ملخص
شن قائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو (حميدتي) هجوماً لاذعاً على قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان ومعاونيه، قائلاً إنهم "يفتقرون إلى أي التزام حقيقي بالتفاوض أو بالعمل من أجل مستقبل السودان أو تخفيف معاناة شعبه".
تجدد الأمل وسط قطاع عريض من السودانيين الذين يترقبون مفاوضات جنيف بأن تنهي أزمة بلادهم التي دخلت شهرها الـ17، وذلك بإعلان مجلس السيادة السوداني إرسال وفد حكومي إلى القاهرة، للتباحث مع مسؤولين سعوديين وأميركيين حول تنفيذ اتفاق جدة المبرم بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" خلال مايو (أيار) 2023، بعد أن قاطع الأول دعوة واشنطن للمشاركة في المحادثات الجارية في سويسرا منذ أيام.
وأظهرت معظم التعليقات التي ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي استحسانها لقرار الحكومة السودانية بإرسالها هذا الوفد على أمل اللحاق بطاولة التفاوض بجنيف باعتباره المطلب الأهم للشعب السوداني الذي يريد من الطرفين وقفاً لإطلاق النار وتدفقاً للمساعدات الإنسانية درءاً للمجاعة وتفشي الأوبئة، فضلاً عن توقف الجرائم والانتهاكات المريعة في مناطق الصراع.
في الأثناء شن قائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو (حميدتي) هجوماً لاذعاً على قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان ومعاونيه، قائلاً إنهم "يفتقرون إلى أي التزام حقيقي بالتفاوض أو بالعمل من أجل مستقبل السودان أو تخفيف معاناة شعبه".
وهدد حميدتي في منشور له على منصة "إكس" باتخاذ خطوات تصعيدية لمنع الجيش من التحكم في مصير السودانيين في ظل تعثر التفاوض. وأضاف، "لن نسمح لمجرد مجموعة من الجنرالات المرعوبين الذين هربوا من العاصمة بالتحكم في مصير شعبنا، وسيكون أمامنا خيارات كثيرة قادرون على تنفيذها متى ما أصبح ذلك ضرورياً".
وأردف، "في وقت يوجد فيه وفدنا المفاوض في جنيف برغبة صادقة لإيجاد حل للأزمة السودانية، تركز عصابة بورتسودان بصورة أساسية على الحفاظ على امتيازاتها ومصالحها التاريخية التي لا تنفصل عن مصالح النظام القديم"، مجدداً التزامه بالتفاوض كمبدأ أساسي واستراتيجي لتحقيق الاستقرار في السودان، وذلك باستجابتهم لكل المبادرات التي تهدف إلى وقف الحرب.
وحض قائد "الدعم السريع" السودانيين وأعضاء المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف حاسم إزاء الاستهتار الذي يبديه قادة المؤسسة العسكرية بمعاناة ملايين المواطنين وبقضية السلام والاستقرار.
عدم ثقة
وحول توقعاته لما سيفضي إليه لقاء القاهرة وما تمارسه واشنطن من ضغوط وصولاً لمشاركة الحكومة السودانية في مفاوضات جنيف، قال الباحث في مركز الخرطوم للحوار الرشيد معتصم مدني، "في الحقيقة إن الجيش السوداني ومؤسسات الدولة ينظران إلى الولايات المتحدة بكثير من عدم الثقة باعتبار أن سياستها تجاه البلاد اتسمت بعدم الإيفاء بالعهود وأبرز هذه المحطات اتفاقية السلام الشامل ((CPA والتي انتهت بانفصال جنوب السودان في 2011 وبعدها مباشرة دعمت واشنطن متمردي دارفور الذين يشكلون تحالف مع الحكومة السودانية الحالية ويقاتلون إلى جانب الجيش ضد المتمردين الجدد من قوات حميدتي".
وتابع، "في الذاكرة العسكرية أيضاً استخدمت عمليات شريان الحياة في ثمانينيات القرن الماضي أثناء حرب الجنوب كساتر لإدخال الأسلحة للمتمردين، في وقت شاطر الشعب السوداني الجيش ذات المشاعر نظراً إلى الحصار الاقتصادي الأحادي الذي فرضته الولايات المتحدة على بلادهم عبر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابع لوزارة الخزانة الأميركية الذي أسهم إلى حد كبير في تحطيم المؤسسات والمرافق الاقتصادية السودانية المهمة بخاصة هيئة السكك الحديد والخطوط الجوية بحرمانها من استخدام التقنيات الأميركية وقطع الغيار، بالتالي حولت هذه المؤسسات إلى حطام، أضف إلى ذلك حرمان السودان من تقنيات الاتصال والزراعة ونشاط التجارة الخارجية مع الدول الأوروبية وحلفاء واشنطن في كل العالم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وزاد مدني، "هذا الوضع المأسوي الذي تسبب فيه الحصار الاقتصادي أسهم في تعقيد المشهد السياسي الداخلي والخارجي، بخاصة أن هذا الحصار استمر أكثر من ثلاثة عقود وشكل ضغطاً كبيراً على السودان، فضلاً عن استخدام كارت المحكمة الجنائية الدولية ضد القادة السودانيين على رغم تحصين واشنطن لمواطنيها ضد هذه المحكمة، مما شوه صورة السودان والسودانيين بيد أن الولايات المتحدة تستند في معلوماتها على المعارضين للنظام السوداني من منظمات المجتمع المدني وشركائها من المنظمات الأميركية على رغم أن أميركا دولة كبرى لكن ذاكرتها بيروقراطية بطيئة لم تبرح مكانها في ما يتعلق في الشأن السوداني".
