Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا لا يهاجر سكان غزة عبر البحر؟

تفرض إسرائيل قيوداً مشددة ولا توجد مراكب حديثة كما أن أقرب دولة للقطاع تبعد 380 كيلومتراً

اضطر سكان غزة إلى العيش أمام بحر غزة ما جعلهم يفكرون بالهجرة الجماعية عبر البحر (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)

ملخص

لماذا لا يقفز أهل غزة في البحر؟ وما الأسباب التي تحول دون موجة هجرة ولجوء عبر المتوسط؟

على اللسان البحري لميناء خان يونس جنوب غزة، يسكن منيب في خيمة صغيرة صنعها بنفسه، هرباً من القصف الإسرائيلي الذي طاول جميع أنحاء القطاع، ويقضي يومه ينظر إلى البحر وتضارب أمواجه، ويفكّر كثيراً في انتهاء الحرب ليهاجر.

وضنك العيش في غزة بسبب حربها دفع منيب إلى الإيمان بأن الهجرة من القطاع هي أفضل الحلول، وأنه مستعد لأن يترك بلاده فوراً. ينظر الرجل إلى البحر ويفكر بأن يقفز في مياهه ويهرب من الموت إلى دولة أخرى.


الهجرة عبر سفينة

يقول منيب أمام جيرانه الذين يسكنون خياماً بدائية، واضطروا إلى بنائها على اللسان البحري لميناء خان يونس "ما رأيكم أن نقفز في البحر ونقوم بهجرة ولجوء جماعي عبر المتوسط؟". ويضيف "الضغط العسكري الذي ينفذه الجيش الإسرائيلي على سكان غزة دفعني أن أفكر بالهجرة فوراً، أخطط أن أركب سفينة وأغادر القطاع نحو أقرب دولة من غزة وأطلب فيها لجوءاً، لعلي أعيش هناك حياة أكثر استقراراً وأنقذ نفسي من موت محقق".

كانت آية وهي نازحة تعيش الآن في خيمة تطل على البحر مباشرة تستمع لحديث منيب، وتشاركه التفكير نفسه، وتقول "ما بقي إلا أن ترسو السفن أمام هذا اللسان البحري ونقفز عليها مهاجرين إلى دولة تحترم حياتنا".

 

للعيش أمام البحر بعد نفسي

فكرة أن يحاول سكان غزة الهرب من الحرب عن طريق البحر باتت تعيش في عقول الناس، ولم تكن وليدة الصدفة، وإنما جاءت نتيجة ظروف وعوامل كثيرة.

ويقول أستاذ علم النفس الاجتماعي يونس الطنطاوي "لم يعد شاطئ البحر للاستجمام بل تحوّل إلى ملجأ للغزيين الفارين من أهوال الحرب". ويضيف "طلبت إسرائيل من سكان غزة النزوح نحو البحر، وحشرتهم في مساحة ضيقة تطل مباشرة على الشاطئ، وتركتهم يعيشون قبالة تضارب الأمواج قرابة العام، هذا خلق بطريقة نفسية في العقل اللاواعي فكرة الهجرة عن طريق البحر". ويوضح الطنطاوي أن معظم سكان غزة ينتظرون فرصة مناسبة ليهاجروا من القطاع إذ يرون أنه بات منطقة غير صالحة للحياة، لافتاً إلى أن تنظيم موجة هجرة جماعية عن طريق البحر أمر وارد، ولكن أمامه تحديات كبيرة.

حياة صعبة

يأس منيب كثيراً من حرب غزة "كل يوم يموت منا مئات الأشخاص، حياتنا لم تعد مهمة للعالم، والمحظوظون الذين نجوا من القصف باتت عيشتهم بدائية جداً، هنا نغسل الملابس بمياه البحر، ونستخدم الحطب لإشعال النيران، والمياه الصالحة للشرب معدومة".

ويعيش منيب يومه جائعاً ولا يجد طعاماً يأكله، وعطشاناً ولا ماء يبلل ريقه، ومريضاً من دون دواء، وأطفاله بلا تعليم ولا رعاية، وحاله تنسحب على آلاف السكان الذين يعيشون في مخيمات مؤلفة من خيام بدائية جداً تفتقد أبسط مقومات الحياة، لكنها ملاذ موقت من الموت.

 

ظروف الحياة هذه هي دفعت منيب إلى التفكير بالهجرة بحراً، ويستذكر ما كان يقوم به سكان القطاع الذين يغادرونه نحو تركيا، ومنها يبحرون بطريقة جماعية إلى اليونان، وبعدها يهربون إلى دولة أوروبية ويطلبون الهجرة.

