ملخص
أكدت القيادية الباكستانية في حزب "الرابطة الإسلامية" الحاكم مايزة حميد في منشور على موقع "إكس" في الـ22 من يوليو الماضي أن "عملية تثبيت جدار الحماية على شبكات الهاتف المحمول الأربع الكبرى في باكستان بدأت، وسيتم الانتهاء من المشروع في الأيام الأربعة القادمة".
يحتدم النقاش في باكستان هذه الأيام عن محاولة حكومية للسيطرة على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال وضع جدار حماية إلكتروني وسط شكاوى المستهلكين من بطء سرعة الإنترنت وأنباء عن إعلان مناقصة من قبل هيئة الاتصالات الباكستانية لشراء معدات جدار الحماية.
وأجرت هيئة الاتصالات الباكستانية إعلان مناقصة شراء المعدات الشهر الماضي في وقت حجبت فيها الحكومة موقع "إكس" أثار تكهنات حول إمكانية تجربة أنظمة الحماية التي أثرت في سرعة الإنترنت والوصول إلى المواقع الإلكترونية المختلفة، ويستخدم المستهلكون في باكستان حالياً تطبيقات رفع الحجب (VPN) لاستخدام منصة "إكس" والخدمات الإلكترونية الأخرى التي يصعب الوصول إليها.
من جانب آخر، قالت وزارة الداخلية الباكستاني أمام محكمة السند العليا إن الحكومة أغلقت منصة "إكس" بسبب "سوء الاستخدام" و"مخاوف تتعلق بالأمن القومي"، إلا أن الحكومة لم تتخذ موقفاً صريحاً في شأن التكهنات حول السيطرة على مواقع التواصل الاجتماعي ووضع جدار الحماية على رغم احتدام النقاش حول الموضوع بعد إعلان المناقصة المذكور.
وفي الوقت نفسه خرج بعض المسؤولين وأعضاء في الحزب الحاكم بتصريحات عززت مخاوف سيطرة وتتبع الحكومة لمواقع التواصل الاجتماعي، إذ أكدت قيادية في حزب الرابطة الإسلامية الحاكم مايزة حميد في منشور على موقع "إكس" في الـ22 من يوليو (تموز) 2024 أن "عملية تثبيت جدار الحماية على شبكات الهاتف المحمول الأربع الكبرى في باكستان بدأت، وسيتم الانتهاء من المشروع في الأيام الأربعة القادمة".
وفي يناير (كانون الثاني) من هذا العام تحدث رئيس الوزراء الموقت (آنذاك) أنور الحق كاكار في مقابلة تلفزيونية عن خطط مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي للحد من إساءة الاستخدام المزعومة لوسائل التواصل الاجتماعي، كما أكد أيضاً أنه سيتم في المستقبل إنشاء "جدار الحماية الوطني" من خلال استخدام التكنولوجيا للحد من الاتجاهات السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي.
وتواصلت صحيفة "اندبندنت أوردو" مع وزارة تكنولوجيا المعلومات بخصوص هذا الأمر، لكنها لم تتلق أي رد على رغم الانتظار لأيام عدة، كما تجنب وزير الإعلام الرد على محاولات للاستفسار حول الموضوع، ولم تتم مناقشة هذا الموضوع من قبل الحكومة أو الوزراء أيضاً.
من ناحية أخرى أوضحت هيئة الاتصالات الباكستانية في شأن ما يتم تداوله عن إعلان المناقصة أن الغرض من المناقصة هو شراء جدران الحماية التي ستؤثر فقط في البنية التحتية الداخلية لـلهيئة من أجل حماية الأنظمة الداخلية المختلفة لـها، والتي ستستخدم بصورة خاصة في مركز البيانات الأساس لـلهيئة وموقع التعافي من الكوارث الخاص بها.
وقالت الهيئة في بيان لها إن ما يتم تداوله في الصحف ووسائل التواصل أخيراً حول شراء تكنولوجيا الجيل القادم وجدران الحماية لتطبيقات الويب الخاصة بالهيئة ومراقبة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي الوطنية المتعلقة بالإشاعات لا أساس لها من الصحة.
وأضاف البيان أنه تم طرح المناقصة من قبل الهيئة لشراء أربعة جدران حماية مزودة بتكنولوجيا الجيل القادم، إضافة إلى أنظمة حماية تطبيقات الويب.
من جانب آخر أعربت شركات الاتصالات والإنترنت العاملة في باكستان عن جهلها فيما يتعلق بتثبيت جدران الحماية، وعندما استفسرت النسخة الأوردية من شركة "جاز" للاتصالات عما إذا كانت الحكومة اتصلت بهم بخصوص جدار الحماية، قالت المتحدثة باسم الشركة فاطمة أختر "لا نعرف شيئاً عن جدار الحماية".
