Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأمن الداخلي مشكلة بأبعاد عدة تواجه حكومة بريطانيا

اليمين المتطرف وخطاب الكراهية واكتظاظ السجون وتداعيات الهجرة أبرز ملامحها

الأمم المتحدة دعت الحكومة البريطانية إلى مواجهة خطاب الكراهية المتزايد حتى بين الساسة (غيتي) 

ملخص

تواجه الحكومة البريطانية الجديدة تحديات أمنية كبيرة في الداخل منذ وصولها إلى السلطة في يوليو (تموز) الماضي، ولعل أبرز هذه التحديات أفرزها تمدد اليمين المتطرف في البلاد واكتظاظ السجون بينما تزداد معدلات الجريمة في البلاد، إضافة إلى خطاب الكراهية الذي حذرت الأمم المتحدة أخيراً من انتشاره في المملكة المتحدة.

تعتزم الحكومة البريطانية تعزيز القوانين لمواجهة خطاب الكراهية في البلاد دون أن تتجاوز الفارق الرفيع بين التعصب ضد المهاجرين والأقليات العرقية في المملكة المتحدة وحرية التعبير التي تكفلها التشريعات، وهو ما يستدعي وفق مختصين عملاً كبيراً وإعادة تعريف بعض المصطلحات والمفاهيم المعتمدة في هذا الإطار.

وجرائم الكراهية هي وجه واحد من أزمة أمنية داخلية تعيشها الحكومة العمالية الجديدة منذ وصولها إلى السلطة في الخامس من يوليو (تموز) الماضي، فهناك أيضاً مشكلة اكتظاظ السجون ومحاولة معالجتها عبر إطلاق سراح المجرمين مبكراً، إضافة إلى اليمين المتطرف الذي انفجر في الشوارع وعلى وسائل التواصل مطلع يوليو الماضي.

ويتغذى اليمين المتطرف على فكرة عجز الحكومة عن ضبط الحدود ووقف تدفق المهاجرين وبخاصة العابرون لبحر المانش بمساعدة من "تجار البشر" خارج الحدود، وهؤلاء أيضاً زادوا أعباء المنزل رقم 10 في لندن وشتتوا جهود الشرطة التي تتسع مهماتها منذ وصول حزب العمال إلى السلطة بعد 14 عاماً من حكم "المحافظين". 

الخطاب العنصري        

مواجهة الخطاب العنصري لم تكن سهلة بالنسبة إلى الحكومة السابقة حتى عندما قادت النائبة المحسوبة على أقصى اليمين في "المحافظين" سويلا برافرمان، وزارة الداخلية. فأصدرت حينها توجيهات بتخفيف التدقيق في الحوادث المحمولة على سجالات شخصية وعدم تصنيفها جرائم كراهية خشية المساس بحرية التعبير في البلاد.

بالنسبة إلى الوزيرة العمالية الجديدة إيفيت كوبر، فقد بدأ نهج "عدم التسامح" في تسجيل جرائم الكراهية وبخاصة تلك الموجهة إلى المسلمين واليهود، ولكن مراقبة بيئاتها وأشخاصها لن يكون إلا عندما يخشى من ضرر حقيقي يحيط بالأفراد والمؤسسات من هذه الأقليات كي لا يمس الحرص الأمني بحقوق البريطانيين في التعبير عن أفكارهم.

وصدر تقرير أممي أخيراً يحذر الحكومة البريطانية من تصاعد خطاب العنصرية والكراهية في البلاد حتى على لسان الساسة، فطالبها بالعمل على معالجة أمر ومواجهته قبل أن يترجم إلى صور لا تحمد عقباها، كما حدث في أحداث الشغب التي اشتعلت بمناطق عدة في المملكة المتحدة مطلع أغسطس (آب) الجاري على خلفية جريمة قتل.

جاءت التوصيات الأممية بعد مراجعة استمرت أربعة أعوام لسجل المملكة المتحدة في معالجة التمييز العنصري، صحيح أنها لم تستهدف سياسيين بعينهم أو حالات محددة لكنها حثت لندن على رفض خطاب الكراهية وإدانته ونشر الأفكار العنصرية رسمياً وعلناً، كما طالبت بمعالجة مواطن تفشي هذه المشكلة سلوكياً في مجالات مختلفة.

