Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صراع على رئاسة المصرف المركزي يفجر أزمة جديدة في ليبيا

يؤشر إلى اندلاع نزاع قانوني بين الأطراف خلال الفترة المقبلة

نص قرار المجلس الرئاسي على تعيين محمد الشكري محافظاً للمصرف المركزي وإعادة تشكيل مجلس الإدارة (أ ف ب)

ملخص

من المتوقع أن يؤدي قرار تعيين محافظ جديد للمصرف المركزي الذي أصدره المجلس الرئاسي إلى خلافات قانونية وسياسية مع مجلس النواب وإشعال أزمة سياسية جدية في ليبيا

احتدم الصراع بين الأطراف السياسية الليبية لبسط النفوذ والاستحواذ على رئاسة المصرف المركزي الليبي، مما يؤدي إلى التحكم في الإيرادات الضخمة التي يدرها النفط ويديرها المصرف وتعد المصدر الوحيد أو الأكبر للدخل العام في الاقتصاد الليبي الريعي، الذي يوفر النفط 85 في المئة من مجموعه الإجمالي كل عام.

ومع أن الصراع للسيطرة على المصرف المركزي ليس جديداً في ليبيا منذ بداية الأزمة السياسية عام 2014، فإن تطورات سريعة وقعت خلال الأشهر الأخيرة وبلغت ذروتها على مدى اليومين الأخيرين جعلته يأخذ منحنى خطراً، يهدد بتفاقم الانقسام السياسي وتجدد النزاع العسكري في قلب طرابلس والتمدد داخل أنحاء البلاد.

هذه التطورات والتحولات الجديدة بدأت منذ حدوث صفقة سياسية بين رئيس البرلمان الليبي في الشرق عقيلة صالح ومحافظ المصرف المركزي الصديق الكبير تمحورت حول صرف موازنة العام الحالي بالصورة التي يريدها الأول مقابل بقاء الثاني في منصبه وإلغاء قرار النواب السابق بتعيين محافظ بديل له.

سخط في العاصمة

هذه الصفقة الجديدة التي عدت انتصاراً سياسياً بارزاً للبرلمان على حساب خصومه مثل "حكومة الوحدة" برئاسة عبدالحميد الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي نجح صالح عبرها في حيازة موازنة ضخمة لحكومة أسامة حماد في بنغازي بلغت قرابة 88 مليار دينار (13.9 مليار دولار)، مخصصة بالكامل للتنمية مقابل 87 مليار دينار (13.8 مليار دولار) لحكومة الدبيبة مخصص جلها للمصروفات العامة مثل المرتبات العامة والكهرباء والمحروقات وباقي الحاجات المعيشية.

قسمة الموازنة بهذه الصورة كان متوقعاً ألا ترضي المعسكر السياسي في الغرب الليبي، خصوصاً أن النشاط التنموي الملحوظ شرقاً يقوده أبناء قائد الجيش في بنغازي المشير خليفة حفتر وتخشى هذه الأطراف من ذهاب جزء من هذه المخصصات التنموية التي صرفت لحكومة أسامة حماد في تسليح القوات التابعة لحفتر، كما تعني أيضاً أن حكومة طرابلس لن تعود قادرة على تمويل القوات التي تحميها وتضمن حتى الآن لها البقاء في السلطة، على رغم "المحاولات المستميتة" لإسقاطها من قبل مجلسي النواب والدولة بحسب اقتصاديين.

عزل محافظ "المركزي"

أمام كل هذه المعطيات الجديدة التي بلورتها الصفقة المفاجئة بين البرلمان ومحافظ المصرف المركزي حدث ما كان منتظراً منذ أسابيع وتحركت القيادات السياسية في طرابلس لعزل واستبدال محافظ "المركزي" الصديق الكبير عراب هذه الصفقة، والرجل الوحيد الذي حافظ على منصبه بين كل الوجوه البارزة التي مرت بالمشهد الليبي منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011.

 قائد هذا الانقلاب الجديد على الصديق الكبير كان رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي مستنداً إلى صلاحيات قال إن اتفاق جنيف عام 2020 منحه إياها، وهو ما فنده واعترض عليه رئيس البرلمان عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري ومحافظ المصرف المركزي الصديق الكبير، مما يؤشر إلى اندلاع نزاع قانوني جديد بين كل هذه الأطراف خلال الفترة المقبلة.

وربط مراقبون كثر في المشهد الليبي بين هذه الخطوة التي اتخذها المجلس الرئاسي وبين تصعيد البرلمان ضده وحكومة الوحدة خلال الأيام الماضية، الذي وصل حد إعلان نهاية صلاحيتهما السياسية التي منحت لهما بموجب الاتفاق السياسي الموقع في جنيف عام 2020.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

محافظ جديد

ونص القرار الذي أصدره المجلس الرئاسي على تعيين محمد الشكري محافظاً للمصرف المركزي وإعادة تشكيل مجلس إدارة المصرف المركزي برئاسة الشكري ونائبين له وستة أعضاء، بينهم وكيل وزارة المالية بحكومة "الوحدة الوطنية" التي يترأسها عبدالحميد الدبيبة.

الغريب أن قرار تعيين الشكري محافظاً للمصرف المركزي سبق أن صدر من البرلمان قبل أعوام وفشل في تنفيذه بعد رفضه من الأطراف السياسية في طرابلس التي وقفت حينها مع المحافظ الحالي الصديق الكبير، وانقلبت كل هذه المواقف رأساً على عقب اليوم إذ جمد البرلمان قراره السابق بتعيين الشكري وثبت الكبير في منصبه بينما تريد قيادات العاصمة العكس، مما يبرهن على هشاشة التحالفات الليبية وسرعة تبدل المعطيات وتغير مواقع الاصطفاف السياسي بصورة مربكة للجميع.

رفض البرلمان

من جانبه رفض رئيس مجلس النواب عقيلة صالح تسمية المجلس الرئاسي محافظاً جديداً لمصرف ليبيا المركزي، معتبراً أن "هذه الخطوة قد تؤدي إلى تجميد الأرصدة الليبية وانهيار العملة المحلية مما يتسبب في ضرر بالغ للاقتصاد وللشعب الليبيين".

وأعلن صالح في كلمة خلال جلسة مجلس النواب أول من أمس الإثنين في بنغازي "استمرار محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير ونائبه مرعي البرعصي إلى حين الاتفاق مع المجلس الأعلى للدولة على المناصب السيادية". واعتبر أن "اختصاصات المجلس الرئاسي محددة وفق مخرجات ملتقى الحوار السياسي الليبي، وليس من بينها تعيين أو إعفاء محافظ المصرف المركزي".

ولفت رئيس البرلمان إلى أنه "على رغم قرار مجلس النواب في الجلسة السابقة انتهاء ولاية المجلس الرئاسي، لكن لا يزال باب الحوار مفتوحاً لكل الليبيين ومع المجلس الأعلى للدولة".

الكبير يتمسك بمنصبه

وأصدر محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير ونائبه مرعي البرعصي بياناً أمس الثلاثاء في شأن القرارات التي أصدرها المجلس الرئاسي خلال الأيام الماضية، بخصوص تكليف محافظ للمصرف وإعادة تشكيل مجلس إدارته وتكليف لجنة لتسلم وتسليم إدارة المصرف.

وذكر البيان أن "محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير عقد عدة لقاءات مع رئيس المجلس الرئاسي وعدد من الأطراف الأخرى لغرض التهدئة ولبيان موقف مصرف ليبيا المركزي في شأن تلك القرارات وصدورها من جهة غير ذات اختصاص".

وقال الكبير والبرعصي في البيان إن "اللجنة المكلفة من المجلس الرئاسي بتسلم المصرف المركزي تنفيذاً لتلك القرارات المشار إليها حضرت الثلاثاء (أمس) إلى مقر مصرف ليبيا المركزي الرئيس بمدينة طرابلس، ووضح لها بأن القرارين اللذين بني عليهما تكليف لجنة التسلم مخالفان للقانون ومنعدمان لصدورهما عن غير متخصص في الشأن، إذ إن المصرف المركزي وفقاً لقانونه رقم 1 لسنة 2005 في شأن المصارف وتعديلاته (لازال سارياً) يتبع السلطة التشريعية، وإن تعيين المحافظ ونائبه ومجلس إدارته يتم وفقاً للقانون سالف الذكر والاتفاق السياسي".

وفي المقابل، قال المجلس الرئاسي في بيان إن "لجنة تسليم رئاسة مصرف ليبيا المركزي أكملت إجراءات النقل الإداري على رغم رفض الصديق الكبير التعاون معها، وأن مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي الجديد سيباشر مهامه الأربعاء (اليوم) الـ21 من أغسطس (آب) 2024".

هذا التمسك من كل طرف بموقفه يخشى الشارع الليبي من تداعياته السياسية والاقتصادية وحتى الأمنية، إذ من المتوقع أن تنقسم إدارة المصرف المركزي من جديد ويسعى كل طرف إلى الدفاع عن موقفه بمساعدة أذرعه العسكرية.

تحذير أممي

وفي الأثناء كشفت البعثة الأممية للدعم في ليبيا عن موقفها مما يجري بخصوص النزاع على رئاسة المصرف المركزي، إذ رأت رئيسة البعثة ستيفاني خوري بحسب بيان رسمي لها بعد لقاء مع محافظ المصرف الحالي الصديق الكبير أن "الإجراءات أحادية الجانب قد يكون لها تأثير خطر محتمل على مكانة ليبيا في النظام المالي العالمي مع عواقب سلبية أخرى".

وشددت على "ضرورة اتخاذ خطوات لاستعادة الثقة في المصرف المركزي، وبخاصة المساءلة المالية والشفافية وتنفيذ توصيات المراجعة كتعيين مجلس إدارة للمصرف".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير