ملخص
قال نائب قائد الـ "بنتاغون" السابق ستيفن بريان إن "أوكرانيا وإسرائيل أضعفتا مخزونات الدول الغربية من الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية، بما في ذلك المخزونات الإستراتيجية للولايات المتحدة، من خلال استخدامهما الموتور للأسلحة على نحو لم يسبق له مثيل منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية".
لا توجد حقيقة تضاهي حقيقة أن الحرب الدائرة في أوكرانيا وطوفان النار الذي تمارسه إسرائيل في غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان منذ أكثر من 11 شهراً، استهلك من الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية أكثر مما استهلكته كل جيوش العالم منذ مطلع الألفية الثانية وحتى عام 2022.
وقال نائب قائد الـ "بنتاغون" السابق ستيفن بريان في مقالة لمجلة الأسلحة والإستراتيجية نشر في الخامس من سبتمبر (أيلول) الجاري، إن أوكرانيا وإسرائيل أضعفتا مخزونات الدول الغربية من الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية، بما في ذلك المخزونات الإستراتيجية للولايات المتحدة، من خلال استخدامهما الموتور للأسلحة على نحو لم يسبق له مثيل منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وأضاف بريان أن "الحرب في أوكرانيا أضعفت الولايات المتحدة من خلال استنزاف مخزوناتها وترساناتها، وقد قوضت بالفعل مصالح الولايات المتحدة في دول أخرى، وبخاصة في منطقة المحيط الهادئ".
ووفقاً للخبير فقد استنفدت كثير من الدول الأوروبية احتياطاتها من الموارد لدعم أوكرانيا وإسرائيل، إذ أرسلت إلى هناك الطائرات والدبابات والعربات المدرعة والصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي والمدفعية والذخيرة وكثيراً من الأسلحة الأخرى التي يصعب استبدالها، وكل هذا يؤدي إلى نتيجة غريبة وهي أنه من دون الولايات المتحدة لن يتمكن أعضاء الـ "ناتو" الأوروبيين من الدفاع عن أراضيهم، وفق بريان الذي خلص إلى أن هذا يضع واشنطن أيضاً في وضع غير مؤات جيوسياسياً.
وتعتبر روسيا أن إمدادات الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا بمثابة اللعب بالنار، وتعتقد أنها تتعارض مع التسوية وتشرك دول الـ "ناتو" مباشرة في الصراع.
وأشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مراراً إلى أن أية شحنة تحوي أسلحة لأوكرانيا فإنها ستصبح هدفاً مشروعاً، ووفقاً له فإن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي متورطان مباشرة في الصراع من خلال تدريب الأفراد في بريطانيا العظمى وألمانيا وإيطاليا ودول أخرى.
وصرح الكرملين أن تزويد الغرب أوكرانيا بالأسلحة لا يسهم في ولوج باب المفاوضات وسيكون له تأثير سلبي.
إن "الحرب حتى آخر أوكراني" التي تسهم فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي ضد روسيا تناسبهم من حيث المبدأ، ولولا ذلك لما فتحوا مخازن أسلحتهم وذخائرهم على غاربها من أجل تزويد كييف بالأسلحة بصورة مستمرة، ومع ذلك تراودهم أحياناً الشكوك حول ما إذا كان لديهم ما يكفي من القوة والموارد للتعامل معها، وما إذا كان ذلك سيرتد على سلامتهم.
جوهر النهج
إن إغداق مزيد من إمدادات الأسلحة الأميركية إلى أوكرانيا من شأنه أن يؤخر نصر فلاديمير بوتين في الحرب ولكن ليس منعه من تحقيق هذا النصر في نهاية المطاف، بخاصة إذا ما فاز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخامس من نوفمبر (تشرين ثاني) المقبل، فحينها لن يتمكن الاتحاد الأوروبي من التعويض عن النقص الذي سيخلفه امتناع الإدارة الأميركية من أمداد كييف بالأسلحة والذخائر، وعندها تبدأ الأشهر الصعبة بالنسبة إلى أوكرانيا، ولا سيما أن روسيا تملك الآن القوة الكافية لتحقيق اختراق كبير على الجبهة هذا العام، على رغم أنها قد تخطط لذلك في العام المقبل.
ومع تزايد الدعوات في أوروبا لتولي "القارة العجوز" مسؤولية دفاعها وأمنها بدلاً من واشنطن ترتعد بروكسل خوفاً في الاستجابة، لكن االتحول في الكيفية التي ينظر بها كل من جانبي الأطلسي إلى موقف الآخر من شأنه أن يحول الاتحاد الأوروبي من مجرد تابع للولايات المتحدة إلى حليف أكثر قدرة واعتماداً على النفس.
إن احتمال فوز ترمب برئاسة ثانية وتعيين فانس نائباً للرئيس، يجعل زعماء الاتحاد الأوروبي يشعرون بالقلق إزاء أمن الكتلة الأمنية مرة أخرى، ومن الواضح أن المناقشات التي جرت بين عامي 2016 و2021 حول الاعتماد الكامل على حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة في الدفاع عن الاتحاد الأوروبي لم تصل إلى نتيجة مرضية.
وفي عام 2016 ارتفع الإنفاق الدفاعي للـ "ناتو" كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي للمرة الأولى منذ سبعة أعوام، وأعادت السويد وليتوانيا، جارتا روسيا، فرض الخدمة العسكرية الإلزامية أو زيادة مدتها، وفي بروكسل أدخلت مراجعة خطة العمل الدفاعية الأوروبية الحاجة إلى أن يهدف الاتحاد إلى "الاستقلال الإستراتيجي" لأوروبا، وزاد الاتحاد الأوروبي إنفاقه العسكري وأضفى الطابع الرسمي على هيكله للتعاون العسكري وفقاً لذلك.