ولكن منيب لا يرغب في هذه الرحلة الطويلة، ويفكر بأن يغادر غزة مباشرة إلى أي دولة قريبة من القطاع، ولا مجال أمامه سوى ركوب البحر، إذ أغلقت إسرائيل المنافذ البرية التي تربط القطاع بها أو بمصر، كما لا يوجد أي مجال جوي في غزة. ويرى منيب أن البحر هو الطريق الوحيد المفتوح أمامه "هل يستطيع سكان غزة تنظيم موجة هجرة ولجوء عبر المتوسط؟".

تشجيع الهجرة

سألت "اندبندنت عربية" نحو 150 نازحاً يعيشون مباشرة أمام البحر، إذا كانوا يفكرون بالهجرة من القطاع حتى ولو كان الأمر عن طريق البحر؟ وجاءت الإجابات من قبل 35 فرداً بأنهم يرفضون مغادرة غزة مهما كانت الظروف ويفضلون الموت على أرضها أكثر من الهجرة.

أما الآخرون فجميعهم ينتظرون الفرصة لمغادرة غزة، و40 شخصاً يرفضون الهجرة عبر البحر ويفضلون فتح المنافذ البرية، بينما 75 آخرون لا مشكلة لديهم في تنظيم موجة هجرة جماعية لها وجهة محددة.

وتعزو هديل، وهي نازحة، سبب رفضها الهجرة تمسكها بالأرض وحبها لمكان ولادتها آملة تحسن الحياة بعد الحرب "لو فكرنا جميعنا بالهجرة، فإن حلم إقامة دولة فلسطينية سوف ينتهي إلى الأبد، أحلم بأن تكون لي دولة وعاصمة، أحبّ غزة ولا أرغب في الهجرة منها أبداً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قيود البحرية الإسرائيلية

ويقول أستاذ الجغرافيا السياسية جهاد الحرازين عن إمكان تنظيم موجة هجرة ولجوء عبر المتوسط، "في الوقت الراهن، الأمر يبدو شبه مستحيل فكثير من التعقيدات أمام هذه الخطة. ثمة قيود صارمة تفرضها البحرية الإسرائيلية قبالة سواحل قطاع غزة، تحول دون تمكّن أي شخص من مغادرة المياه الخاصة في حدود القطاع، وإذا فكّر الناس في تنظيم موجة هجرة جماعية فإن مصيرهم الموت".

وفي الواقع، تجري قوات البحرية الإسرائيلية مراقبة صارمة لبحر غزة، وتفرض قيوداً مشددة، وعندما بدأت الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ضاعفت تل أبيب جميع قيودها. وتمركزت البحرية الإسرائيلية عند حدود خمسة أميال بحرية، وكثفت من تواجد الزوارق الحربية، وباتت تطلق النار والقذائف صوب أي شيء يتحرك في المياه، وإلى جانب ذلك، فهي تقوم بدوريات مراقبة مشددة.

وقبالة بحر غزة، تستخدم إسرائيل، منذ سنوات طويلة، أنظمة مراقبة إلكترونية، إذ يوجد نحو 15 برج مراقبة، فضلاً عن وجود كاميرات عالية الدقة. ونشر الجيش الإسرائيلي أخيراً منطاداً جديداً يمكنه مراقبة مناطق أوسع، ويلتقط صوراً أكثر دقة من ارتفاعات كبيرة، إذ يستخدم في أعمال المراقبة المعقدة البحرية والبرية.

مراكب مهترئة

يضيف أستاذ الجغرافيا السياسية "هذه القيود الإسرائيلية تمنع تنفيذ موجة هجرة، وأيضاً هناك عوامل أخرى مثل عدم وجود مراكب وسفن قادرة على الإبحار لمسافات طويلة".

وجاء في بيانات جهاز الإحصاء الفلسطيني (مؤسسة حكومية)، أنه يوجد في قطاع غزة 1739 مركباً تستخدم كلها لأغراض الصيد فقط، وغير مناسبة أبداً لاستخدامها في أغراض أخرى مثل السياحة والنقل.

ولدى الصيادين ستة أنواع من مراكب الصيد، وكلها لا يمكن استخدامها لأغراض النقل أو السفر أو ما شابه.

الدول بعيدة والفكرة مرفوضة دولياً

ويوضح الحرازين أنه إلى جانب القيود الإسرائيلية وعدم وجود وسائل نقل للهجرة، فإن هذه الخطوة تتطلب ترتيبات مع عدد من الدول المستضيفة، أما فكرة أن يغادر سكان غزة عبر البحر في رحلة نزوح عشوائية، فإن هذا معناه الحكم على هؤلاء الناس بالسجن أو الغرق.

وفي الخلاصة، إذا حدثت هجرة جماعية عن طريق البحر، فإن أقرب دولة للقطاع هي جزيرة قبرص التي تبعد مسافة 380 كيلومتراً، وتحتاج إلى سبعة أيام إبحاراً بواسطة باخرة للوصول إليها، لذلك يعتقد الحرازين أن فكرة قفز سكان غزة عبر البحر غير مجدية أو مستحيلة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير