Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هجرة معاكسة من التعليم الخصوصي إلى العمومي في تونس

ارتفاع المصاريف والتركيز على الجوانب الترفيهية للطلاب على حساب التحصيل العلمي أبرز الأسباب

أجبرت الضغوط المالية أسراً تونسية على نقل أطفالها إلى المدارس العمومية (أ ف ب)

ملخص

ارتفع عدد المدارس الابتدائية الخصوصية في تونس من 324 مدرسة في الموسم الدراسي 2015/2016 إلى 736 خلال الموسم الماضي 2022/2023، أي ما يمثل نحو 13 في المئة من إجمالي المدارس الابتدائية.

بعد أعوام من الهجرة نحو المدارس الخصوصية هرباً من عدم الاستقرار وكثرة الإضرابات وتدني التحصيل العلمي في نظيرتها العمومية، تشهد تونس اليوم بداية ظهور هجرة معاكسة من الخصوصية إلى العمومية في ظل حال الاستقرار بالأخيرة وتدهور الوضع المادي للأسر مقابل ارتفاع كلف التدريس في القطاع الخاص، والأهم بحسب متخصصين هو نتائج طلبة المدرسة العمومية مقابل القطاع الخاص.

وارتفع عدد المدارس الابتدائية الخصوصية (الخاصة) في تونس من 324 مدرسة في الموسم الدراسي 2015/2016 إلى 736 خلال الموسم الماضي 2022/2023، أي ما يمثل نحو 13 في المئة من إجمالي المدارس الابتدائية في البلاد.

موجات الهجرة

سندرا وسيرين طفلتان في السنوات الأولى من المرحلة الابتدائية تدرسان في مدرسة خاصة، وبعد أعوام قليلة من تجربتهما اختار والدهما تغيير وجهتيهما الدراسية من الفصول الخاصة إلى العمومية لأسباب عدة، بحسب شهادة الأم مريم التي توضح أن السبب الأول "مادي من دون شك، فإلى جانب مصاريف المدرسة، نضطر إلى إعطائهما دروساً خصوصية للتدارك والمعالجة إذ تتعلم الطفلتان اللغة الفرنسية خارج مدرستهما، ثم السبب الثاني هو محاولة الابتعاد من ضغط عدد ساعات الدراسة".

ويقول مراد من جهته إنه غيّر وجهة ابنه من التعليم الخاص إلى العمومي لأسباب مادية، لكنه فوجئ بمستوى ابنه الضعيف، مضيفاً أن "ابنه كان يدرس سنة أولى ابتدائي في مدرسة خاصة وكانت نتائجه ممتازة، لكن بعد توجيهه إلى العمومي ظهر المستوى الحقيقي وهنا انطلقنا من جديد لتحسين المستوى وتدارك الوضع".

المناخ الاجتماعي في المدارس

في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أكد المتفقد العام للمدارس الابتدائية في تونس الهادي العبيدي أن "موجات الهجرة بين التعليم العمومي ونظيره الخاص ظهرت منذ أواخر أعوام الألفية الجديدة، وترتبط بعوامل عدة لعل أهمها نوعية المناخ الاجتماعي في المؤسسات العمومية والعامل الاقتصادي للعائلات التونسية متوسطة الدخل"، وتابع أن "هجرة الأطفال من التعليم العمومي إلى الخاص تحتد أكثر كلما توتر المناخ الاجتماعي داخل وزارة التربية وتعددت إضرابات المدرسين، مما يؤثر سلباً في جودة التعليم العمومي وتنشط عملية العودة للتعليم العمومي كلما تدهور مستوى الدخل المادي للعائلة التونسية، ورأينا ذلك خلال بعض فترات الاضطراب إثر الثورة أو أثناء الإغلاق الاقتصادي والاجتماعي بسبب جائحة كورونا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ورأى أن هناك أسباباً أخرى تظل حاسمة في عزوف العائلات عن التعليم الخاص وإعادة أطفالهم إلى التعليم العمومي على رغم الهنات التي يشكو منها وترتبط هذه الأسباب بطبيعة المؤسسات الخاصة الربحية، إذ إن معظمها يسعى إلى تحقيق أقصى الربح من خلال ضمان أدنى الإنفاق، وتمت معاينة جملة من المؤشرات في هذا الباب في ما يتعلق بالضغط على النفقات بطرق تؤثر في جودة التعليم في معظم المؤسسات الخاصة".

وأردف أن "لعل أهم هذه مؤشرات جودة التعليم وانعدام التكوين المهني المستمر لمدرسي التعليم الخاص وعدم استقرار إطار التدريس بالتعليم الخاص، إذ إن معظم أصحاب المؤسسات الخاصة يسعون إلى الاستفادة من عقود الولوج إلى الحياة المهنية وعقد الكرامة سنوياً والاستغناء في نهاية كل سنة عن المتربصين وتعويضهم بآخرين".

انطباع زائف

وأوضح العبيدي أيضاً أن ضعف أو غياب التغطية الاجتماعية لمدرسي التعليم الخاص، إضافة إلى حجم ساعات العمل الكبير يؤثران سلباً في مردودية التدريس، بالتالي في جودة التعلم، ثم اللجوء إلى تضخيم أعداد التقييمات السنوية، مما يعطي انطباعاً زائفاً عن النتائج المدرسية في أذهان الأولياء"، قائلاً "أما بخصوص أسباب تدني التعليم الخاص في تونس، فيعود لتكثيف أنشطة الحياة المدرسية من رحلات ونوادٍ وأنشطة ثقافية التي تزيد من دخل المؤسسة المالي وتؤثر في التحصيل الدراسي على رغم أن لها بعداً إيجابياً لدى الطلبة يتمثل في ثقل الجانب المعرفي".

ويردف أن "هناك بعض المؤسسات الخاصة التي تولي أهمية كبيرة لجودة الخدمات التي تقدمها وتحقق نتائج جيدة تدل عليها نسب النجاح العالية في المناظرات الوطنية وهي مؤسسات تولي الأهمية اللازمة للتكوين المستمر للحياة المهنية للمدرس ولجودة التعلم، لكن عددها قليل جداً وكلفها مرتفعة جداً".

ويضيف أن "المؤسسات العمومية وعلى رغم كل عوامل التهميش المتراكمة منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي ما زالت تستند إلى إرث عريق في مجالات التكوين والتدريب والتجديد البيداغوجي (فن التعليم) يجعل من عوامل الجذب لديها ما يجعلها ملاذاً دائماً لمحدودي الدخل وبديلاً مؤكداً عند انسداد آفاق التعليم الخاص".

 

 

ويقول أمين عام المنظمة العربية للأسرة والتنمية الاجتماعية عامر الجريدي في تصريح خاص إن" إرجاع العائلات التونسية من التعليم الخاص إلى نظيره العمومي يجد سببه الأول في ارتفاع معاليم الدراسة (المصاريف) في المؤسسات الخاصة التي هي بطبيعتها مؤسسات تجارية يُعتبر التعليم لديها بضاعة والمدرسة شركة ربحية والتلاميذ والأولياء مستهليكن"، مضيفاً أنه "قل وندر أن تعثر على مؤسسة تقدم رسالة المدرسة على الدخل المادي. وعلى رغم تراجع أداء المدرسة العمومية ونتائجها، فرسالتها هي الغاية، ولعل ذلك يفسر تفوق نتائجها في الامتحانات الوطنية على المدارس الخاصة".

وختم أن "الوعي المجتمعي بالخطر الذي أصبح يحدق بالمدرسة العمومية والاهتمام الإعلامي المتزايد بأوضاع التعليم والإرادة السياسية لإصلاح التعليم على أسس متينة أرجع بعض الثقة المفقودة إلى التعليم العمومي، ولعل ذلك يتطلب بحوثاً سوسيولوجية للوقوف على نزعة عودة الرشد للتعليم العمومي من عدمه".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير