ملخص
تبنت كامالا هاريس استراتيجية السخرية من دونالد ترمب باستخدام الفكاهة والميمز. ويهدف هذا النهج الذي تأثر بكتاب الخبيرة الاستراتيجية السياسية رايتشل بيتكوفر إلى مواجهة تكتيكات الجمهوريين. إن تحول الديمقراطيين إلى هذه الرسائل العدوانية والفكاهية يجذب الناخبين لكن فعاليتها في الانتخابات لا تزال غير واضحة
[ظهر] قبل بضعة أيام منشور من "صفحة الاستجابة السريعة الرسمية" لحملة الانتخابات الرئاسية لنائبة الرئيس كامالا هاريس على منصة "إكس"/ "تويتر" (سابقاً)، يضم مقطعاً مصوراً بالفيديو للرئيس السابق دونالد ترمب وهو يتحدث عن كيفية حرمانه تماماً من التقدير الذي يستحقه لمعالجة كوفيد. وجاء في كلام الصورة "ترمب: لم أنل على الإطلاق التقدير الذي أستحقه على مكافحة كوفيد" ثم كتب تحته "(مات أكثر من مليون أميركي وهو طلب منا أن نحقن أنفسنا بسائل تبييض)". وكان منشور آخر لكامالا تناول المؤتمر الصحافي الأخير الذي عقده ترمب داخل ناديه للغولف في بيدمينستر بنيو جيرسي، وجاء فيه "ترمب يقضي وقت ’خطابه الاقتصادي‘ في الشكوى من ظهور كامالا هاريس على غلاف مجلة ’تايم‘".
وخلال المقابلة الكارثية التي أجراها الأسبوع الماضي إيلون ماسك مع ترمب على منصة "إكس"/"تويتر"، سخرت حملة هاريس منه أثناء بث المقابلة مشيرة إلى أن ترمب زعم أن تغير المناخ لا يمثل مشكلة لأنه "سيحصل على مزيد من العقارات المطلة على المحيط".
وهناك في بعض الأحيان 20 أو 30 واحدة من هذه التغريدات يومياً وهي منشورات وسائط اجتماعية هجومية تستهدف جوانب شتى ولا تكاد تتوقف، وكل منها يهزأ ظاهرياً من المعارضة ويعزف على أكبر عدد ممكن من الأوتار التي تقول للجمهور "انظروا كم هم غريبون الآن". وأيضاً لا يقتصر الأمر على ما تنشره وسائل التواصل الاجتماعي الرسمية لحملة هاريس، بل يشارك الديمقراطيون بدورهم في هذا اللهو عبر قنوات التواصل الاجتماعي. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع نشر كاتب سيناريو يدعى إريك شامبنيلا مقطعاً من شريط فيديو لخطاب ترمب غير المترابط والسيئ ذكر الآن حيث يناقش القوارب الغارقة والبطاريات وهجمات أسماك القرش، بعدما قام بدمجه مع مشاهد من فيلم "أحدهم طار فوق عش الوقواق". إنه أمر لا معنى له وكذلك فهو مضحك للغاية لأنه بعد كل همهمة من خطاب ترمب، يستجيب النزلاء في المصح العقلي [حيث تدور أحداث الفيلم] بقلق لهذيانه غير المتماسك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إذا كان هناك شيء واحد يخشاه ترمب أكثر من كل ما عداه فهو السخرية منه، ويبدو أن الديمقراطيين انتبهوا فجأة إلى نقطة الضعف القاتلة هذه لدى الرئيس السابق. وبدلاً من تصويره كواحد من أخطر الرجال في العالم يتم تحجيم ترمب إلى أضحوكة. وهكذا بنظرة مستهزئة وضحكة بالكاد مخفية من وولز وهاريس يتم فضحه. لقد تضاءلت قوته وتحولت خطاباته إلى صور مضحكة تنتشر بين الناس انتشار النار في الهشيم فلا تضحك الديمقراطيين وحدهم بل يضحك معهم العالم بأسره أيضاً.
لقد كتبت المتخصصة في التخطيط الاستراتيجي السياسي رايتشل بيتكوفر فعلاً كتاباً عن هذا التكتيك الجديد، والذي يُجرى توظيفه من أجل تحقيق هذا القدر من التأثير مما يسبب الغضب في معسكر ترمب. كتاب "اضربهم في نقاط ضعفهم: كيفية إنقاذ الديمقراطية من خلال التغلب على الجمهوريين في لعبتهم الخاصة" Hit ‘Em Where It Hurts: How to Save Democracy by Beating Republicans at Their Own Game، الذي صدر في وقت سابق من هذا العام، هو الدليل الأحدث للتصيد السياسي ويبدو أنه أصبح بمثابة خطة العمل التي تضم التكتيكات الجديدة لكل من كامالا هاريس وتيم وولز، الذي اختارته حديثاً لمنصب نائب الرئيس.
