Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تعديلات قانون الأحوال الشخصية: هل تحافظ على حقوق الأسرة العراقية أم تهددها؟

الزواج بعمر الـ 9 سنوات و"الاستمتاع" للحصول على النفقة وحرمان الفتاة من الإرث والمرأة من الحضانة

قانون الأحوال الشخصية العراقي عُدل 17 مرة حتى عام 1999 فيما لم يُعدل خلال الأعوام الـ 25 الأخيرة (أ ف ب)

ملخص

هناك من يعتبر أن بعض فقرات القانون الجديد قد تتعارض مع التشريعات أو الأعراف الاجتماعية السائدة، مما قد يسبب إرباكاً في التنفيذ.

أثار قانون الأحوال الشخصية الجديد في العراق والذي تمت قراءته للمرة الأولى في البرلمان قبل أيام، موجة من الانتقادات من مختلف الفئات الاجتماعية، مما يثير تساؤلات جدية حول فعاليته ومحتواه، ولا سيما في ما يتعلق ببنود القانون الخاصة بسن الزواج والنفقة والميراث.

وفي تعريف لقانون الأحوال الشخصية فإنه مجموعة قواعد قانونية تنظم علاقة الأفراد في ما بينهم، من حيث صلة النسب والزواج وما ينشأ عنه من مصاهرة وولادة وولاية وحضانة وحقوق وواجبات متبادلة، وما قد يعتريها من انحلال تترتب عليه حقوق في النفقة والحضانة والإرث والوصية.

جدل واسع وانتقادات شديدة

وتطرق الأستاذ في كلية العلوم السياسية في جامعة النهرين سلمان الأعرجي إلى أبرز السلبيات والقضايا التي أثيرت حول القانون قائلاً إن أولها عدم المساواة في الحقوق بين المرأة والرجل، إذ يعتقد بعض النقاد أن القانون الجديد لا يوفر حقوقاً كافية للمرأة، مما يعزز التمييز بين الجنسين في بعض جوانب الأسرة والميراث، وعلى سبيل المثال فهناك مخاوف من أن النساء قد لا يحصلن على حقوقهن القانونية بصورة كاملة، مما قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات الأسرية وتكريس الهيمنة الذكورية في المجتمع.

وثانيهما أن أحد أكثر البنود إثارة للجدل هو تقليص سن الزواج، فيعتقد بعضهم أن خفض سن الزواج قد يسهم في زيادة حالات الزواج الباكر، والذي يمكن أن يؤثر سلباً في صحة الأطفال المعنيين، ويعزز من قضايا الاستغلال والضغط الاجتماعي.

ويثير هذا البند قلقاً واسعاً حول تداعياته المحتملة على الفتيات الصغيرات وعلى استقرار المجتمع ككل، كما أن هناك تخوفات من أن الإجراءات الجديدة المتعلقة بالطلاق قد تكون معقدة وتؤدي إلى زيادة التوترات الأسرية، بخاصة في الحالات التي تنطوي على أطفال، وهذه التحديات القانونية والاجتماعية المحيطة بقضايا الطلاق قد تؤدي إلى تفكك أسر أكثر مما كانت عليه في السابق، مما يستدعي بحثاً أعمق حول الحلول الممكنة لتخفيف هذه الآثار السلبية.

تناقض مع القوانين القائمة

وأشار الأعرجي إلى أن بعض فقرات القانون الجديد قد تتعارض مع التشريعات الأخرى أو الأعراف الاجتماعية السائدة، مما قد يسبب إرباكاً في التنفيذ يمكن أن يؤدي إلى نزاعات بين القضاة والأطراف المتنازعة، مما يدل على الحاجة إلى تنسيق وتوحيد التشريعات لضمان تطبيق عادل ومنصف.

وكما نعلم أن العراق مجتمع متعدد الأعراق والأديان وقد لا يلبي القانون الجديد حاجات الفئات كافة، مما يمكن أن يؤدي إلى استبعاد بعض المجموعات من حقوقها، ولذا يجب النظر بعناية لخصوصيات هؤلاء والتأكد من شمولهم بالقوانين بطريقة تتناسب وثقافاتهم ومعتقداتهم لتجنب أي شعور بالتهميش أو الإقصاء.

