1974 عندما ترشح الشاذلي زويتن لمنافسة الحبيب بورقيبة، وعام 1994 عندما قدم المنصف المرزوقي ترشحه للانتخابات الرئاسية لمنافسة زين العابدين بن علي.
وفاز الحبيب بورقيبة وهو المرشح الوحيد عن الحزب الاشتراكي الدستوري في الانتخابات الرئاسية أعوام 1959 و1964 و1969 بنسبة 100 في المئة من الأصوات، وبنسبة 99 في المئة في انتخابات 1974.
وفي الـ18 من مارس 1975 صادق مجلس الأمة (البرلمان) على تنقيح الفصلين 40 و51 من الدستور، لإقرار انتخاب الحبيب بورقيبة رئيساً مدى الحياة.
من وقتها قطعت تونس دورية الانتخابات الرئاسية إلى حين إطاحة نظام الحبيب بورقيبة وتولي الوزير الأول السابق زين العابدين بن علي الحكم، فتم في الثاني من أبريل (نيسان) 1989 تنظيم الانتخابات الرئاسية الخامسة في تاريخ تونس، والأولى بعد عزل الحبيب بورقيبة.
التعددية الصورية
بدأت مرحلة الانتخابات التعددية الشكلية عام 1999 بحصول مرشح التجمع الدستوري الديمقراطي وقتها، وهو الرئيس السابق زين العابدين بن علي، على أكثر من 90 في المئة من الأصوات بمختلف المحطات الموالية.
واستمرت ظاهرة المرشح الواحد الأقوى ضمن المرشحين الصوريين بمختلف المحطات الانتخابية لأعوام 1994 و1999 و2004 وبعد تعديل الدستور عام 2002 ثم 2009 إلى حين إطاحة نظام بن علي إثر انتفاضة شعبية في 2011.
ثم دخلت تونس مرحلة ما يسمى بالانتقال الديمقراطي، إذ تولى فؤاد المبزع رئيس مجلس النواب حينها مهمات رئيس الدولة بصفة موقتة، وانتخب المجلس الوطني التأسيسي في ديسمبر (كانون الأول) 2011 خلال جلسة عامة محمد المنصف المرزوقي رئيساً موقتاً للجمهورية، طبقاً لأحكام القانون التأسيسي المتعلق بالتنظيم الموقت للسلطات العمومية.
الانتقال الديمقراطي
وقطعت انتخابات 2014 نهائياً مع ظاهرة الترشيحات الشكلية التي كانت تعكس مناخاً سياسياً غير ديمقراطي ليصل عدد المرشحين إلى مستويات غير مسبوقة بـ27 مرشحاً عام 2014، و26 بالنسبة إلى الانتخابات الرئاسية المبكرة عام 2019، بينما تقلص الرقم إلى ثلاثة مرشحين فقط في انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) 2024 في انتظار غلق باب الطعون.
وأشرفت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على أول انتخابات رئاسية حرة وديمقراطية في تاريخ تونس الحديث في الـ23 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، وأسفرت الانتخابات عن فوز الباجي قايد السبسي في الدورة الثانية من هذه الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم الـ21 من ديسمبر 2014 بنسبة 55.68 في المئة من الأصوات المصرح بها، في مقابل 44.32 في المئة لمنافسه محمد المنصف المرزوقي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي الـ25 من يوليو 2019 أعلنت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين تولي رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر مهمات رئيس الجمهورية بصفة موقتة طبقاً لأحكام الفصلين 84 و85 من الدستور، على إثر إقرار الشغور النهائي في منصب رئيس الجمهورية بعد وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي، ونظمت انتخابات رئاسية مبكرة في الـ15 من سبتمبر (أيلول) 2019 فاز فيها رئيس الجمهورية الحالي قيس سعيد في الدور الثاني بنسبة تزيد على 70 في المئة من الأصوات.
بعد سنتين من التجاذبات السياسية والتنازع على الصلاحيات بين رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان، اتخذ رئيس الجمهورية قيس سعيد في يوليو 2021 إجراءات استثنائية جمد بمقتضاها أعمال البرلمان، وأقال الحكومة وعلق العمل بجزء من الدستور قبل أن يلغيه تماماً.
ودشنت تونس إثر الـ25 من يوليو 2021 مرحلة سياسية جديدة في تاريخها بعد إلغاء دستور 2014، والمصادقة على دستور جديد عام 2022 ينص على نظام رئاسي معزز الصلاحيات لرئيس الجمهورية.
التضييق على الترشحات
وضع سياسي جديد اتسم بالانقسامات بين مؤيدي رئيس الجمهورية ومعارضيه الذين يقبع غالبهم في السجون بتهم مختلفة، وهو مناخ سياسي يرى عدد من المتابعين أنه لا يساعد في تنظيم انتخابات رئاسية ديمقراطية ونزيهة بسبب التضييقات على عديد من المعارضين.