دعت لجنة الأمم المتحدة الحكومة البريطانية الجديدة إلى اتخاذ إجراءات "سريعة وحاسمة" للقضاء على التمييز العنصري بين صفوف الشرطة وفي مجالات العدالة الجنائية والإسكان والمدارس والرعاية الصحية، وقالت أيضاً إنها "تشعر بالقلق إزاء استمرار وازدياد جرائم الكراهية في حق المهاجرين والأقليات على وجه عام".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

جرائم الكراهية

ازدادت جرائم الكراهية في بريطانيا بعد هجوم حركة "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 وما تلاه من حرب شنتها تل أبيب على قطاع غزة لم تنته إلى الآن، ثم ازداد الوضع سوءاً بعد أحداث شغب أشعلها اليمين المتطرف بمناطق عدة على خلفية جريمة قتل في مدينة ساوثبورت شمال غربي إنجلترا نهاية يوليو الماضي.

وفضحت أحداث الشغب مدى تغلغل الكراهية بين صفوف اليمين المتطرف إزاء المهاجرين وبخاصة المسلمون منهم، فكان أفراد الجالية ومنشآتهم ودور عبادتهم على رأس قائمة أهداف "البلطجية" كما وصفهم رئيس الوزراء كير ستارمر، ووضع الحكومة وقوات الأمن والشرطة أمام اختبار الدفاع على السلم الأهلي وحماية الأقليات.

استعانت الحكومة بتظاهرات معارضة لليمين المتطرف، وأعدت جيشاً من قوات الشرطة المجهزة والمسلحة بما يلزم للتعامل مع أعمال الشغب، ولكن الأداة الأكثر فاعلية في المواجهة كانت فرض عقوبات جنائية على المشاركين في احتجاجات اليمين المتطرف والحكم عليهم بالسجن لأشهر أو أعوام وفقاً لنوع الضرر والخطر.

حملت استطلاعات للرأي النائب ورئيس حزب "ريفورم" نايجل فاراج مسؤولية أعمال اليمين المتطرف في ساوثبورت بسبب آرائه المعادية للهجرة والمهاجرين، ولكن شخصيات إعلامية وسياسية كثيرة تشبه فاراج في بريطانيا، وهذا يتطلب من الحكومة اتخاذ إجراءات عدة برأي أستاذ علوم الجريمة في جامعة برمنغهام عمران عوان.

يقول عوان في حديث إلى "اندبندنت عربية" إنه يجب على الحكومة تبني تشريعات صارمة تلاحق كل من يروج لخطاب العنصرية في البلاد، فيصبح الناس أياً كانت وظائفهم ومواقعهم عرضة للمساءلة القانونية إذا تصرفوا أو تحدثوا بما يؤجج الكراهية بين الناس، وهنا سوف يتوخى الجميع الحذر ويحسنون اختيار مفرداتهم وكلماتهم.

ويلفت أستاذ علوم الجريمة إلى الحاجة لتطوير القوانين الحالية من أجل مواجهة العنصرية والكراهية، كما يوجد ضرورة ملحة برأيه إلى بذل جهود حثيثة وكبيرة لوقف استخدام منصات التواصل الاجتماعي في الترويج لمعاداة الأقليات والمهاجرين، إضافة إلى مراقبة استخدامات وأدوات الذكاء الاصطناعي في هذا المجال المتطور بصورة مستمرة.

 

اكتظاظ السجون

مئات البريطانيين دخلوا السجون على خلفية أعمال الشغب في أغسطس الجاري، بينما كانت الحكومة تستعد إلى إطلاق سراح آلاف المعتقلين فيها بغية التخلص من اكتظاظ الزنازين، فوضعت خطة للإفراج المبكر عن الذين أتموا 40 في المئة من محكوميتهم على خلفية جرائم عدة مثل السرقة واستخدام أدوات حادة والتحرش بالنساء.