وخلال الفترة ما بين عامي 2018 و2021 بادرت بروكسل أيضاً إلى إنشاء صناديق الدفاع الأوروبية مما مكّن الاتحاد الأوروبي من تمويل حمايته بصورة جماعية، وطالب الدول الأعضاء بتخصيص "ما لا يقل عن 20 في المئة من موازنتها الدفاعية للمعدات، واثنين في المئة للتطوير التكنولوجي"، وتخصيص 90 مليون يورو (99.3 مليون دولار) لتمويل أبحاث الدفاع على مستوى الاتحاد من عام 2016 إلى عام 2020 على وجه التحديد، و13 مليار يورو (14.4 مليار دولار) بين عامي 2021 و2027 لسياسة الدفاع الصناعي.
لقد شملت التغييرات التي طرأت على التعاون العسكري بين الدول الأعضاء جهوداً لتنسيق الإنفاق العسكري وتحديد مشاريع السياسة الأمنية المشتركة، وتشير مثل هذه الرغبة في التعاون وزيادة الإنفاق إلى استعداد الاتحاد الأوروبي لأن يصبح أكثر من مجرد "تابع أليف في يد أميركا"، في الأقل خلال الوقت الراهن.
وتسبب المناخ السياسي على حدود القارة بدفع الاتحاد الأوروبي نحو التفكير بإستراتيجية أمنية مستقلة، ولا سيما في أعقاب الحرب الروسية - الأوكرانية، وأسهمت تصريحات ترمب في وصف حلف شمال الأطلسي بأنه "عتيق" وغير قادر على تلبية أهدافه الإنفاقية بجعل التغيير في الترتيب الأمني الذي يبلغ من العمر سبعة عقود أكثر احتمالاً.
إن هذا التغير في الاهتمام بالقدرات الدفاعية يشير إلى أن التقدم الأمني الأوروبي يظل رد فعل على التهديدات التي تواجه أمن الاتحاد الأوروبي، ولم يمنع القارة العجوز من تطوير وسائل الحماية الذاتية سوى أيديولوجية قادتها التي تركز على الاعتماد على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي للحصول على ضمانات أمنية راسخة، وكثيراً ما كان النفوذ الأميركي في القارة يعتمد على اعتقاد الاتحاد الأوروبي بأنه يعيش تحت مظلة الحماية الأميركية، ولذلك لم يتحول إلى منافس كفء، ففي عام 2010 وصفت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون الأمن الأوروبي بأنه "أكثر من مجرد مصلحة إستراتيجية وتعبير عن قيمنا التي لا يمكن ولا ينبغي لنا أبداً أن نكسرها".
ولكن بعد أعوام من الوعود الشاملة بحماية أوروبا، والتي كانت في بعض الأحيان مثبطة للهمة عن بناء القدرات الأمنية، يبدو من غير المستغرب أن يكافح الزعماء الأوروبيون في مهمة تعزيز قدرة الاتحاد على حماية نفسه والاعتماد بصورة أقل على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.
إن التحول الحقيقي في عقلية واشنطن من الرغبة في إبقاء أوروبا تابعة لها نحو الدعم الحقيقي لأوروبا لتصبح نداً للولايات المتحدة وحليفاً أكثر قدرة، هو ما يحتاج إليه الاتحاد الأوروبي ليبدأ عملية الاعتماد على نفسه في الدفاع والأمن.
أوكرانيا لا تشبع من الأسلحة
منذ بدء روسيا عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، أطلق الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي شهيته للأسلحة الغربية، فهو لم يلتق مرة الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ إلا وطالبه بضرورة حثّ دول الحلف الدول على تقدم مزيد من الدعم العسكري لأوكرانيا، بخاصة بعد الهجوم الأوكراني المضاد الذي فشل في تحقيق اختراق كبير، مما شجّع كييف على مواصلة طلب مزيد من إمدادات الأسلحة بحجة أن سبب فشل الهجوم هو الافتقاد إلى الأسلحة الهجومية الفتاكة.
وبحلول الوقت الذي وصل فيه زيلينسكي إلى مقر الناتو في الـ 11 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في أول زيارة له لبروكسل منذ بدء الحرب، أصبحت المهمة المخطط لها أكثر إلحاحاً، إذ شن مسلحو "حماس" هجوم "طوفان الأقصى" على إسرائيل قبل ذلك بأربعة أيام مما جعل الأخيرة منافساً قوياً لأوكرانيا على طلب الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية الغربية، ولا سيما بعدما صار الصراع في الشرق الأوسط مركز الاهتمام العالمي.
وبعد شهر ونصف الشهر اجتمع حلفاء أوكرانيا من وزراء دفاع مجموعة "رامشتاين" التي توحد ما يصل إلى 50 دولة بصورة افتراضية وأكدوا مجدداً دعمهم أوكرانيا، لكن كان هناك مزاج أكثر قتامة بين المسؤولين سراً، فهم يعرفون في قرارة أنفسهم بأن شحنات الأسلحة تتباطأ وأن المساعدات المالية أصيبت بالشلل بسبب السياسة الداخلية في البلدان الحليفة.
وخلال الأشهر التي مرت منذ رحلة زيلينسكي إلى بروكسل زادت الضغوط على أوكرانيا لبناء طريق نحو النصر بطريقة أو بأخرى، مع الإقرار بأن الوضع في ساحة المعركة أصبح صعباً بصورة متزايد بالنسبة إلى أوكرانيا، سواء بسبب اقتراب بداية فصل الشتاء أو مشكلة نقص الذخيرة، وهناك مصدر قلق آخر يتمثل في حجم القوة البشرية التي تواصل روسيا إرسالها إلى الخطوط الأمامية على شكل موجات حتى على رغم خسائرها، في حين أن كييف مترددة في إرسال مزيد من الجنود إلى الجبهة.
خارج ساحة المعركة بدأت الولايات المتحدة وأوروبا التساؤل عما إذا كان بإمكانهما الاستمرار في إهدار الموارد المحدودة بالفعل، على ما يعترف القائد الأعلى السابق للقوات المسلحة الأوكرانية الجنرال فاليري زالوجني بأنه "وضع مسدود"، فكييف تدرك أنه لم يتبق سوى وقت قصير قبل الانتخابات الأميركية وأن الوقت ينفد، وأن التقدم العسكري من شأنه أن يسهل على شركاء أوكرانيا زيادة المساعدة، ومع ذلك فحتى قبل هجوم "حماس" والغزو الإسرائيلي اللاحق لغزة، سجل المسؤولون الأوكرانيون انخفاضاً في الاهتمام بأوكرانيا.
وبينما يمضى زيلينسكي جلّ وقته في طمأنة الحلفاء بأن القوات المسلحة الأوكرانية تستعد للقتال، ويقول "أركز الآن على الحصول على المساعدة من الغرب، فالتركيز يتحول بسبب الشرق الأوسط وأسباب أخرى، ومن دون الدعم سنتراجع".
لقد تعثر الأوروبيون في جهودهم ووعودهم بتزويد كييف بذخيرة المدفعية التي تحتاجها بشدة، في حين ظهرت علامات متزايدة على الإرهاق السياسي في الدول الغربية، وبخاصة في الولايات المتحدة التي تظل الداعم الأكثر أهمية لأوكرانيا، والمقلق هو أن المساعدات غير الكافية أو الضعيفة يمكن أن تجبر زيلينسكي قبل الأوان على بدء محادثات سلام من موقف ضعيف، أو حدوث الأسوأ من ذلك وهو تمكن روسيا من اختراق الدفاعات الأوكرانية وتخلص بوتين من أي حافز للتفاوض.
هذه الاحتمالات تخيف بعض الزعماء في أوروبا الشرقية الذين كثفوا خلال الأعوام الأخيرة تحذيراتهم في شأن نيات فلاديمير بوتين، ويقولون علناً إن "روسيا لن تتوقف عند حدود أوكرانيا، ولا يزال الغرب لا يفهم تماماً ما هو على المحك".
التسليح الأميركي لأوكرانيا وإسرائيل
تحاول الإدارة الأميركية الديمقراطية الحالية، بما في ذلك وزير الدفاع لويد أوستن، طمأنة كييف في شأن استمرار الدعم التسليحي الأميركي، ومع ذلك فإن الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة تجعل أوكرانيا تحبس أنفاسها بانتظار نتائجها، لأنه في حال فوز ترمب بالرئاسة فسيصبح كل شيء بثمن، ولن تعود هبات الأسلحة توزرع مجاناً لا على إسرائيل ولا على أوكرانيا، وخير شاهد على ذلك ما قام به مجلس النواب بقيادة الجناح المحافظ من الجمهوريين، إذ واجه الرئيس الأميركي جو بايدن صعوبات في مواصلة التمويل لأوكرانيا، وصحيح أن الـ "بنتاغون" أعلن أنه اضطر بالفعل إلى تقييد تدفق الأسلحة إلى أوكرانيا بسبب الجمود في الكونغرس خلال النصف الأول من هذا العام، لكن الصحيح أيضاً أن هذا التقييد جاء بسبب نفاذ كثير من الأسلحة من المستودعات الأميركية نفسها، ولا سيما صواريخ منظومة "باتريوت" التي اضطرت واشنطن إلى إعادة شرائها من كوريا الجنوبية من أجل تزويد كييف بها.
ومن شأن حملة الانتخابات الرئاسية الحالية أن تزيد الأمور تعقيداً بالنسبة إلى الديمقراطيين، بخاصة وأن ترمب انتقد المشرعين مراراً لتقديمهم المساعدة لكييف، وقال أحد كبار المسؤولين الأوروبيين إنه " من الناحية السياسية سيكون من الصعب على الديمقراطيين إقناع الناخبين في شأن الطريق المسدود في الحرب الروسية ضد أوكرانيا، بينما يعد خصومهم بإنهاء الحرب في يوم واحد"، فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "غالوب" أوائل نوفمبر 2023 أن 41 في المئة من الأميركيين يعتقدون أن حكومتهم تفعل الكثير من أجل أوكرانيا، مقارنة بنحو 29 في المئة فقط من المشاركين في استطلاع أجري في يونيو (حزيران) الماضي.
وتذكر وكالة "بلومبيرغ" أن طلبات إسرائيل من المساعدات العسكرية للولايات المتحدة لا تتداخل في الواقع إلا قليلاً، أو لا تتداخل على الإطلاق، مع أنظمة الأسلحة التي تطلبها أوكرانيا باستثناء كمية صغيرة نسبياً من ذخيرة المدفعية، لكن هذا قد يتغير إذا أصبحت حرب إسرائيل ضد "حماس" أكثر انتشاراً مما قد يعرض إمدادات الأسلحة للخطر، بحسب ما قالت نقلاً عن مسؤول أوروبي آخر، واشتكى زيلينسكي مراراً من أن إمدادات القذائف المدفعية من عيار 155 ميليمتر إلى أوكرانيا توقفت بالفعل بعد أن طلبت إسرائيل ذلك.
العين بصيرة واليد قصيرة
يتفق الأميركيون والأوروبيون على أن عليهم مواصلة دعم القوات المسلحة الأوكرانية، ويجب عليهم العمل وفق نظام هيكلي وطويل الأجل لدعم أوكرانيا، مع إدراك أن روسيا بالتوازي تقوم أيضاً بتعبئة اقتصادها وقواتها وجيشها، لكنهم يتساءلون عن مصدر هذا الدعم التسليحي بعدما أصبحت كثير من مخازن الأسلحة الأميركية والأوروبية تشهد نقصاً متزايداً في احتياطاتها؟
وتضع المكائد السياسية في الولايات المتحدة عبئاً متزايداً على الاتحاد الأوروبي، ويقول دبلوماسيون أوروبيون إنهم يستعدون لسيناريو يمكن أن يتراجع فيه الدعم الأميركي، وعلى رغم أن الاتحاد الأوروبي يمكنه تقديم الدعم المالي لأوكرانيا إلا أنه لا يمكنه سوى تعويض جزء مما تقدمه الولايات المتحدة من أسلحة، بحسب ما نقلت "بلومبيرغ" عن ممثلة مجلس أوروبا للعلاقات الخارجية ليانا فيكس.
والآن يستخدم الأوكرانيون والروس كميات من الذخيرة تفوق ما يستطيعان توفيره، ومع ذلك فعلى عكس أوروبا أو الولايات المتحدة فإن اقتصاد موسكو يُكيف ليصبح اقتصاد حرب، مما يسمح للصناعة بإنتاج القذائف والطائرات من دون طيار والأسلحة الأخرى بصورة أكثر ثباتاً.
وتقول فيكس إنه "سيكون من المستحيل استبدال معظم الدعم العسكري الذي يقدمه الأميركيون لأن الأوروبيين ببساطة لا يملكون مثل هذه الاحتياطات، ولهذا السبب فمن المهم جداً أن تجد الولايات المتحدة مرة أخرى التمويل لأوكرانيا."
وتتوقع روسيا إنتاج مليوني قذيفة العام المقبل، إضافة إلى المساعدات الخارجية لكوريا الشمالية البالغة أكثر من مليون قذيفة، بحسب ما صرح نائب كوري جنوبي لـ "بلومبيرغ".
وفي الوقت نفسه اعترف الاتحاد الأوروبي بأنه لم يحقق هدفه المتمثل في تزويد أوكرانيا بمليون قذيفة مدفعية حتى نهاية مارس (آذار) الماضي على رغم الجهود المبذولة لتوسيع قدرة الصناعة الدفاعية، والآن تعارض دول الاتحاد الأوروبي مثل المجر وسلوفاكيا بقوة دعم كييف.
وطالب رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، زعيم الاتحاد الأوروبي الأقرب إلى بوتين، بإجراء "مناقشة عاجلة" في شأن أوكرانيا من جانب الكتلة، وقال في رسالة إلى رئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل "بما أن الوضع في ساحة المعركة لم يتغير فإن هذا يلقي بظلال من الشك على فرص كييف في الفوز"، وتابع أوربان الذي انتقد أيضاً العقوبات ضد روسيا بأنه "لا ينبغي اتخاذ أية قرارات في شأن المساعدات أو الضمانات الأمنية لأوكرانيا من دون إجماع داخل الاتحاد الأوروبي، وهو على استعداد لعرقلته".
وحتى قبل صراع إسرائيل مع "حماس" أثار عدد من الأحداث ضجة زادت الشكوك حول التزام وقدرة أوروبا على دعم أوكرانيا، بحسب ما تذكر "بلومبيرغ"، وتصف الوكالة العامل الأول من هذا القبيل بأنه" نزاع مثير للاشمئزاز" حول صادرات الحبوب مع بولندا، الحليف الأوروبي الأكثر أهمية لأوكرانيا، مما أدى إلى تهديد وارسو بوقف إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا، وزادت رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني الشعور بالانقسام في الاتحاد الأوروبي عندما كشفت عن الإرهاق لدى "جميع الأطراف" خلال محادثة هاتفية مع محتالين روس أوائل نوفمبر الماضي، وذكرت أيضاً أننا" اقتربنا من النقطة التي سيفهم فيها الجميع أننا بحاجة إلى مخرج".
كل هذا يعني بداية أشهراً صعبة بالنسبة إلى أوكرانيا، ووفق "بلومبيرغ" فإن التوقعات بقدرة القوات الأوكرانية على البقاء في مقاطعة كورسك الروسية تصل إلى الصفر تقريباً، وكذلك التوقعات بشن هجوم أوكراني مضاد في بداية الشتاء منخفضة لأن كييف ضحت بقواتها النخبوية في احتلال موقت لجزء من مقاطعة كورسك، كما من المرجح أن يؤدي تغير الطقس إلى زيادة عرقلة الحركة العسكرية الأوكرانية.
وتشعر كييف بالقلق من أن البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا ستتعرض مرة أخرى لضربة قوية خلال الشتاء، إذ تقوم القوات الروسية بتخزين الصواريخ وتنتظر حلول الطقس البارد لمهاجمة شبكات الكهرباء الأوكرانية، وهناك مخاوف من أن الهجمات الضخمة يمكن أن تخترق الدفاعات الجوية الأوكرانية حتى مع توفير الأنظمة الإضافية لها.
لكن روسيا في ظروف حرب طويلة ترى أن الزخم يتغير لمصلحتها، وتقول مصادر مطلعة في موسكو لـ "اندبندنت عربية" إن "أمام بوتين خياران: إما الاستمرار في اتباع خططه من أجل إنهاك خصمه وحلفائه، أو محاولة تنفيذ هجوم كبير جديد مطلع الربيع المقبل، ومع ذلك فإن الخيار الثاني من المرجح أن يتطلب منه الإعلان عن خطوة لا تحظى بشعبية ومنها التعبئة العامة لنحو 500 ألف شاب".
وربما لم يفكر زيلينسكي بعد في إستراتيجيته التفاوضية في ما يتعلق بمحادثات السلام، ومع ذلك تشير استطلاعات الرأي إلى أن أقلية صغيرة ولكن متزايدة من الأوكرانيين تعتقد أن التنازلات الإقليمية لروسيا قد تكون ثمناً لا مفر منه للسلام، فأوكرانيا تشعر بخيبة أمل لأن بعض الحلفاء لم يدركوا تماماً حجم القوات الروسية وقوة تسليحها، وقللوا من قوة الخطوط الدفاعية الروسية مما أدى إلى حدوث اختراقات غير قليلة في جبهة دونباس.
أوكرانيا تستجدي الأسلحة بالدماء
ضعف أوكرانيا العسكري يمكن تفسيره بصيغة بسيطة وهي "نقص المقاتلين إضافة إلى نقص الذخيرة"، ووفقاً للجنرالات الروس فإن هاتين الظاهرتين مرتبطتان بصورة قد لا تبدو واضحة للوهلة الأولى، وعندما علق الكونغرس الأميركي مبيعات الأسلحة لمدة ستة أشهر بدءاً من أكتوبر 2023، اضطرت أوكرانيا إلى إلقاء الضوء على المشكلة، و"عندما لم تكن لديها قذائف استخدمت مزيداً من المشاة في الجبهة لوقف الاختراق" مما يعني خسارة كثير من الجنود ذوي الخبرة، وأدى فشل برنامج التعبئة في أوكرانيا إلى تفاقم هذه المشكلات، ويعتقد هؤلاء أن أوكرانيا فقدت بالفعل عدداً أكبر من الجنود خلال العام الحالي مقارنة بالأشهر الـ18 السابقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولتوضيح التحديات التي تواجهها أوكرانيا فقد أعدت كييف عرضاً تقديمياً للحلفاء، إذ تمت مقارنة طول الخط الأمامي بطول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، ويقول الخبراء إن القوات الأوكرانية لا تزال تحقق بعض النجاحات بحلاوة الروح، فقد شنت القوات المسلحة الأوكرانية هجوماً على كورسك الروسية، كما نفذت ضربات على أهداف إستراتيجية في عمق العمق الروسي بمساعدة صواريخ ATACMS الأميركية الجديدة بعيدة المدى، لكن هذه النجاحات العملياتية البسيطة والموقتة لا تغير وضعها الإستراتيجي الصعب ولا تعدل ميزان القوى مع القوات الروسية الأكثر عدداً وعدة والأشد تفوقاً.
وورد في مجلة "إيكونيميست" أنه "كما كان الحال في الحرب العالمية الأولى فقد وصلنا إلى الحد التكنولوجي الذي يتركنا في حيرة من أمرنا"، ووفقاً للقائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية فهناك حاجة إلى قفزة تكنولوجية للخروج من هذا الوضع.
ونقلاً عن مسؤول كبير في وزارة الدفاع في موسكو فإن "روسيا نفسها لا تملك ما يكفي من الذخيرة لشن هجوم كبير هذا العام، وعلى رغم تعبئة صناعتها الدفاعية فإنها لا تزال غير قادرة على تلبية الطلب الهائل على أنظمة الأسلحة"، فيما يركز الاتحاد الروسي على الاستيلاء على الأراضي في منطقة دونيتسك وإعادة احتلال تلك المناطق في أوكرانيا التي استعادتها القوات المسلحة الأوكرانية العام الماضي في منطقة خاركوف.
ومع تكيف القطاعات الرئيسة في الاقتصاد الروسي مع العقوبات الدولية، تعمل حكومة بوتين على تعزيز مواردها لتجنب فقدان السيطرة على الإنفاق الحكومي، وهو أمر لا يمكن القيام به إلى أجل غير مسمى بعد رحيل المستثمرين الأجانب والعمالة الماهرة، كما يتوقع الخبراء.
بعض المتحدثين في روسيا يشيرون إلى الوضع الكئيب بالنسبة إلى موسكو، وقال الخبير الأمني في مركز تحليل الإستراتيجيات والتقنيات في موسكو، ميخائيل بارابانوف، إن اعتقاد السلطات الروسية بأنها تستطيع انتظار الجهود الغربية هو" خداع ذاتي خطر".
واعتبر بارابانوف أن "الحرب الطويلة يمكن أن تعزز دور أوكرانيا كحليف حاسم للولايات المتحدة، على غرار إسرائيل، ومثل هذا التطور سيكون بمثابة هزيمة جيوسياسية خطرة لموسكو".
إسرائيل
من ناحية أخرى اضطرت الدول الغربية وعلى رأسها دول حلف الـ "ناتو" إلى تلبية حاجة إسرائيل الماسة للأسلحة والذخائر بعدما صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن الحرب الرامية إلى تدمير "حماس" لن تنتهي حتى بعد وقف موقت لإطلاق النار، وحتى بعد التوصل إلى اتفاق لإطلاق بعض الرهائن من قطاع غزة في مقابل وقف موقت للقتال.
وسارعت الولايات المتحدة إلى تأكيد التزامها الكامل تجاه أوكرانيا وأمن إسرائيل في الوقت نفسه حتى يتمكن الحلفاء الأوروبيون والجمهور الأميركي، وليس فقط زيلينسكي وبوتين، من سماع ذلك، فمعركة أوكرانيا ضد القوات الروسية كما حرب إسرائيل ضد غزة وحركة "حماس"، هي بمثابة ماراثون طويل وليس سباقاً سريعاً.
وأدى الصراع المسلح المستمر منذ نحو 11 شهراً بين إسرائيل و"حماس" إلى تحويل انتباه العالم عن الحرب بين روسيا وأوكرانيا، لكن الخطر الرئيس الذي يواجه كييف هو أن الحرب في الشرق الأوسط قد تستولي على موارد حلفائها الغربيين، وقال السيناتور الجمهوري عن ولاية ميسوري جوش جاولي في التاسع من أكتوبر 2023 إن "إسرائيل تواجه تهديداً وجودياً، وأي تمويل لأوكرانيا يجب إعادة توجيهه بصورة عاجلة إلى إسرائيل".
وعلى رغم أن البيت الأبيض وصف هذا السياسي سابقاً بأنه موزع "للمعلومات المضللة الروسية"، فإن الفرضية حول الحد من الدعم الغربي لكييف بسبب الصراع في إسرائيل ليست بلا أساس، على رغم أن إدارة جو بايدن والـ "بنتاغون" ينكران ذلك علناً الآن.
وقال سكريتير مجلس الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان "نحن نرفض بشدة فكرة أن الولايات المتحدة لا يمكنها دعم شعب أوكرانيا المحب للحرية ودعم دولة إسرائيل في الوقت نفسه"، مضيفاً "لدينا الموارد والأدوات والقدرة للقيام بذلك بفعالية".
مخاوف واقعية
تتخوف الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون من المبالغة في تقدير قوتهم وقدراتهم التسليحية، فقد بيّنت الوقائع بوضوح أن الحرب في أوكرانيا وإسرائيل تستنزف احتياطات الأسلحة والذخائر بمتواليات هندسية بعدما أُنتجت وجُمعت وخُزنت بحسابات جبرية، فالحرب الأوكرانية تستنزف الترسانة الأميركية من الصواريخ المضادة للدبابات وصواريخ الدفاع الجوي والمدرعات العسكرية، والبيت الأبيض في البداية "لم يخطط" لتطور الأحداث في أوكرانيا وفق السيناريو الحالي، لكنه انطلق من حقيقة أن معظم البلاد ستقع بسرعة تحت السيطرة الروسية، وسيتعين على الولايات المتحدة دعم مقاومة المسلحين الأوكرانيين في صراع مشتعل منخفض الحدة.
وبدلاً من ذلك تستمر الأعمال العدائية المنتظمة مما يؤدي بسرعة إلى تدمير كل ما يتمكن الغرب من توفيره من أسلحة وذخائر، وقد كتبت وكالة "بلومبيرغ" أنه "وفقاً لموظفي الـ 'بنتاغون' فإن كييف تستهلك إمدادات أسبوع من القذائف المضادة للدبابات في يوم واحد، كما أنها تفتقر إلى الطيران الجاهز للقتال، حيث أصبحت الضربات الجوية الروسية والخسائر القتالية محسوسة في منطقة دونباس وغيرها من الأماكن، لأن ذخيرة القوات المسلحة الأوكرانية تنفد بسرعة مذهلة".
وفي ظل هذه الظروف ترفض ألمانيا نقل مزيد من الدبابات إلى أوكرانيا على أساس أنها ببساطة لا تملك أية دبابات احتياطية، فيما تنفذ احتياطات كندا بسرعة من قاذفات القنابل الصاروخية وغيرها من الأنظمة التي يحتاجها الأوكرانيون بشدة، ولقد خصصت الولايات المتحدة بالفعل ثلث مخزونها الكامل من أنظمة "جافيلين" المضادة للدبابات، ولا يمكنهم تقديم مزيد منها بسهولة من دون كشف ترساناتهم بصورة مفرطة، ولكن لزيادة الإنتاج بصورة كبيرة فسيستغرق الأمر أشهراً إن لم يكن أعواماً.
وبصورة عامة، ووفقاً لخدمة الأخبار الأميركية، فإن الوضع الحالي محفوف بـ "النقص القاتل" في الأسلحة والذخيرة للقوات المسلحة الأوكرانية، وفي الوقت نفسه فإنه "يحدد أيضاً نقاط الضعف الأميركية التي يمكن أن تعود لتطاردنا في المعركة القادمة بين القوى العظمى"، أي "في صراع الولايات المتحدة ضد روسيا أو الصين"، وتعتبر هذه التجربة بمثابة "مقدمة واقعية" للغرب.
مكابرة أميركية
صحيح أن الجميع لا يتفقون مع مثل هذه التقييمات المثيرة للقلق بالنسبة إلى واشنطن وأصدقائها وشركائها، وبخاصة في أروقة السلطة، ولم يكد هذا القلق التسليحي يظهر حتى سارع المتحدث باسم الـ "بنتاغون" جون كيربي إلى دحضه، وأكد خلال مؤتمر صحافي دوري في وزارته "نحن نتابع هذا عن كثب"، مضيفاً "لهذا السبب عقدنا مائدة مستديرة مع رؤساء الشركات الرائدة في المجمع الصناعي العسكري الأميركي، ويمكنني أن أؤكد لكم أننا لم نصل إلى النقطة التي تؤثر فيها حال مخزوننا من هذه الأنظمة بالفعل أو ستؤثر قريباً في جاهزيتنا القتالية"، فيما رفض السكرتير الصحافي التكهن بإمكان زيادة طارئة في إنتاج الأسلحة على أساس القانون ذي الصلة.
وقال كيربي إنه في ظل الإدارة الحالية لجو بايدن فقط، قامت الولايات المتحدة بنقل أسلحة وذخائر بقيمة تزيد على مليارات الدولارات إلى كييف، وقُلص الموعد النهائي لتنفيذ التعليمات ذات الصلة من البيت الأبيض إلى ما بين أربعة وستة أيام.