يؤكد محمد الضيفي أستاذ التنظيم الإداري والمتخصص في الحوكمة المحلية لـ"اندبندنت عربية" أن "الانتخابات بعد 2011 عرفت تغيراً جذرياً بوضع قانون انتخابي مرن بخاصة في ما يتعلق بالترشحات، علاوة على إشراف هيئة مستقلة على الانتخابات بعد أن كانت لسنوات تحت إشراف وزارة الداخلية، لكن سرعان ما تغيرت المعادلة في دستور 2022 عندما وضعت شروط جديدة للمترشح للانتخابات الرئاسية منها نقاوة السوابق العدلية والجنسية والتزكيات التي أصبحت أكثر تعقيداً".
ويؤكد الضيفي أن "المناخ الانتخابي تغير بوجود المرسوم 54، الذي قلص من هامش الحريات والنقاش العام، وفرض قيوداً على وسائل الإعلام، كما أصدرت هيئة الانتخابات القانون الترتيبي الذي أسهم في التضييق على الترشحات للانتخابات الرئاسية المقبلة، وتسبب هذا الوضع في تقليص عدد الترشحات ليصبح ثلاثة فقط، وهو ما يعني غياب المنافسة القوية والموازنة بين المترشحين، كما أن العدد القليل من المترشحين لن يستقطب الناخبين، وهو ما بات يهدد هذه الانتخابات بالعزوف عنها".
ويضيف أستاذ التنظيم الإداري بالجامعة التونسية أن "نسبة المشاركة ستكون ضعيفة باعتبار لامبالاة التونسيين بالشأن العام، كما أن أزمة الثقة العميقة بين النخب السياسية والتونسيين ستزيد من عزوف الناخبين عن المشاركة السياسية".
يذكر أن نسبة المشاركة في مختلف المحطات الانتخابية التي شهدتها تونس بعد 2011 ما انفكت تسجل تراجعاً حاداً، فبعد نسبة 52 في المئة بانتخابات المجلس الوطني التأسيسي عام 2011، ثم 68 في المئة بالانتخابات التشريعية عام 2014، و55 في المئة بالدور الثاني للانتخابات الرئاسية عام 2014، تقهقرت النسبة إلى 11 في المئة بالانتخابات التشريعية والمحلية عام 2023.
ويشدد الضيفي على أن "نسبة المشاركة ستؤثر في صدقية ومشروعية هذه المحطة السياسية المهمة في تاريخ تونس"، ويشار إلى أن القانون الانتخابي في تونس لم يحدد عتبة لنسبة المشاركة من أجل كسب الشرعية، لذلك ستتم المصادقة على نتائج الانتخابات مهما كان عدد المقبلين عليها.
لا وجود لتضييقات
في المقابل يرى النائب في البرلمان عن حركة الشعب عبدالرزاق عويدات أن "أهمية الانتخابات ليست في عدد المترشحين بل في قيمة البرامج التي ستعرض على الناخبين"، مشيراً إلى أن "الانتخابات الرئاسية في عدد من دول العالم تنحصر بين مرشحين أو ثلاثة"، ومؤكداً "إمكان التحاق عدد آخر من المرشحين بالسباق الرئاسي بعد لجوء بعضهم إلى القضاء الإداري".
ويعتبر عويدات أن "المنافسة ستكون قوية وجدية بين المترشحين الثلاثة"، لكنه يعبر عن تخوفه من "العزوف عن المشاركة السياسية في تونس بسبب انعدام الآثار الاقتصادية والاجتماعية للعمل السياسي في حياة التونسيين".
وبخصوص التضييق على المرشحين للانتخابات الرئاسية أكد النائب في البرلمان أن "الصعوبات تكمن في جمع التزكيات التي باتت أكثر تعقيداً، بينما لم تشكل بطاقة السوابق العدلية عائقاً أمام المترشحين، لأن هيئة الانتخابات سهلت العملية بقبول الوصولات في انتظار استكمال الملفات"، معرباً عن أمله في "تجسيد شعارات السيادة الوطنية والنمو والرفاه الاقتصاديين والإصلاحات في مجالات النقل والتربية والصحة في برامج المرشحين للانتخابات الرئاسية المقبلة".
ونفت هيئة الانتخابات وجود تضييقات على المرشحين للانتخابات الرئاسية 2024، كما أكدت وزارة الداخلية في بيان أن كل من تقدم بطلب للحصول على بطاقة السوابق العدلية استجيب لطلبه.
وستشهد تونس في السادس من أكتوبر المقبل انتخابات رئاسية هي الـ12 في تاريخ تونس، والثالثة بعد 2011، التي سينتخب فيها رئيس الجمهورية الثامن في تاريخ البلاد لولاية مدتها خمس سنوات، والرئيس قيس سعيد هو سابع رئيس للجمهورية التونسية منذ إعلان الجمهورية في تونس في الـ25 من يوليو 1957.