ملخص
في أغسطس عام 2022 سحبت المغرب سفيرها من تونس، وهو أمر ردت عليه الأخيرة بخطوة مماثلة في أعقاب احتجاج من الحكومة المغربية على استضافة تونس زعيم جبهة "بوليساريو" إبراهيم غالي للمشاركة في الدورة الثامنة لقمة "تيكاد".
كسر اتصال هاتفي بين وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ونظيره التونسي المعين حديثاً محمد علي النفطي حالاً من الجمود خيمت على العلاقات بين الرباط وتونس منذ عام 2022 بسبب استقبال الأخيرة لزعيم جبهة "بوليساريو" على هامش قمة "تيكاد" الاقتصادية – الأفريقية مع اليابان.
وبحسب بيان لوزارة الشؤون الخارجية التونسية نشرته عبر صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" فإن بوريطة هنأ النفطي بـ"الثقة الغالية" التي حظي بها من الرئيس قيس سعيد، وتم في الاتصال تأكيد عمق ومتانة الروابط الأخوية التي تجمع بين الشعبين الشقيقين، والحرص المشترك على دعم أواصر التعاون بين الجمهورية التونسية والمملكة المغربية في مختلف المجالات.
وتثير "دبلوماسية الهاتف" هذه بعيداً من القنوات الدبلوماسية التقليدية تساؤلاً ملحاً هو هل ستعيد تصحيح العلاقات بين تونس والمغرب؟
مزيد من الوضوح
في أغسطس (آب) عام 2022 سحبت المغرب سفيرها من تونس، وهو أمر ردت عليه الأخيرة بخطوة مماثلة، وذلك في أعقاب احتجاج من الحكومة المغربية على استضافة تونس زعيم جبهة "بوليساريو" إبراهيم غالي للمشاركة في الدورة الثامنة لقمة "تيكاد" التي نظمتها اليابان بالشراكة مع الاتحاد الأفريقي واحتضنت تونس أعمالها.
ولئن سارع المغرب آنذاك إلى اعتبار استقبال غالي "عملاً خطراً وغير مسبوق يجرح مشاعر الشعب المغربي"، فإن تونس قالت إن الدعوة التي وجهت إلى الرجل كانت من أطراف أخرى.
منذ ذلك الحين سادت قطيعة دبلوماسية بين البلدين رافقها تلاسن إعلامي بدا واضحاً، لكن الفترة الأخيرة شهدت مؤشرات إلى بداية عودة الدفء إلى العلاقات بين المغرب وتونس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أبرز تلك المؤشرات لقاء وزير الخارجية التونسي السابق نبيل عمار مع رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، على هامش مشاركتهما في الاحتفالات بذكرى إنزال "بروفانس" في العاصمة الفرنسية باريس.
يقول المحلل السياسي التونسي منذر ثابت إن "تعيين محمد علي النفطي وزيراً للخارجية فهم على أنه إشارة إلى حلفاء تونس التقليديين في المقام الأول (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي)، وذلك في محاولة لإظهار تجاوز مرحلة اعتبرت فيها تونس أقرب إلى الفاعل الروسي والصيني والإيراني".
ويتابع ثابت لـ"اندبندنت عربية" أن "الاتصال الهاتفي له دلالته في القاموس السياسي والدبلوماسي، لكن يبقى أن هذا يحتاج إلى مثابرة ومزيد من الوضوح، خصوصاً أن العلاقة بين المغرب وتونس دخلت طوراً من الجمود في الأقل على المستوى الرسمي، إن لم نقل استعداء".
وأوضح أنه "في منطق الأشياء وبمقتضى التاريخ تبقى تونس في وضع الوساطة وتقريب وجهات النظر داخل الفضاء المغاربي، لا ضمن أي محور من المحاور بطريقة مباشرة وصريحة، خصوصاً في قضية الصحراء، وهو ما يحتاج إلى إعادة صياغة للموقف أولاً، وثانياً يجب أن تكون تونس قادرة على إعادة فتح علاقات ثقة واحترام مع المغرب".