وواصل، "في اعتقادي أن الولايات المتحدة تحتاج إلى مقاربة جديدة في العلاقات الثنائية مع السودان تراعي فيها مصالحها واستقرار المنطقة بعيداً من حلفائها الذين يعانون مشكلات كثيرة تجعلهم يتحركون في فضاءات لا يعرفون تضاريسها بصورة كاملة وإن بدا لهم ذلك، وستكون لها ارتدادات ستهدد مصالحهم في الملاحة البحرية والتجارة الدولية لأن السودان يحفظ توازنه في مساحة واسعة تمتد من غرب ووسط أفريقيا إلى القرن الأفريقي شرق القارة ودول جوار تعاني ضغوطاً سكانية كبيرة وأزمات اقتصادية ونوبات مناخية متكررة، فضلاً عن أجيال شابة تمثل غالبية السكان".
وبين الباحث في مركز الخرطوم للحوار بأن "العناوين البارزة تؤكد أن جنيف نجحت في فتح معبر أدري لإيصال الإغاثة الإنسانية للمتضررين بحسب مطالب أميركا وحلفائها في هذا المنبر، لكن يلحظ أن المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييلو يحاط بمجموعة سياسية سودانية متحيزة تقدم له المشورة في القضايا كافة، بالتالي فإن جل تصريحاته ورسائله التي يبثها للمتلقي السوداني غير متوازنة ولا تتسم بالدبلوماسية".
ومضى في حديثه، "واضح أن واشنطن تبحث عن مكاسب آنية سريعة تغطي فشلها وسوأتها في غزة وأوكرانيا، والسودانيون يتخوفون من مصادرة قرارهم السياسي والتحكم في مفاصل البلد عبر مجموعة وظيفية هم (آل دقلو) الساعين إلى استمرار قوات المتمردين وإيجاد توازن بينها والجيش السوداني بأي صورة من الصور وهو ما سيجعل الحرب كامنة في السلام الظاهر". وختم مدني، "في تقديري أن ممارسة أي ضغوط على السودان ستدفعه أكثر تجاه الشرق ممثلاً في روسيا والصين وإيران الأعداء التقليديين للغرب وبعض الأنظمة العربية الحليفة في المنطقة".
وضع حرج
من جانبه، قال عضو الهيئة القيادية في تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) صالح عمار، إن "قائد القوات المسلحة عبدالفتاح البرهان في وضع حرج لا يحسد عليه، فمن ناحية فإن حياته معرضة للخطر، كما أنه تحت التهديد المباشر من ميليشيات المؤتمر الوطني وكتيبة البراء بن مالك التي تقاتل حالياً إلى جانب الجيش في حال شارك في مفاوضات جنيف، فالمسيرات التي سقطت على مقربة منه خلال حضوره عرضاً عسكرياً بقاعدة جيبيت في بورتسودان أخيراً كانت في هذا السياق، ومن ناحية أخرى إذا رفض (البرهان) الذهاب إلى المفاوضات ستزداد عزلته وقد يفقد أقرب حلفائه مثل مصر إلى جانب دول الإقليم والمجتمع الدولي".
وأضاف عمار، "في نظري أن حكمة القادة العسكريين الذين هم حول البرهان ستقودهم إلى تفضيل خيار التفاوض حتى لو أدى ذلك إلى مواجهة ميليشيات المؤتمر الوطني عسكرياً، فمن الواضح أن الولايات المتحدة جادة هذه المرة في إحداث اختراق في ملف السودان ومعلوم أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن واقعة تحت ضغوط الانتخابات ولا بد لها من تحقيق إنجاز تواجه به قطاعاً من الناخبين ذوي الأصول الأفريقية وذلك تجاه الأزمة السودانية الإنسانية التي باتت الأكبر الآن في العالم".
وتوقع أن تنجح العصا والجزرة الأميركية في الوصول إلى اتفاق بين الطرفين المتحاربين ولكن تنفيذ هذا الاتفاق والوصول إلى سلام في السودان مشوار شاق يحتاج إلى فترة ليست قصيرة من الزمن.
ومضى عضو الهيئة القيادية في تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية بقوله، "عموماً نحن في القوى المدنية انخرطنا في حراك جماهيري وسياسي كبير للضغط على طرفي الصراع (الجيش والدعم السريع) وتشجيعهما للجلوس إلى طاولة المفاوضات، والآن غالبية الشعب السوداني تقف معنا وباتت ترفع صوتها عالياً بالدعوة إلى وقف الحرب والذهاب إلى التفاوض".