Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تحدي "يقول الراوي"... السيرة الهلالية بأصوات النساء

ظلت روايتها حكراً على الرجال إلى وقت قريب ودخول النساء مرحب به ويجذب جمهوراً جديداً

في تجربة غير مسبوقة اقتحمت النساء مجال رواية السيرة الهلالية للمرة الأولى (مواقع التواصل)

ملخص

حققت رواية النساء للسيرة الهلالية نجاحاً كبيراً، وانتقلت بها من الصعيد إلى القاهرة وبقية المحافظات، وجعلت حضورها أكبر على الساحة الثقافية بوجودها في فعاليات تحضرها جماهير متنوعة، بخلاف جمهور الصعيد العاشق بطبعه للسيرة.

عندما يأتي ذكر السيرة الهلالية في مصر تتبادر إلى الأذهان صورة راوٍ بجلبابه الصعيدي يلتف حوله المستمعون، هكذا كانت الحال لأعوام طويلة اقتصرت فيها رواية السيرة على الرجال فقط من دون النساء لاعتبارات كثيرة ربما لأن هذا ما جرت عليه العادة، وربما لأن الأمر كان يجري في مجالس الرجال، فهذا الفن التراثي كان على مر الزمن رجالياً بامتياز.

خلال السنوات الأخيرة اقتحمت النساء مجال رواية السيرة الهلالية بعد أن كان هذا الأمر سابقاً يُعدّ ضرباً من الخيال، إلا أن التجربة الفعلية حققت نجاحاً كبيراً جعل كبار رواة السيرة الهلالية أنفسهم يشيدون بالأمر ويشجعونه باعتباره حقق كل عناصر الجودة والتزمت الراوية فيه تقاليد وأصول رواية السيرة الهلالية، وفي الوقت ذاته سيعدّ هذا سبيلاً من سبل الحفاظ عليها بتداولها وخلق جمهور جديد ربما من النساء أو من صغار السن الذين ستجذبهم التجربة وتدفعهم للتعرف إلى تاريخ السيرة، فضلاً عن مريديها الذين يتابعون رواياتها بشغف واهتمام.

 

 

وكانت مصر نجحت عام 2008 في إدراج السيرة الهلالية على قوائم "يونيسكو" للتراث العالمي غير المادي باعتبارها تراثاً إنسانياً يمثل أهمية كبرى في مصر، وواحداً من الفنون القولية المتداولة على الألسن التي تعكس جزءاً من التراث الثقافي المصري.

ويُعدّ أشهر من جمع السيرة الهلالية واعتبرها مشروعاً للعمر هو الشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودي الذي جاب البلدان على مدى 30 عاماً ليجمع السيرة من أفواه كل من يرويها في العالم العربي حتى نجح في تدوينها، إضافة إلى تشييده لمتحف السيرة الهلالية في بلده أبنود بصعيد مصر الذي يعدّ من أهم المراكز المعنية بالحفاظ على هذا التراث.

وتأثر المصريون كثيراً بالسيرة الهلالية باعتبارها جزءاً من التراث الشعبي، بخاصة مع وجود نماذج لبطولات ومعارك وصولات وجولات خلال أحداثها، وحتى يومنا هذا يقال في حال قام شخص بعمل بطولي "كأنه أبو زيد الهلالي".

راويات السيرة الهلالية

حققت رواية النساء للسيرة الهلالية نجاحاً كبيراً، وانتقلت بها من الصعيد إلى القاهرة وبقية المحافظات، وجعلت حضورها أكبر على الساحة الثقافية بوجودها في فعاليات تحضرها جماهير متنوعة بخلاف جمهور الصعيد العاشق بطبعه للسيرة.

تقول نهال هلالي أول راوية للسيرة الهلالية "كنت أهتم بتراث الصعيد عموماً ومن بينه السير الشعبية من خلال إنشائي لمؤسسة تحت اسم ’نافذة على الجنوب‘ تعنى بتراث الصعيد المتنوع، وجزء منه السيرة الهلالية، فبالأساس أنا من محافظة قنا، وكان والدي أثناء طفولتي يحرص على تشغيل السيرة الهلالية على شرائط كاسيت، فكنت أسمعها على رغم عدم استيعابي الكامل لها، لكني نشأت على اعتبارها جزءاً مهماً من تراثنا، ومع الوقت زاد اهتمامي بسيرة بني هلال، وبحثت وتعمقت في الأمر، وقررت أن أكون راوية للسيرة الهلالية على رغم ما لقيته من اعتراض في البداية باعتباره أمراً غير مسبوق، لكن مع تقديمنا لأولى الحفلات لاقت نجاحاً كبيراً وتفاعلاً من الجمهور".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتضيف أن "قبيلة بني هلال أنفسهم في صعيد مصر لم يكونوا مقتنعين أبداً بأن تروي السيرة الهلالية سيدة باعتبار أنه كان هناك تصور أن رواية النساء ستضعف القصة وتجعلها أشبه بقصص الأطفال وليست ملحمة بها أحداث ومعارك وقتل وانتصارات، وبعد أول حفلة في الصعيد تواصل معي أشخاص من بني هلال وقدموا لنا الدعوة للزيارة وتحمسوا لروايتنا وأخبرونا أنهم كانوا يتمنون دخول العنصر النسائي لأن هذا سيتيح رواياتها في المجالس النسائية، وأثنوا على طريقة وأسلوب الإلقاء واختيارنا للأزياء".

هل ستؤنث النساء الرواية؟

على رغم أن السيرة الهلالية فن رواه الرجال على امتداد العصور، إلا أن للنساء دوراً كبيراً في أحداثها ولهن مواقف متعددة، ربما يثير هذا تساؤلاً حول احتمال تركيز الراويات النساء على بني جنسهن عند سرد الأحداث بإلقاء الضوء بصورة أكبر على البطلات النساء.

تقول الهلالي "لا أنحاز لشخص في الرواية وأحرص على أن أكون في المنتصف، والنساء بالفعل لهن أدوار بارزة في أحداث السيرة الهلالية وأبرزهن خضرا الشريفة والجازية وعزيزة، وفي الأحداث تظهر نساء كثيرات مثل وطفة بنت دياب بن غانم وسعدة بنت الزناتي خليفة وشيحة أخت أبو زيد الهلالي وريا بنت أبو زيد الهلالي، فهناك مجموعة كبيرة من النساء لهن أدوار مؤثرة في السيرة الهلالية وعلى رأسهم الجازية الهلالية، التي أعطاها والدها ثلث المشورة في مجلس الرجال حيث كانت تستشار في أمور الحرب وغيرها، فالنساء بالفعل حاضرات بقوة في السيرة الهلالية حتى وهي تروى على ألسنة الرجال".

وتضيف أن "هناك اختلافاً في رواية السيرة الهلالية من بلد إلى آخر، ففي مصر تروى وبطلها الأساسي أبو زيد الهلالي، فالرواة المصريون دائماً ينتصرون له، بينما في المغرب العربي البطل دائماً هو الزناتي خليفة، وفي الجنوب دياب بن غانم، فتعدد الدول والأحداث في السيرة الهلالية تجعل كل منطقة تنتصر لبطلها وتجعله هو الفارس الذي لا يقهر".

أصل الحكاية

تبدأ أحداث السيرة الهلالية بأن خضرا الشريفة طردت من مضارب بني هلال بعد اتهامها بشرفها وكان ابنها أبو زيد الهلالي رضيعاً، فذهبت به إلى أرض العلامات التي يحكمها الملك فاضل الزحلاني وبقيت حتى أتم أبو زيد الهلالي نحو 16 سنة ليعود ليحارب أهله ثأراً لأمه وتدور الأحداث وتشتعل المعارك على مدى تغريبة بني هلال من نجد إلى بلاد المغرب مروراً بالعراق وبلاد الشام ومصر.

وقدر المتخصصون أبيات السيرة الهلالية بنحو مليون بيت شعري تتم روايتها وتداولها بتنويعات مختلفة في كثير من الدول العربية، وكانت السيرة الهلالية دائماً ملهمة للفنانين في كل المجالات وتم تقديم أعمال مستوحاة منها في كل أنواع الفنون ومن بينها الفنون التشكيلية والدراما والغناء.

وراوي السيرة الهلالية يجب أن تكون لديه مواصفات معينة حتى يستطيع أن يجذب انتباه الجمهور، فهو ينقل للمشاهدين صورة لا يرونها ويجعل المستمع يرسمها في خياله من خلال الكلمات سواء كان بالحكي أو الغناء.

 

 

وتقول الفنانة شيماء النوبي "بدايتي بالأساس كانت مع الإنشاد والابتهال ولقبت بأول منشدة دينية في مصر وكان لدي أيضاً اهتمام بالتراث عموماً مثل الفولكلور المصري والمواويل وبدأت بغناء بعض القصص من الفولكلور الصعيدي مثل حسن ونعيمة ونعسة وأيوب، ودفعني هذا إلى البحث والدراسة حتى حصلت على الماجستير في هذا المجال، إلى جانب إدارتي لورشة جمع وحفظ التراث الفني، وأصبح لاحقاً لدي اهتمام بالسيرة الهلالية فسعيت إلى البحث والتعمق فيها ومن ثم غنائها، كان حينها الشيخ سيد الضوي هو أشهر رواة السيرة الهلالية في مصر وعندما علم برغبتي في إلقائها اعتبر هذا ضرباً من الخيال فليست هناك أية سابقة لفتاة تروي السيرة الهلالية".

وتستكمل أن "الحظ حالفني وظهرت معه على المسرح بعدما وافق على مضض وبعد انتهاء الحفل شجعني وغيّر فكرته عن عدم تقبله للأمر. كان هذا تحدياً كبيراً لي فإما سأحقق نجاحاً ساحقاً وإما سينتهي الأمر تماماً". وتوضح أن "تقديم السيرة الهلالية كفنٍّ تراثي يحتاج إلى التمسك بالإطار العام لنوعها مثل طبيعة الآلات الموسيقية المصاحبة، فنحن نعتمد على الربابة والطبلة والدف والكولة فقط ولا ندخل أي آلات حديثة لا تتوافق مع الطابع التراثي للصعيد، في الوقت نفسه لا بد من اعتماد أزياء متوافقة مع ذلك التراث، ففي حفلات وليالي السيرة الهلالية أرتدي الملس الصعيدي المتعارف عليه".

تراث شفوي تتناقله الأجيال

السيرة الهلالية بالأساس هي مرويات شفوية تناقلتها الأجيال وهو فن يعتمد على قيام الراوي بالأداء أمام جمهور يتواصل معه بصورة مباشرة وينفعل بأجزاء معينة ويفرح ويحزن مع تصاعد الأحداث، وتُعدّ ليالي السيرة الهلالية في الصعيد حدثاً متعارفاً عليه وجزءاً من الثقافة الشعبية المتداولة.

وعن أكثر الأجزاء التي يتفاعل معها الجمهور تقول النوبي "هناك أجزاء يتفاعل معها الجمهور بدرجة كبيرة مثل الأجزاء الخاصة بالخفاجي عامر، ومربعات بن عروس، وعزيزة ويونس، أما جمهور الصعيد فهو أكثر استيعاباً لتفاصيل القصة، إذ إن السيرة الهلالية لها مريدون في الصعيد ولها جمهور كبير جداً على مر الأعوام، وهي جزء من التراث المصري لا بد من أن نعمل على بقائه حياً بإقامة فعاليات لرواية السيرة الهلالية وبتركيز الإعلام عليه وتعريف الأجيال الجديدة به لضمان استمرار وجود جيل جديد ينقل إليه هذا التراث ويتولى مسؤولية الحفاظ عليه".

وتضيف أنه "على رغم وجود روايات متعددة للسيرة الهلالية تميز كل منطقة، إلا أنه يجب على الراوي أن يراعي المزاج العام للجمهور، فأهل الصعيد في جنوب مصر لديهم تحيز شديد لأبو زيد الهلالي ويحبون سرد بطولاته وانتصاراته ولا يتقبلون أبداً أن يقول الراوي إنه كان في حال ضعف أو هزيمة، فهو دائماً البطل المغوار والفارس الهمام المنتصر، كذلك يجب أن يتحلى الراوي بالأمانة في الرواية ففي بعض الأحيان يقول ’قالوا في تونس أو قالوا في مصر‘ عند سرده لأحداث معينة".

وتشرح أن "تقديم السيرة الهلالية يختلف عن أي نوع آخر من الغناء فهو في النهاية يحكي قصة ولا بد من أن يكون الراوي لديه عنصر الصوت الجيد، إضافة إلى القدرة على التمثيل والتلون مع الأحداث باعتبار أن ضمنها سرداً وحوارات إلى جانب المعارك والحروب، فالراوي يجعل الجمهور يترقب ماذا سيحدث لاحقاً ويجذب هذا الناس بدرجة كبيرة ويدفعهم إلى انتظار بقية الحكاية".

أما الراوية نهال الهلالي فتقول، "من المشاريع التي أتمنى تنفيذها التواصل مع رواة من الدول العربية لنحكي معاً رواياتنا المختلفة للسيرة الهلالية بحسب السائد في كل بلد، لكن ستكون هناك أحداث متفقاً عليها بين البلاد لم يجرِ تغييرها على لسان الرواة المعاصرين، وسيثري هذا تراث السيرة الهلالية بصورة كبيرة".

المزيد من ثقافة