ملخص
ظل عدد البلديات في الجزائر يراوح مكانه منذ تقسيم 1984 الذي حددها بـ1541 بلدية، وبقيت كما هي على رغم ارتفاع عدد الولايات من 48 إلى 58 ولاية وارتقاء أخرى كولايات منتدبة، وبروز تجمعات سكانية ضخمة ببعض المناطق في المحافظة الواحدة، وهو ما يتطلب ترقيتها وضبطها على أساس الكثافة السكانية.
اعتلى ملف إعادة النظر في التقسيم الإداري صدارة اهتمامات مرشحي الرئاسة الجزائرية تحت عنوان عريض يهدف لإنعاش التنمية المحلية، بعدما أصبح التنظيم الحالي لا يتلاءم مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.
ويتفق المرشحون الثلاثة لانتخابات الرئاسة، كل من الرئيس المنتهية ولايته عبدالمجيد تبون ورئيس حركة "مجتمع السلم" عبدالعالي حساني شريف، ورئيس جبهة "القوى الاشتراكية" يوسف أوشيش على ضرورة إحداث تقسيم إداري جديد بغرض إيجاد موازنة بين البلديات الريفية والحضرية.
وظل عدد من البلديات في الجزائر يراوح مكانه منذ تقسيم 1984 الذي حددها بـ1541 بلدية، وبقيت كما هي على رغم ارتفاع عدد الولايات من 48 إلى 58 ولاية وارتقاء أخرى كولايات منتدبة، وبروز تجمعات سكانية ضخمة ببعض المناطق في المحافظة الواحدة، وهو ما يتطلب ترقيتها وضبطها على أساس الكثافة السكانية.
ووقع الرئيس الجزائري في فبراير (شباط) 2021 على مرسوم ترقية 10 مقاطعات إدارية بالجنوب إلى ولايات كاملة الصلاحيات مع تعيين ولاة وأمناء عامين على رأسها، ليرتفع بذلك عدد الولايات في الجزائر إلى 58 ولاية، فيما يتجاوز عدد الدوائر 500 دائرة.
ومع احتدام التنافس على هذا الملف الاجتماعي يطل تساؤل في الجزائر حول معايير إنشاء بلدية أو ولاية، وإن كان يعتمد على مستوى الكثافة السكانية والمساحة والإمكانات مع توسيع الصلاحيات الممنوحة للمسؤولين المحليين عليها.
ومن أكثر المؤيدين للفكرة الرئيس تبون الذي طرح المقترح قبل ترشحه لولاية ثانية، بعدما استحدث ولايات منتدبة في عهدته الأولى والآن يروج لإتمام العملية انطلاقاً من واقع بعض البلديات التي تعاني عجزاً مالياً، وهو ما يتطلب إعادة النظر في التقسيم الإداري.
ويوضح تبون أن "الديمقراطية تبدأ من البلدية وإن لم نتدارك الوضع بفتح ملف التقسيم الإداري، فهذا يعني أننا سنضيع مزيداً من الوقت"، ووضع يده على الجرح حين اعتبر أن الوعود والبرامج التي يقدمها المرشحون في المواعيد الانتخابية المحلية، غالباً ما تصطدم بواقع آخر، وهذا ما يجب الوقوف عنده وتداركه، وفق قوله.
وكشف رئيس حركة "البناء الوطني" عبدالقادر بن قرينة، الداعم للمرشح تبون خلال تجمع انتخابي أن الأخير سيقود الجزائر في المرحلة القادمة نحو التقسيم الإداري الجديد الذي قد يفوق 120 ولاية جديدة.
وبدوره، يعد مرشح حركة "مجتمع السلم" لانتخابات السابع من سبتمبر (أيلول) الجاري حساني شريف في حال فوزه بكرسي الحكم، بمراجعة التقسيم الاداري بهدف إنعاش التنمية بالمناطق الشاسعة، لكنه قرر إلغاء الدائرة التي عدها جهازاً بيروقراطياً معرقلاً للتنمية.
ويرى حساني أن الهدف من إعادة التقسيم الإداري يتمثل في تعمير المساحات الشاسعة غير المأهولة وتحقيق التنمية فيها مع إعطاء الفرصة للمنتخبين لطرح مبادراتهم لينتقل بذلك التخطيط التنموي من المركزية إلى المحلية.
واقترح المرشح أن تتضمن كل ولاية من 10 إلى 12 بلدية فحسب، وهو ما يسعى إلى تحقيقه، لافتاً إلى أن رفع عدد الولايات يعني مركزية القرار تصبح أقرب للمواطن، وإزالة الطابع البيروقراطي في اتخاذ مختلف القرارات.