خطب ستارمر قبل أيام قليلة على الملأ ليقول إنه يراجع كل يوم قوائم المعتقلين في السجون بحثاً عن مكان شاغر لمجرم جديد، لذا لم يعد أمامه إلا إطلاق سراح فئات من المجرمين كي لا يصاب النظام الإصلاحي والقضائي في البلاد بحال من الشلل، ويأتي يوم لا يجد فيه مكاناً لمعاقبة مجرم ارتكب مخالفة يستحق السجن عليها.

بلغت الزنازين 99 في المئة من طاقتها الاستيعابية في 2023، والقائمون على أمر السجون يعانون دخول المعتقلين بأعمال العنف وتعاطي المخدرات وإيذاء النفس، إضافة إلى أن واحداً فقط من كل خمسة سجون في المملكة المتحدة لديه عدد كاف من ضباط وعناصر مكافحة الشغب إذا ما وقعت في تلك المؤسسات، وفق البيانات الرسمية.

تظهر البيانات ذاتها أن حوادث الانفلات الأمني داخل السجون ارتفعت بنسبة 70 في المئة لتصل إلى 179 حالة نهاية 2023، ومن ثم تحولت سجون عدة من مؤسسات إصلاح إلى مراكز لتعلم الجريمة وتعاطي المخدرات والتدرب أو اعتياد أعمال العنف، أي باختصار أصبحت مصانع لإنتاج المجرمين وإطلاقهم في المجتمع.

في أغسطس الجاري أعلنت وزيرة العدل شبانة محمود خطة الإفراج المبكر عن المجرمين بعدما تراجع عدد الزنازين الاحتياطية إلى أقل من 100 للمرة الأولى في تاريخ السجون، ووفق الخطة سيحرر نحو 2000 سجين دفعة أولى في الـ10 من سبتمبر (أيلول) المقبل، ثم يليهم 1700 آخرين في الـ22 من أكتوبر (تشرين الأول) الذي يليه.

المفتش الرئيس لمراقبة السجون في بريطانيا مارتن جونس وصف خطة محمود بمثابة رمي حجر نرد تحت رحمة الحظ، أي إنها مغامرة غير مضمونة العواقب، فلا يوجد ضمانات بألا يعود الجناة إلى ارتكاب الجريمة مرة أخرى وإن كان سوف يعمل على تعزيز قدرات وأدوات الشرطة على مراقبة من يطلق سراحهم في مكرمة الحكومة.

معدلات الجريمة

وأعباء مراقبة المطلق سراحهم يمكن أن تحد من قدرة الشرطة على منع أشخاص آخرين من ارتكاب جرائم مختلفة، لا سيما أن معدلات جرائم مثل الطعن والسرقة من المحال والتعدي على النساء ازدادت خلال الأعوام الماضية، ووجدت حكومة العمال الجديدة نفسها أيضاً في مواجهة أخطار اتساع رقعة هذه المخالفات على المجتمع.

في جرائم الطعن بدأت الشرطة قبل أيام بتسلم سكاكين وسواطير "الزومبي" من أصحابها تمهيداً لحظرها نهائياً في الـ24 من سبتمبر المقبل، كما أن قائمة الحظر ستضم أيضاً "سيوف النينجا" التي تطرق لها الملك تشارلز الثالث خلال خطاب افتتاح البرلمان الجديد في الـ17 من يوليو الماضي وقد قُتل فيها شاب بعمر 16 سنة قبل عامين.

وزاد عدد الجرائم التي استخدمت فيها سكين أو أداة حادة في المملكة المتحدة بنسبة سبعة في المئة العام الماضي، وبحسب بيانات مكتب الإحصاء الوطني سجلت الشرطة أكثر من 49 ألف جريمة من هذا النوع خلال 2023 مقارنة بـ 46 ألفاً في العام الذي سبقه، أما جغرافياً فتتركز جرائم الطعن في المناطق الحضرية وبخاصة العاصمة لندن.  

على ضفة جرائم السرقة تقول تقارير رسمية إن الشرطة توقفت بالكامل تقريباً عن معاقبة لصوص المحال التجارية على رغم ارتفاع عدد جرائمهم إلى مستويات قياسية، وتخشى المجالس المحلية من أن يؤدي غياب العقوبات نحو مزيد من السلوك الإجرامي في هذا الإطار، إذ يشعر اللصوص كما لو أنهم لن يتحملوا مسؤولية جرائمهم.