خلال الانتخابات النصفية لعام 2022 عملت بيتكوفر مع الحزب الديمقراطي بغرض تنفيذ ما سمته "استراتيجية التحزب السلبية". وتقول في كتابها "يجدر بالناخبين أن يعتقدوا بأن هذه الانتخابات تشكل فرصة خيار للأميركيين فيما نواجه أزمة وطنية جديدة متمثلة بالحزب الجمهوري، أي التهديد الأكثر خطورة لحريتنا وصحتنا وثروتنا وسلامتنا". وتتابع، لهذا "يتعين علينا إعادة اختراع الطريقة التي نتواصل بها".
تصر بيتكوفر على أن الديمقراطيين في حاجة إلى الكف عن تجاهل المشكلات أو عدم إدراك أنها موجودة والبدء بتوجيه ضربات صادمة تؤدي إلى ازعاج الخصم بشدة، وذلك بطريقة الجمهوريين أنفسهم. وتزعم أن الجمهوريين وخصوصاً دونالد ترمب كانوا لفترة طويلة جداً يفوزون من خلال تحويل خطابهم إلى سلاح.
وتتابع "لدى الجمهوريين إمدادات لا نهاية لها من الوسوم الكاذبة التي يلصقونها بالديمقراطيين، وذلك لإقناع الأميركيين بأن جميع الديمقراطيين اشتراكيون ومن تيار "اليقظة" ومؤيدون للجريمة وعنصريون ضد البيض ويريدون استدراج الأطفال ليصبحوا منحرفين جنسياً. وبالنسبة إلى الحزب الجمهوري اليوم لم يعد هناك أهمية للتفاصيل غير المريحة مثل الحقيقة".
وتعد بيتكوفر أن الوقت حان بالنسبة إلى الديمقراطيين "لمحاربة النار بالنار... [والقيام بقدر] أقل من الدفاع، وأكثر من الهجوم المضاد... وإعادة استخدام أقوى الكلمات في السياسة الأميركية بإعادة تقديم أنفسهم كحزب الحرية وتصوير الجمهوريين كحزب الفاشية".
وتقول إن عليك أن تنظر إلى التحول الهائل في أوائل العقد الأول من القرن الـ21 لكي تعرف سبب الحاجة إلى استراتيجية جديدة. وعلى رغم أن السياسة في أميركا كانت على الدوام مثيرة للانقسام ولئيمة فإن "فوكس نيوز" وهي القناة المؤيدة للجمهوريين التي أنشأها قطب الإعلام روبرت مردوخ خلال منتصف تسعينيات القرن الماضي، وبلغت ذروة نفوذها في وقت بدأ فيه فعلياً عصر الإنترنت، خلقت تأثيراً شبيهاً بالفرانكنشتاين على الناخبين الجمهوريين. وتضيف "عندما تضخ كل هذا الهراء المجنون في الناس، فإنهم يستجيبون".
إلى جانب هذا كان ما يسمى تمرد حزب الشاي الذي أدى إلى تحول كبير في الكونغرس، مع إحلال السياسيين المحافظين أيديولوجياً بصورة أكبر محل شخصيات مؤسسية أكثر توازناً.
ومن جهته، استعمل دونالد ترمب ما وصفته بيتكوفر بأنه "دليل الديكتاتور" من أجل إقناع الناخبين الجمهوريين بأنه المصدر الوحيد للحقيقة حتى عندما كان ما يقوله مخالفاً بصورة صارخة للحقيقة. بالطبع كان يحتاج إلى تأييد جمهوريين منتخبين آخرين من أجل إضفاء الشرعية على ادعاءاته الأكثر تطرفاً، وقد وافقوا بالفعل على ذلك. "وجميع هؤلاء الرجال بمن في ذلك جي دي فانس" [فعلوا ما أراده]، كما تقول الكاتبة.