أما مرشح حزب "الأفافاس"، يوسف أوشيش، فقد تعهد إصلاح الجماعات المحلية، عبر تكريس اللامركزية والديمقراطية التشاركية، ومنح صلاحيات أكبر واستقلالية أكثر للسلطات المحلية المنتخبة، مع إنشاء ولايات وبلديات جديدة وإلغاء الدائرة من التقسيم الإقليمي الوطني.
ويرى مراقبون في تشابه خطابات المرشحين وميلهم نحو خطابات ووعود لها قابلية لدى المواطن، كمخرج نجدة لدفع الناخبين إلى المشاركة في التصويت، مثل مسألة التقسيم الإداري الذي أصبح مشروعاً مشتركاً بين جميع السياسيين.
ويتساءل الباحث في علم الاجتماع السياسي بجامعة "وهران 2" (غرب الجزائر العاصمة) كرايس الجيلالي، هل لهذا التقسيم وزيادة عدد الولايات وعدد البلديات انعكاس على العملية التنموية، أم إنه سيزيد من أعباء الخزانة العمومية؟
وفسر الجيلالي في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، تركيز المرشحين على هذا التوجه، بأن هذا الخطاب يلقى قبولاً واسعاً لدى الناخبين، ويعكس حالاً من البعد القبلي داخل كثير من الولايات، إذ إن عدداً من البلديات والدوائر ترفض أن تكون تابعة لمقر الولاية، وهي تبحث عن نوع من الاستقلال ولذلك يعمل المرشحون على دغدغة مشاعر الناخبين بمثل هذه الوعود التي يمكن أن تكسر جليد الحملة الانتخابية.
وقال الباحث الجزائري، إن تبعات هذا التقسيم ستظهر في ما بعد، إذ ستكون في الجزائر عدد من البلديات والدوائر والولايات بعضها عاجز مالياً وسيكون اعتمادها بصفة كلية على التمويل الحكومي، داعياً إلى "عقلنة" هذه الوعود الانتخابية.
ويدافع مدير حملة تبون، إبراهيم مراد عن خياراته خلال تنشيطه تجمعاً شعبياً بولاية بسكرة، أمس السبت، ويرد على الانتقادات بقوله، إن "استحداث ولايات جديدة لن يكون بصورة عشوائية، بل للضرورة مع وجود جدوى لذلك".
وأضاف مراد أن تبون في حال انتخابه سيعمل في بداية عهدته المقبلة على زيادة عدد الولايات وفق دراسة وافية وشاملة تأخذ بعين الاعتبار متطلبات مناطق الوطن كافة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرفض المتخصص الاقتصادي والأكاديمي مراد كواشي، حصر هذا التقسيم الإداري بالتنمية فحسب، على رغم أن له مزايا اجتماعية من تقريب الإدارة من المواطن إلى تقليص بعد المسافة، خصوصاً في ولايات الجنوب وتوفير الجهد والمال في التنقلات.
وقال كواشي لـ"اندبندنت عربية"، إن التقسيم الإداري الجديد يتطلب شروطاً أخرى لإحداث التنمية ولا يكفي لوحده، بل يجب أن تتبعه حركية اقتصادية واستثمارات ومنح صلاحيات واسعة للولاة ورؤساء البلديات، مضيفاً أن المسألة في حاجة إلى خطة متوازنة، متسائلاً حول مواقع الولايات التي يمكن استحداثها، ما بين أن تكون في الولايات الجنوبية حيث المناطق شاسعة أو في الولايات الشمالية التي تشهد اكتظاظاً.
وكثيراً ما دافعت أيضاً السلطات عن إيجابيات التقسيم الإداري، مثلما جاء على لسان مدير الدراسات القانونية بوزارة الداخلية والجماعات المحلية الجزائرية، فؤاد بوطبيق حين كشف عن استفادة سبع ولايات منتدبة جديدة رُقيت من غلاف مالي مهم في 2024 مخصصة لتهيئة مختلف المقار التي ستنصب فيها مختلف الهياكل الإدارية للولاية على أن تكتمل الأشغال بها قبل نهاية السنة الجارية.
وقال بوطبيق، إن التقسيم الاداري الجديد سيحسن من الإطار المعيشي للمواطن ويسهل العمليات والمصالح الإدارية في جميع المجالات.
ويقترن ملف التقسيم الإداري بمراجعة قانون البلدية والولاية تحقيقاً لمبدأ التنمية عبر جميع الولايات، وأكد فؤاد بوطبيق، أنه حان الوقت لمراجعة الأحكام القانونية لتجديد المجالس الشعبية البلدية والولائية، نظراً لمحدوديتهما في مجال التنمية والتسيير، مشدداً على ضرورة إشراك المجتمع المدني في ذلك.
وتسلمت الحكومة الجزائرية مشروع قانون البلدية والولاية وهما حالياً في طور الدراسة والتشاور ما بين القطاعات ومجالس اجتماعات الحكومة، إضافة إلى مجلس الوزراء ليُدرسا في الدورة البرلمانية المقبلة.