في السنة المالية الماضية غرم 431 سارقاً فقط، وهي أدنى صورة من صور العقوبة المستخدمة لسرقة سلع تقل قيمتها عن 100 جنيه إسترليني وفق القوانين المختصة في هذا الشأن، ويمثل هذا انخفاضاً بنسبة 98 في المئة مقارنة بالعقد الماضي حيث أصدرت 19419 غرامة بحق لصوص المحال التجارية في مختلف أنحاء المملكة المتحدة.

الأرقام تشير أيضاً إلى تصاعد الجرائم الموجهة ضد النساء والفتيات في بريطانيا، والشرطة حذرت من أن هذه الجرائم في إنجلترا وويلز قد وصلت إلى "مستويات وبائية" وبات من الضروري أن تضعها الحكومة على قائمة أولوياتها، والتعامل معها بالطريقة نفسها التي تواجه بها قوات الأمن أعمال الإرهاب والجريمة المنظمة.

 

الهجرة والانترنت 

في سياق تبريره لقرار الإفراج المبكر عن المجرمين قال ستارمر إنه "لا يستطيع بناء سجن في ليلة وضحاها وما اكتظاظ السجون إلا جزءاً من فوضى كبيرة ورثها عن حزب المحافظين الذي قاد البلاد لـ14 عاماً متتالية"، وتحت شعار "إصلاح أخطاء المحافظين" تبنت الحكومة الجديدة قرارات عدة تعنى بأمن البلاد وتمس الاستقرار فيها.

إلغاء خطة ترحيل المهاجرين إلى دولة رواندا من أبرز قرارات كير ستارمر في هذا الإطار، ثم استبدالها بحملة لملاحقة "تجار البشر" الذين قرر تصنيفهم إرهابيين، وفي سبيل هذا أنشأ قوة جديدة لحرس الحدود ومدها بعناصر استخبارات وأدوات للعمل داخل البلاد وخارجها، كما راح يخطب ود الأوروبيين لإنجاح هذه الحملة وأهدافها.

ووأد "خطة رواندا" أوصل رسالة سلبية في شأن عزم الحكومة مواجهة مشكلة الهجرة والحدود، فالتقط اليمين المتطرف الرسالة واستخدمها في حشد الشارع خلال أحداث الشغب التي فتحت جبهات أمنية لم تكن في حسبان ستارمر قبل وصوله إلى السلطة، وأبرزها وسائل التواصل الاجتماعي عندما تتحول إلى منصة للتحريض والجريمة.

على هذه الجبهة لا تجدي زيادة عدد أفراد الشرطة في الشوارع، وإنما يستدعي الأمر إصدار قوانين جديدة وابتكار أدوات لملاحقة أرباب ومفردات الكراهية والعنف في العالم الافتراضي، كما استوجب الخطر من رئيس الحكومة استنهاض همم حكومات اليسار والوسط في أوروبا لمواجهة اليمين المتطرف وتغلغله في الشبكة العنكبوتية.

مجلة "بوليتكو" نقلت عن ستارمر قبل أيام، قلقه من تمدد اليمين الشعبوي في بلاده وأوروبا عموماً، إذ قال رئيس الوزراء البريطاني وهو في طريقه إلى ألمانيا "إن مواجهة الشعبويين هي التحدي الذي تواجهه الديمقراطية ويحتاج إلى مناقشة كبيرة في أنحاء القارة وخارجها" وهو حريص جدًا على متابعة ذلك مع الأحزاب التقدمية.

والقلق الذي باح به ستارمر من اليمين المتطرف، تردد على ألسنة ساسة كثر داخل المملكة المتحدة وفي دول الاتحاد الأوروبي، حتى أن شخصيات مسلمة مثل عمدة لندن صادق خان ورئيس وزراء اسكتلندا السابق حمزة يوسف، خرجا على الملأ عقب أحداث الشغب الأخيرة في بريطانيا ليعبروا عن خوف عائلاتهم وهواجس جاليتهم.

المزيد من تقارير