وأضاف ثابت، "في اعتقادي أن الأزمة التي مرت بها العلاقات بين تونس والمغرب تتجاوز قضية الصحراء لتشمل قضايا أخرى مثل الحضور الإسرائيلي في المنطقة، وتونس إلى حد كبير كانت في مزاج دبلوماسي وسياسي قريب من الجزائر خلال الفترة السابقة، بعيداً من المغرب".
مؤشر إيجابي
وفي السنوات الماضية وطدت تونس علاقاتها مع الجزائر وليبيا، ومثلت مبادرة عقد لقاء ثلاثي بين البلدان المذكورة على المستوى الرئاسي تجسيداً لهذا التقارب الذي بدا وكأنه موجه ضد المغرب.
وتم بصورة كبيرة تجاهل اتحاد المغرب العربي الذي اعتبر على مر العقود الماضية تكتلاً إقليمياً يرنو إلى تحقيق التكامل الاقتصادي والثقافي والسياسي بين دول تونس والمغرب والجزائر وموريتانيا وليبيا، مما أثار مخاوف على مستقبل هذا التكتل الإقليمي، وخصوصاً العلاقات بين الرباط وتونس.
تاريخياً التزمت تونس الحياد إزاء النزاع في شأن الصحراء، وهو نزاع مرير بين المغرب وجبهة البوليساريو الانفصالية والمدعومة من الجزائر، لكن استقبالها لغالي والحفاوة التي حظي بها الرجل أعطت إشارات بأن الدبلوماسية التونسية بصدد الاستدارة نحو "البوليساريو" والجزائر.
وقال المتخصص في مجال العلوم السياسية المغربي رشيد لزرق، "هذا الاتصال لوزير الخارجية المغربي مع نظيره التونسي يعد مؤشراً إيجابياً، بخاصة أنه يأتي قبيل الانتخابات الرئاسية التونسية وبعد سنتين من سحب السفيرين، وهذا الاتصال يؤكد حرص المملكة المغربية على إعادة فتح قنوات التواصل مع الجمهورية التونسية وتوطيد العلاقة الثنائية".
وأردف لزرق أن "عودة العلاقات الدبلوماسية إلى طبيعتها يتطلب تحولاً جوهرياً عبر تسوية سبب الخلاف، خصوصاً في ظل التحولات الدولية والإقليمية التي تستدعي عودة تونس للعب أدوارها الطبيعية كمحاور مقبول بين كل الدول المغاربية، لهذا فإن ذلك يتطلب تحولاً في السياسة الخارجية التونسية، ولعل الاتصال الهاتفي مؤشر إلى وجود اتصالات بعيداً من الإعلام، ربما تنتهي بعودة السفراء، وربما يخول ذلك لتونس لعب دور كبير في إعادة إحياء المغرب العربي لمواجهة التحديات المشتركة".
ولفت لزرق إلى أن "التصعيد تجاه المغرب كان نتيجة للظروف الاقتصادية والأمنية التي كانت تعرفها تونس، والتي جعلتها في ما يشبه التبعية لقرارات الجزائر أملاً في الحصول على المساعدات المالية والاقتصادية من الجزائر".
وفي ظل تسمم العلاقات بين الدول المغاربية بسبب ملفات مثل قضية الصحراء وقضايا أخرى فإن مستقبل اتحاد المغرب العربي ومعه التعاون المشترك يلفه الغموض على رغم ما تعرفه المنطقة من تحديات تفرضها طبيعة الصراعات في الساحل الأفريقي المجاور، وهي تحديات تتمثل بصورة رئيسة في الأمن والهجرة غير النظامية التي باتت تغرق هذه الدول وتجعلها أمام ضغوط متنامية من قبل الدول الأوروبية.