وتزيد "لكي يكون المرء على توافق مع الحزب الجمهوري اليوم يجب أن يكون مخلصاً بنسبة 100 في المئة ومن دون أن يوجه أية انتقادات لدونالد جي ترمب"، على حد تعبيرها. وتتابع "وهذا يشمل تكرار الكذب بأن الانتخابات سرقت حتى ولو كانوا يعرفون أن ذلك غير صحيح". إنه عالم ما بعد الحقيقة الذي تسميه بيتكوفر "اضطراباً عقلياً جماعياً" إذ "هناك ملايين الأشخاص اليوم الذين يعتقدون أن [الديمقراطيين] سرقوا الانتخابات، وأن [الديمقراطيين] جميعاً متحرشون بالأطفال، وأنهم يستدرجون الأطفال [للاعتداء عليهم جنسياً]".
وتقول "لم يسبق يوماً أن رأينا ملايين الأشخاص الذين يؤمنون بعالم منفصل عن الواقع يكونون فيه هم الضحية، لأن كل ما يقوله ترمب ويفعله وتقوله وتفعله حركته هو عبارة عن موقف اتخذ بصورة دفاعية وهو يضفي الشرعية أو يبرر أي شيء مهما كان مريعاً يحاولون القيام به".
ولكن عبر هذا التكتيك الجديد المتمثل في تجريد خطاب من هذا النوع من فاعليته بواسطة السخرية العلنية والضحك، هل يتخلى الديمقراطيون عن استراتيجية ميشيل أوباما الشهيرة "عندما يهبطون إلى درك أسفل، نحن نترفع بأنفسنا إلى مستويات أعلى"؟ هل يخاطر الديمقراطيون باقتراف ذنب سلوك التنمر نفسه الذي يزعمون أنهم يكرهونه؟
تقول بيتكوفر "لا. لأن الليبراليين أناس طيبون"، مضيفة أنها لا تقترح على الديمقراطيين أن يكذبوا بل إن يجعلوا رسالتهم ببساطة تدور حول واقع جديد. وتشير إلى أنهم في حاجة إلى أن يصبحوا "سفراء للحس السليم وكذلك الحرية والصحة والثروة والسلامة". وترى أنهم يستطيعون القيام بذلك من خلال "قلب الطاولة على الجمهوريين، والإشارة بطريقة مباشرة بصورة أكبر إلى الأكاذيب، وأيضاً التصريحات غير المنطقية لترمب".
إن التواصل الفعال في لغة بيتكوفر يعني إصابة الخصم في المقتل منه. وهذا تماماً ما حدث عندما ألقت كامالا هاريس خطاباً بعد وقت قصير من إعلان ترشحها للرئاسة وقالت، بصفتها مدعية عامة سابقة في قاعة المحكمة، لقد "تصديت لمرتكبي الجرائم من جميع الأنواع من المتوحشين الذين أساؤوا معاملة النساء، والمحتالين الذين خدعوا المستهلكين والمخادعين ممن خالفوا القواعد لتحقيق مكاسبهم الخاصة. لذا اسمعوني عندما أقول أنا أعرف صنف دونالد ترمب".
ثم هناك تيم وولز زميلها في الترشح الذي يستمتع بوصف ترمب وجي دي فانس بأنهما "غريبان". قال وولز "دونالد ترمب يتحدث عن هانيبال ليكتر الرائع أو أي شيء غريب آخر يكون أثار اهتمامه ذات الليلة... هذا سلوك غريب الأطوار". وسرعان ما أصبحت كلمة "غريب الأطوار" عبارة طنانة رنانة في الحسابات الديمقراطية على "تويتر" و"تيك توك" ومنصات أخرى، وكان تأثيره مدمراً (على فانس في الأقل).
ساد عالم الإنترنت للحظة خلال يوليو (تموز) الماضي هوس بمشاركة النكات حول ممارسة جي دي فانس الجنس مع أريكة. ولم يكن ذلك صحيحاً ولكن كما أشار أحد كتاب مجلة "نيشين" The Nation فإنه بالتأكيد "لم يكن أقل الأشياء التي سمعناها على الإطلاق قابلية للتصديق - لقد ترك [المرشح المستقل] روبرت كينيدي جونيور بالطبع دباً ميتاً في سنترال بارك"، لكنه أضاف أن هذه "كانت هذه انتخابات ميمز" منذ غدت هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي.
وفي حين أن بيتكوفر التي تعيش وتشتغل في ولاية أوريغون وعملت سابقاً كمتنبئة ومحللة للانتخابات لا تعمل لدى حملة هاريس الانتخابية بأية صفة رسمية، فمن الواضح أن الأشخاص الذين يديرون الأمور [في الحملة] يفهمون كتابها جيداً. وقد لفت انتباه رئيس الحزب الديمقراطي جايمي هاريسون، والرئيس السابق للجنة الوطنية الجمهورية (2009-2011) مايكل ستيل الذي أيد ترشيح جو بايدن عام 2020 للرئاسة.