ومن الواضح أن السكرتير الصحافي لـ الـ "بنتاغون" تحدث عن كل هذا بكل فخر وسرور، لكن وكالة "بلومبيرغ" نفسها أنهت تعليقها على الترسانة بالتذكير بأن الولايات المتحدة "تتجنب التدخل المباشر" في الصراع في أوكرانيا، وكتبت "لا أحد ينسى أن واشنطن في هذه الحال تفضل زرع الموت والدمار بالأيدي الخطأ".
حرب طويلة الأمد
ومن بين التعليقات الغربية حول إمداد كييف بالأسلحة يمكن قراءة أحدث منشور لـ "بوابة تكساس" المتخصصة بعنوان "الحرب على الصخور: دعم أوكرانيا لحرب طويلة" لجاك ويتلينغ، وهو ضابط استخبارات بريطاني، إذ يفهم من هذا المنشور أن الضخ الحالي لأوكرانيا بالأسلحة والمعدات الغربية له تاريخ طويل، وقد نوقشت طلبات توريد أنظمة الدفاع الجوي والأنظمة المضادة للطائرات من دون طيار، وكذلك الأنظمة المضادة للدبابات ورادارات توجيه المدفعية وأنظمة مكافحة القناصة مع نظام كييف الحالي "في الأقل منذ عام 2019، أي منذ وصول زيلينسكي إلى السلطة".
وفي ظروف العملية الخاصة الروسية، كما كتب ويتلينغ في إشارة إلى جنرالات أوكرانيين كبار، اعتمدت القوات المسلحة الأوكرانية في البداية على "الدفاع المتنقل والضرب من خارج خط البصر ثم حرب الاستنزاف"، لكن في البداية كان لديهم ما يكفي من القوات والوسائل، بما في ذلك الأنظمة المضادة للدبابات في المقام الأول، لتغطية اتجاه واحد فقط في كييف، وهم الآن يدركون التهديد المتمثل في تطويق المجموعة الرئيسة لقواتهم في دونباس ويستعدون لمقاومة الهجمات اليائسة إلى الشمال من ماريوبول وإلى الجنوب من خاركوف، ويعتقدون أنهم سوف يصمدون.
من جانبهم يميل القيمون الغربيون، بناء على تعليق البريطاني إلى الثقة بهم أكثر، وبالمناسبة فإن المؤلف ينطلق من حقيقة مفادها أن كييف الآن "ليس لديها حوافز"، بما في ذلك الحوافز التقويمية، للتفاوض على التنازلات، لكن موسكو في رأيه تحتاج "قبل نهاية هذا العام" إلى اتخاذ قرار في شأن خططها، بحيث تقرر إما متابعة هجومها في دونباس أو التحول وحشد القوات لاسترجاع المناطق التي سيطرت عليها كييف من منطقة كورسك الروسية، ومع ذلك يعتقد ويتلينغ أن الصراع سيستمر على أي حال، وفي ما يتعلق بمزيد من الإمدادات فيرى ويتلينغ أن هذا يخلق مشكلات واضحة وفرصاً جديدة لكييف ورعاتها الغربيين، مع بعض الوقت لتدريب الأفراد العسكريين الأوكرانيين في كيفية التعامل مع المعدات والأسلحة الغربية.
مزيد من الهجمات الجوية
بعد ذلك يطرح المعلق أسئلة محددة حول ما يمكن أن يفعله الغرب لمواجهة العمليات الخاصة الروسية في الجو وعلى الأرض والماء، ويبدو أن الهواء يلهمه بأكبر قدر من الخوف، فهو يذكر أن أوكرانيا كانت تطلب منذ فترة طويلة نظام الدفاع الجوي الأميركي - النروجي NASAMS) ) أي النظام الصاروخي الوطني أرض - جو المتقدم الذي "أصبح الآن يغطي الدفاع عن البيت الأبيض وغيره من الأصول ذات القيمة العالية في واشنطن".
ويكتب المؤلف أن "الأهم من ذلك أن دول الـ 'ناتو' في أوروبا تعاني نقص أنظمة الدفاع الجوي، لذا فإن التبرع بالأنظمة أمر صعب لكن خط الإنتاج يظل مفتوحاً".
وبما أن كييف أيضاً في حاجة ماسة إلى الطيران، ومن غير الواقعي نقل قوتها الجوية إلى الطائرات الغربية وإعادة تدريب الطيارين والخدمات الأرضية أمر ضروري مع إنشاء البنية التحتية المناسبة وما إلى ذلك، فإن وايتلينغ يدرس "البدائل المتاحة"، وعلى طول الطريق يشرح لماذا مثلاً لم يسمح كبار شركاء الـ "ناتو" لوارسو بنقل طائرات "ميغ-29" البولندية إلى كييف، ولعل العائق الرئيس، كما يتبين، هو أنها مكيفة بالفعل مع معايير حلف شمال الأطلسي ولا يمكن نقلها إلى الأيدي الخطأ من دون تنظيفها أولاً، أي إزالة أية معدات يمكن أن تتعرض للخطر.
لكن أحدث 46 طائرة روسية من طراز "ميغ-29 إم" التي حصلت عليها مصر أخيراً لا تواجه مثل هذا العائق، علاوة على ذلك فهي مزودة بصواريخ "R-77" التي تحلم بها كييف أيضاً، كما يكتب ويتلينغ، ويرى أنه يمكن استبدال هذه المعدات من القاهرة بطائرات "إف-16" الأميركية، إضافة إلى تلك التي تمتلكها مصر بالفعل، وكذلك البنية التحتية اللازمة لها، ووفقاً للبريطانيين فإن مثل هذا التبادل سيكون مفيداً للمصريين وعليهم الموافقة عليه من حيث المبدأ.