وعند السؤال عما إذا كان سبب تأثر خدمات "واتساب" تجربة جدار الحماية من قبل الحكومة، أجابت المتحدثة "لقد تلقينا تقارير عن انقطاع خدمات (واتساب) من مستخدمي الهواتف المحمولة وما زلنا نبحث عن سبب المشكلة". كما صرحت شركة (Transworld) للإنترنت، "لسنا على علم بهذا الأمر، وأن الفريق القانوني لم يتلق أية رسالة من الحكومة".
ونفى المتحدث باسم وزارة الخارجية في الأخبار علم الوزارة بأخبار تركيب جدار الحماية والقلق العالمي حول الموضوع موعزاً الصحافيين بسؤال شركات الاتصالات عن أسباب انقطاع الإنترنت وبطء خدماته.
كيف يعمل جدار الحماية؟
جدار الحماية كما يوحي الاسم هو تقنية أمنية على صورة جدار إلكتروني قادر على مراقبة جميع الشبكات والتحكم فيها، ويمكن هذا النظام السلطات منع المحتوى الذي يعد غير قانوني أو مضللاً أو فاحشاً من الوصول إلى المستخدمين على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويعمل نظام جدار الحماية أساساً على تصفية المحتوى الموجود على الويب، كما يتمتع هذا النظام أيضاً بالقدرة على الحد من وصول المحتوى المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يعني أن المنشور سيظهر على صفحات (تايم لاين) لأقل عدد من الأشخاص.
وفي هذا السياق يقول أحد العاملين في منصة إخبارية رقمية في العاصمة إسلام آباد، فضل الله، إن "نظام جدار الحماية يستخدم لمراقبة حركة الدخول والخروج الرقمية".
وأضاف فضل الله خلال حديثه مع النسخة الأوردية فيما يتعلق بعملية حجب المواقع والمحتوى، "يتم إدخال تعليمات في جدار الحماية عن المحتوى الذي يجب حظره، على سبيل المثال، لو وضعت الحكومة تعليمات حجب موقع (فيسبوك) أو (إكس) مثلاً فسيحظر المحتوى المنشور على هذه المواقع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال رئيس موقع روهان زكي الذي يقدم خدمات تكنولوجيا المعلومات للمؤسسات العامة والخاصة على مدى العقدين الماضيين لصحيفة "اندبندنت أوردو" إن "دور جدار الحماية في نظام الإنترنت يشبه حارس العمارة الذي يراقب المحتوى الذي يدخل في النظام ويمنع المحتوى المطلوب حظره من الوصول إلى المستهلكين. جدار الحماية هو حارس يمكن مقارنته بالحارس في الحياة العادية الذي لا يسمح لأي شخص بدخول المبنى بسبب انتهاك قواعد اللباس مثلاً، ويعمل جدار الحماية الإلكتروني على المنوال نفسه، إذ يطلب منه عدم السماح لمحتوى معين بالوصول إلى المستخدم".
وأضاف زكي عن نظام الحماية في باكستان "سيتم تركيب نظام جدار حماية على أسلاك الإنترنت الداخلة إلى باكستان، والذي سيراقب كل المحتوى الموجود على الإنترنت".
وبحسب روهان زكي، "يمكن تطبيق الفلاتر على أي كلمة في جدار الحماية، فمثلاً إذا تم حظر كلمة (عمران خان) فلن يتم عرض أي محتوى متعلق بها عند البحث عنها، وهكذا إذا أراد شخص ما مشاهدة المحتوى الباكستاني من دولة أخرى فيمكن حظر وصوله من خلال التعرف على عنوان بروتوكول الإنترنت (IP) الخاص بالدولة التي يوجد فيها، ويعمل عنوان (IP) مثل رقم بطاقة الهوية".
وأكد زكي أنه يوجد لدى كل جهاز يستخدم الإنترنت (IP) فريد يمكن استخدامه لتحديد مكان استخدام الجهاز ومن أي منطقة، إذ تشير الأربعة أرقام الأولى من عنوان (IP) إلى بلد المستخدم، والرقمان التاليان هما المنطقة، والرقم الأخير خاص بمزود خدمة الإنترنت.
إلى جانب الحظر الكامل للمحتوى، يمكن أيضاً استخدام هذا النظام لمنع الوصول أي محتوى غير مرغوب فيه بغرض الحد من ترويجه وعدم انتشاره، على سبيل المثال، إذا تم إدخال كلمة "انتحار" في النظام فيمكن حظر هذه المنشورات أو الحد من إتاحة الوصول إليها، وتوظف منصة "فيسبوك" الذكاء الاصطناعي لهذا الغرض إذ تحظر الحساب أو المحتوى الذي يتعلق بحفلات غير قانونية أو انتحار أو عنف ضد الأطفال.