رؤية لمستقبل القانون

ويوضح لنا الباحث الاجتماعي محمد فخري المولى رؤيته التي يقول إنه عمل عليها لأكثر من خمسة أعوام، والموضوع يتكون من شطرين رئيسين، أولهما الجانب الفقهي والديني، وفي هذا الشطر يؤكد المولى أن "أي دولة ذات طابع تعددي ديني أو طائفي لن تتمكن من وضع معيار مُلزم يرضي جميع الأطراف، فالأديان والطوائف المختلفة لها طقوسها الخاصة المتعلقة بالزواج والطلاق وغيرها من التفصيلات الأسرية، ولذا فمن غير الواقعي زج الأديان في هذه المعادلة بصورة مباشرة، لأن أتباع كل طائفة أو دين سيتشبثون بتشريعاتهم كل وفق معتقداته، وثانيهما القوانين الوضعية ودورها في تنظيم المجتمع، فالقوانين الوضعية هي تلك التي تتبناها الدولة وتنفذها الحكومات لضبط إيقاع الحياة الاجتماعية للعائلات، فعلى سبيل المثال نجد في بعض الدول تحديداً إجبارياً للنسل، وهذا ما لا نجده إلزاماً لدى الديانات والطوائف، ولذا فإن إقحام الدين في هذه الأمور يعد أمراً غير واقعي وغير عملي".

ويطرح المولى رؤية دقيقة مفادها بأن تشريع قانون الأسرة يجب أن يتولى تنظيم وتسجيل ومتابعة الحياة الزوجية من اليوم الأول لتصديق عقد الزواج حتى نهاية المسار، سواء بالسلب أو الإيجاب، وفق ما يخدم بناء العائلة ومصلحتها ونهج الحكومة ورؤية الدولة، وعندما يتم تنظيم الأمور بهذه الطريقة فستنتهي كل هذه السجالات الإعلامية والمشكلات المحيطة بالقضايا الأسرية.

واختتم المولى حديثه بتحذير واضح من أن "المعضلة الحالية المتعلقة بالطلاق والحضانة والنفقة ستتفاقم ما لم نجد حلولاً حقيقية".

العشائر العراقية

المعلم والأب لثلاثة أولاد، عباس هاشم الربيعي، قال "للأسف يدفع بعض الآباء ببناتهم للزواج باكراً لتكون سهلة مطواعة بيد الرجل، بحسب المقولة العراقية المشهورة: حتى يربيها على يديه، أي تعي طباع زوجها منذ الصغر، إذ يشتهر لدى العشائر إجبار الفتاة على الزواج من ابن عمها الذي تكون له الحظوة الكبرى دون سواه".

ويذكر بحسرة أن ابنتي أخيه "تزوجتا من ابني عمهما وكانتا دون سن الـ 15 والـ 16، وبعد عامين أو أكثر عادتا مطلقتين لبيت والدهما وكل منهما تحمل طفلاً رضيعاً بأمس الحاجة الى احتضان الأبوين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بين التعديلات والإشكالات المجتمعية

أما الخبير القانوني وليد محمد الشبيبي فأوضح أن "قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم (188) لسنة 1959 يعتبر من أفضل التشريعات في المنطقة العربية، إذ تمت صياغته بروح ثورية بعد الإطاحة بالنظام الملكي في العراق، وكان خطوة تقدمية لكن التعديلات التي طرأت عليه لاحقاً أثارت كثيراً من الإشكالات، وأول هذه التعديلات صدر خلال فترة الحرب العراقية - الإيرانية وكانت له مسوغات موضوعية وشرعية، إذ كان من الضروري أن تحتفظ زوجة أحد ضحايا الحرب أو المفقودين بحق حضانة أطفالها دون منافسة من أهل الزوج.

وأشار الشبيبي إلى أن القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 في المادة الرابعة من الفقرة الثانية ينص على أنه "إذا زال المانع عاد الممنوع"، أي مع انتهاء الحرب يجب أن تعود الحقوق لأصحابها الأصليين، بما في ذلك حق الحضانة.