وتذكر أن "جايمي" هذا "متحمس جداً للكتاب. ولديهم ثلاث نسخ للحزب في كل ولاية، وسأذهب إلى المؤتمر الوطني الديمقراطي الأسبوع المقبل. وكما تعلمون فإنهم يضغطون بقوة من أجل تبني الحملات والأحزاب في الولايات هذه الاستراتيجية".
إنها تستمتع بالتأكيد بمراقبة الاستراتيجية التي تعتقد أنها ستكون رابحة، وهي تطبق بصورة مباشرة. وتقول "عندما شرعت في القيام بذلك قبل أربعة أعوام فكرت: سأصلح استراتيجية الحملة الانتخابية للحزب الديمقراطي بالكامل"، مضيفاً "لكن هذا سيكون صعباً لأنني... سأضطر إلى تعليم مجموعة من الأشخاص الطيبين كيف يكونون أشراراً. وهذا سيكون مثل تعليم قطة على المشي وهي مربوطة بمقود. هذا ليس طبيعياً بالنسبة إلينا. نحن أشخاص نعتمد على وقائع. ونستجيب لحجج قائمة على الحقائق".
إن الميمز الصادرة من مقر هاريس/وولز هي صحيحة من الناحية الواقعية بيد أنها مضحكة أيضاً. والناس يحبون المرح ويشاركون المرح ويتذكرون المرح. وتصل هكذا رسائل بسرعة لم يشهدها الديمقراطيون منذ فترة. والآن يبدو ترمب وكأنه الرجل العجوز المنفصل عن الواقع في تحول لافت خلال أسابيع من رجل قوي إلى شخصية تثير السخرية. الناس لا يضحكون على الفائزين. وترمب يعرف ذلك.
ولكن هل يمكن أن تذهب السخرية إلى أبعد من ذلك؟ خلال المقابلة التي أجراها معه ماسك لاحظ المستمعون أن ترمب كان يلدغ في الكلام وأرجع ذلك إلى مشكلة تقنية، إلا أن ميمز البط دونالد داك لم تتخلف عن الهزء من ترمب. وهي لم ترد عبر حسابات هاريس أو وولز الرسمية ولكنها شيء يجب أن يكونا على دراية به [قادران على السيطرة عليه]. إذا تم عكس الأدوار وهاجم ترمب شخصاً ما بسبب معاناته من إعاقة في الكلام، لكان الديمقراطيون قد شعروا بالفزع. النفاق ليس استراتيجية رابحة أيضاً.
ولكن خلال الوقت الحالي سئمت بيتكوفر من كونها لطيفة. وسئمت أيضاً من تطبيع وسائل الإعلام لجنون حركة "ماغا" [اجعلوا أميركا عظيمة من جديد]، كما تقول. وتردف "كنا نعلم جميعاً أن دونالد ترمب سيزعم حصول احتيال [بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020]. مع هذا، عندما فعل ذلك، بدلاً من أن تعلن وسائل الإعلام، نعم فعلاً أشار هذا الرجل قبل أشهر إلى أنه سيفعل ذلك، أمضت شهراً في دحض ما كنا نعرف سلفاً أنه هراء. ولو كنا سخرنا منه منذ البداية، لما حققت ادعاءاته النجاح الذي حققته".
تعد بيتكوفر أن هذا درس مهم لأنها مقتنعة بأن هذا الأمر سيظهر مرة أخرى خلال نوفمبر (تشرين الثاني) إذا خسر ترمب. وتضيف "يتعين علينا أن نضحك عليه ونعامله كما لو كان شيئاً غريباً ومجنوناً. لأنه عندما لا تسخر من هرائهم الغبي فإنك تضفي عليه الشرعية". وهو ما يمنحه بالتالي قوة لا يستحقها.
قد تبدو الميمز لكثيرين مجرد زغب رقمي، لكنها أثبتت بصورة متزايدة أنها أداة فعالة في تشجيع مشاركة الناخبين. والسؤال هو، هل ستترجم هذه الطاقة الشعبية إلى نجاح لهاريس وولز خلال نوفمبر؟ حينها فقط سنعرف من سيفوز بالضحكة الأخيرة.
© The Independent