ويقول المتخصصون إنه يمكن حظر تطبيقات (VPN) الذي يستخدمه المستهلكون للوصول إلى موقع "إكس" حالياً في باكستان من خلال نظام جدار الحماية، إذ يقول المتخصص التقني أفضل إن "جدار الحماية بدأ أيضاً بمراقبة شبكات (VPN) العاملة في العالم وحظرها".
ووفقاً للمتخصصين فإنه لا يمكن حجب جميع تطبيقات رفع الحجب دفعة واحدة بل يمكن للحكومة أن تقوم بحظر تطبيقات ومواقع محددة.
وقال أفضل "إذا قام شخص ما بتحميل محتوى عبر شبكة (VPN) التي يراقبها جدار الحماية فيمكن تتبع هذا الشخص من خلال عنوان (IP)".
من جانب آخر يرى روهان زكي أنه يمكن الوصول إلى المواقع المحجوبة من خلال (VPN) لأنه عبارة عن نفق شبكي يختبئ من نظام الإنترنت في دولة ما ويدخل إلى خادم دولة أخرى، وأضاف أن جدار الحماية يمكنه مراقبة وحظر شبكات (VPN) المعروفة.
هل يمكن توفير غطاء قانوني لهذا النظام؟
"اندبندنت أوردو" سألت المتخصص القانوني أحمد بينسوتا عن الوضع القانوني لمثل هذا النظام في باكستان، إذ يدعم الدستور حرية الرأي والوصول إلى المعلومات، فقال إنه "إذا تم تثبيت جدار الحماية باسم منع محتوى ضد الأمن القومي أو ضد الجيش فسيحصل على غطاء دستوري، فإنه يمكن الطعن به في المحكمة إذا تم أخذ هذه الإجراءات من دون وجود أدلة ملموسة تشير إلى تأثر الأمن القومي بالمحتوى المحظور".
وأضاف بينسوتا، "إذا تم وضع النظام دون وجود أدلة ملموسة فسيعد انتهاكاً للدستور، إضافة إلى انتهاك المادة 14 التي تضمن خصوصية المواطنين وحماية بياناتهم".
ما مدى فاعلية جدار الحماية الصيني؟
مع بدء النقاش حول إمكانية تثبيت جدار الحماية في باكستان، وتتم مقارنة نظام الحماية في باكستان مع تلك التي في دول تراقب المحتور الرقمي بصورة فعالة مثل الصين وإيران وتركيا وروسيا، إذ تستخدم بكين جدار حماية إلكترونياً يعرف باسم "جدار الحماية العظيم للصين" الذي يحظر مئات المواقع الإلكترونية وتطبيقات الهاتف المحمول.
وفي عام 2014 حجبت الصين "إنستغرام" من خلال جدار الحماية الخاص بها، وسبق أن حجبت عديداً من مواقع الويب بما في ذلك "فيسبوك" و"إكس" و"غوغل"، وكذلك "يوتيوب" و"سناب شات" و"جيميل"، وغيرها من المواقع الإلكترونية المعروفة، إضافة إلى حظر المواقع الإخبارية مثل "بي بي سي" و"نيويورك تايمز" و"وول ستريت جورنال" و"ويكيبيديا" و(chatgpt).
لكن السؤال الأهم هنا هو عن فاعلية هذا الجدار، وهل تجنب المستهلكون في الصين فعلاً استخدام هذه المواقع، إذ يقول محمد جمال الذي درس في الصين لعامين خلال حديثه مع "اندبندنت أوردو" إنه كان يستخدم "غوغل" و"فيسبوك" و"واتساب" خلال وجوده في الصين باستخدام تطبيقات رفع الحجب (VPN). ويضيف، "يمكن للمواطنين الصينيين أيضاً استخدام هذه التطبيقات للوصول إلى المواقع المحجوبة، على سبيل المثال، الطلاب الصينيين يمكنهم أيضاً الوصول إلى (غوغل) من خلال (VPN) للبحث بدلاً من محرك البحث الصيني (Baido)".
لا يمكن إذا الجزم بفاعلية أنظمة الحماية لكنها بالتأكيد تؤدي إلى زيادة استخدام الشبكات الافتراضية الخاصة وتسمح للأشخاص بالوصول إلى المحتوى المحظور من خلالها، ويؤكد هذا التقرير الصادر أخيراً في باكستان، والذي يقول إن استخدام (Proton VPN) زاد في باكستان بنسبة 400 في المئة هذا العام.
نقلاً عن "اندبندنت أوردو"