السوق تتحدث
منذ بداية الحرب واسعة النطاق في أوكرانيا ارتفع سعر بعض أنواع الأسلحة والذخيرة في السوق العالمية مرات عدة ويستمر في الارتفاع، وكتبت صحيفة "تايمز" عن هذا حين تحدث صحافيوها مع الرئيس السابق لقسم التسويق في "أوكرسبيسأكسبورت" (أكبر مصدر للأسلحة في أوكرانيا) ورئيس وكالة المشتريات الدفاعية في أوكرانيا فلاديمير بيكوسو.
وأثر ارتفاع الأسعار في الأسلحة والذخيرة من الطراز السوفياتي التي يعتمد عليها الجيش الأوكراني بصورة كبيرة على رغم التحول التدريجي إلى الأسلحة المتوافقة مع معايير حلف شمال الأطلسي، فلقد أصبح المعروض من الأسلحة السوفياتية في العالم محدوداً الآن، ويهيمن الوسطاء والمضاربون على السوق وتتضاءل المخزونات القديمة في كل من روسيا وأوكرانيا بسرعة.
وقال بيكوسو إنه على رغم أن دول أوروبا الشرقية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي تحاول الآن استئناف الإنتاج لكن قدراتها تفتقر بشدة، وهكذا كان سعر الصاروخ الخاص بنظام إطلاق الصواريخ المتعددة "غراد" يبلغ 900 دولار في بداية الحرب، والآن يطلب التجار خلال المفاوضات 6 آلاف دولار في مقابل ذلك، وبموجب الاتفاقات القديمة لا تزال أوكرانيا تحصل عليها في مقابل 4700 دولار)، وبالنسبة إلى قذيفة 152 ميليمتر لمدافع "هاوتزرD-20" فإن السوق تطلب أكثر من 5700 دولار، على رغم أن السعر كان في بداية الحرب 1200 دولار، كما ارتفعت أسعار أنواع أخرى من الذخيرة بالمثل.
وكتبت صحيفة "تايمز" أن بيكوسو يحاول التفاوض مباشرة مع مصنعي الأسلحة في أوروبا، لكنهم غالباً ما يرفضون إطلاق خطوط إنتاج جديدة بحجة الكلف المرتفعة وعدم الربحية، ولهذا السبب يجب شراء الأسلحة من خلال وسطاء في مناطق مختلفة من العالم.
وكما لاحظ بيكوسو ففي كثير من الأحيان في مثل هذه المواقف "يكون الفساد حليفاً"، فقد حاول فريقه ذات مرة شراء شحنة من الذخيرة التي تشتد الحاجة إليها والتي كان تصديرها محظوراً، وبعد تلقي رفض رسمي تلقوا مكالمة هاتفية ونُصحوا بالاتصال بشركة وسيطة أجنبية حدث من خلالها الحصول على إذن بتوريد الشحنة إلى أوكرانيا.
ويفسر بيكوسو الزيادة الحادة في أسعار الأسلحة بالمضاربات، فضلاً عن حقيقة أن أوكرانيا وروسيا تبحثان عن القذائف نفسها في جميع أنحاء العالم، وفي الوقت نفسه يعترف بأن الاتحاد الروسي لديه أموال أكثر وشبكة أكثر اتساعاً من عملاء النفوذ، ويشير أيضاً إلى أن كثيراً من الموردين وأصحاب المستودعات يحتفظون بالمخزون لأنهم يعرفون أن السعر سيتضاعف خلال بضعة أشهر فقط.
في المقابل تتمتع أوكرانيا بميزة المساعدة الاستخباراتية الغربية، إذ يقيم الشركاء الغربيون اتصالات غير رسمية في البلدان التي تمتنع رسمياً من توريد الأسلحة، وتبقى مثل هذه الاتصالات سرية حتى لا تكتشف روسيا ذلك، وفقاً لصحيفة "تايمز"، وعلى رغم أن عشرات الدول تعلن حيادها في الحرب فإن خمس أو ست دول رئيسة فقط، وأبرزها الإمارات العربية المتحدة، لا تشارك فعلياً بأي شكل من الأشكال في إمدادات الأسلحة، وكل الباقي يفعل ذلك في الحرب من خلال "المنطقة الرمادية".
وفي بعض الحالات تلعب المساعدة المقدمة من الغرب في البحث عن الأسلحة ضد أوكرانيا، وتحدث بيكوسو عن حالات طالب فيها التجار بسعر أعلى خلال المفاوضات معه، موضحاً أنهم إذا رفضوا الدفع فسيبيعون الأسلحة إلى بريطانيا التي كانت مستعدة لتقديم مزيد من المال، ونتيجة لذلك فقد انتهى الأمر بهذه الأسلحة في أوكرانيا عبر المملكة المتحدة، لكن الأمر استغرق مزيداً من الوقت.
والآن يساعد الغرب أوكرانيا في الانتقال إلى التسلح في حلف شمال الأطلسي، لكنه هو نفسه على استعداد لتزويد كمية محدودة فقط من الأسلحة، وهذا لا يكفي للجيش الأوكراني، إذ إن الأسلحة التي يمكن أن تنقلها الدول الغربية إلى كييف هي ما تحتاجه هي نفسها، ولكي تتمكن أوكرانيا من مجاراة مستوى الإمدادات التي تمتلكها روسيا فإنها تحتاج، وفقاً لتقديرات خبير عسكري بريطاني أجرت صحيفة "تايمز" مقابلة معه، إلى 300 مليار دولار، وعلاوة على ذلك فحتى وجود هذه الأموال لن يضمن النتائج بسبب النقص المادي في الأسلحة.