وأصبحت المادة (75) التي تتناول الحضانة محور الجدل بعد تعرضها لتعديلات في الأعوام 1978 و1986 و1987، والتي كانت جميعها تصب في مصلحة الأم، مما أدى إلى تهميش دور الجدة والعمة، إذ لا يمكن لهما لقاء الحفيد أو ابن الأخ إلا بعد مرور 15 عاماً، وهذا الانقطاع الطويل قد يؤدي إلى تشويه صورة أفراد عائلة الطفل من جهة الأب أو الأم، مما يثير التساؤلات حول التأثير النفسي والاجتماعي على الطفل الذي ينشأ في بيئة متصارعة بين الأبوين.

وفي ظل عدم تمكن الآباء من تعديل المادة (75) ارتفع سقف مطالبهم وفق المادة (41) التي تمنح خيارات عدة، منها عدم إلزام تسجيل عقد الزواج على أي مذهب، وشدد قائلاً "لا أعبر هنا عن أي تأييد أو رفض لهذا التعديل لكنني أؤكد أن قضية زواج القاصرات كانت موجودة منذ عهد النظام السابق، بخاصة في المناطق الريفية الفقيرة حيث كانت الزيجات تتم لفتيات دون الـ 14 سنة، ولم يستطع النظام السابق إيقاف هذه الظاهرة لأنها لم تخالف الشريعة الإسلامية، والمطالبة الحالية هي بالإبقاء على القانون كما هو، ولكن يجب الإشارة إلى أن القانون عُدل 17 مرة حتى عام 1999، ولم يُعدل خلال الأعوام الـ 25 الأخيرة".

وختم الشبيبي "من وجهة نظري يجب إلغاء تعديلات عام 1978 لأنها حرفت القانون عن فلسفة المُشرع الأصلية التي جعلت منه الأفضل والأبرز، وعلى رغم هذه التعديلات يظل القانون أحد أفضل التشريعات في العراق، ولكن لا يوجد قانون مقدس ويجب أن يكون قابلاً للتعديل والتحديث بما يتوافق مع حاجات المجتمع، ولا يجوز لمن يجهل القانون أن يتحدث فيه بعاطفة ولا ينبغي أن تؤخذ القرارات التي تخص الأسرة والعائلة بناء على استفزاز أو إثارة عواطف الآخرين، ويجب أن تكون النقاشات حول هذا القانون منطقية ومدروسة بعيداً من التأثيرات العاطفية".

لماذا الإصرار على التعديل؟

الحقوقية خديجة حسين محمد أفادت بأن "التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية تتضمن مواداً تثير القلق وأبرزها السماح بتزويج القاصرات بعمر تسع سنوات فما فوق، وهو ما يعد انتهاكاً صارخاً واغتصاباً لبراءة الأطفال، إذ لا يمكن لطفلة في هذا العمر تحمل مسؤولية بيت وزوج وأطفال، وفضلاً عن ذلك يفرض التعديل المقترح شرط الاستمتاع لحصول الزوجة على النفقة، فإذا غادرت دار الزوج فلا تستحق النفقة إلا إذا عادت وأدت واجباتها الشرعية، إن كان ذلك لمرة أو مرتين في الشهر، وهذا التعديل يعكس تراجعاً كبيراً في حقوق المرأة ويحول العلاقة الزوجية إلى عقد خاضع لشروط مجحفة بحق المرأة".

التمييز في الميراث

وتابعت خديجة محمد أن "التعديل يقترح حرمان الفتاة من الإرث العقاري مما يعكس تمييزاً واضحاً ضد المرأة، وقد أثارت هذه المادة بالتحديد اعتراضات واسعة كونها تتنافى مع أحكام الشريعة الإسلامية التي تضمن للمرأة حقها الكامل في الميراث، فالتعديل يلغي أيضاً عقوبة الزواج خارج المحكمة مما يعزز الزواج غير الرسمي ويزيد الفوضى الأسرية، وإضافة إلى ذلك فالتعديل يمنح الطفل حق اختيار السكن مع الأب أو الأم بعمر السبع سنوات، ويُسقط الحضانة عن الأم في حال زواجها حتى وإن كانت في مرحلة الإرضاع لطفلها".

واختتمت قائلة إن "هذه التعديلات لا تتناسب مع النسيج الاجتماعي والعرفي للعراق، وتتعارض مع الشريعة الإسلامية، وتمرير هذا القانون يعد جريمة اجتماعية بحق الطفولة والمرأة".

