ملخص
عقب أحداث العنف التي اندلعت في بريطانيا، تتحدث والدة أحد المراهقين كيف تم استدراج طفلها عبر الإنترنت للانضمام إلى اليمين المتطرف، وعن رحلتها معه من التطرف إلى التعافي
اعتقدت لوسي* بأن ابنها المراهق كان منشغلاً في غرفته بألعاب الفيديو والتحدث مع أصدقائه عبر الإنترنت، ولكن في الحقيقة كان يُستدرج للانضمام إلى اليمين المتطرف.
وقالت في حديث إلى "اندبندنت"، "كان عمره 14 سنة حينها، لكنني لم أكتشف الأمر إلا بعد مرور عامين. لم تكُن لدي أدنى فكرة، لاحظت فقط كثيراً من التغييرات فيه، موقفه وعافيته وانهيار علاقتنا ومشكلاته الدراسية".
تأتي تعليقاتها في أعقاب أعمال العنف المناهضة للمهاجرين من قبل اليمين المتطرف في جميع أنحاء المملكة المتحدة في وقت سابق من هذا الشهر. وهاجم مثيرو الشغب المساجد ونصبوا كمائن لشرطة الشغب وأشعلوا النار في فندق يؤوي مهاجرين وأحرقوا مكتبة عامة ومبنى "مكتب استشارات المواطنين" في أعقاب حادثة طعن ثلاث فتيات صغيرات في نادي بمدينة ساوثبورت في نهاية يوليو (تموز) الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووقعت حوادث هجوم عدة على الأقليات العرقية في الشوارع. ففي أعقاب حادثة الطعن في ساوثبورت، انتشرت معلومات كاذبة بسرعة عبر الإنترنت، مدعية خطأً أن المشتبه فيه كان طالب لجوء مسلم جاء إلى المملكة المتحدة على متن قارب ضم مهاجرين غير قانونيين.
وتقول لوسي، مستحضرةً مسار تطرف ابنها، إنه لم يتحدث أبداً عن آرائه السياسية أو الأحداث الجارية [في البلاد] خلال العامين الأولين من دخوله في اليمين المتطرف، لكن آراءه المثيرة للقلق بدأت تظهر بعد ذلك.
"كان يطالع منشورات مليئة بالكراهية طوال الوقت، مما أثر فيه حتماً" لوسي
وتضيف: "كان الأمر كله يتعلق بالهجرة والدين. اعتقدت بأن ذلك غريب جداً ولا يشبهه على الإطلاق. لم يدلِ بتعليقات عنصرية في حد ذاتها. ولم يكُن مناهضاً للإسلام، بل كان مشككاً بآيات من القرآن، وكان يقول إن لها معنى مختلفاً، وبقدر ما كنت أتجادل معه، كان الأمر يسبب انقساماً أكبر بيننا".
وتتابع لوسي أن حديث ابنها بدأ يبدو "معلباً"، منبهة إلى أن ذلك أحد الأشياء التي يُطلب من الأهل الانتباه إليها. وتتذكر أيضاً أن ابنها وجه لها تعليقات معادية للنساء، إذ قال لها: "اذهبي إلى المطبخ حيث تنتمين".
وتردف: "لقد كان منزعجاً، سريع الانفعال، وقد تغيرت شخصيته بالكامل. الآن، يتمتع بشخصية مرحة للغاية. لكن نعم، [حينها] كان مجادلاً وسريع الانفعال وغاضباً. لكن من الواضح، كما أعلم الآن، أن ذلك كان بسبب مطالعته لمنشورات مليئة بالكراهية طوال الوقت، مما أثر فيه حتماً كحال أي شخص آخر".
وتضيف لوسي أن ابنها في تلك المرحلة بدأ "يتخلى" عن أصدقائه ويقضي مزيداً من الوقت في المنزل، ولم يعُد يمارس الرياضة كالسابق. وتقول: "لم يكُن يقضي وقته في المنزل معنا. كانت المحادثات البسيطة تؤدي إلى جدال. لم نكُن نستطيع مشاهدة برامج مثل الأخبار أو أي شيء من هذا القبيل لأن ذلك سيؤدي إلى جدال بسبب اختلافنا في الرأي".
وصارحها ابنها في شأن آرائه لمدة شهرين قبل أن تتخذ مدرسته قراراً بإحالته إلى برنامج المنع الحكومي [برنامج حكومي بريطاني يهدف إلى منع الأشخاص من التحول إلى إرهابيين أو مناصرة الأفكار المتطرفة]، ويتم تعيين "متخصص" للمساعدة في رحلة مكافحة التطرف.
وبحسب لوسي فإن العاملين في البرنامج "يمكنهم تقديم سرديات مضادة وتفكيك [سردية] التطرف"، موضحة أن ابنها قد "أنهى البرنامج بسرعة كبيرة".
وتشرح أن نشاط ابنها في اليمين المتطرف حدث عبر الإنترنت معظم الوقت، ولكنه في النهاية شارك في الاحتجاجات. وتشير إلى أنها حتى الآن لا تزال غير متأكدة من المجموعات التي كانت وراء التظاهرات، بسبب عدم رغبة ابنها في الخوض بتفاصيل نشاطه لحمايتها.
وتقول لوسي إنها "اكتشفت الأمر عندما كان في الـ17 من عمره"، وازدادت شكوكها خلال ذلك الوقت كما أنها رأته في تظاهرة. وأضافت: "عندما اكتشفت الأمر، لم أكُن أفهم تماماً بما كان منضوياً، ولأنني من منطقة ريفية، اعتقدت بأن التطرف عبارة عن هجمات من الجيش الجمهوري الإيرلندي أو ’داعش‘".
وأردفت أنها شعرت بالارتباك الشديد حيال ما كان يحدث وأن المحنة تسببت في توتر علاقتها مع شريكها [ليس والد الطفل] لأنها كانت شديدة قلقة على ابنها.
تتطوع لوسي وابنها الآن في منظمة تسمى "الخروج من الكراهية" Exit Hate Trust التي تساعد الأشخاص الذين يريدون ترك أقصى اليمين، ويساعدان من خلال توفير التدريب في حين أن لوسي توفر المساعدة أيضاً للأهل الذين جنح أطفالهم إلى التطرف.
"دلالات على أن الطفل ليس على ما يرام: قد يصير منعزلاً، انطوائياً، وغير مهتم بهواياته المعتادة" آن كرانين
وتشرح لوسي أنه "من الصعب [على الأهل] القول ’ابني أو ابنتي لديه آراء وأفكار عنصرية متطرفة‘، وكثيراً ما يجدون أنفسهم معزولين عن الجميع وليس لديهم أحد ليتحدثوا إليه. لذا، بإمكانهم التواصل معي ويمكنني تقديم بعض النصائح حول أمور عدة مثل تهدئة الخلافات وشرح الموقف كي يفهموا مسار التطرف".
وتؤكد أن سلوك ابنها عاد لما كان عليه قبل دخوله في اليمين المتطرف، وأنه اختلف تماماً منذ ذلك الوقت وحتى الآن. وتوضح: "التغييرات التي أراها - ليس فقط مع ابني، بل مع كل الحالات التي يمكن للأطفال أن يتغيروا فيها تماماً - تشبه إلى حد ما غسيل المخ".
تقول آن كرانين، مديرة الأبحاث والسياسات في "معهد الحوار الاستراتيجي"، إن الأهل يجب أن يبحثوا عن مؤشرات محددة، لمعرفة ما إذا كان طفلهم قد دخل في أقصى اليمين.
وبحسب كرانين التي تركز منظمتها على التطرف والمعلومات المضللة: "الدلالات على أن الطفل ليس على ما يرام: قد يصير منعزلاً، انطوائياً، وغير مهتم بهواياته المعتادة"، مضيفة أن ذلك "يترافق مع تراجع في الهوية، فتندمج هويته مع أيديولوجيا معينة مثل اليمين المتطرف".
وتردف أن على الأهل مراقبة دخول أطفالهم في "فكرة الآخر"، فتوضح أن التطرف يتركز حول "مجموعتنا الداخلية" و"مجموعة الآخرين الخارجية" وتصوير الذين يعارضون آراءك على أنهم أعداء.
وتتابع: "قد يصبح طفلك أكثر حدة في شأن تعريف الأشياء. يجب على الأهل التحدث مع أطفالهم حول نشاطهم عبر الإنترنت".
وعند سؤالها عن أخطار تصاعد نشاط الطفل باتجاه التطرف اليميني، قالت كارنين إنه قد يكون من الصعب التنبؤ بموعد قيام الفرد بتحويل أفكاره المتطرفة إلى نشاط عملي.
*تم تغيير اسم لوسي لحماية هويتها.
© The Independent