ملخص
أبدى فاعلون وناشطون بيئيون في المغرب رفضهم الشديد تنفيذ صفقة استيراد أطنان من النفايات الأوروبية، بالنظر إلى خطورتها على البيئة والصحة العامة في البلاد
فجر قرار الحكومة المغربية في شخص وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة ليلي بنعلي، باستيراد مليونين و661 ألفاً و950 طناً من النفايات المنزلية والعجلات المطاطية من خمس دول أوروبية، جدلاً عارماً بلغ حد استدعاء برلمانيين الوزيرة من أجل المساءلة في مجلس النواب.
وفي وقت طالب فيه ناشطون بيئيون بوقف عملية الاستيراد هذه، ودعا فيه برلمانيون الوزارة المعنية إلى تقديم توضيحات في شأن الموضوع ذاته، تمسكت المسؤولة الحكومية بكون "النفايات غير خطرة، وتسهم في عمليات التثمين الصناعي والطاقي بالبلاد".
ووفق المعطيات المتداولة، من المقرر أن يستورد المغرب من فرنسا 980 ألف طن من النفايات المنزلية، ومن إسبانيا أكثر من 31 ألف طن، ومن بريطانيا أكثر من مليون طن، ومن السويد أزيد من 60 ألف طن، ومن النرويج 100 ألف طن.
أخطار بيئية
وأبدى فاعلون وناشطون بيئيون في المغرب رفضهم الشديد تنفيذ صفقة استيراد أطنان من النفايات الأوروبية، بالنظر إلى خطورة هذه النفايات على البيئة والصحة العامة في البلاد.
وأفاد في هذا الصدد أيوب كرير، باحث وناشط بيئي، رئيس منظمة "أوكسيجين للبيئة والصحة"، بأن استيراد المغرب النفايات من الخارج ليس أمراً جديداً، فقد سبق له أن قام بذلك خلال أعوام مضت، لكونها عملية تسهم حسب قول المسؤولين، "في إنتاج الطاقة واستعمالها في المصانع والمعامل".
ولفت كرير إلى أنه "بعد ضجة استيراد المغرب النفايات الإيطالية عام 2016 كشفت التحقيقات والبرامج الاستقصائية الإعلامية الدولية عن أن المشكلة تكمن في طبيعة هذه النفايات التي تحاول مجموعة من الدول الكبيرة التخلص منها، إذ يتم تصديرها إلى الدول السائرة في طريق النمو، في محاولة للحرص على مقدراتها البيئية وتفادي ضغوط اللوبي البيئي في هذه البلدان الأوروبية.
وأبرز المتحدث ذاته أن "بعض النفايات المستوردة تكون سامة وتشكل خطراً داهماً على البيئة"، داعياً إلى التوقف عن استيراد هذه النفايات بالنظر إلى التزام المغرب مشروعه التنموي الجديد، الذي يجعل من احترام البيئة هدفاً اجتماعياً رائداً".
وشدد كرير على أن "المغرب يتوافر على كميات هائلة من النفايات تجعله يصدرها إلى دول أخرى ولا يستوردها"، مكملاً بأنه "يتعين تثمين هذه النفايات واستغلالها بصورة مثلى، فالترسانة القانونية متوافرة لكنها تفتقد إجراءات على أرض الواقع لمعالجة النفايات، إذ يتم رميها بصورة عشوائية، مما يخلق وضعاً بيئياً وصحياً خطراً بل قاتلاً".
معارضة برلمانية
وانتقل "الغضب البيئي" من صفقة استيراد المغرب أطناناً من النفايات الأوروبية من النشطاء والفاعلين المهتمين بملف البيئة، إلى السياسيين ونواب البرلمان، إذ دعا عدد منهم الوزيرة المعنية إلى الحضور للبرلمان من أجل تقديم توضيحات بخصوص هذا الملف.
وضمن سؤال مكتوب، طالب حزب الحركة الشعبية (من المعارضة) وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة بتقديم توضيحات واقعية وسليمة لقرار استيراد مليونين ونصف المليون من النفايات المنزلية والعجلات المطاطية من بلدان أوروبية.
ووفق النائب البرلماني رئيس فريق "الحركة الشعبية" داخل مجلس النواب، إدريس السنتيسي، فإن استيراد المغرب آلاف الأطنان من النفايات المنزلية والعجلات المطاطية يجلب معه "عواقب لا تخطئها العين على البيئة وعلى الصحة".
من جهتهم، نادى نواب برلمانيون محسوبون على المعارضة الوزيرة المعنية بضرورة تقديم توضيحات حول عملية استيراد النفايات من أوروبا، لا سيما أنها تشكل أخطاراً محتملة على البيئة والصحة العامة.
وعلى صعيد ذي صلة عبر "التجمع البيئي لشمال المغرب" عن رفضه الترخيص باستيراد أطنان من النفايات المنزلية من دول أوروبية، معتبراً ذلك خرقاً لنص الدستور المغربي في حق المواطن التمتع ببيئة سليمة.
ويشير التجمع البيئي إلى الفصل الـ31 بالخصوص من الدستور المغربي الذي ورد فيه التالي "تعمل الدولة والمؤسسات العمومية على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة من الحق في الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة والتنمية المستدامة".
وسجل بيئيون ما سموه "التناقض الصارخ بين معاناة المغرب مع كميات من أطنان النفايات المحلية التي يعجز عن إعادة تدويرها وتثمينها، وسعيه إلى استيراد نفايات أوروبية جديدة بدعوى الحصول على الطاقة".
موقف الحكومة
انتقادات البيئيين وسياسيين وبرلمانيين قرار استيراد المغرب النفايات من دول أوروبية رد عليها مصدر مسؤول مقرب من الملف بتأكيد أنها "ضجة مفتعلة لا معنى لها، خصوصاً أنها ليست أول مرة يستورد فيها المغرب نفايات من أوروبا، علماً أنها نفايات غير خطرة".
وشدد المصدر ذاته على أن عملية الاستيراد هذه للنفايات غير الخطرة من الخارج تتم وفق القوانين الجاري العمل بها، وتحكمها قوانين واضحة المعالم، على رأسها القانون رقم 008-28 في شأن عمليات تدبير واستيراد وتصدير النفايات المنزلية.
من جهتها سبق للوزيرة ليلى بنعلي أن أكدت في جواب لها داخل البرلمان أن الهدف من النفايات التي يستوردها المغرب "التثمين الصناعي والطاقي، الشيء الذي يساعد ويعزز الاقتصاد الدائري، ويسهم في التقليل من الاعتماد على الموارد الطبيعية".
ولطمأنة موجة الانتقادات العارمة، شددت الوزيرة على أن "السلطات البيئية المعنية حريصة على عدم إدخال أية نفايات خطرة، أو نفايات لا تستجيب للمعايير العلمية والبيئية المتعارف عليها".
وسبق أن أثيرت ضجة كبرى عام 2016 عندما أقدمت وزيرة البيئة حينها حكيمة الحيطي على استيراد زهاء 2500 طن من النفايات من إيطاليا، وهو ما جر عليها وابلاً من الانتقادات السياسية التي كادت تعصف بمنصبها الوزاري وقتها.
وسوغت الحيطي حينئذ قرار استيراد نفايات إيطالية بكونها ستستعمل كطاقة بديلة بعد تدويرها وتثمينها، وبأن الاستيراد يحترم اتفاقية "بال" الدولية التي ترخص استيراد النفايات غير الخطرة.