هل يؤثر التعديل في الأقليات؟

الباحثة في الشأن الكردي والأيزيدي لمى لازكين باراني علقت قائلة إن "قانون الأحوال الشخصية الذي يناقش في البرلمان الآن لا يؤثر في قانون الأحوال في كردستان، لكن هناك مخاوف من أن بعض فقراته ستعدل على قانون الأحوال الشخصية في كردستان، ومن وجهة نظري فإن هذا القانون ينافي حقوق الإنسان التي صوت عليها العراق في الاتفاقات التي عقدت في جنيف، ولذا يجب أن تكون هناك حملة رفض لتشريع هذا القانون، وعلى نساء العراق التظاهر للعمل دون إقرار هذا القانون".

التعديل يقصي أبناء الأقليات

الناشط في مجال حقوق الإنسان جبار الدليمي صرح قائلاً إن مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 لا يتناسب توقيته مع الوضع السياسي الحالي في العراق، وأكد أنه لا يعارض فكرة تعديل القوانين وإعادة النظر في مضامينها بل يراها خطوة نحو الحداثة وتحقيق أهداف التنمية، شرط أن تكون الأسباب الموجبة للتشريع مقنعة وتحقق مصلحة جميع مكونات الشعب العراقي.

وشدد الدليمي على أن تعديل قانون الأحوال الشخصية يجب أن يراعي أولاً المصلحة الفضلى للمرأة والطفل ثم مصلحة الأسرة، مشيراً إلى أن تشريع قانون كهذا إذا اقتصر على ديانة معينة فإنه سيسهم في إقصاء الآخرين من أبناء الأقليات، أو سيجبرهم على الالتزام بقانون لا يتماشى مع معتقداتهم وإرثهم الاجتماعي.

وأضاف أن "تعديل القانون بهذه الصيغة قد يفتح الباب أمام أبناء الأقليات للمطالبة بتشريع قوانين خاصة بكل ديانة، وهو ما قد يسهم في تفكيك أسس الدولة المدنية التي من واجباتها ضمان وحماية حقوق جميع المواطنين بمن فيهم المرأة والطفل".

واختتم الدليمي توصيته بالتريث وعدم المضي قدماً في هذا التعديل بصيغته الحالية، داعياً إلى إخضاع التعديل لدرس مستفيض ومشاركة جميع أصحاب المصلحة للخروج بمسودة تراعي مصالح جميع أفراد المجتمع العراقي، ومعالجة الثغرات القانونية بدلاً من زيادتها بما يحافظ على نسيج المجتمع والأسرة.

الحق في الميراث

ولفتت رئيسة لجنة المرأة النيابية السابقة انتصار الجبوري إلى مادة الميراث قائلة إن "الشرع والقانون حددا نسبة الإرث الذي تستحقه المرأة من الميراث، وبالتالي نرفض أي مساس بالحق الشرعي لها سواء في الأملاك الصرفة أو الزراعية، لأن سورة النساء حددت النصاب لكل فرد من العائلة، وهذا شرع الله".

مقترح يثير المخاوف

من جهتها أكدت أستاذة علم الاجتماع لاهاي عبدالحسين أن "مقترح التعديل الأخير يواجه انتقادات حادة بسبب تأثيره المحتمل في هيبة القضاء الوطني واستقلاله، إذ يسعى هذا المقترح إلى إنشاء نظام مواز يتحدى النظام القضائي الرسمي مما يؤدي إلى إضعاف سلطته وتهديد سيادة القانون، وفي الوقت الذي يُفترض فيه أن تسعى الهيئات السياسية العليا مثل مجلس النواب إلى تعزيز مؤسسات الدولة ودعم استقلالها، فإن هذا المقترح يعكس توجهاً مغايراً يثير المخاوف حول مستقبل القضاء في البلاد، كما أن الفشل في التشاور مع القاعدة الاجتماعية أو الانتخابية التي يمثلها أصحاب المقترح، يعد من أبرز العوامل التي أثارت المعارضة الشعبية الواسعة، فقد شهدنا تشكيلات عدة تعبر عن رفضها للمقترح، بما في ذلك الكتلة النسوية التي نشأت من داخل المجلس وعبرت بوضوح عن معارضتها لهذا التعديل".

المزيد من تقارير